أبنائى وبناتى الأتقياء رهبان وراهبات أديرتنا القبطية الأرثوذكسية على أرض بلادنا مصر وفى سائر قارات العالم سلام الله الكامل الذى يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم فى المسيح يسوع، مشمولين بملء صحة الجسد وكامل سلام الروح.
أكتب إليكم رسالتى الرهبانية السنوية للمرة الثانية فى مناسبة تذكار نياحة القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب جميعنا رهبان وراهبات (30يناير/22 طوبه) وهو الذى إختار تلاميذه وكرسهم رهباناً فى هذه الحياة المقدسة، وقبله كان الأنبا بولا الذى بدأ نسكه وحيداً فى البرية.
وبعده نظم الأنبا باخوميوس الرهبنة فى الأديرة بحياة الشركة، وذلك بجوار الآباء العظام مؤسسى الحياة الرهبانية، القديس مكاريوس الكبير والقديس الأنبا أمونيوس والقديس بسنتاؤس وغيرهم مما لا يتسع المجال لحصرهم تماماً…
الرهبنة :
هى إبنة المسيحية الوفية، وهى مجد الكنيسة، وفخر كنيسة المسيح وهى حضارة الكنيسة ورمز رسالتها المقدسة وهى طريقة الحياة الملائكية، حياة مكرمة ومجيدة فى طهارة النفس والجسد وصلاة الروح بلا إنقطاع.
والأديرة :
هى العائلات الروحية المفرزة للصلاة والعبادة وخدمة البشر، وهذا هو واجبنا الأول والأساسى قبل آى شئ آخر. فهكذا تعلمنا وإستلمنا من خلال أبائنا الروحيين سواء الذين عرفناهم وجهاً لوجه وعن قرب وإستمعنا إليهم وتمتعنا بهم.
أو الذين عرفناهم على صفحات الكتب وفى بطون المخطوطات وتعلمنا من سيرهم وأقوالهم وإختبارات حياتهم المقدسة، ولا بأس أن نتذكر سوياً أساسيات حياتنا الرهبانية وكيف أن المحبة الإلهية العاملة فى أعماق الإنسان هى التى دفعت كل منا إلى هذا الطريق الملائكى عن حب واعى وإختيار حر، فى وقت إختاره الله لكل منا.
إن الراهب/الراهبة هو عاشق الفضيلة وشهيد فى هذا العالم على النحو التالى :
فالطاعة :
يعيشها لأنه فى ساحة معركة روحية تماماً مثل الجندى فى الحرب لأن “كل من يجاهد يضبط نفسه فى كل شئ” (1كو9: 25) “وهوذا الإستماع (الطاعة) أفضل من تقديم الذبيحة” (1صم15: 22).
والعفة :
يعشقها حتى وإن كانت صعبة فهى ليست مستحيلة وبالنعمة تصير لذيذة ويسيرة، وهى ميزان للقلوب الحية (كما فى برية شهيت ميزان القلوب) التى تهتف دواماً وتقول “أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى” (فى4: 13).
والفقر :
يمارسه بالقناعة الداخلية المطلقة لأنه واضح “إننا لم ندخل العالم بشئ، وواضح إننا لا نقدر أن نخرج منه بشئ فإن كان لنا قوت وكسوة فلتكتف بهما، وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون فى تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس فى العطب والهلاك لأن محبة المال أصل لكل الشرور…” (1تى6: 7-10).
ونقولها مع بطرس الرسول بالحقيقة وبالفعل “ها نحن قد تركنا كل شئ وتبعناك” (مر10: 28). وعلى هذا قال القديس مارأسحق السريانى “الراهب هو من يبقى خارج العالم ويتوسل بشدة إلى الله لكى يحصل على البركات الآتيه”.
والإنسان منا مهما كانت رتبته لا يمكنه أن يحظى بالوردة ما لم تخدش أنامله الأشواك “وبضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت السموات” (أع14: 22).
ياأبنائى الأحباء وبناتى الفضليات والذين أحبهم بالحق أنتم سرورى وأكليلى وحراس للكنيسة بصلواتكم وتسبيحاتكم والسند القوى لضعفى مع كل آباء وخدام الكنيسة. إنكم تسعون كل يوم لإكتساب اللؤلؤة كثيرة الثمن (مت13: 46) وأعنى ملكوت السموات.
أنت تجاهد روحياً باليقظة الروحية لئلا يسرق أحد إكليلك، وتبتعد عن كل تعزية نفسانية أو راحة أرضية أو لذة حسية لأنك تسعى إلى الغنى الروحى والنقاوة القلبية والفرح الجوانى وذلك بممارسة وصايا المسيح من التوبة والبساطة والتواضع والطاعة والحياة بالأصول الرهبانية التى تجعلك فى يوم الدينونة عن يمين السيد المسيح.
يدعوك مع كل أخوانك وأخواتك “تعالوا إلى يا مباركى أبى رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت25: 34) ولن تستطيع أن تكون “راهباً حقيقياً” ما لم تصبح بالكلية مثل “نار ملتهبة” كما تقول أقوال آباء البرية العظام.
وخلال العام الماضى 2013 م بنعمة السيد المسيح قد أنجزنا فى الكنيسة أعمالاً رهبانية هامة مثل عقد أول مؤتمر لرهبان الأديرة القبطية، وأيضاً تأسيس خمسة أديرة جديدة تم الإعتراف بها فى المجمع المقدس وهى ثلاثة للرهبان (دير الأنبا أنطونيوس بالنمسا، دير القديس متاؤس الفاخورى بالأقصر، دير القديس مارمرقس والأنبا صموئيل فى جنوب أفريقيا) وديرين للراهبات (دير الأم سارة فى المنيا، ودير البتول فى ملوى).
كما أقمنا أربعة أساقفة رؤساء للأديرة الأنبا إبيفانيوس لدير أبو مقار، الأنبا أوليجيوس لدير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بسوهاج، والأنبا سلوانس لدير الأنبا باخوميوس المعروف بدير الشايب بالأقصر، والأنبا ميشائيل لدير الأنبا أنطونيوس بألمانيا، ورئيستين لأديرة راهبات (تماف تكلا لدير مارجرجس مصر القديمة، وتماف أثناسيا لدير مارجرجس حارة زويلة). وبذلك أستقرت هذه الأديرة فى الحياة الرهبانية.
كما أرسلنا خمسة رهبان فى بعثات تعليمية دراسية (ثلاثة منهم فى اليونان، وواحد إلى كل من إنجلترا وإيطاليا)، كما قمت خلال العام المنصرم بزيارة عدة أديرة للرهبان والراهبات، وقضيت أوقاتاً ممتعة معهم فى صلوات وتسابيح وتعليم.
وهكذا تنمو الحياة الرهبانية أفقياً ورأسياً وليكن شعار كل منكم الذى يردده يومياً وبكل كيانه “مع المسيح صلبت لأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيا” (غلا2: 20) وأحفظ حواسك الخمسة لتعيش إختبارات رائعة فى علاقتك الكيانية مع شخص ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
دمتم فى المسيح متمتعين بحياتكم الرهبانية تحت مظلة الأبوة الروحية لكل منكم…. ودامت حياتكم ثابتة فى المسيح وفى كنيسته المقدسة له كل المجد والإكرام والسجود الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين.