ونحن نبــــــــدأ الصـــــــــــوم المقدس وندخل إلى أعماق الحياة الروحية حيث يشكل الصـــــــوم الكيــــــان الروحــــــــــي للصـــــــــلاة والصمت والتأمل والقراءة والجوع والاحســـــاس بالآخرين واتضاع الذات والسكـــــــــون الداخلي. فالصلاة هي التعبير القلبي المتجدد بالنعمة حيث الوجود الواعي المتجرد من كل شيء أمام الحضرة الإلهية لأن البعض يظن أن استعداد المصلي وأعماله الصالحة تولد الصلاة، في حين أن الصلاة هي في الحقيقة منبع المآثر والفضائل إذ يقول الكتاب «أَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ.. صَلَوَاتٌ» (1تيمو 2: 1). والهدف الرئيسي للصلوات والطلبات هو الخلاص الأبدي وكل ما يقود إليه لأن احتياجات الإنسان الضرورية هي:أ. الخوف من دينونة الله.ب. أن يكره الخطية.جـ. أن يحب الفضيلة.ء. أن يتوسل لله باستمرار.ولذا فالصلاة الحقيقية هي الصحو لذكر الله كما هو مكتوب «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا»؛ «اِسْهَرُوا» أي الذهن يصحو فلا يتشتت في أفكار قريبة وبعيدة، «صَلُّوا» أي الذهن يلتصق باسم الرب يسوع. ومعنى ذلك أن صحو الذهن يقترن بالصلاة وخاصة الصلوات القصيرة مثل صلاة اسم يسوع.يقول القديس غريغوريـــوس النزينزي «يلزم أن نبدأ وننهي كل عمل بأن نقدم لله صلاة قصيرة، نقدم القلب، وكل ما نعمله. إنه – الله – لا ينظر إلى القليل الذي نصنعه، ولكن إلى المشاعر التي تحركنا. إنه لا يرفض القلب الذي يعطي في حالة الفقر ما يملك وما يستطيع أن يعطيه، معترفًا بفضل الرب وسلطانه عليه».أما القديس باسيليوس الكبير فيرى أن الصلاة على نوعين صلاة الاعتراف والشكر وتمجيد الله، وصلاة الطلب والتضرع. والصلاة مناسبة لكل الأوقات ومن الممكن أن تصاحب كل أعمالنا في شكل التمجيد والشكر لله سواء بصوت عالٍ أو في داخل قلوبنا.حقًا عظيمة هي فاعلية الصلاة، فالله يطلب منا حجة صغيرة لكي يقوم هو بكل العمل. ومن هنا برزت في تاريخ الكنيسة ما نُسميه «الصلاة القصيرة» التي هي صلاة يسوع الداخلية المتواصلة وفيها ذكر اسم يسوع بصورة مستمرة بلا توقف بالشفتين والقلب والفكر في صيغتها الأساسية «أيها الرب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ». ويعبر الآباء عن قوة هذه الصلاة بقولهم «قوات الظلام لا تخشى شئ كما تخاف صلاة القلب الداخلية».ومن تداريب الآباء في هذا الصدد:- اجعل الصلاة شغلك الشاغل وكل عطية صالحة من الله تأتي.- تدرج في هذه الصلاة القصيرة حتى تصير على وزن التنفس.- حين تجلس للمائدة أعطِ: جسدك قوته، وروحك القراءة، وقلبك الصلاة.وثمة ملاحظتان وأنت تصلي سواء الصلاة القصيرة أو الصلوات المتنوعة مثل المزامير أو الألحان أو الترانيم أو التسابيح:الملاحظة الأولى: أن الدموع تنعش صلاتك عندما تدخل إلى الأعماق لأن الدموع التي تحرق الخطية هي دموع التوبة وهي من فعل النعمة. كما أن الدموع تشعرك بلذة روحانية فائقة.الملاحظة الثانية: أنه إن كانت أفكارك مشتتة فاجهتد أن تقرأ أكثر مما تصلي. ويجب أن تختار قراءاتك بما هو مناسب لقانون حياتك لأن كل كتاب لا يصلح لأن يجمع أفكارك، فمثلاً الكتب التي تتحدث عن المناقشات والمحاورات اللاهوتية لا تساعد على تدريبات نقاوة القلب. لذا اختر بمشورة أب اعترافك كتابًا روحيًا يناسب في فترة الصوم للقراءة الروحية بجوار القراءة الإنجيلية اليومية واقرأ بخشوع لأن هذا هو مصدر الصلاة الطاهرة التي تصد سهام الشيطان. «يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ»…