شارك قداسة البابا تواضروس الثاني صباح اليوم المؤتمر الدولي “الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل” الذي ينظمه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين ويحضره وفود من أكثر من 50 دولة حول العالم.
كما ألقى قداسة البابا كلمة في الجلسة الافتتاحية بعنوان العيش المشترك وبناء الاوطان
حضر الجلسة الافتتاحية أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، والبطريرك مار بشارة الراعي بطريرك الكنيسة المارونية بلبنان
والقس الدكتور حبيب بدر رئيس الطائفة الإنجيلية بلبنان.
ويشارك في المؤتمر الدولي كوكبة من العلماء والمفكرين والمثقفين من كافة الأطياف.
هذا ومن المقرر أن تدور النقاشات داخل أروقة المؤتمر الذي يستغرق يومين حول قضايا المواطنة والحريات والتنوع الاجتماعي والثقافي.
بسم الإله الواحد الذي نعبده جميعًا ونقدم له المجد والإكرام والعزة والسجود الآن وكل أوان.
أرحب بكم أيها الأحباء أصحاب السيادة والغبطة والنيافة والفضيلة وأصحاب السعادة والسيدات والسادة .
أرحب بكم جميعا في هذا الوطن الذي يقدم الصورة الجميلة التي تحتضن كل الأديان في محبة وفي إخاء.
ما أحوج العالم الآن إلى المحبة العملية والسلام الحقيقي. لقد عانت مصر والمنطقة العربية كلها – ومازالت تعانى – من الفكر المتطرف الناتج عن الفهم الخاطئ للدين. والذى أدى إلى ما نواجهه اليوم من عنف وإجرام وإرهاب، والذى يعد من أخطر تحديات العيش المشترك.
أود في هذا السياق أن اطرح على حضراتكم ثلاثة محاور أرى أنها تضع المشكلة وتضع أيضًا مداخل للحل:
1- يعتبر الفكر المتشدد والمتطرف والعنف الناتج عنه من أهم التحديات التي تواجه العيش المشترك، فهناك :
•الإرهاب البدني:
والمتمثل في حوادث القتل والتفجيرات المتتالية التي تستهدف المؤسسات الوطنية والوطن كله مما يروع الأبرياء.
•وهناك الإرهاب الفكري:
المتمثل في فرض الفكر والرأي بالقوة والهجوم علي مقدسات ومعتقدات الآخرين مع تكفيرهم وتسفيه الممارسات الدينية لديهم .
•وهناك الإرهاب المعنوي :
الذي هو حالة التطرف الفكرية وإلغائية الآخر المختلف، فالإرهاب المعنوي يتمثل في الظلم والتمييز على أساس الدين والعقيدة فى المعاملات والحياة اليومية .
إن أسباب هذا التطرف وهذا العنف ترجع إلي التربية الأحادية القائمة على الرأي الواحد فيكون كل رأي آخر مختلف هو بالضرورة كافر ومضلل.
وأيضا من هذه الاسباب
•الذات الطائفية:
أي غياب ثقافة احترام الآخر ، يكون أشبه بمن ينظر فى مرآة لا يرى فيها إلا نفسه؛ فلا يحترم الآخر لا فى عقيدة أو ثقافة أو حتى في الحرية الشخصية.
•هناك أيضًا الجهل بالآخر:
– وهذه نقطة غاية في الأهمية و المقصود بها العقلية المتطرفة التي تخلق لها أعداءً من صنع الخيال..!!
هذا عرض مبسط لما نعانيه بالمنطقة بالشرق الأوسط.
ولكن يمكن أن يكون الحل في ثلاثة أبعاد:
1-البعد الأول: تقديم البعد الديني بصور مستنيرة وعصرية:
فالفكر المتطرف يعالج بالفكر المستنير فلا يمكن قتل وجهة نظر أو سجنها لذلك لابد من مواجهته بإرساء خطاب بنائي مستنير وليس خطاب إنشائي.
الدين حل للمشكلة لا جزء منها، فالجهل بالتعاليم الدينية هو العامل الرئيسي الذي يقف وراء تبني بعض الآراء المتشددة المتطرفة.
– المسيحية يا أحبائي جوهرُها المحبة وشعارها “اللهَ مَحَبَّةٌ” (1 يو 4 : 8). وهي صانعةٌ للسلام “طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ.” (مت 5 : 9).
وعلي المحبة نبني كل أفعالنا.
في مصر وعقب أحداث 14 أغسطس 2013 م عاشت الكنيسة المصرية هذا الحب وصنعت السلام. ووقف الشباب المسيحي وسط الكنائس المحترقة و لمدمرة وكتب عبارات تقول “نحن نحبكم .. نحن نغفر لكم” للذين يعتدون علي هذه الكنائس ..!!. وقبلنا هدم الكنائس في مقابل أن يعيش الإنسان وأن يحيا الوطن.
– نحن كرجال دين علينا مسئولية كبرى فى إرساء هذا الخطاب العصري المستنير فنحن نعيش في القرن ال21 الذي له أدواته ومعطياته وأساليبه.
2- بعد آخر وهو “التنوع غني الإنسانية”:
وأرجو أن تكون هذه الكلمات القليلة “التنوع غني الإنسانية” .. إذا غاب التنوع عن الإنسان صار فقيرًا.
قد نختلف فى الهوية الدينية لكن لا نختلف فى الهوية الوطنية
أن منهج الصراع هو: الاختلاف ينشئ خلاف ثم صراع ثم استبداد ثم انقسام.
أما المنهج الحضاري العصري والذي تنشده كل شعوب الأرض، أن التنوع ينشئ الحوار والحوار يدور في دائرة التعارف والتسامح والعيش المشترك.
ولوحدة الوطن هناك ثقافة الحوار وهناك ثقافة الشجار وهناك ثقافة الجدار. الجدار تعني أنه لا يستجيب لأي حوار. نحن نشجع ثقافة الحوار الدائمة مثلما في هذا المؤتمر الكريم.
3- بعد آخر أننا نريد أن نبنى القيم الإنسانية النبيلة:
نريد أن تكون مجتمعاتنا تؤكد دائما على قيمة الاختلاف و التنوع واحترام الآخر واحترام التعددية الدينية التي هي أساسًا أمر شخصي يخص الإنسان في قلبه ويقابل به ربه بعد نهاية حياته. نؤكد على نشر ثقافة التسامح والتعايش المشترك وحب الحياة والخير والجمال.
نؤكد علي قبول حق التعبير وتشجيع الحوار بصورة إنسانية وبصورة حضارية نحتاج كثيرًا أن نبني الإنسان الذي يبني هذا الزمن. نأخذ من الأديان المبادئ والقيم الإنسانية الأساسية التي تتيح له أن يفهم وجوده وقصد الله في خلقته نحتاج أن يكون العقل منفتحًا.
نحتاج أن تكون المسئولية مقابل الاتكالية. ونحتاج أن يكون الحوار مقابل القهر. ونحتاج أن نشجع ملكات التفكير والتحليل مقابل الحفظ. والتفكير مقابل التلقين.
هذه الأمور أيها الأحباء تصب في مجال الإبداعات الإنسانية العالم يبدع كل يوم إبداعات بالعشرات وبالآلاف ونحتاج أن نشترك من أجل هذه المنطقة العربية بهذه الإبداعات الإنسانية. الله خلق عقولنا وهذا العقل اداة من لله لكي نبدع في حياتنا علي الأرض لكي يبدع فيها، ويبدع في المجالات الإنسانية التي نسميها الحضارات التي نستقي منها الكثير والكثير نحتاج أن نشترك جميعًا في بناء الحضارة الإنسانية ونأخذ من أساسيات الأديان مبادئ الحياة اليومية.
نحتاج إلى بناء الوعي الإنساني أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. والأساليب الإعلامية الجديدة في ترسيخ المفاهيم الصحيحة، ولا سيما مواقع التواصل الاجتماعي: “Social Media” التي يديرها أصحاب الفكر المتطرف فهي تلعب دورًا مؤثرًا فى تشكيل عقول الشباب. نحتاج أن يكون هذا الأمر واضح أمامنا ولابد من استخدام نفس الأداة في مواجهة هذا التطرف،
باستخدام أدوات إعلامية وثقافية وتربوية ذات طابع خاص ومؤثر.
* نحتاج أن ندعم دور المرأة فى التوعية خاصة فى مجال الأسرة والتربية والطفل.
والاهتمام بالأسرة باعتبار أنها الأساس والركيزة وأنها التي تبدأ العمل مع الإنسان في صغره وفي نموه وفي حياته والإنسان عندما يشبع في أسرته من الحب يستطيع أن يواجه المجتمع. ويستطيع هذا الحب أن يحفظه من كل تطرف “اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ” (أم 27 : 7)، النفس الشبعانة من الحب تستطيع أن تدوس العسل، عسل الإغراءات و التطرف وكل هذه الأعمال التي نراها في زمننا هذا.
وأخيرا أيها الأحباء:
نود أن نؤكد أننا في تعايش أبناء الوطن الواحد في إطار القيم الإنسانية المشتركة وعلى أساس الاحترام المتبادل بين الجميع فإن هذا يؤدي بالحقيقة إلى الاستقرار والتقدم، بما يضمن دائمًا أفضل السبل لحياة أوطاننا والعالم أجمع.
نصلي أن يبارك الله كل هذه الجهود المخلصة في بناء أوطاننا وبناء الإنسان في هذه المنطقة الغالية التي شهدت ولادة الأديان.
ونصلي أن يحفظ الله بلادنا من كل شر وأن يسود السلام ربوع العالم.
والمجد لله دائماً أمين.
كلمة قداسة البابا في افتتاح المؤتمر الدولي “الحرية والمواطنة .. التنوع والتكامل” الذي ينظمه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين