هذا التعبير يطلق على “كنيستنا المصرية” ونحفظة فى تراثنا القبطى والعربى ليسجل الصفحات المنيرة لتاريخ الشهادة فهناك عصر الشهداء وهناك تقويم للشهداء وهناك عيد الشهداء وهناك سجل الشهداء وهناك ألحان للشهداء وهناك مزارات للشهداء…
بأسمائهم نتبارك وبسيرتهم نتعزى وبتذكارهم نتقوى من جيل إلى جيل ففى مشهد من أشد المشاهد إلاماً كان إستشهاد 21 مصرياً قبطياً فى ليبيا … هم شهداء الوطن لأنهم قتلوا على هويتهم المصرية وهم أيضاً شهداء الإيمان لإنتمائهم الدينى وإعترافهم بالمسيح.
وقدمت لنا المشاهد المذاعة صورة مما نقرأ عنه فى كتب القرون الأولى للمسيحية كانوا فى منتهى الثبات الإنسانى لم يرهبوا الموت ولم يستعطفوا أحد وفى جلال الصمت لم يبكوا أو يصرخوا ونطقت شفاهم بالتسبيح الذى سمعنا القليل منه.
وكان أسم الله هو آخر لفظ على لسانهم وبالتأكيد كانت الصلوات عامرة فى قلوبهم ولم نسمعها بالطبع. لقد أراد المضطهدون لهم إضعاف نفسية المصريين وإخافة الأقباط منهم…. لقد أرادوا تغييب وحدة المصريين ليسقطوا فى صراعات وحروب ونزاعات طائفية….
أما شعب مصر العظيم فقد إزداد وحدة وتلاحماً وإزداد الأقباط شجاعة وإقداماً وفاضت مشاعر الجموع المصريين جميعاً ضد هذا العمل الجبان وإرتفعت الصلوات إلى الديان العادل الذى لا يغفل ولا ينام وهو يسمع صراخ دماء هؤلاء الأبرار البسطاء.
مثلما قال الله لقايين بعد أن قتل أخيه هابيل “ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض فالآن ملعون أنت من الأرض التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها تائهاً وهارباً تكون فى الأرض” (تك4: 10-12).
أما هذه العائلات التى قدمت أبنائها فى الشهادة الوطنية والإيمانية فطوباهم لأنه لهم أبناء صنعوا تاريخاً وصاروا فى عداد القديسين حيث كانت حياتهم رخيصة وهم فى أرض غربة ولم يتغربوا عن إيمانهم ولم يستجيبوا لأى أغراء بأى شكل من الأشكال وصاروا قدوة للأجيال، لأن قيمة حياة الإنسان ليست بطول عمره، وإنما بما يتركه من أثر.
لقد إنتفض الوطن كله أمام بشاعة ما حدث بل وسالت دموع كل إنسان فى كل مكان من العالم على الإنسانية التى ضاعت…. ولنا أن نفتخر أن قيادة بلادنا واعية تشعر بنبض الشعب.
إذ بعد وقت قصير من إذاعة الخبر ألقى السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى كلمة إلى الأمة عبر التليفزيون وكان حاسماً وحازماً وبعدها بساعات قامت قواتنا المسلحة بضربة جوية موجعة ثأراً وإنتقاماً كما أن سيادته تفضل وزارنا بالمقر البابوى فى مشاعر إنسانية خالصة معبراً عن مشاركته فى هذا المصاب الجلل.
وفى نفس الوقت قام السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب مع عدد كبير من السادة الوزراء بتقديم عزائهم فى القاهرة وفى سمالوط بالمنيا، وأصدروا القرارات التضامنية مع مواساة هذه الأسر بالإعانات ومعاش الشهيد والرعاية الصحية والتعليمية، وقد بذلت السيدة الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الإجتماعى جهداً مشكوراً فى الإسراع بالاجراءات التى تنفذ القرارات التى صدرت.
وفوق ذلك أعلنت الحكومة أنها سوف تنشئ كنيسة الواحد والعشرين شهيداً فى القرية التى منها العدد الأكبر من هؤلاء الشهداء. وقد عزانا بالمقر البابوى جموع غفيرة من مصر وخارج مصر من كل المستويات ومن سائر القطاعات والهيئات فى محبة أصيلة ومشاعر نبيلة زادت من عزيمة المصريين ووحدتهم وصلابتهم.
كما قامت الكنيسة بعد إصدار بيانها عن الحادث ومن خلال متابعة الأزمة بإرسال وفود من الأساقفة والكهنة والشمامسة إلى سمالوط وقراها للصلاة والتعزية والمواساة بتنسيق كامل مع نيافة الأنبا بيفنوتيوس أسقف سمالوط وتوابعها وأيضاً للإطمئنان على هذه الأسر وتسديد أية إحتياجات لهم. وأقمنا قداساً بالكاتدرائية المرقسية لتأبين الشهداء فى اليوم الثالث (يوم الثلاثاء 17/2/2015) كما سنتقابل مع هذه الأسر قريباً جداً، وفى نفس الوقت سيعمل عدد من رجال الأعمال على دفع بعض المشروعات للتنمية فى هذه القرى لإتاحة المزيد من فرص العمل والتشغيل.
يارب أقبل إليك نفوس شهدائك وأفتح لهم باب الرحمة والبر ليشاركوا جميع القديسين، وأفتح لهم باب الراحة والفردوس لينعموا بك، وأفتح لهم باب النعيم ولتدخلهم ملائكة النور إلى الحياة الأبدية…
أذكرونا ليكمل الرب لنا غربتنا بسلام، ويعطينا النهاية الصالحة.