تحدثنا في الأعداد الماضية عن الجهاز الروحي في الإنسان والذي يشمل الأذن والعين والقلب، وعلى مدار مقالتين تحدثنا عن ”أذنان للسمع“، ومقال هذا العدد عن ”العين“ والتي يتحدث عنها الكتاب المقدس في مواضع كثيرة، ومن أشهرها ما قاله السيد المسيح في العظة على الجبل:«سِراجُ الجَسَدِ هو العَينُ، فإنْ كانتْ عَينُكَ بَسيطَةً فجَسَدُكَ كُلُّهُ يكونُ نَيِّرًا، وإنْ كانتْ عَينُكَ شِرّيرَةً فجَسَدُكَ كُلُّهُ يكونُ مُظلِمًا، فإنْ كانَ النّورُ الّذي فيكَ ظَلامًا فالظَّلامُ كمْ يكونُ!» (متى6: 22-23).واضح أن السيد المسيح يسمّي العين ”عضو النور والاستنارة“، كما أنه -له المجد- يضع العين البسيطة (النقية) مقابل العين الشريرة، ومعروف أن العين كأحد الحواس الخمس التي يتمتع بها الإنسان وتكون مسئوله عن حوالي 75% من المعارف التي تدخل إلى الإنسان ويكون عالمًا بها، وبالتالي فهي المدخل الرئيسي للمعرفة عند الإنسان. ولأن العين عضو النور في الإنسان، فهي لا تمارس عملها إلّا في النور وفي اتجاه النور؛ وإذ كان البصر للعين الخارجية فإن البصيرة هي للعين الداخلية حيث قلب الإنسان وأعماقه. وتحرص الكنيسة في رسم أيقونات القديسين أن تكون العين مستديرة لأن الدائرة رمز إلى الله الذي بلا بداية ولا نهاية، كما أنها تحرص على رسم العينين في أيقونات القديسين رمزًا إلى العين الخارجية والعين الداخلية التي يتمتع بها القديس في مسيرته الروحية بالسلوك التقي والقلب النقي.وقدمها سحر إبليس أمنا حواء بثمرة الشجرة وأنها شهية للنظر وبهجة للعيون وجيدة للأكل (تكوين3: 6)، رغم تحذير الله لهما بعدم الأكل من هذه الشجرة؛ ونفس الموقف مع داود النبي عندما جعله إبليس يتسمّر أمام امرأة جميلة المنظر جدًا (2صموئيل2:2) ويسقط في الخطية والتي تاب عنها فيما بعد بدموع وانسحاق كما نقرأ في مزمور التوبة (المزمور الخمسين). كذلك في قصه الجاسوسين لأرض كنعان، وكيف أن عشرة رجال خافوا من منظر الكنعانيين واعترضوا على دخول الأرض، أمّا الاثنان الآخران (كالب بن يفنة ويشوع بن نون) فقد قالا: «إننا نصعد الأرض ونمتلكها لأننا قادرون عليها» (عدد13: 17-33).ومن هذه المشاهد نجد أن العين النقية يجب ان تكون:ا) عين ترى ”صح“: يقول المزمور: «وصايا الرب مستقيمه تفرح القلب. أمر الرب طاهر ينير العينين» (مزمور19: 4)، وبالطبع لا نقصد الناحية الطبية بل النظرة الروحية السليمة للمواقف والأشياء والأشخاص وغير ذلك.ب) عين تفهم ”صح“: فـ«العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع» (جامعة1: 8)، والمقصود أن تفهم المواقف الحياتية العديدة بطريقة صحيحة ودون تفسيرات أو ظنون خاطئة.ج) عين تترجم ”صح“: «العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها، تقوِّرها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر» (أمثال30: 17)، ومعروف أن للعيون لغة خاصة تحتاج دائمًا إلى ترجمة سليمة حقيقية تعبّر عن المواقف التي يقبلها الإنسان.ويمكننا أن نضع قائمة بالعين الشريرة غير البسيطة وغير المستنيرة، والتي جعلت السيد المسيح يخبرنا بأنه «إذا كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا»:1- العين الشهوانية غير الطاهرة: كما نجدها في حواء وعيسو وشمشون وغيرهم.2- العين المادية الطامعة: مثلما كان لوط وآخاب الملك ويهوذا الخائن.3- العين الأنانية الحاقدة: والتي تنكر كل عطايا الله لها وتعيش في أنانيتها، مثلما كان شاول الملك ضد داود الفتى.4- العين الديّانة الناقدة: والتي لا ترى سوى الأخطاء والسقطات وضعفات الآخرين، مثلما كان سمعان الفريسي ضد المرأة الخاطئة.5- العين القاسية غير الرحيمة: والتي تعبد المال والماديات، كما في مثل الغني ضد لعازر الفقير.6- العين الطائشة والتائهة: وصاحبها يعيش بلا هدف حول ذاته، كما في قصه مثل الغني الغبي.ومن ذلك يتضح أن العين عضو أساسي بين الحواس وهي سراج الجسد وتطلُّعاته، وأيضًا قد تكون سبب العثرة والسقوط. معنى ذلك أن عين الجسد للأرضيات، وعين القلب للإيمانيات. وإذا كانت المعمودية هي الاستنارة، فإنه في سر الميرون والرشومات الـ36 رشمًا، منها ما هو علي العينين، وفيها ما هو على الصدر كله، لكي ما تتكرس وتتقدس حواس الإنسان وسائر أعضاء الجسد.إن العين تحتاج إلى النور (أي نور المسيح) لتؤدي دورها، كما تحتاج إلى الاتجاه أو الوصية (أي الاستقامة في الحياة)، وفوق ذلك تحتاج القوة (أي النعمة) التي تجعلها تدرك حقيقة الأشياء؛ ويكون السؤال الآن: كيف تستنير العين؟! سأضع أمامك عزيزي القارئ عدة اقتراحات لكي تأخذ النور في عينيك:1- مواجهة المسيح: في وقفات الصلاة وممارسات الأسرار الدائمة.2- مطالعة الإنجيل: في القراءة والدراسة والتأمل الدائم.3- مصاحبة القديسين: في حمل أسمائهم وقراءة سيرتهم وأقوالهم.4- مشاهدة المقدسات: بالزيارات للمواضع المقدسة والخلوة.5- خدمة المؤمنين: خاصه افتقاد اليتامى والأرامل والمعوزين.يقول إشعياء النبي (64: 4): «لم ترَ عينٌ إلهًا غيرك يصنع لمن ينتظره». ويؤكد أيوب الصديق بخبرته الروحية: «بسمع الأذن قد سمعت عنك. والآن رأتك عيناي» (أيوب42: 5).للحديث بقية..