تعتبر الأديرة والرهبنة والحياة النسكية جواهر غالية فى كنيستنا المصرية، لأنه على أرض مصر تأسست الخطوات الأولى فى هذا الطريق الملائكى… فالأنبا بولا أول السواح والأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان.
والقديس مكاريوس الكبير ناسك الأسقيط الأول والقديس الأنبا باخوميوس مؤسس الحياة الرهبانية فى برارى مصر وقد ظهروا على مسرح التاريخ من القرن الثالث إمتداداً إلى القرون التالية له.
وكل هؤلاء كانوا مصريين نبتوا على أرض بلادنا الطيبة وشربوا من مياه نيلها العظيم وكرسوا حياتهم حباً فى مسيحهم القدوس. وإمتدت نسكيات الرهبنة وقوانين الأديرة إلى كل بقاع مصر ثم إلى العالم كله.
وذاعت شهرتها حتى أن وادى النطرون والذى نسميه بالقبطية “شى هيت = ميزان القلوب” هو الذى دُعى فى الكتب الرهبانية بإسم “الإسقيط” أى موضع النسك، وصار الإسقيط أشهر منطقة رهبانية فى العالم كله.
وفلسفة الرهبنة هى “الموت عن العالم” أى الإنحلال من الكل للإرتباط بالواحد. ولذلك نسميها “رهبنة الكفن” إذ بعد رغبة الإنسان المتقدم بإختياره ومحض إرادته إلى الدير وبعد إختباره وإرشاده لسنوات يُقبل فى شركة الدير الذى يصلى عليه صلاة جنائزية بعد أن يُغطى بستر يعتبر بمثابة “كفن”.
ويعيش بعد ذلك بالنذور الرهبانية التى تشمل الإنعزال عن العالم، والفقر الإختبارى، وحياة الطاعة والتبتل الطوعى، لكى ما تكون الحياة نقية حيث بهذه النقاوة فقط نعاين الرب (مت5: 8).
ونحن نشتاق من قلوبنا أن تظل هذه اللوحة الرهبانية من أديرة ورهبان وراهبات لامعة ومضيئة لأن الحياة الرهبانية والتقوية من صلوات وتسابيح ومحبة ونقاوة هى الزاد الحقيقى لخدمة الكنيسة وعملها فى كل مكان.
نريد أن تظل الأديرة “واحات صلاة وعبادة” دون إنشغال بالعالم إلا بما تتطلبه الضرورة، فى القرن الرابع عندما زار القديس يوحنا ذهبى الفم برية مصر وعاد إلى بلاده سألوه عما رآه فقال “السماء بكل نجومها ليست فى جمال برية مصر بكل نُساكها”.
من أجل ذلك عقدنا أول مؤتمر بحثى فى بداية مسئوليتنا الجديدة ليكون عن “الأديرة والرهبنة الواقع والآمال” وحضرة ممثلو حوالى ثلاثين ديراً من داخل مصر وخارجها من آباء مطارنة وأساقفة وقمامصة وقسوس ورهبان.
وكان مؤتمراً ناجحاً وتمت فيه مناقشات مثمرة جداً وسوف تتحول إلى إطار عمل ملزم بروح المحبة لتنقية اللوحة الرهبانية الجميلة من كل شائبة تسللت فى غفلة من الزمان.
كما قمت بإرسال رسالة رهبانية إلى كل الرهبان والراهبات وسجلتها بخطى الشخصى لكى تكون معبرة عن مشاعرى الحقيقية تجاه كل راهب أو راهبة فى كنيستنا الأرثوذكسية.
وإذا أراد الرب وعشنا سوف يكون ذلك تقليداً سنوياً فى التذكار السنوى لنياحة مؤسس الحياة الرهبانية القديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان (22 طوبه/ 30 يناير) وذلك إسوة بالرسائل البابوية لكنائسنا فى المهجر فى أعياد الميلاد والقيامة كل عام.
وكذلك بنعمة المسيح سوف أرسل رسالة رابعة إلى كل الأخوات المكرسات لكى ما تكون خدمتهن ناجحة وفيها الإلتزام التكريسى المقصود. ليبارك المسيح إلهنا عمله وكنيسته ويحفظ كل أبنائه ورعيته فى إسمه القدوس على الدوام.