صلى قداسة البابا تواضروس الثاني بالكنيسة البطرسية بالعباسية صباح اليوم جنازة الدكتور مكرم مهني الذي رحل عن عالمنا أمس
يعد الدكتور مكرم مهني من رجال الاقتصاد في مصر حيث عمل في مجال الأدوية لسنوات طويلة كما شارك في الحراك الوطني بعد 25 يناير ، وعلى المستوى الكنسي كان أحد مؤسسي الخدمة بأسقفية الشباب حيث عمل مع نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب منذ تأسيسها.
شارك في صلاة الجنازة نيافة الحبر الجليل الانبا موسي اسقف الشباب و لفيف من الآباء أساقفة المجمع المقدس وعدد كبير من الآباء الكهنة والأراخنة وشعب غفير.
عظة البابا في صلاة جنازة الدكتور مكرم مهني
بسم الآب و الابن و الروح القدس الإله الواحد ، آمين
تحل علينا نعمته و بركته و تعزينا جميعاً
رقد على رجاء القيامة هذا الإنسان المبارك والأخ المحبوب نودعه ونعرف أن الذين نحبهم لا يموتون لأنهم يعيشون فى قلوبنا، نودعه إنساناً نبيلاً . دعي مكرم المكرم ونودعه لأننا رأينا فيه نموذجاً إنسانياً رفيعاً فى محبته وفي خدمته وفي وطنيته وفي معاملاته وكل الذين تعاملوا معه شهدوا بهذه الصفات ، نودع هذا النموذج الطيب الذى عاش بيننا و تحمل آلام في نهاية الحياة ثم استمع إلى صوت السماء: “تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم فتجدوا راحة لنفوسكم”.
الدكتور مكرم إنسان حقق معادلة لا يستطيع الكثير من البشر تحقيقها و هي أنه فى وطنيته صادقاً وفي خدمته وكنيسته خادماً باذلاً أحب الجميع و أحبه الجميع لصفاته الإنسانية التي عاش بها ومبادئه التي إلتزم بها فى كل كلمة كان يتكلم بها.
الدكتور مكرم له سيرة طيبة وعمل مبارك بعدما تخرج في كلية الصيدلة عام 1970 بدأ يبني نفسه بنفسه من خلال عمله فى صيدلية الى أن أصبح رئيساً لمجلس إدارة عدد من شركات الأدوية الكبري وصار رائداً من رواد صناعة الدواء في مصر فى عدة شركات ومكاتب علمية متعددة كما كان رئيساً سابقاً لغرفة الصناعات الدوائية وعضو مجلس إدارة إتحاد جمعيات المستثمرين وجمعية مستثمرى 6 أ كتوبر وعضو بمجلس أمناء الأستثمار بمحافظة مطروح.
خدم من خلال هذه الصناعة التى هى من أهم الصناعات الإنسانية تعتبر التالية بعد صناعة الغذاء وأهتم بها وخدم من خلالها الملايين من البشر. خفف آلامهم وأتعابهم وأعطاهم من خلال هذه الصناعة الشفاء والصحة. لم يخدم في مصر فقط لكن عمله امتد إلى خارج مصر فى مناطق كثيرة. وكان في هذه الخدمة ربما الذي يستخدم الدواء لا يعرف من يصنعه و لكنه كان فى محبته يعمل ويقدم و يخدم و يبذل . و كما تعلمون أيها الأحباء أن الصناعة الدوائية هى إحدى الصناعات الكبري فى الأقتصاد الوطنى ومن خلال هذه صار وطنياً مخلصاً ساهم فى اقتصاد بلده بصورة طيبة ورائدة.
عمل كثيراً ورفع اسم مصر في مجالات متعددة وصار بالحقيقة مواطناً مصرياً أميناً وصادقاً و قدم صورة طيبة لكل إنسان ونموذجاً حسناً لكل من يريد أن يخدم مجتمعه و أهله .
على الجانب الآخر في كنيسته ومنذ أن وصل إلى الثانوية العامة صار أميناً للتربية الكنسية والتحق بمجلس شمامسة الجيزة فى أثناء دراسته الجامعية و خدم مع المتنيح الأنبا أبراهام – مطران الكرسي الأورشليمي – القدس كما خدم مع المتنيح الأرشيدياكون رمسيس نجيب ثم كان له خدمة وباع طويل في أسقفية الشباب وبدأ مع نيافة الأنبا موسي في هذه الخدمة منذ خمسة و ثلاثين عاما وما قبلها فكان من الجيل الأول وشارك في مسئوليات خدمة الشباب وهو صاحب فكرة الأسر الجامعية و أسرة القديس أغسطينوس للصيادلة و صار أمينا عاما للأسر الجامعية و هي التي تهتم برعاية الطلبة أثناء دراستهم الجامعية ثم فى مجال آخر في مجال الحركة المسكونية واللجنة المسكونية لشباب مصر فكان أحد مؤسسيها عام 1970 وأحب العمل المسكوني في الشرق الأوسط من خلال الاتحاد العالمي المسيحي للطلبة وكان ممثلاً لمنطقة الشرق الأوسط في هذا الاتحاد و رئيس اللجنة المسكونية والأب الروحي للعمل المسكوني في الشرق الأوسط و ممثل لشباب الكنيسة فى مجلس الكنائس العالمي و مشرف على لجنة الشباب بمجلس كنائس الشرق الأوسط . فكما كان صادقاً في وطنيته كان باذلاً في خدمته وقدم نموذجا رائعا للإنسان الذي يخدم الوطن والكنيسة والانسانية.
فإننا يا إخوتي الأحباء عندما نجتمع لنودعه نودع إنسانا فاضلاً ناجحاً شهد له الجميع في كل معاملة تعامل فيها. نودعه ونقف أمام حقيقة الموت فالموت هو هذا الضيف الذي يزور كل إنسان ونرى الموت أنه أصدق حقيقة فالإنسان الذي يعيش على الأرض يتعامل كل يوم مع مواقف كثيرة بعضها زائف و بعضها غير حقيقي و بعضها يبدو كالسراب ولكن يأتى الموت كحقيقة صادقة لا يهرب منها إنسان فالموت يا إخوتى الأحباء اختيار فالله يختار “طوبي لمن أخترته يا رب ليسكن فى ديارك ” طوبى لمن اخترته فالله يختار ثم أن الموت انتهاء لكل زمن الأوجاع فالحياة على الارض زمن وجع وألم وغضب وتعب وحمل الهموم الكثيرة ويأتى الموت لكي ما ينهي هذا الزمن . ثم أن الموت أيضاً هو ارتفاع إلى السماء و نسميه فى كنيستنا “ﻷنه لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال…” والانتقال يعنى تنقية الأنسان من الحياة الدنيا على الأرض لينتقل إلى الحياة العليا أو الحياة السماوية يرتقي الإنسان في الموت و لذلك ننظر إلى الموت أنه يرفع الإنسان من هذا التراب و يصعده إلى مكانه في السماء و إذا كان الموت أصدق حقيقة فالسماء هي أروع مكان. السماء يا أخوتي التي نراها و نحن على الأرض و تداعبنا باتساعها و صفائها و ننظر إلى السماء و نرتاح كثيراً فمن منا ينظر إلى السماء و لا يرتاح! فالسماء ونحن بعيدون عنها على نراها مريحة ومعزية فالسماء هى أروع مكانة يصل إليها الإنسان حيث الحضرة الإلهية حيث يتمتع بالوجود مع الله والوجود مع الأبرار والصديقين ولذين عاشوا فى الطهارة والنقاوة فمجتمع السماء هو مجتمع السلام ومجتمع الفرح وتخلو من ضعفات الأرض وأتعابها وظلامها فالسماء نور على الدوام و السماء سكون وفرح وسلام للإنسان لذلك يشتهي الإنسان أن يكون هناك ويقول القديس يشوع بن سيراخ: ” لا تحسب أحداً سعيداً قبل موته” فالإنسان يعيش على الأرض في تعب وشقاء لكنه فى السماء يتمتع بالفرح والسعادة والحياة الفاضلة ، فإذا كان الموت هو أصدق حقيقة و السماء هي أروع مكان فيكون الاستعداد لهذه السماء هو أهم ضرورة من ضروريات حياتنا على الأرض. الله يسمح أن ينتقل أحباء لنا عشنا معهم وعرفناهم وفرحنا بمحبتهم وفرحنا برفقتهم ويكون الإنسان الذي تنتهي مهمته على الأرض وينتقل إلى السماء بمثابة رسالة لنا جميعاً أن نستعد ويكون الاستعداد هو الضرورة الملحة والتي يطلبها الإنسان كل يوم فى حياته وفي عمله وفي وسط أسرته وفي وسط مجتمعه يطلبها على الدوام ويكون مستعداً فهذا الاستعداد له صورة الأمانة في حياة الإنسان فالإنسان الأمين هو المستعد على الدوام و يقول الكتاب : ” كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة”. هذه الحياة السماوية التى نتطلع إليها والتى قال عنها القديس بطرس الرسول :” ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه”.
أيها الإنسان نجتمع جميعاً هنا ويقف كل إنسان أمام الله ويرفع قلبه الذي يراه الله ليودع هذا الأخ الحبيب.
باسم كل الآباء الأساقفة والأباء الكهنة و الشمامسة وكل الخدام والخادمات وكل الحضور الكريم نعزى هذه الأسرة المباركة وزوجته الفاضلة وابنه وابنته وكل الأسرة ونعزي كل محبيه وكل الذين تعامل معهم وكل الخدام الذين خدمهم ونثق أن له مكان فى السماء.
الله يعطينا الاستعداد وهذه الأمانة التى نستطيع أن نعيش فيها. أمين