من الملاحظات المدهشة في طقس القراءات الكنسية والتي رتبها الآباء بارشاد الروح القدس، تكرار عبارة واحدة عدة مرات قبل بداية فترة الأصوام الكنسية للميلاد والبرامون ويونان والصوم الكبير، حيث تُقرأ هذه العبارة في آحاد شهر هاتور علي النحو التالي:
1- الأحد الأول في شهر هاتور (لو 4:8 – 15 ).
2- الأحد الثاني في شهر هاتور (متى 1:13 – 9).
3- الأحد الثالث في شهر هاتور (حيث بداية صوم الميلاد،لو 25:14 – 35 ).
4- الأحد الرابع في شهر هاتور (مقابلة الشاب الغني مع السيد المسيح وتطبيق عملي سلبي لهذه العبارة).
5- شهر كيهك، التسبيح المستمر تطويبًا لأمنا العذراء مريم كمثال إيجابي على تطبيق العبارة الذهبية.
6- صوم يونان النبي، وهي قصة مقارنة بين شخص لم يسمع وشعب سمع وطبّق ونجح.
7- الصوم الكبير وأسبوع الآلام الذي ينتهي في ليلة أبو غلمسيس حيث يُقرأ سفر الرؤيا وفيه تتكرر نفس العبارة وكأنها تختم منهجًا روحيًا قويًا من قبل الاستعداد لميلاد السيد المسيح امتدادًا إلى قبيل قيامة السيد المسيح (حوالي ستة أشهر).
بصورة أخرى نقول إن آية «من له أذنان للسمع فليسمع » عبارة ذهبية تحتضن فترة الأصوام الكنيسة من بدايتها إلى نهايتها، وهي الفترة التي ترمز إلى تجسد السيد المسيح الإله المتأنس وخدمته الجهارية، وامتدادًا إلى أحداث الصليب والموت والدفن والقيامة المجيدة.
وبلا شك هناك قصد عميق من هذا التكرا ر الكثيف في تنبيه الإنسان إلى أهمية جهاز السمع عنده، فالأذن أحد أعضاء الحواس الخمس، وتمتاز بأنها تعمل ليل نهار دون توقف، فمثاً العين تعمل صباحًا في النهار، ثم يأتي الليل وتُغلق بالجفون لأجل نوم مريح.
كما أن العين تعمل في اتجاه النور أمامها، فلا ترى ما في الخلف، ولا تستطيع ان تعمل في الظلام. أمّا الأذن فهي تعمل في اي اتجاه، ولا تحتاج للنور لكي تعمل، وهي مفتوحة حتى
اثناء النوم، والتركيب التشريحي لها دقيق جدًا ومعقد ويتخصص فيه الأطباء كونه مرتبطًا بالأنف والحنجرة.
ومن الناحية الروحية فإن الجهاز الروحي للإنسان يتكون من عين وأذن وقلب. والأذن هي خارجية وداخلية، لأنه ليس المهم ما نسمع أو مَن نسمع، بل المهم كيف نسمع، والأمثال المصرية فيها ما يشرح ذلك، مثلاً: «فلان عنده ودن من طين والأخرى من العجين .» ومثل آخر: «أنا وداني حساسة تسمع دبّة النملة » (لا أعرف هل النملة لها دبّة أم لا؟!)، ولكنه لا يسمع كلمة الله مثلاً.
والسمع فضيلة نسيمها الطاعة، وهي كلمة محبوبة تمثّل حياة الانسان الناجح، لأنه من خلال الطاعة عاشت الكنيسة من جيل إلى جيل، ومن أب إلى ابن، سواء في البرية حيث «كنيسة التقوى » وأجيال النساك والزاهدين والرهبان والباحثين عن الطريق السماوي، وربما قصة شجرة الطاعة مثال قوي على أهمية الطاعة الواعية في خضوع الحب والاحتمال مع الاتضاع والوداعة.
وأيضًا فى العالم والحياة حيث «كنيسة الخدمة «وأجيال الخدام من الآباء والشمامسة والأسر وكل من له عمل وخدمة، ويؤكد السيد المسيح على ذلك بقوله «… الخراف تسمع صوته، فيدعو خرافة الخاصة بأسمائها ويخرجها » (يوحنا ٣:١٠ ).
وأودّ أن اضع أمامك ملاحظات قليلة حتى تستعد للفترة القادمة:
1- لاتخدع نفسك بأنك متدين وتعرف كثيرا ، والقديس يعقوب يقول فى رسالتة: «كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم » (يعقوب ٢٢:١ ).
2- اقبل ما تسمعه من الإنجيل لك وليس لتعليم غيرك، لأن الوصية تكشف ضعفك وخطاياك.
3- انتهز الفرصة: اليوم أو الصوم أو المناسبة، وقل لنفسك «كل ما تكلم به الرب نفعل » (خروج 8: 19 ).
إن المقياس دائمًا ليس بالمعرفة والمعلومات بل بتنفيذ الوصية. انتبه ولاتخدع ذاتك. انتبه لأنه مع العمر تبلى أجسادنا مثل القلم الرصاص الذى ينتهي مع الوقت. انتبة إلى مايقوله الجامعه «اذكر خالقك في أيام شبابك، قبل أن تأتي أيام الشر… حين ينخفض صوت المطحنة ويقوم لصوت العصفور وتحط كل بنات الغناء… » (جامعة ١:١٢ – ٤). ومن له أذنان للسمع فليسمع… وللحديث بقية.