(إن الحرية قد تجعل الإنسان حراً من الناس، ولكن المحبة تجعل الإنسان صديقاً لله)
القديس اميروسيوس أسقف ميلانو
«قومى استنيرى لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك. لأنه ها هى الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب، ومجده عليك يرى. فتسير الأمم فى نورك، والملوك فى ضياء إشراقك» (أشعياء 60 :1-3).
فى بلد الحب كان حوار الحب ابتهاجاً وفرحا بإشراقة نور الحب بتجسد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. الله محبة وبمحبته أخرج الأرض من العدم إلى الوجود ووهب الإنسان صورته ومثاله، ولكن الانسان اختار الضعف وكسر وصية المحبة وأوجد نفسه خارج الفردوس بلا خلاص، ولكن الله لم يخلق ليدين أو يهدم، بل ليخلص ويخلد (يوحنا 3: 16).
فى قديم الازمان اضاء نور الله على العالم الغارق فى الخطية والحزن والضيق وكما يقول أشعياء النبى «الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب، ومجده عليك يرى» (أشعياء 60 :2).
فالله عندما خلقنا عرفنا انه يحبنا، ولكن عندما تجسد وتأنس عرفنا انه يحبنا جداً ومحبته لا تحد أو توصف بل تتحدى أفهامنا وعقولنا وكل معارفنا.
إن ميلاد السيد المسيح كان البداية الجديدة لحياة جديدة ممنوحة للانسان ليبدأ عصراً وعهدا جديداً فى النور بعيداً عن كل ظلام.
لقد سبق ميلاد السيد المسيح بستة أشهر ولادة القديس يوحنا المعمدان الذى جاء للشهادة ليشهد للنور، كان النور الحقيقى الذى ينير كل انسان اتياً الى العالم مقدماً بعداً روحياً فائقاً لم يختبره أى انسان من قبل وكل الذين قبلوه اعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه. (يوحنا 1: 1-10).
فى تلك الليلة المقدسة اضاء النور المبارك من ذلك الطفل الصغير فى المذود البعيد فى تلك القرية المغمورة والتى لم تعد الصغرى فيما بعد.
ومنذ ذلك التاريخ وعبر القرون مازال وليد المذود يشع بالنور والفرح ويجلب التعزية والبركة والنعمة لكل من يريد وكل من يشتاق خاصة من الذين ليل حياتهم الشخصية فى ظلام دامس بسبب صراعات الخطية وتجاريها، وتردى البشر فى الحروب والنزاعات والسقطات الأخلاقية وجفاف المشاعر الإنسانية، واضطرابات الأرض من زلازل وبراكين وفيضانات وحرائق الاحتباس الحرارى المؤثر على المناخ، وبؤر العنف على مستوى الأسر والأفراد والجماعات، مع العواطف المنحرفة وانتشار الأنانية والنزاعات الاستهلاكية وتدمير البيئة والطبيعة والمخاوف النفسية ومشاعر القلق والإحباط والاكتئاب التى زادت مع انتشار جائحة كوفيد -19 وتحورات الفيروس.. وصار الإنسان بحاجة الى نور وأمل ورجاء يعيد إليه توازنه النفسى وسعادته الداخلية.
فى أحداث الميلاد المجيد اشرق نور الحب على نماذج من البشر ربما تكون ياصديقى واحداً مثلهم تتمتع بما تمتعوا به وتحقق فيك استنارة الميلاد وتتجدد فيك المعانى التى تشكل معالم هذا النور الحقيقى:
أولاً: الاستجابة لنور الحب:
وقد ظهر فى طبيعة الرعاة الساهرين والذين رغم معيشتهم البسيطة جداً وحياتهم المحدودة إلا أنهم كانوا أمناء لهم حضور واستقامة مع استعداد واستجابة لبشرى الملاك الذى ظهر لهم قائلاً: لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب.. (لوقا 2: 10).
وجاءوا مسرعين حيث الصبى وأمه العذراء والقديس يوسف.. ووجدوا استجابتهم فى الحب الحقيقى فى المذود المتواضع أمام المسيح الطفل…
يا صديقى هل لك هذه الاستجابة السريعة للوصية وكلمة الله وان تقوم من كبوج الخطية نحو النور مقدماً توبة وعهداً ورغبة واشتياقاً لحياة النعمة والبركة.
ثانيا: السعى نحو نور الحب:
قد ظهر فى طبيعة المجوس الزائرين القادمين من المشرق حيث بحثوا عن النجم الملائكى واستجابوا وحضروا عبر مسافات طويلة حاملين اشتياق قلبى شديد لهذا الملك الوليد عالمين أنه لا سبيل لمعرفة الحقيقة إلا إذا ظهر رب الحقيقة وأعلنها بذاته كما كان يقول فلاسفة تلك الأزمة.
لقد حضروا بالهدايا الذهب واللبان والمر والتى تحمل المعانى الكثيرة ولما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا (متى 2: 10) وتصرفوا بمهارة وحكمة فى انصرافهم وعودتهم والغنى بدافع المحبة للطفل يسوع. لا تتوانى واصنع الخير مهما يكن حال العالم كما فعل اصحاب المذود الذين استضافوا مريم العذراء والقديس يوسف النجار بعد أن اغلقت كل الأبواب أمامهم.
ثالثاً: التمتع بنور الحب:
وما أجمل أقدام المبشرين بالخيرات «المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لوقا 2: 14).
وقد كان حضور الملائكة وظهورهم مبهجا ومفرحاً وسط النور والتسبيح والسرور إن إشراقة نور الحب لا تمنحنا فقط النجاة من قوى الخطية المهلكة والتى فينا والتى حولنا، بل تكشف لنا مقدار الجمال الذى فى الحياة والطبيعة والبشر الذين على صورة الله ومثاله.
لقد رسم نور الحب لوحة جميلة من نجم المذود وملائكة السماء وأصوات التسبيح بل وكانت شخصيات الميلاد المجيد نجوما مضيئة ليس فى زمانهم فقط بل وفى كل الأزمنة وهو الآن يستطيع أن يرسم لوحة حياتك بالنور والحب والفرح مادام جعلت قلبك نورا له.
تحيى لنا قصة قديمة عن طفل كان يراقب مشهد حضور الرعاة الى المذود ثم نشيد الملائكة فى المساء فى زيارة المجوس الى الطفل يسوع مقدمين هداياهم… وقد وقف الطفل من هذه المشاهد خائفاً مرتجفاً من النور والتسبيح ونظر من بعيد وجه أمنا العذراء متهللاً وتقدم بخطوات وهو يفكر ماذا يقدم لهذا الطفل الجميل فهو ليس مثل الرعاة الذين قدموا الهدايا ولا مثل الحيوانات التى قدمت انفاسها الدافئة ولا مثل أصحاب البيت الذين قدموا المذود..
وقف الطفل متحيرا ماذا يقدم امام المسيح فى المذود..؟؟
وأخيراً قال: لك أقدم قلبى الصغير فهذا الذى أملكه فقط ووقتها ابتسم المسيح له واضاء بذوره عليه فارحا بتقدمه التى هى أعظم ما نقدمه لله وهى فقط التى تفرح قلبه. ونحن نحتفل بهذه المناسبة السعيدة نصلى من أجل وطننا العزيز مصر ولكل المسئولين فيه وفى المقدمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية الذى يقود البلاد بهمة ومسئولية وجدية وإخلاص مما يرفع شأن بلادنا وسط العالم الذى صار يحترم مصر وقيادتها، كما نصلى لأجل مناطق الصراع والعنف لكى يحل السلام فى ربوعها وتنعم بالاستقرار والتنمية من أجل شعوبها وكل عام وجميعكم بخير وسلام.