الصوم المقدس رحلة روحية كنسية شخصية يمارسها الإنسان المسيحى كل عام بإجتهاد وإصرار وإستمرار طلباً للتوبة وإصلاح حياته وتجديد فكره الروحى والقلبى. وفى رحلة الصوم نتوقف عند ثلاثة محطات حملت تسميات شعبية معبرة، ولكن فيها رسالة قوية لكل منا :
المحطة الأولى : “توجيه” أحد الرفاع :
وفيها إنجيل القداس، حيث نقرأ هذه الكلمات “أدخل إلى مخدعك وأغلق بابك…” (مت6: 6)، والمقصود أنه مع بداية الصوم أدخل إلى “قلبك” وأغلق “فمك”، أدخل قلبك لأنك طوال العام خارج قلبك مشغول ومشتت فى أفكار وإتجاهات…
وآن الآوان أن تدخل قلبك تفتش فيه، وتنظفه وتجعله لائقاً بجلوس مسيحك فيه، لأن هذا القلب هو الذى يطلبه منك الله، حينما قال “يا ابنى أعطنى قلبك ولتلاحظ عيناك طرقى” (أم23: 26). أما بابك فهو فمك الذى يُستخدم أساساً فى الطعام والكلام… وفترة الصوم تحتاج محدودية فى الطعام والكلام… فيأكل الإنسان بعد فترة الإنقطاع طعاماً نباتياً يمنحه طاقة هادئة، كما أن الإنقطاع يسرى على الكلام فيقلل كلامه بحكمة فى كل موقف وكل يوم.
المحطة الثانية : “تحذير” أحد النصف (حد النص) :
وهو أحد السامرية، حيث مقابلة السيد المسيح مع المرأة السامرية (تمثل أى إنسان لأنه لم يذكر أسمها)، كما أن المقابلة تمت عند الظهر، أى الساعة الثانية عشرة ظهراً وقت الصليب.
وفى هذه المقابلة قال لنا المسيح يسوع “وكل من يشرب من هذا الماء يعطش…” (يو4: 13)، وماء العالم الذى لا يروى إطلاقاً، هو ماء الشهوات الجسدية على تنوعها، وماء الإمتلاك والقنية، وماء الذات والسلطة ويصير “الواحد” لهذه عبداً لا إنساناً، وفى هذا تحذير، وقد مضى من الصوم نصفه لئلا تفوتك الفرصة الذهبية، وتفقد حرارتك الروحية.
المحطة الثالثة : “عتاب” :
فى جمعة ختام الصوم حيث يخاطب مدينة أورشليم التى تمثل النفس البشرية فيقول لها “كم من مرة أردت… ولم تريدوا…” (لو13: 35)، وهذه رسالة عتاب لكل نفس يعرفها المسيح بإسمها، والنفس تستجيب بإرادتها أو لا تستجيب.
وأورشليم فى هذا النص الإنجيلى، تمثل النفس المعتادة على الرفض…. والعناد…. وتفويت الفرص الروحية وبالتالى تكون خسارة الإنسان عظيمة، ولعل الله يعطيه العمر والفرصة مرة ثانية حتى لا يفقد نصيبه الأبدى.