اللغة القبطية
خلق الله الإنسان تاجا للخليقة. كائن حي ناطق عاقل مميزا عن كل الكائنات الأخرى. ولما أخطأ أبوانا آدم وحواء طردهما الله من جنة عدن. ولما تعاظم شر الإنسان جاء الله بالطوفان فأهلك البشرية فيما عدا نوح وزوجته وأولاده وزوجات بنيه (تك 6, 7, 8). وإلى مـا بعد الطوفان أيضا كانت الأرض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة ثـم شرع الإنسان فى بناء برج بابل فعاقبهم الله بأن بلبل ألسنتهم (تك 11 : 1-9). ومن هنا نشأت اللغات وتعددت وصار لكل لغة مفرداتها ومخارجها الصوتية الخاصة. بل صار لكل لغة لهجات قد تتباين وتختلف لتصبح كأنها لغات مختلفة ولأجدادنا قدماء المصريين السبق العلمى في تدوین لغتهم بمحاولات أولية بالنقش التصويرى والمقاطع منذ نحو سبعة آلاف سنة وتمتاز اللغة المصرية القديمة بأنها أول لغة لها أبجدية في شكلها الهیروغلیفی نحو القرن الثلاثون قبل الميلاد. وعنها أخذ معظم شعوب العالم حيث صارت لهم أبجديات تتشابه كثيرا مع الأبجدية الهيروغليفية شكلا ونطقا بل وبالنسبة للقواعد النحوية أيضا والتركيبات اللغوية.
وتطورت الهيروغليفية تبسيطا إلى الهيراطيقية نسبة إلى الكهنة (العلماء) ثم إلى الديموطيقية أي الخاصة بعامة الشعب نحو القرن السابع قبل الميلاد للاستخدام في الحياة اليومية . ثم إلى اللغة القبطية الحديثة . وترجم الكتاب المقدس إلى اللغة القبطية في القـرن الثاني المیلادی حيث قام العلامة بنتينوس مدير مدرسة الاسكندرية نحو عام 181 مع بعض تلاميذه بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة القبطية كما كتبت الصلوات الكنسية والتسبحة باللغة القبطية وترك لنا الآباء كثيرا من أقوالهم النافعة باللغة القبطية بلهجاتها المختلفة وتوجد آلاف المخطوطات والبرديات في الأديرة والكنائس والمتاحف في مصر وجميع أنحاء العالم تحتاج إلى الدراسة والتحقيق.
نستدل من سير القديسين مثل انطونيوس وباخوميوس انتشار الترجمة القبطية للكتاب المقدس فالقديس أنطونيوس الذى لم يكن يعرف اليونانية عندما سمع في انجيل القداس الآية : “إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع مالك واعطه للمساكين فتقتني لك كنز في السماء وتعال اتبعنی”. وكذلك فان قوانين القديس باخوميوس التي كتبها نحو عام 321 م والتي يوصى فيها تلاميذه الرهبان بقراءة الكتاب المقدس باللغة القبطية.
ولما وجـدت الكنیسة أن اللغة القبطية قل استخدامها بين عامة الشعب قننت اللهجة البحيرية كلغة رسمية للكنيسة. ابتداء من عهد البابا خريستوذولس الـ 66 في القرن الحادی عشر الميلادی. واستمرت الكنيسة محافظة على هذه اللهجة حتى الآن. وفي هذا العصر نشطت حركة التأليف لكتب القواعد (المقدمات) والقواميس (السلالم).
ويقول المؤرخ المقريزى في القرن الخـامس عشر المیلادى أن أقباط مصر لا يتكلمون سوى القبطية ولهم دراية عظیمة باللغة اليونانية.
وفی عهد البابا كيرلس الرابع أبو الاصلاح فی القرن التاسع عشر الميلادی اهتمت الكنيسة بإحياء نهضة تعليمية واسعة. فأنشأ البابا كيرلس الرابع مدارس الأقباط وفتح المجال لتعليم الفتيات وأحضر أول مطبعة حديثة لطبع الكتب الكنسية ومناهج المدارس. وكان البابا كيرلس الرابع يشرف بنفسه على تعليم اللغة القبطية . ثم أسند مهمة الاشراف للقمص تكلا ثم للأرخن المبارك المعلم عريان أفندى مفتاح الذي يعتبر بحق أول عالم نهض باللغة القبطية وردها إلى أصول نطقها السليم . وهو قريب الدكتور راغب مفتاح الذى قام بتسجيل الألحان الكنسية (بصوت المعلم ميخائيل جرجس البتانونی) بأول جهاز تسجيل يدخل أرض مصر بعد الجهاز الخاص بالإذاعة ونشكر الله أن هذه التسجيلات محفوظة بقسم الموسيقي والألحان بمعهد الدراسات القبطية بالقاهرة كأول توثيق صوتی للفظ اللغة القبطية بصفة عامة وللفظ الكنسي للغة القبطية بصفة خاصة.
ثم تبني قداسة البابا شنوده الثالث وباشراف أ.د. میشيل بديع عبد الملك الذي خلف أ. د. راغب مفتاح في رئاسة قسم الموسيقى والألحان بتحويل هذه التسجيلات القديمة على أجهزة حديثة Digital بمعاونة فريق من المتخصصين في إحدی جامعات ألمانيا . كما أن قداسته قام بتعليم اللغة القبطية بنفسه للشعب لمدة عام كامل (سنة 1975 م) وكانت تنشر بمجلة الكرازة أسبوعيا.
الأنبا ديمتريوس
مطران ملوي وأنصنا والأشمونين
ورئيس قسم اللغة القبطية بمعهد الدراسات القبطية