العولمة أهم سمات هذا العصر حتى صار العالم بلا جغرافيا وبلا حدود وبلا سدود. وبسبب العولمة تأثرت هوية الإنسان وسمات تكوينه وصار هناك خلط شديد للغاية بين الحضارات والثقافات والتقاليد والعادات والقيم والمبادئ.
ولأن كنيستنا القبطية المصرية الأرثوذكسية لم تعد محصورة بحدود الوطن الغالى مصر، بل إمتدت منذ ما يقرب من خمسين أو ستين عاماً إلى خارج الحدود وصار لنا كنائس وأديرة ومعاهد إكليريكية وبيوت خلوة وشمامسة ورهبان وراهبات وكهنة وأساقفة وإيبارشيات فى كل مكان.
وتواجد الأقباط فى عشرات الدول للعمل، للدراسة للسياحة أو للزيارة… حيث يتعرضون للعولمة بكل آثارها إيجاباً وسلباً… ويعتبر العامل الثقافى هو الأساس القوى لكى ما يحتفظ الإنسان المسيحى القبطى بهويته.
إن حفظ الذات من الذوبان أو التغيير أو التفكيك صار مسؤلية الكنيسة التى تخدم خارج حدود الوطن، وهو واجب عالى القدر من الأهمية. والثقافة تقوم على أربعة عوامل رئيسية : الدين/التاريخ/اللغة/التقاليد(التقاليد الإجتماعية) أو العامل : الدينى- التاريخى – اللغوى – الإجتماعى.
ومن خلال هذه الأربعة تتشكل هوية الإنسان، وتتحدد حقوقه وواجباته فى المكان الذى يعيش فيه، وتظهر مسئولياته تجاه الجيل الثانى والثالث…ألخ. أكتب ذلك متذكراً المتنيح القديس البابا كيرلس السادس وكيف أنشأ أسقفية البحث العلمى والدراسات العليا والثقافة القبطية، وسام لها أسقفاً جليلاً هو المتنيح الأنبا غريغوريوس وجاء بعده المتنيح البابا شنوده الثالث وأقام المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى ليكون منارة حقيقية فى خدمة الثقافة بمفهومها الواسع…
كما بدأت بعض الأيبارشيات فى إنشاء مراكز ثقافية قبطية. وقد أفتتحت فى الأسابيع الماضية المركز الثقافى القبطى بإيبارشية الفيوم تحت رعاية نيافة الأنبا إبرام فى مناسبة التذكار المئوى لنياحة قديس الفيوم وصديق الفقراء القديس الأنبا أبرام؛ وهو مبنى كبير يحوى متحفاً ومكتبة إلكترونية وأخرى سمعية، بصرية، وثالثة ورقية، بجوار قاعات للمحاضرات وفصول تعليمية ومكاتب الإدارة بجوار غرف الأقامة.
وأنا أرى أن هناك مسئولية هامة على كل إيبارشية وهى إنشاء “المركز الثقافى القبطى” والذى يمكن أن يحوى بالإضافة لما سبق معاهد تعليمية، قاعة عروض، مسرح صغير أو غير ذلك، مما يمكن مثل هذا المركز من أن يقوم بدور ثقافى قوى بكل مكوناته الدينية والتاريخية واللغوية والإجتماعية ويحفظ التراث.
وسيكون الأمر أكثر نفعاً وأثراً فى الإيبارشيات خارج مصر خاصة فى ربط الأجيال المتتالية بالوطن وبالتراث وبالجذور الحية للمسيحية. وهذه دعوة لجميع الإيبارشيات للإهتمام بهذا البعد الثقافى فى منظومة الخدمة الرعوية نظراً للمتغيرات الكثيرة فى عالم اليوم.