قداسة البابا فى كنيسة الشهيد مارمينا بالمندرة شرق الاسكندرية
بدأنا الأسبوع الماضى صوم الميلاد الذى يهيئ نفوسنا لاستقبال ميلاد السيد المسيح. وهو ليس مجرد تغيير فى الطعام أو تغيير فى الألحان، إنما هو فترة لتغيير النفس واكتساب الفضائل.
هل تتقدم فى حياتك الروحية وفى فكرك وفى حياة الفضيلة؟ هذا السؤال للجميع بدءا من البطرك والاسقف حتى الكاهن والخادم والشاب والشابة… إلخ
فى خلال فترة الصوم سوف أكلمكم عن فضائل من خلال استعراض مشاهد قصة الميلاد
اليوم نتأمل فى فضيلة الاتضاع فى الكلام
كيف امتلك فضيلة الاتضاع فى كل حوار؟ واخترت لكم قصة العذراء فى حوارها مع الملاك أثناء كلامه معها عن ميلاد السيد المسيح.
العذراء فتاة صغيرة تربت فى الهيكل لا تعرف إلا الصلاة وخدمة الهيكل فقط. يأتيها الملاك بتحية غريبة “مباركة انتِ فى النساء” فاضطربت وبدا عليها علامات الخوف لكنها انصتت للملاك فى هدوء فقال لها الملاك” لا تخافى يا مريم…” والعذراء تسمع فى هدوء دون غضب او انزعاج. ثم بدأت الاستفهام قائلة ” كيف يكون لى ذلك وأنا لست أعرف رجلا”. لم يكن فى ردها أى عناد أو سفسطة أو مجادلة وإنما كانت هادئة منصتة مستفسرة فى هدوء ومتضعة.
صفات الحوار المتضع
– يمتاز بالهدوء
– لا يوجد به سخرية
– لا تستغل الحوار لتمجيد ذاتك والكلام عن نفسك
– لا يوجد مجادلة
امنا العذراء مريم أعطتنا أسلوب للحوار المتضع الناجح. اختتمت كلامها مع الملاك بقولها” هوذا أنا أمة الرب” وهنا يظهر اتضاعها الشديد وايمانها الواثق فى ربنا
بعض الحوارات الموجودة فى الكتاب المقدس
1- فى سفر التكوين حيث الحوار بين ابونا ابراهيم أبو الاباء ولوط ابن أخيه:
كلاهما له مراعيه واختلفوا على مصادر المياه. رغم أن أبينا ابراهيم هو الكبير لكنه لم يستغل ذلك فكان متضعا فى حديثه مع لوط فقال له “لا يكن مخاصمة بينى وبينك، بين رعاتى ورعاتك، لأننا نحن أخوان” وترك للوط حرية اختيار الارض ومصادر المياة التى يريدها. فحسب بالحقيقة أب الأباء وازداد خير الله فى يده.
2- الحوار بين شاول الملك وداود
شاول الملك الكبير.. وداود راعى صغير. لكن شاول شعر بغيرة من داود تحولت لنوع من النقمة “وبغته روح ردئ” خرج شاول وراء داود لقتله، وأثناء ذلك استراح فى المغارة. جاءت فرصة قوية لداود للتخلص من شاول اثناء نومه فى المغارة. لكن داود لم يفعل وقطع جزء من ثوب شاول كدليل فقط. ورفض داود ان يمد يده على مسيح الرب وقال لشاول فى اتضاع “انا مثل كلب ميت او برغوث” داود اتضع فى كلامه. كلمات داود اخجلت شاول وجعلته يبكى.
3- روح الاتضاع فى حوار يوحنا المعمدان عندما رأى المسيح مقبلا عليه فقال: “ينبغى ان هذا يزيد وأنا أنقص” . اجعل كلامك مملح بملح.
4- الحوار بين داود ونابال وزوجته ابيجايل
داود هربان ويحتاج أن ياكل هو ومن معه ونابال لديه وليمة. داود طلب باتضاع طعام من نابال، لكن نابال جاء رده متعجرف متكبر وطرد عبيد داود. أثار كلام نابال سخط داود ” الكلام الموجع يهيج السخط”. النار لا تطفئ النار لكن المياه (التواضع) هى التى تطفئها. ابيجايل الزوجة العاقلة علمت بالأمر وتصرفت بحكمة حيث اعدت الخبز والذبائح وذهبت لمقابلة داود ورجاله وسجدت أمامه وتوسلت له ان يسمعها، قالت له “سيدى يحارب حروب الرب… “، مفتاح كلامها كان احترام وتكريم. وسردت كلام كان بمثابة ماء اطفئ نار غضب داود. ويعلمنا الكتاب المقدس ان قلب نابال جمد داخله عندما علم بغضب داود منه.
مشاهد اتضاع من سير القديسين
– الأنبا بيمن:
حضر له أحد تلاميذه فى فترة الصوم وسأله وقال له كنت اخشى أن آتى إليك فى فترة الصمت لعلى أجد الباب مغلق، فأجابه الأنبا بيمن قائلنا “لم نعتاد يا ابنى غلق الباب الخشب“.
– القديس الانبا افراهات
أحضر له احد الولاة ثوب هدية، فسأله القديس قائلا ” أننى منذ 16 عام اخترت أن يكون لى صديقا واحدا لا يحزنى أبداً. وجاء آخر وحاول أن يأخذ مكانه، فأيهما أختار؟ ” فأجابه الوالى سريعا “تختار الصديق القديم”. ثم أوضح القديس الانبا افرهات أن صديقه القديم هو ثوبه فكيف اتركه واستبدله بآخر؟!!. فاعتذر القديس عن قبول الهدية بأسلوب رائع لم يجرح الوالى أو يحرجه. الخلاصة اجعل حوارك متضعا
كيف يكون الحوار متضع؟
– ضع فى حوارك كلمات الاحترام مثل الألقاب
– ضع فى حوارك كلمات الحب لان كلمات الحب تشبع عاطفة الإنسان، ضعها بحساب وميزان
– ضع كلمات المشاركة الوجدانية والتشجيع
مثال عندما تسمع بمرض انسان ان تعرب عن مشاركتك الوجدانية له. وامزجها بكلام التشجيع وكلمات المديح، مثلما فعل السيد المسيح فى كلامه مع السامرية عندما قال لها “حسنا قلتِ” ومثال تصرف قاضى الظلم الذى صنع له اصدقاء بمال الظلم
– ضع فى حوارك كلمات الأعتذار والشكر
لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد امين.