دشن قداسة البابا تواضروس الثاني، اليوم السبت، كنيسة الشهيد مارجرجس بجزيرة بدران، بشبرا التابعة لقطاع كنائس شبرا الجنوبية، وذلك بعد انتهاء عمليات التجديد التي أجريت فيها.
وأزاح قداسة البابا الستار، لدى وصوله إلى الكنيسة، عن اللوحة التذكارية التي تؤرخ لتدشينها، والتُقطت له صور تذكارية إلى جوار اللوحة ومعه نيافة الأنبا مكاري الأسقف العام لكنائس قطاع شبرا الجنوبية وكهنة الكنيسة المدشنة.
توجه بعدها موكب قداسة البابا إلى داخل الكنيسة ليبدأ صلوات التدشين، حيث دُشِن المذبح الرئيس بالكنيسة الكائنة بالطابق الأول على اسم الشهيد مارجرجس، والمذبح الرئيس بكنيسة الطابق الأرضي على اسم الشهيد مارجرجس والقديس البابا كيرلس السادس، والمذبح البحري على اسم السيدة العذراء.
وقدم قداسته الشكر في كلمته عقب التدشين، لكهنة الكنيسة ومجلسها والشمامسة والأراخنة. وأشار إلى أن الكنيسة تتميز بأن زارها المتنيح البابا شنودة الثالث ودشن معموديتها وبعض الأيقونات، وزارها كذلك القديس البابا كيرلس السادس وذشن المذبح البحري بها على اسم القديس الأنبا بيشوي، كما زارها المتنيح البابا يوساب الثاني عام ١٩٥١.
صلى قداسة البابا والآباء المشاركون القداس الإلهي، بعد التدشين، وألقى عظة القداس التي قدم خلالها ثلاث نصائح تساعد الإنسان على تجديد وتجميل النفس خلال فترة الصوم الكبير، وهي:
١- التوبة: أي أن يعمل الإنسان على أن تكون نفسه تائبة، وأن يُسرع بتنقية القلب باستمرار، “إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ” (لو ١٥: ٧).
٢- الرحمة: يجب أن يتعلم الإنسان عمل الرحمة، لأن الخطية تجعل القلوب حجرية، مما يجعل الإنسان يفقد إنسانيته، “اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ” (مز ٥١: ١)، وينبغي أن تكون نفس الإنسان رحيمة في علاقاته ومعاملاته وكلماته وأن يشعر بالآخر.
٣- الغفران: أي أن يكون لدى الإنسان القدرة على مسامحة الآخرين، وعندما يستطيع أن يسامح الآخر يعني ذلك أنه يملك قلب المحبة، “وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا” (مت ٦: ١٢)، والمحبة تتمثل في القدرة على مسامحة الآخر والقدرة على نسيان الخطأ الذي وقع فيه.
شارك في الصلوات من أحبار الكنيسة إلى جانب نيافة الأنبا مكاري، نيافة الأنبا دانيال مطران المعادي وسكرتير المجمع المقدس، وثمانية من الآباء الأساقفة، وعدد كبير من الآباء الكهنة.
باسم الاب والابن والروح القدس إله واحد آمين تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين.
في هذا الصباح المبارك يعلمنا الإنجيل المقدس عن قصة الإنسان الذي كان مديوناً بـ 10000 وزنة. فذهب لسيده ليطلب منه فرصة يكمل الدين، وسيده كان كريماً و جنوناً و متحننة فسامحه ومسح دينه .. وفي تقليد هذا الزمان يكون مصير صاحب الدين أنه يباع هو وعائلته ويصيروا عبيداً لتسديد الدين. صاحبنا خرج و قابل أحد العاملين معه و هو كان مديون له بـ 100 دينار، فسأله أن يرد الدين – الـ 100 دينار- لكن الآخر لم يستطع أن يستطع رد الدين، فوضعه في السجن. وأرجوك أن تضع أمامك الفرق 10000 وزنة و 100 دينار .. صاحب الدين تصرف معه برحمة وكرم وسخاء ، لكنه عندما تعرض لنفس الموقف لم يتصرف بهذه الطريقة. كانت النتيجة أنه عندما تقابل هذا الإنسان مع سيده وبخه على تصرفه أنه لم يقدم رحمة كما أخذ رحمة، فأخذوا هذا الانسان و طبقوا عليه العقاب. وتنتهي القصة. السيد سامح علي مبلغ كبير، والعبد لم يسامح علي مبلغ صغير. القصة هذه تنفع لنا جميعاً بدون استثناء.
ونحن نحتفل بتدشين هذه الكنيسة اليوم بتفاصيلها الجميلة جداً، يأتي السؤال: هل نفسي جميلة؟ هل أنت أو انتِ تملك نفس جميلة أمام الله؟ هل الله يرى جمال نفسك؟ … تسألني: كيف تكون نفسي جميلة؟ زي ما بنصلي “كما في السماء كذلك على الأرض.” في السماء قديسين لازم نكون قديسين على الأرض، في السماء كاملين لازم نكون كاملين على الأرض، في السماء أبرار لازم نكون أبرار علي الأرض. فتأتي فترة الصوم الكبير نسميها فترة تجديد النفس البشرية. كل أحد فينا كبير أو صغير له نفس أو روح في داخله و بعد أن نكمل حياتنا علي الأرض، سنتقابل معه في السماء، و لكن السؤال: هل ستتقابل معه بنفس جميلة؟ أم ستقابله بنفس قبيحة أو مشوهة أو بنفس ليس لها معنى؟ عبر السنة النفس سقطت أو اتربت أو كسلت … تأتي فترة الصوم الكبير من أجل تجديد و تجميل النفس البشرية و استعادة بهائها أمام الله.
1- نفس تائبة:
التوبة هي إمكانية منحها الله للإنسان لكي يقوم بعد كل سقطة و يكمل الطريق، و هي تساعد الإنسان أن ينقي قلبه. كلنا نغسل ملابسنا كلما اتسخت و نستعيد بهائها و نكمل في استخدامها. يقول أحد الشعراء:” ا تغسل يديك عدة مرات في اليوم ولا تغسل قلبك مرة واحدة في السنة؟” … غداَ سنحتفل بالابن الضال الذي عندما سقط و بعد عن بيت أبوه، صار نفساً ردية ، و عندما وجد أن حاله لا يسر، فكر جيداً و نظر لحاله ، جائع و ملابسه متسخة و عايش وسط مزرعة خنازير .. فقال لنفسه ” أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ.” (لوقا 18:15-19) الشطارة في التائب أنه يقول “أقوم الآن” ولا يؤجل توبته و تذكر كلام المسيح: “إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ.” (لوقا 15 : 7) لذلك إن احتاجت نفسك آلي توبة و قدمت توبة، صارت نفسك جميلة أمام الله. لذلك تجد في كنيستك صلوات كثيرة و أصوام طويلة و ميطانيات و قراءات و فترات صمت لتساعد النفس على التوبة. يقولون السرعة ضارة في كل شئ، ماعدا التوبة. تريد أن تكون نفسك جميلة؟ قدم توبة و اجعل توبتك مستمرة، و اجلس مع أب اعترافك و اسكب خطاياك بجدية واحد يبحث عن نقاوة قلبه.
2- نفس رحيمة:
كثيراً من الناس صارت قلوبهم حجرية بفعل الخطية، لذلك طوال فترة الصوم نقول”طوبي للرحماء علي المساكين” … كلما طلعت الشمس علي الطين الأسود، كلما نشف و الشمس هنا هي النعم الإلهية. قد تتواجد النعمة الإلهية و لكن الانسان بقلبه الأسود يزيد صلابة… و الاحداث التي نسمع عنها حولنا من نزاعات و صراعات هي بسبب قساوة القلب، قلب متحجر لا يشعر. لذلك يا اخوتي الأحباء نحتاج أن نكون أصحاب قلوب رحيمة. في واحد يقولوا عليه ان قلبه حجر صدامي وإن لم يجد أحد ليتصادم معه، يقولوا عليه ” بيتخانق مع دبان وشه” … يفقد انسانيته … الانسان يصير بانسانيته انساناً رحيماً .. لذلك تتكرر كثيراً في كنيستنا كلمة “كيرياليسون .. يا رب ارحم” تطلب الرحمة و تطلب أن يصير قلبك رحيماً فتشعر بألم الآخر و مشاعر الآخر .. تذكر معي الأبن الأكبر و رد فعله عندما عاد الابن الضال من متاعبه الكثيرة و عندما علم انه هناك احتفال كبير برجوعه، رفض أن يدخل .. رجوع أخوه لم يسبب له فرح، بل انه بدأ بنشر النكد علي البيت الفرحان لأن قلبه ناشف، لا يوجد به حنان. الرحمة هي أحد العوامل التي تجمل النفس أمام الله .. الرحمة في علاقاتك، في معاملاتك، في كلماتك. مثلاً واحد كلامه مثل الرصاص، و آخر كلامه يطيب الجرح. قد يقول أحدهم “أنا مش بقول غير الحق، و أقول للأعور أنت أعور في وشه.” … الرحمة تكون بنظرة انسانية بالدرجة الأولي، بدون النظر آلي جنس أو لون أو لغة أو ديانة أو اعتقاد، و نتذكر هنا قصة السامري الصالح و كيف تحنن علي الانسان الذي تعرض لاعتداء من لصوص.
3- نفس مسامحة
أن يكون لك قدرة على مسامحة الآخرين. إن كان عليا 10000 وزنة، يسامحني الله، فيجب أن أسامح أخي الذي لي عنده 100 وزنة. وهذه قضية خطيرة في العالم، أن الإنسان أصبح لا يستطيع أن يسامح الآخر. يوجد إخوة في خصام لمدة 20 سنة، و ربنا يسامحك على أخطائك كل يوم، و انت غير قادر أن تسامح الآخر. من يستطيع أن يسامح الآخر يدل ذلك انه يملك قلب المحبة. لأن المسامحة أول خطوة في المحبة، و هذا ما قدمه لنا المسيح نتيجة محبته. لذلك نصلي كل يوم و نقول” و اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين آلينا.” هل يستطيع قلبك أن يسامح الآخر و تنهي أي خصومة؟ أحياناً نسمع في البيت الواحد أن به خصومة و اختلاف يستمر يومين أو عشرة أو شهر أو سنة … هل ستقف أمام الله تظن أن نفسك جميله؟ لن يجد نفسك جميلة أمامه .. ماذا سيكون مصيرك حينها؟؟ .. ان كنت تعتقد أن في قلبك محبة وأنت غير قادر على المسامحة، هذا ليس حب .. فالحب هو أن تستطيع أن تسامح وتنسى .. مسامحة و نسيان .. المسامحة فقط هو نصف الطريق.
الخلاصة يا إخوتي الأحباء و نحن في هذه الكنيسة الجميلة بكل تفاصيلها، تقف وتصلي لله و تقول له أعدك أن من النهاردة سوف تكون نفسي جميلة …
1- سوف أتوب أمامك كل يوم و أنظف قلبي …
2- كل يوم سأعيش الرحمة و اطلبها، سأرحم كل من كان حولي مهما ان كان صغير أم كبير، لكي أجد رحمة أمامك …
3- سأتعلم منك كيف اسامح كل من أخطأ أو أساء إلي بكلمة أو موقف.
اجعل قلبك واسع لأن صاحب القلب الواسع هو الذي يستطيع أن يسامح. وتذكر أن الصوم الكبير هو موسم تجديد وتجميل النفس البشرية لاستعادة بهائها ورونقها.
This page is also available in:
English