محاضرة قداسة البابا من كنيسة الشهيد مارجرجس سيدى بشر الاسكندرية وسط آلاف امتلأت بهم كنيسة الشهيد مار جرجس بسيدي بشر حتى بلغ الزحام الشوارع المحيطة بالكنيسة، صلى قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني صلاة العشية مساء قبل أن يبدأ عظته باجتماع الأربعاء حيث ألقى قداسته العظة عن الالتصاق بالرب من خلال نموذج حنة بنت فنوئيل النبية.
حضر الاجتماع نيافة الأنبا باڤلي الأسقف العام والمشرف على كنائس قطاع المنتزه بالأسكندرية والقمص رويس مرقس وكيل عام البطريركية بالأسكندرية والقس أنجيلوس اسحق والقس أمونيوس عادل سكرتارية قداسته بالإضافة إلى عدد كبير من الآباء الكهنة والرهبان،
كما حضر الأستاذ أبو العباس فرحات والمهندسة مي محمود من أعضاء مجلس النواب بالأسكندرية.
نقرأ فى ( لو 2 : 36 )
بدأنا فى الاسبوع الماضى الحديث عن بعض الفضائل فى قصة ميلاد السيد المسيح وتحدثنا عن فضيلة الاتضاع فى الحوار من خلال حوار أمنا العذراء مع ملاك البشارة.
اليوم نتحدث عن فضيلة الالتصاق بالرب من خلال قصة حنة النبية التى عاشت 84 سنة أرملة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وصلوات، تمثل النوذج الذى يلتصق بالرب فكرا ونفساً وروحاً
كان يوجد بالهيكل غرف كثيرة منها غرف للأطفال المنذورين للرب مثل أمنا العذراء وصموئيل. كما كان يوجد غرف للكهنة الذى عليهم نوبات الخدمة. وغرف أخرى لكبار السن من الرجال والسيدات. فى إحدى هذه الغرف كانت تعيش حنة بنت فنوئيل لمدة 84 سنة وتميزت بأمرين:-
1 – أنها لا تفارق الهيكل (مظهر خارجى منظور)
2 – عابدة بأصوام وطلبات (حياة داخلية غير منظورة)
العشرة مع الله تأخذ الأمرين: الشكل الخارجى لكنه لا يكفى، ويحتاج للشكل الداخلى أيضا.
الوصية تقول “يا ابنى أعطنى قلبك ولتلاحظ عيناك طرقى”. فى العهد القديم نقرأ عن عالى الكاهن الذى كان له ابنان لا يفارقان الهيكل لكن كانا لهما سلوكا غير مقبول
الشيخ الروحانى قال “عندما تعيش مع السيد المسيح احمله فى حضنك مثل العذراء مريم، واحمله على ذراعيك مثل سمعان الشيخ، وارتمى فى حضنه مثل يوحنا الحبيب”.
من طقوس كنيستنا الجميلة تعميد الاطفال وهم صغار حتى تتيح لهم فرصة الالتصاق بالله منذ صغره، فيولد الولادة الجديدة (ميلاد الحياة) ثم يرشم بالميرون (تثبيت الحياة) ثم يتناول (غذاء الحياة) وأخيرا سر التوبة (دواء الحياة). هكذا تمضى حياة الانسان بفضيلة الالتصاق بالرب.
لذلك نجد فى الكنيسة فترات أصوام، تسبحة ونسك مثل أسبوع الالام
ما سمات حياة الانسان الملتصق بالرب؟
1 – الممارسة الواعية لوسائط النعمة
ممارسة واعية لكل الأسرار التى ذكرتها. ففى الاعتراف أقدم اعتراف محدد ومعد مسبقاً طلباً للتوبة والحياة المستقيمة “قلباً نقيا اخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد فى أحشائى”. يمارسها بوعى وليس مجرد عادة.
“الصلاة هى أن يطير عقلنا لله بجناحين هما الصوم والصدقة”. هل تمارس وسائط النعمة جيدا
عاش حزقيا أمينا للرب وفى عشرة معه فقال عنه الكتاب “عاش حزقيا ملتصقا بالرب ولم يحد عنه وحفظ وصاياه التى أمر الرب بها موسى. وكان الرب معه وحيثما كان يخرج كان ينجح”
فى التصاقنا بالمسيح نختفى نحن ويظهر المسيح فنقول ” إله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبنى” و”استطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى”
مارس الوسائط الروحية بوعى واستعداد كافى.
2 – المحبة
كلنا نتحدث عنها لكن ليس كلنا نعرف معناها وأصلها
الكتاب المقدس يقدم لنا آيات كثيرة عن المحبة “الله محبة ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه” يجب أن تقرأ الانجيل وأنت تتذوق كلماته وتنفذ إلى أعماقك. هذه هى حياة الالتصاق
نقرأ فى المزامير “رفعت عينى إلى الجبال” الجبل رمز للرسوخ لذلك فى تاريخ كنيستنا المصرية معجزة نقل جبل المقطم. المحبة عندما تكون حقيقية فى قلبك تكون راسخة كالجبل. والتعبير الأقوى أن المحبة قوية كالموت.الكتاب يعلمنا أن الوصية الأولى فى الكتاب هى “تحب الرب إلهك من كل قلبك… وتحب قريبك كنفسك” هذا هو الالتصاق بالرب.
نقرأ فى العهد القديم عن حنا أم صموئيل التى كانت تصلى كثيراً حتى ظن الكاهن أنها سُكرى. فأعطاها الرب صموئيل بعد انسحاق وصلاة ودموع. وبعدما أنجبته قدمته للرب ليعيش معه قائلة “أنا قد اعرته قدمته للرب” ليعيش ملتصقا بالرب.
3 – الاتضاع
المسيح ولد فى مذود، هذا يحمل إشارة أن الله لا يسكن إلا فى البسطاء والنفوس المتضعة “يقاوم الله المستكبرين أما المتضعين فيعطيهم نعمة” وأمنا العذراء تقول “انزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتضعين”
هناك قصص كثيرة عن الاتضاع ويكفى نموذج أمنا العذراء مريم. عندما تكون متضع يسكن الرب داخلك ويكون معك “كان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا”. فى حياة الرهبنة يعلمونا أن نخلط أعمالنا بالصلاة، هكذا حياتك فى عملك أو خدمة الأم داخل منزلها. أثناء ذهابك لعمل ردد “اللهم التفت غلى معونتى … إلخ” بذلك يختلط عملك بالصلاة
4 – الطهارة
كنسيتنا تتعامل معنا كأم. فى القداس توجد صلوة تتكرر دوماً “لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم… إلخ” أوعى تنشغل بشهوات العالم.. أوعى تفقد طهارتك “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”. سليمان كان ملك وسقط لأنه ارتبط بزيجات كثيرة “أحب الملك سليمان نساء غريبة فالتصق الملك سليمان بهولاء وأملن قلبه لآلهة غريبة… وعمل سليمان الشر فى عينى الرب” فقد طهارته ولم تحقق له أى مكسب خارجى أو داخلى.
الابن الضال فكر أن يترك بيت أبيه وانطلق لكورة بعيدة والتصق بواحد من أهل تلك الكورة التى ترعى الخنازير وتدهور به الحال حتى اشتهى طعام الخنازير ولم يجده. نقاوة القلب هى علامة من علامات الالتصاق بالله.
5 – قبول الألم
الأنبا بولا أول السواح يقول “من يهرب من الضيقة يهرب من الله” كأن الضيقة تجعل الإنسان أكثر التصاقا بالله. نسمع عن ضيقات كثيرة مثل ضيقات يوسف الصديق الذى تعرض لضيقات من القريبين والبعيدين. فى الألم يزداد الانسان ارتباطا بالله والتصاقا به
حنة النبية تعرضت لالآم كثيرة منها الترمل وصعوبات المعيشة … إلخ لكنها عاشت لا تفارق الهيكل بأصوام وطلبات. لم تحمل أى هم للأيام.
ضيقة مماثلة عاشتها القديسة انسوسا أم القديس يوحنا ذهبى الفم. التى ترملت فى سن مبكر ورفضت الزواج مرة أخرى. وعندما قال لها يوحنا الذهبى الفم أنه يريد الرهبنة قالت له “يا ابنى لا ترّملنى مرة أخرى وانتظر حتى انطلق من هذا العالم” وبالفعل ترهبن القديس يوحنا ذهبى الفم بعد انتقالها. وأنجبت الضيقة لنا هذا القديس العظيم.
لألهنا المجد الدائم أمين.