باسم الإله الواحد الذي نعبده ونقدّم له المجد والإكرام والعز والسجود الآن وكل أوان. أرحب بكم جميعًا أيها الأحباء: معالي المحافظ اللواء هشام آمنة، وكل القيادات الأمنية والعسكرية والتنفيذية والتشريعية، والقيادات الدينية، وكل الحضور الكريم.
نحن في هذا اليوم في احتفالية ذات مذاق خاص، فهذه الاحتفالية هيّ احتفالية شكر لله الذي حَبَا البحيرة في كل ربوعها بهذا الخادم الأمين منذ خمسين عامًا، وافتقدها بوجود نيافة الأنبا باخوميوس أسقفًا عليها، ونحن نشكر الله أنه أعطانا أن نأتي إلى هذه الساعة المقدّسة، ونشكر الله على هذه الكلمات الطيبة التي استمعنا إليها، وإلى ترانيم وأناشيد الكورال الجميلة، وأيضًا إلى العرض الفيلمي المختصر الذي قدّم لنا لمحات من تاريخ نيافة الأنبا باخوميوس.
نحن نحتفل في هذا اليوم هذه الاحتفالية وهيّ “احتفالية الوفاء”، فما أحلى الوفاء أيها الأحباء، فبعدما شكرنا الله، نحن نكرّم شخصًا أرسله الله لكي ما يخدمنا جميعًا، وهذه نعمة كبيرة أن نُوجَدْ في زمن مَنْ يخدمنا بالروح والحق. عندما ننظر إلى نيافة الأنبا باخوميوس -وأنا ابن هذا المكان وعشت في هذه البلاد وهذه المدينة وهذه المحافظة الجميلة، عشت فيها كل السنوات من بداية تعليمي الابتدائي إلى أن سلّمنا الله المسئولية في قيادة الكنيسة- إنني أرى نيافة الأنبا باخوميوس “قامة وطنية كنسية حكيمة”
1- قامة وطنية:
يحب الوطن، تعلّمَ على أرض هذا الوطن في كل مدارس البلاد وجامعاتها، وتخرّج وعمل وخدم، وحُبْ الوطن كان يلازمه وما زال يلازمه في كل وقت. محبته للوطن دائمة، وهذه المحبة تجلّت في مواقف عديدة جدًا، وتتجلى في العلاقات الطيبة التي يقيمها مع كل المسئولين بدءًا من السادة المحافظ، “محافظ الإقليم البحيرة” ومع كل القيادات الموجودة، عبر الخمسين سنة الماضية. هوّ قامة وطنية بحق، وحَفِظَ سلام الوطن في مواقف كثيرة جدًا، وكان دائمًا يميل إلى الهدوء وإلى العمل الرزين العاقل والعمل الذي يحفظ سلام الجميع.
هوّ ليس قامة وطنية فقط بل أيضًا
2- قامة كنسية:
فالبحيرة في بداية سيامة نيافة الأنبا باخوميوس سنة 1971 كانت جزءًا مضافًا إلى إيبارشية الغربية، وكان مطرانها السابق مقيمًا في طنطا، وكان يفتقد البحيرة في مرات قليلة جدًا، وكانت البحيرة نسيًا منسيًا أو كانت خدمتها محدودة للغاية جدًا. منذ أن وطئت قدماه أرض البحيرة بدأ عملاً حمل فيه الخبرة التي خدم بها، ولكن قبل أن يخدم في البحيرة كانت له خدمات كثيرة، فكما تعلمون أن أول كنيسة مصرية امتدت خارج مصر كانت في الكويت عام 1962 خدمها الشماس سمير خير سكر “نيافة الأنبا باخوميوس”، هذه أول كنيسة خارج أرض الوطن، خدمّ فيها شماسًا مكرسًا، ثم عندما التحق بالدير –ونحن الآن في بداية السنة الستين لرهبنته وإلى مدى الأعوام– انتدبه البابا كيرلس السادس لكي ما يخدم في السودان، وخدم خدمة يتذكره بها أهل السودان إلى الآن بعد كل هذه الأعوام، يذكرون خدمته بكل تفاصيلها؛ ولكن الأعجب والأغرب والذي يبيّن هذه القامة الكنسية أنه يحفظ أسماء الذين خدمهم، لما ييجي ناس من السودان يرزوروه، الجيل الثاني والجيل الثالث، ويقابل الشخص ويقول له: أنتَ ابن فلان أو أنتَ والدته فلانة أو أنتِ والدتك فلانة وهكذا… فلأنه خادم أمين احتفظ بالخدمة وبأسماء مَنْ يخدمهم في الرعاية في السودان وهوّ راهب.. إلى أن حبانا الله بهذه الخادم في إيبارشية البحيرة، وبدأ عملاً متسعًا جدًا جدًا، وفي هذا العمل المتسع ليس في البحيرة وهيّ المركز، ولكنه امتد إلى ربوع خدمته الجغرافية المتسعة نصفها في مصر ونصفها في خارج مصر، وقَدْ احتفظ بعلاقات طيبة مع كل المسئولين. نيافة الأنبا باخوميوس في مسئولياته يتعاون ويتعامل مع أكثر من أربعة من المحافظين في المحافظات المختلفة، وأيضًا كان يتعامل مع رؤساء الدول التي خدم فيها مثل ليبيا والجزائر وتونس ومالطة. هو قامة كنسية منظّمة، خدم هذه الربوع الواسعة جدًا ولكن بخدمة مُركّزة وناجحة، ونحن نجني ثمارها الآن في بلاد كثيرة وفي أماكن كثيرة، ونفرح بهذه العلاقات وهذه الخدمة الطيبة.
الأنبا باخوميوس ليس فقط قامة وطنية أو قامة كنسية بل بالأكثر هوّ
3- قامة حكيمة:
وما أندر الحكمة أيها الأحباء في زماننا، فالحكمة كنعمة وفضيلة وصفة في حياتنا قليلون هم الذين يتمتعون بها، عدد قليل الذي يتمتع بالحكمة. الحكمة التي تصنع سلامًا، والحكمة التي تتخذ المواقف الآمنة، فعندما دخلت الكنيسة في أزمة سنة 1981 قُبيل اغتيال الرئيس السادات، كانت الأمور متوترة واُختِيرَ نيافة الأنبا باخوميوس أن يكون أحد أعضاء اللجنة الخماسية التي كانت تدير الكنيسة في ذلك الوقت منذ حوالي أربعين عامًا، وكان صوتًا للحكمة في العمل وفي حفظ سلام الكنيسة والوطن. وعندما حدثت بعض المشكلات الكنسية في استراليا سنة 1974، انتدبه البابا شنوده لكي ما يذهب -وكان أسقفًا شابًا- لكي ما يحل مشكلة عسيرة جدًا وصعبة جدًا، وبالروية وبالحكمة وبالهدوء استطاع أن يحل هذه المشكلة التي كانت يمكن أن تؤثر بشدة على مستقبل عمل الكنيسة في بلاد المهجر.
أيضًا عندما اختارته العناية الإلهية أن يكون قائمقام وكانت فترة حرجة للغاية في تاريخ الوطن وفي تاريخ الكنيسة، ولكن بالنعمة وبالروح وبطول البال وبنوع من التعقُّل في كل قرار وفي كل خدمة، ولأنه دائمًا ينادي أن صُنعْ السلام هوّ أولوية أولى في حياة الإنسان، وكما هوّ مكتوب «طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعوْن».
نحن يا إخوتي الأحباء، وأنا أفرح أن أشترك معكم وسعيد جدًا بمشاركة السيد المحافظ والسيدة نائبة المحافظ وكل القيادات الحاضرة معنا، أن نشترك جميعًا في تكريم هذه القامة الوطنية الكنسية الحكيمة، إننا نشكر الله كثيرًا على نعمه وعطاياه، ونشكر محبة الله لنا هنا في البحيرة على وجود الأنبا باخوميوس أن الله يعطيه الصحة والعمر الطويل ويعطينا أن نتمتع بشخصيته وبخبرته وبخدمته وبحضوره المبارك في وسطنا، أشكركم كثيرًا.