الأمانة كلمة جميلة ومحبوبة من جميع الناس وفي كل المجالات التي يعيشها الإنسان، دون النظر إلى اختلاف اللون أو الجنس أو الدين أو الاعتقاد أو العرق أو اللغة…. الخ.والأمانة ليست مجرد فضيلة إنسانية، بل حاجة أساسية للحياة البشرية المستقيمة. وهي أيضًا مقياس وقوف الإنسان أمام الديان العادل، ومن هنا كانت الوصية في آخر اسفار الكتاب المقدس «كُنْ أمينًا إلَى الموتِ فسأُعطيكَ إكليلَ الحياةِ» (رؤيا2: 10)، وهي كلمات تلزم الإنسان إلى الأمانه الكاملة وطوال الحياة، لأن المكافأة هي «إكليل الحياة»، وما أروع النصيب السماوي لأي إنسان!والأمانة صفة تضفي بنورها على حياة الإنسان في كل ما تشمله من جوانب، فمثلًا:1- هناك إنسان أمين على صحته: فالصحة أفضل عطية إلهية للإنسان، ويحتاج أن يكون أمينًا عليها، فلا يضعفها أو يشوّهها أو يدمّرها بل يغذّيها ويحرسها. فالذي يتعاطى المخدرات أو الكحوليات أو ما يشبه ذلك…. هو إنسان غير أمين على هذه الصحة، وبالتالي ليس له نصيب في الأبدية لأنه سقط في خطايا عدم الأمانة حول الصحة.وكذلك الذي يأكل كثيرًا، أو ينام كثيرًا، أو يرهق جسده كثيرًا، أو يضع نفسه في مهب الأزمات النفسية.. هو إنسان رسب في أمانته على نحو ما… وربما يستيقظ لنفسه قبل فوات الأوان. 2- وهناك الأمين على أسرته: إن دوام الأسرة في مخافة الله يعود إلى دور الأب والأم. إن أمانة الزوج على زوجته لأنه من يد المسيح أخذها، وبالتالي عليه أن يحفظها ويحبها، ويكون أمينًا في علاقته بها، إذ يرى أنها نصيبه وحقل رعايته واهتمامه ومحبته. وهي بالمثل يجب أن تكون أمينة تجاه زوجها في كل ما يحتاجه أو يطلبه في محبة الخضوع النقي، وتحفظ سر بيتها، ويكون الاثنان أمناء قولًا وفعلًا وسلوكًا، ومثالًا أمام أبنائهما.إن الأمانة الأسرية تحفظ بيوتنا لتكون بيوت صلاة، بيوت طهارة، بيوت بركة؛ كما نصلي في أوشية الاجتماعات. 3- وهناك الأمين على دراسته: ونقصد وزنة الدراسة والمعرفة التي تبدأ بالقراءة والفهم والبحث والتأمل والتدقيق في أحد مجالات المعرفة أو اكثر من مجال.. فلا تكفي القشور في المعلومات ليكون الإنسان أمينًا فيما يدرسه. إننا في زمن العلم والمعرفة وتدفق المعلومات، وعصر التواصل الرقمي والإلكتروني بكل صوره، ولكن هذا لا يغني عن الأمانة الدراسية الذاتية، والتي على أساسها تقوم نهضة الشعوب ورقي الأمم. يقول القديس الأنبا أنطونيوس ناصحًا الرهبان في طريقهم الروحي: “أتعب نفسك في القراءة (الإنجيلية) فهي تخلصك من النجاسة”. اجتهد في دراستك وتحصيلك الثقافي والمعرفي والدراسي، كعنوان لأمانتك الدراسية ونجاحك وتقدمك. ومكتوب: «مَلعونٌ مَنْ يَعمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ برِخاوةٍ» (إرميا48: 10).4- وهناك الأمين على عمله: العمل وزنة ونعمة يحتاجها الإنسان لبناء نفسه وأسرته ومجتمعه. ولذلك تبدو “البطالة” أنها عدو استقرار الشعوب والمجتمعات، ووسط خصب لكل الضعفات الاجتماعية من انحراف وجريمة وإدمان وعنف وغير ذلك. وعندما تكون عاملًا في أحد مجالات العمل، تكون الأمانة مقياس لكفاءتك ومهارتك، ومن ثَمّ ترقيتك ورفعتك. الأمانة في العمل تحمي من البيروقراطية والتباطؤ في إنجاز المطلوب، كما أنها تسعى إلى الإنتاج المنضبط اقتصاديًا، وبالتالي تسويقه جيدًا أمام المنتجات الأخرى، وبالتالي تحقيق فوائد جمّة تعود على الجميع بالخير والبركات. وحتى في الحياة الرهبانية، يُعتبر عمل الراهب أحد مفردات اليوم الرهباني، مما يساعده في النمو النفسي السليم.5- وهناك الأمين في روحياته: فالإنسان الذي يتوب عن الخطية، وينقّي قلبه وفكره دائمًا، ويعيش ومخافة الله في قلبه، إنما هو إنسان أمين على الروح التي هي نفخة الحياة من الله، ويعطي الفرصة لكي تقود الروح حياته فيصير إنسانًا روحيًا. بعض الناس يهتمون بالجسد من ناحية الطعام والغذاء والرياضة، ولا يعطون نفس الاهتمام للروح، وما المنفعة أن يحيا الإنسان بجسد صحيح وروح عليلة؟! كن أمينًا في روحياتك من أصوام وصلوات وقراءات واعترافات وقداسات وخدمات ومحبة كبيرة نحو الجميع.6- وهناك الأمين في خدمته: الخدمة في أبسط مفهوم لها هي تقديم المحبة للآخرين بصور متعددة، والخروج من الذات والأنانية والتقوقع. والخدمة لا تُدار فقط بالتقارير والاجتماعات، ولكن بروح الأمانة الحياتية في كل مسئولية يُكلَّف بها الخادم في أي قطاع وفي أي مكان، وكيف يخدم المسيح فقط في صورة صغار أم كبار… في القرية أو المدينة أو المهجر، سواء من أصحاب المستوى الثقافي العالي أو المتوسط أو القليل. فليست الخدمة منصبًا أو تشريفًا، بل هي تكليف وغسل الأرجل دون النظر إلى الناس، وبالتالي فالأمانة هي التي تقدم المحبة الحقيقية بالصور المتعددة لكل أحد.7- وهناك الأمانة في الوطن: أيّ مجتمع يتكون من أفراد يعيشون على بقعة من الأرض، يخدمون بعضهم البعض، وتستقيم حياتهم وتستقر بمقدار الأمانة التي تربط بينهم.والوطن الذي ينتمي له الإنسان ويحمل جنسيته أمام العالم كله، يتكون من كل البشر الذين يسكنون ويعيشون ويعملون على أرضه، وهم في علاقات ومسئوليات وحقوق وواجبات متشابكة ومتواصلة عبر الأجيال.والأمانة تجاه الوطن أو تجاه المجموع تفرض على كل أحد أن يمارس مسئولياته الشخصية والجماعية بكل اجتهاد كما سبق وشرحنا في النقاط السابقة.. فاجتهاد الطبيب يعود بالنفع على صحة المواطنين، واجتهاد الخبّاز يعود بالنفع على حياة المواطنين.ومن ضمن المسئوليات الجماعية المشاركة الفعّالة في مسيرة الوطن، مثل الحفاظ على البيئة، والمسئولية في الانتخابات على أيّ مستوى، والمشاركة الإيجابية والتعبير عن الرأي بصورة وطنية أصيلة، لأن السلبية أو الامتناع عن العمل الجماعي بلا شك يهدّد تقدم الوطن ورفعته، لأنه كما أن لك حقوقًا يوفّرها لك الوطن، عليك واجبات يجب أن تؤدّيها.. فمثلًا ندفع الضرائب التي تُستخدَم لخدمة احتياجات المجتمع من طرق وكباري وخدمات البنية التحتية وغيرها… وبدونها يتعطّل الوطن عن تلبية احتياجات مواطنيه. كذلك المشاركة في الانتخابات واجب وطني وأمانة وطنية، بحيث تعبّر عن رأيك دون تخاذل أو رفض. ومن هنا أدعوك لكي تمارس حقّك الدستوري، وتشارك في الانتخابات الرئاسية هذا الشهر، وتعبّر عن رأيك دون كسل أو رفض. وصوتك الذي تزرعه في هذه الانتخابات سوف يأتيك بثمار تجنيها لحياتك ومستقبلك… و«مَنْ يَعرِفُ أنْ يَعمَلَ حَسَنًا ولا يَعمَلُ، فذلكَ خَطيَّةٌ لهُ» (يعقوب4: 17).