يعلمنا القديس بولس الرسول أن الإيمان هو «الثقة بما يُرجى والايقان بأمور لا تُرى »عبرانيين 11:1 )، وصارت العقيدة الإيمانية هي الموصوفة في قانون الإيمان الذي وضعه الآباء في مجمع نيقيه المسكوني (الأول)، واستكملوه في مجمع القسطنطينية المسكوني (الثاني)، ثم وضعوا له مقدمة في مجمع أفسس المسكوني (الثالث). وصار الإيمان المسيحي مشروحًا بعبا رات دقيقة وتعبيرات قانونية لا لبس فيها ولا غموض. ولذا نحن نردّد قانون الإيمان في صلواتنا ونحن وقوف تعبير اً عمّا نؤمن به ونعيشه ونشعر به، وصار «قانون الإيمان » هو العلامة التي تدل على أن هذه الطائفة أو هذه الكنيسة «مسيحية ،» لأن هناك طوائف تدّعي المسيحية وهي ليست بمسيحية مثل شهود يهوه أو الأدفنتست حيث لا يتلون ولا يصلون بهذا القانون.
وصارت الغلبة التي تغلب العالم هي إيماننا الأقدس لأنه يُعطينا الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى. ونحن نحفظ وديعة الإيمان المستقيم من جيل إلى جيل بكل نقاوة وإخلاص.
وإيماننا لا نقدمه بالشرح ولا بالكلام فقط وانما بالحياة والعمل. قد تكون دروس الإيمان والعقيدة على مستوى العقل والمناقشة نقدمها على مائدة الحوار والجدال والإثباتات والبراهين، وقد نصل إلى نتيجة أو لا نصل، وقد يتوه الجميع في دهاليز اللغة والشروحات عالمين أن النصوص الإلهية (في أسفار الكتاب المقدس) إنما يفسّرها بشر غير معصومين من الخطأ، فالعصمة فقط هي في الأسفار المقدسة.
ولان الإيمان بهذه الكيفية، في العقول والقلوب محفوظ، ويسلمه كل أب وكل أم إلى أبنائهما، وعبر الأجيال فإنه يحتاج إلى ما يظهره ويبينه أمام الآخر.. وهذا يشرحه القديس يعقوب في رسالته حيث يقول: «الإيمان.. إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته… أرنى إيمانك بدون أعمالك، وأنا أريك بأعمالي إيماني… » (يعقوب 2:17 – 18 ).
ويشرح القديس بولس باختصار هذه المعادلة بقوله «الإيمان العامل بالمحبة » (غلاطية 5:6 )، أي الإيمان الذي يظهر بأعمال المحبة، والمقصود هنا ليس المحبة الاجتماعية أو الشكلية أو الظاهرية، بل المحبة الفعلية على غرار محبة المسيح التي أظهرها نحونا نحن البشر: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية » (يوحنا 3:16 )، أي محبة الأغابى، أي المحبة التي لا تنتظر مقابلاً بأيّة صورة.
وقد قام القديس بطرس الرسول بمزيد من الشرح لهذه العلاقة بين الإيمان والمحبة إذ قال: «قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففًا، وفي التعفف صبراً ، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية، وفي المودة الأخوية محبة، لأن الذي ليس عنده هذه هو أعمى قصير البصر، قد نسي تطهير خطاياه السالفة» (2بطرس 1:5 – 9). وعبارة «نسي تطهير خطاياه السالفة » تعني أنه نسي ما فعله السيد المسيح على الصليب، ونسي الفداء الثمين، وضاع إيمانه -الذي يقول به– ولم يعد موجودًا إذ لم يصر عنده هذه السبعة (الفضيلة والمعرفة والتعفف والصبر والتقوى والمودة الأخوية والمحبة)!.. هذه السبعة التي تشكل قوام الحياة الإيمانية الحقيقية، وليس مجرد المجادلات اللاهوتية التي قد تستغرق أعوامًا وأجيالاً دون فائدة تُذكر. وهذا هو السبب الذي جعل القديس بطرس الرسول يبدأ كلامه بعبارة: «وأنتم باذلون كل اجتهاد قدموا في إيمانكم فضيلة… » (بطرس 5: 1 )، بمعنى أن الأمر ليس سهلاً لأنه يحتاج إلى اجتهاد وجهاد روحي شخصي ليكون انسان الله كاملاً بلا عيب (فيلبى 2:15 ).
والخلاصة أن كلمة الله تضعنا في مواجهة ضرورية إذ يجب ان يتحول الإيمان فينا إلى المحبة الحقيقية. بصورة أخرى يجب أن تضع «قانون الإيمان » مقابل «أصحاح المحبة »
( 1كو 13 ). والمدهش أنه في بداية هذا الأصحاح يقول: «… إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئًا » (ع 2).. وفى النهاية يختم بقوله «أمّا الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة لكن أعظمهن المحبة » (ع 13 ).
أدعوك عزيزي القارئ أن تقرأ قانون الإيمان وأصحاح المحبة، وتعيد وضع حياتك بين الإيمان والمحبة وتقيس نفسك أين أنت؟ لأنه هكذا تكون المسيحية الحقيقية.
قانون الايمان:
بالحقيقة نؤمن بإله واحد، الله الآب، ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يُرى وما لا يُرى. نؤمن برب واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء. هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء. تأنس وصُلب عنّا على عهد بيلاطس البنطي. تألم وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين أبيه، وأيضًا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء. نعم نؤمن بالروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الآب. نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء. وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية. ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا. وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي. آمين.
اصحاح المحبة
رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس الفصل/ الأصحاح الثالث عشر
إنْ كُنتُ أتَكلَّمُ بألسِنَةِ النّاسِ والمَلائكَةِ ولكن ليس لي مَحَبَّةٌ، فقد صِرتُ نُحاسًا يَطِنُّ أو صَنجًا يَرِنُّ. وإنْ كانتْ لي نُبوَّةٌ، وأعلَمُ جميعَ الأسرارِ وكُلَّ عِلمٍ، وإنْ كانَ لي كُلُّ الإيمانِ حتَّى أنقُلَ الجِبالَ، ولكن ليس لي مَحَبَّةٌ، فلَستُ شَيئًا. وإنْ أطعَمتُ كُلَّ أموالي، وإنْ سلَّمتُ جَسَدي حتَّى أحتَرِقَ، ولكن ليس لي مَحَبَّةٌ، فلا أنتَفِعُ شَيئًا. المَحَبَّةُ تتأنَّى وتَرفُقُ. المَحَبَّةُ لا تحسِدُ. المَحَبَّةُ لا تتَفاخَرُ، ولا تنتَفِخُ، ولا تُقَبِّحُ، ولا تطلُبُ ما لنَفسِها، ولا تحتَدُّ، ولا تظُنُّ السّؤَ، ولا تفرَحُ بالإثمِ بل تفرَحُ بالحَقِّ، وتَحتَمِلُ كُلَّ شَيءٍ، وتُصَدِّقُ كُلَّ شَيءٍ، وتَرجو كُلَّ شَيءٍ، وتَصبِرُ علَى كُلِّ شَيءٍ. المَحَبَّةُ لا تسقُطُ أبدًا. وأمّا النُّبوّاتُ فستُبطَلُ، والألسِنَةُ فستَنتَهي، والعِلمُ فسيُبطَلُ. لأنَّنا نَعلَمُ بَعضَ العِلمِ ونَتَنَبّأُ بَعضَ التَّنَبّؤِ. ولكن مَتَى جاءَ الكامِلُ فحينَئذٍ يُبطَلُ ما هو بَعضٌ. لَمّا كُنتُ طِفلاً كطِفلٍ كُنتُ أتَكلَّمُ، وكطِفلٍ كُنتُ أفطَنُ، وكطِفلٍ كُنتُ أفتَكِرُ. ولكن لَمّا صِرتُ رَجُلاً أبطَلتُ ما للطِّفلِ. فإنَّنا نَنظُرُ الآنَ في مرآةٍ، في لُغزٍ، لكن حينَئذٍ وجهًا لوَجهٍ. الآنَ أعرِفُ بَعضَ المَعرِفَةِ، لكن حينَئذٍ سأعرِفُ كما عُرِفتُ. أمّا الآنَ فيَثبُتُ: الإيمانُ والرَّجاءُ والمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاثَةُ ولكن أعظَمَهُنَّ المَحَبَّةُ.