صلى قداسة البابا تواضروس الثاني صلوات “سواعي” الجمعة العظيمة بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وشاركه أسقف ورئيس الدير نيافة الأنبا صرابامون ومجمع رهبان الدير
كان قداسته قد صلى لقان وقداس خميس العهد أمس بدير الشهيد مارمينا بصحراء مريوط.
ويتكون طقس الجمعة العظيمة (الكبيرة) من صلوات تتوزع على ٦ سواعي طقسية وهي باكر والثالثة والسادسة والتاسعة والحادية عشر والثانية عشر، تستغرق حوالي ١٢ ساعة من وقت اليوم.
وفي كل ساعة من هذه السواعي تقرأ فصول من العهد القديم تتضمن “نبوات” تشير إلى الأحداث التي وقعت في هذا اليوم وكذلك إلى عمل الخلاص الذي تممه السيد المسيح بصليبه والذي أعلن عنه قبل أن يسلم الروح مباشرةً حينما قال: “قَدْ أُكْمِلَ” (يو ١٩ : ٣٠).
كما تتضمن قراءات مختارة من سفر المزامير ومن الأناجيل الأربعة ومقتطفات من رسائل القديس بولس الرسول تجسد لحظة بلحظة مشاهد ذلك اليوم العظيم الذي يعد الأعظم بين أيام السنة الطقسية في الكنسية.
هذا إلى جانب مجموعة كبيرة من الألحان التي تمتزج فيها الأنغام الرصينة بالمعاني العمقية فتنتج وجبة روحية دسمة تليق بالمناسبة المحورية.
وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هذه الأيام بأسبوع البصخة (الفصح) الذي فيه تعيش وتعايش، متأملةً أحداث الأسبوع الذي ينتهي بصلب السيد المسيح ثم قيامته لحظه بلحظة.
“يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون “….عظة قداسة البابا تواضروس الثاني أثناء “صلوات يوم الجمعة العظيمة من البصخة المقدسة من دير الأنبا بيشوى “
+ باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين
“يوم الجمعة العظيمة هذا اليوم الذي ليس له مثيل في التاريخ، التاريخ الإنساني كله بكل تفاصيله منذ بدايات الحضارة وحتى اليوم وحتى نهاية الزمن لا يوجد مثيل لهذا اليوم على الاطلاق هذا اليوم وهذا الصليب لم يكمن مجرد حدث وقع وانتهى ولكن الصليب عظمته في هذا اليوم ان هذا الصليب انتظرته كل الأجيال واستعدت له كل الأجيال السابقة واما الأجيال اللاحقة للصليب فقدت تمسكت به وجعلته عنواناً لحياته كان المشهد غريباً في ذلك الصباح صباح يوم الصليب نحن نحاول ان نحاكيه في صلواتنا الممتدة يوم الجمعة الكبيرة في صلوات والالحان والقراءات والنبوات نحاول ان نحاكى هذا اليوم لكن الفرحة يا إخوتي الأحباء على ما حدث وما نحيا في هذا اليوم خلق الشجر الذى أوجدها تنقلب ضده وتصير صليباً وخالق الحديد ينقلب ضده ويصير مسامير وخالق الزهور تنقلب ضده وتصير اشواكاً ينقلب أكيلا ويوضع فوق رأسه وخالق الأنسان ينقلب ضده ويصير جلاداً وخائناً ومع كل هذا لم يجد الانسان من المسيح الى هذه الكلمات العظيمة “يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون “
أريد أن أتأمل معكم أيها الإباء الأحباء هذه العبارة الجميلة في حياتنا وخلاصنا وسلوكنا ورهبنتنا “يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون “
بلا شك الجو يوم الصليب كان يوم حزيناً ويوماً صاخباً وليس في الهدوء الذى نحياه اليوم وكان في العهد القديم عندما يصلبون انساناً يقف هذا الانسان ويرسل شتائم وعبارات رديئة للذين يصلبونه فكان يلجأ الذين يصلبوه الى قطع السنة المصلوبين وكان المصلوب بشكل عام يصيح في هيستريا حتى نقرأ في كتب التاريخ ان الذين ماتوا بهذه الطريقة كانوا يلعنون يوم ميلادهم وأما في صلب المسيح لما يحدث هذا من قبل بل كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد ابداً ان المسيح وهو على عود الصليب وفى هذا الجو المشحون نجده يقول ” يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون “
أيها الإباء الأحباء أريد أن أحدثكم عن هذا الحب الغافر
المسيح عندما تعرض لكل هذه الالامات التي يجب ان نحملها جميعا هو حملها بدلاٌ عنا على عود الصليب وبدلاً عنا حمل خطايانا وهذه الكلمة يا أخواتي ليست مجرد كلمة وبلاغة ولكن بالحقيقة خطيتك وخطيتي حملها المسيح على الصليب وأن أردت أن تتيقن ذلك فأنظر الى أكليل الشوك فأكاليل الشوك الممتلئ شوكا هو تعبير عن حمل الخطايا ولم يحملها في جسده فقط بل حملها فوق رأسه كان المسيح رغم ما تم فيه من أحداث الصليب ولكن لم يصدر عنه عنفاً او صراخاُ ولكن ما صدر عن المسيح كانت معجزة وصلاة جميلة وهادئة وكانت هذه الصلاة ممتلئة بالوادعة وبالحق كانوا لا يعلمون ماذا يفعلون حتى بيلاطس البنطى الحاكم الضعيف وهو الوالي الروماني الذى كان موجوداً حتى انه قال لليهود أن يسوع لم يصنع شيئاً ردياً وزوجته حذرته بأنه “أياك وهذا البار” انهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد هذا المسيح الذى على الصليب، وقال لتلميذه بطرس أذهب يا بطرس وأبحث عن الأنسان الذى بصق على وجهى وقل له أنى سامحته ابحث عن الذى غرس أكليل الشوك في رأسي وقل له انى سامحته وأبحث عن الشخص الذى دق المسامير في أيدى ورجلي وقل له انى سامحته وابحث عن الشخص الذى ضربني بالقصبة على رأسي وقل له انى سامحته وابحث عن الجندي الذى طعنني بالحربة في جنبي وقل له أنى سامحته والمسيح في هذا اليوم يسكب محبة وغفراناً لكل أحد أخطأ في حق المسيح .
المسيح رفع عنا هذه الخطية، غفران المسيح على الصليب يعطينا نعمة وقوة خاصة لكل أحد فينا ليغفر ويسامح الأخرين، اننى اؤمن ان الله غفر لي خطاياي على الصليب ولكنى اؤمن ان الله الساكن فيا ان اصفح واسامح الأخرين وانا هنا بتكلم عن الحياة الشخصية لكل واحد فينا فأينما وجد الصليب وجدت المحبة التي يستطيع الأنسان ان يقدمها والمسيح لا يبحث في حياتنا الا عن هذه المحبة قد تكون مجتهداُ ولك معارف وأنشطة كبيرة لكن المحبة الطاهرة القوية هي التي يبحث عنها المسيح في حياتنا لقد اختارنا أن نأتي الى دير وننكر نفوسنا ونعيش حياتنا في رهبنه وتكريس وأعطانا الله نعمة أن نوجد وأن نسكن في مواضع القديسين فهذا الدير اللي له قرون وقرون سكنه عبر الزمن قديسين في كل مكان وتقدست حتى جذوره وجدرانه وحتى الهواء اللي فيه لذلك حينما يعطينا الله النعمة الكبيرة أن نجد في هذا الدير ونعيش يجب أن نملك المحبة وجميعنا في سباق المحبة فالعالم يا أخوتى يحتاج الى نفوس ممتلئة بالمحبة والمحبة ترفض كل سلوك بعيد ومنحرف أنا عايز أقولك أن الصليب يختصر حياتنا العقائدية الايمانية في عدة أبعاد
+البعد الأول: الصليب قوة الله للخلاص وذبيحة المسيح الممتدة عبر الزمن والصليب الطريق الوحيد لبلوغ القيامة
“المسيح أعظم نجار في العالم صنع كوبري بين السماء والأرض بقطعتين خشب وثلاث مسامير وبدون الصليب لا يكون لنا معبر للشاطئ الاخر للحياة الأبدية ولذلك الصليب وهذه المحبة التي رأيناها في الصليب من الناحية الايمانية هي سر الخلاص والصليب الذي يؤدى بنا الى السماء .
والسؤال لك أيها الحبيب هل تلامست مع شخص المسيح الذى حملك وحمل الصليب عنك ؟
الصليب لا يختصر حياتنا الايمانية فقط بل انه أيضاً يختصر حياتنا الروحية مع المسيح صلبت وتعنى ان الانسان يجحد ذاته والذات هي العدو المقيم معانا الذى ياتى اليا بشهوات ورغبات بعيده عن تكريسنا وحياتنا .
ذات الانسان تذله وتضعفه وتبعده وحياتنا الرهبانية كان قديما يتعمل مدخل القلاية منخفض علشان كل واحد وهو داخل ينحني ويتذكر أصلة من التراب وينحني هي دى الصورة الأصلية.
ومع المسيح صلبت صلب الذات وأحنا في الساعات الأخيرة أرفع قلبك الى الله وقوله ذاتى ممكن تضيعني وعقلي ممكن يضيعنى وأفكارى أيضاُ زى ما بولس الرسول خاطب اهل غلاطية وقالهم ” هكذا انتم أغبياء بعدما بدأتم بالروح تكملون بالجسد وهذه هي كلمات بولس الرسول الى أهل غلاطية وهى لنا أيضا
حياتك الروحية في الصليب تعنى أنك تصلب ذاتك دائماَ وتكون أخر الكل .
+البعد الثانى هو أن تفتخر بصليب المسيح فقط
لامكان ولا مكانة ولا منصب ولا مجتمع نحيا حياتنا في الصليب ونفتخر به فقط ولما حد يقولك كلمتين حلوين ولو كل الناس قالو عنك حسنا هذا لا يفيد بشيء
الصليب يختصر حياتنا الروحية ونتعلم فيه أ ن نجحد ذواتنا ونفتخر بهذا الصليب الذى أوقف العالم بالنسبة لى وصار لي طريق السماء.
وأخيراَ الصليب يختصر حياتنا السلوكية في حياتنا في الصليب نرى الله محبته لكل أحد ومازال المسيح على الصليب يفتح ذراعيه ويقبل كل أحد عندما يصرخ المسيح ويقول أنا عطشان وقد نظن نحن البشر أنه عطشان بالماء ولكن واقع هذه الكلمات بالزمن كله هو عطشان بكل النفوس هو عطشان لنفسه وعطشان لكل أحد بعيد وكل أنسان غفلان هو ينتظر كل أحد ومازالت دعوة المسيح مفتوحة، الصليب يختصر حياتنا السلوكية فنرى فيه المحبة التي بلا نهاية محبة كاملة لكل أحد .
+والبعد الأخير أننا نرى في الصليب وصية محبة كل الناس
المسيح علمنا انه أحب العالم كله وكل القارات والناس قلبك ليس منغلقاً على أحد قلبك مفتوح لجميع الناس والعالم يحتاج الى هذا الحب الغافر الحقيقة الذى نستطيع ان تستمده من خشبة الصليب بولس الرسول بيقول محبة الهنا انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا كأنك أيها الحبيب تأتى وقلبك يكون تحت الصليب وتقول له يارب أعطينى من هذا الحب وليس من هؤلاء البشر ، وأحنا ننتهز الوقت الباقي في هذا اليوم مع الطقس الجميل اللي بعيشة ونرفع قلوبنا ونقوله يارب أنا مكشوف أمامك أنت تعلم كل شيء.
وهذا اليوم الفريد عبر السنه كلها بتقف قدام الصليب وقدام الطقوس الجميلة وتقوله انا عايزاك انت يارب لأنى في يوم سأقف أمامك وتطلب منى حساب وكالتي وأعلم أيها الحبيب ان وكالتك هي وكالة المحبة التي سكبها المسيح في قلبك وتحصلها كل يوم نشكر الله أنه يعطينا أن نحتفل بيوم الجمعة العظيمة في دير الأنبا بيشوى في رحاب الإباء الأحباء وهذا الدير العامر وصاحب النيافة الأنبا صرابامون أسقف ورئيس الدير ونشكر الله على كل هذه النعم الكثيرة ونصلى دائماً ان يكون الصليب أمام أعيننا وفى حياتنا اليومية وعندما نحتفل بالقيامة المجيدة لا تنسى أبداً ان الذى أوصلك للقيامة هو صليب المسيح .
ليحفظكم المسيح دائماُ ويرعاكم يبارك في صلاتكم وجهادكم الروحي الذي ترفعونه على الدوام لألهنا كل المجد والكرامة من الأن والى الابد أمين