شهد قداسة البابا تواضروس الثاني مساء اليوم احتفالية كنيسة الشهيد مارجرجس بسبورتنج بالإسكندرية، بالعيد الـ ٤٤ لنياحة القمص بيشوي كامل (تنيح في ٢١ مارس ١٩٧٩).
وتوجه قداسته، لدى وصوله الكنيسة، إلى مزار القمص بيشوي كامل الموجود، وصلى صلاة الشكر وسكب الحنوط والأطياب على المقبرة التي تحوي جثمانه.
تأتي مشاركة قداسة البابا هذا العام في الاحتفال بعيد نياحة القمص بيشوي كامل، بمناسبة اعتراف المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية رسميًا بقداسة القمص بيشوي كامل في شهر يونيو من العام الماضي.
وألقى قداسته كلمة في الاحتفال الذي سيستمر لعدة أيام، تناول خلالها موضوع بعنوان “المحبة الكاملة” حيث قرأ جزءًا من الرسالة الأولى للقديس يوحنا الحبيب الأصحاح الرابع (من آية ٧ حتى آية ١٨) وتحدث عن ثلاث سمات لمحبة الله لنا، وهي أنها:
١- شخصية.
٢- دائمة
٣- مفرحة
كما أشار إلى أن للمحبة المطلوبة منا، وجهان، هما:
١- الوفاء.
٢- الرعاية.
حضر الاحتفال من أحبار الكنيسة الآباء أساقفة العموم المشرفين على القطاعات الرعوية بالإسكندرية: أصحاب النيافة الأنبا بافلي (قطاع المنتزه) والأنبا إيلاريون (قطاع غرب) والأنبا هرمينا (قطاع شرق).
كما حضره الأب القمص أبرآم إميل وكيل البطريركية بالاسكندرية، وعدد من الآباء كهنة الإسكندرية وأعداد كبيرة من أبناء الكنيسة.
بسم الاب والابن والروح القدس إلخ واحد أمين ، تحل علينا نعمته و بركته من الآن و إلي الأبد آمين.
سعيد أن أشترك معكم في هذا التذكار المجيد و احتفالنا بأبونا بيشوي، قديس هذه الكنيسة و قديس في الكنيسة الجامعة. يا بختكم لأن هذا الخادم المبارك تعب كثيراً في خدمة هذه الكنيسة. أبونا بيشوي كان يأتي لكنيسة الملاك في دمنهور ، واتذكر اني أوصلته مرتين لمحطة القطار، وكنا نتسابق كشباب وخدام علي من يوصل قدس أبونا للمحطة. كان يأسرني في هذا الانسان – انسان الله كما اطلقتوا عليه – الوداعة البالغة.
كلما تأتي سيرة أبونا بيشوي أتذكر نقطتين:
الأولي: “طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.” أبونا بيشوي رحل منذ ٤١ سنة و في وسطنا من لم يروه، و رغم أن التسجيلات الموجودة تقرب لنا الصورة، لكن هذا لا يغني عن رؤية العين.
العالم الآن يا إخوتي الأحباء يحتاج إلي ودعاء خصوصاً ان كنت كاهن -صورة المسيح- ان تكون انسان وديع من قلبك وفي خدمتك وعملك وكلامك ورؤيتك ووجهك وأسلوبك يدون في دائرة الوداعة. أشعر أن في وسط زحمة هذا العالم، تنقرض فضيلة الوداعة. أبونا بيشوي كان انساناً وديعاً، لذلك اسمه وسيرته ترث الأرض، عايشة معنا.. صغار وكبار يطلبونه ويتشفعون به.
لذلك ايها الكاهن و ايها الخادم لا تتخلي عن وداعتك التي قال عنها المسيح:”اتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ.” (مت 11: 29).” .. قد يصدر منك تصرف قاسي .. صوت عالي ..أسلوب العضلات .. ومثل هذه التصرفات تصرف عنك روح الوداعة.
الثانية: آية قالها يونان النبي في صلاته داخل جوف الحوت، و هي تعتبر نبراس لنا جميعاً، و خصوصاً لمن يحمل علي عاتقه خدمة المسيح. قال: “اَلَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً يَتْرُكُونَ نِعْمَتَهُمْ.” (يون 2: 8) العالم به الكثير من الأباطيل الكاذبة، و الأباطيل هي رغبات وشهوات و أفكار واهتمامات تلهيك عن قصدك و قصد الله فيك. حينما يريد الله أن يعمل فيك و يريد ان يهبك النعمة القوية الحقيقية لتخدم بها، يجدك مشغول و مهموم بأشياء لا تساوي، أو علي الأصح، مشغول بتراب الأرض.
لذلك يا إخوتي الأحباء، و في هذه الليله المباركة بحضور الآباء الأساقفة والآباء الكهنة و كل الشعب و نحن في تذكار سيرة مقدسة .. ليست ذكرى للتاريخ أو ذكرى بطل في تاريخ المسيحية او الاسكندرية .. لكننا نتذكر حياة و صورة للسيد المسيح في الخدمة الحقيقية التي نحتاجها. نحتاج ايضاً بنفس كيفية ابونا بيشوي آباء و اخوه و اخوات بهم هذا الطابع و هذه الروح. كما أشار الآباء في كلماتهم الطيبة ان بعدما اعترفت الكنيسة بقداسة أبونا بيشوي في كل العالم و نفرح بتمجيد هؤلاء الذين عاشوا حياتهم من أجل المسيح و ظهرت رائحة المسيح الذكية في كل خدمتهم و كل تصرفاتهم .. و الحكايات تظهر الروح العظيمة التي عاشت في أبونا بيشوي.
أريد ان اتحدث معكم كلمة بسيطة عن ما يسمى بالمحبة الكاملة.
الحديث عن المحبة ليس حديثاً سهلاً، فأنت تتحدث عن الله؛ وكما قال يوحنا الدرجي:” عندما تتحدث عن المحبة، إخلع نعليك، فأنت تتحدث عن الله.” ما هو أكثر شئ يحتاجه العالم الآن؟ فالعالم الآن به تكنولوجيا ً اختراعات و علم و قادة و ثقافة .. لكن ما ينقص العالم لكيما يكون عالماً كما قصده الله هي المحبة. لذلك يقول بعض الأباء:” من يعرف المحبة يفهم الحياة.”
اسمحوا لي أقرأ جزء من (رسالة يوحنا الأولى ٤ : ٧-٢١) هذا النص الإنجيلي نص صغير و لكنه في غاية الخطورة لحياة الانسان الذي يريد أن يعيش في مخافة الله. أدرك تماماً أيها الأحباء انكم تعرفون عن المحبة أكثر مني، لأن المحبة هي حياة.. الانسان الصالح هو من يقتني المحبة في قلبه لتكون عامرة و حاضرة كل حين.
١- محبة شخصية:
محبة الله لكن واحد فينا هي محبة شخصية، كل واحد و واحده باسمه. و كما يعلمنا الأباء انك كنت فكره في عقل الله، كان مشغول بها، ثم خلقك و أوجدك لتكون لك رسالة وتصير انساناً فريداً في هذا العالم؛ و لانه يحبك شخصياً -و كما يقولوا: محبة الله لا تتيه في الزحام- كما نرى تعامل الله مع زكا، وسط الزحام ناداه من على الشجرة. فنجد زكا أصبح كمن وجد كنزاً فاق الثروة التي كان يمتلكها. نزل زكا و تقابل مع المسيح فشعر بالمحبة الغالبة .. و نجده يتعهد:”نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد اربع اضعاف.”
لذلك لا تتخلي أيها الحبيب ان تكون قريباً من مسيحك، و مقابلة المسيح تكون في صلواتك بكل أشكالها، و في قرائاتك و علي رأسهم كتابك المقدس حتي تصير انت نفسك كتاب مقروء من جميع الناس.
٢- محبة دائمة
هي محبة لا تتغير بظروف الانسان، مهما تكاسلت او صرت في فتور، فمحبة الله دائمة وهي بلا حدود. هذه المحبة تعطي سلام قلبي و اطمئنان إن الله الذي يحبني عينه عليا من اول السنة إلى آخرها. لذلك عندما سألوا الأباء ما هي أقصي شئ يتعرض له الإنسان، كانت الإجابة: زوال المحبة. حتى المرأة الخاطئة عندما سقطت و جاءوا بها ليحاكموها، كانت محبة المسيح -كما يعبر عنها بولس- “محبة المسيح تحصرنا” .. محبته أحاطت بها.. كانت هذه المرأه في لحظات مليئة بالعار، لكن جاء إليها صوت المسيح “أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟»
فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».” ..محبته سترت العار و بدأت هذه المرأة حياة جديدة. إن كانت محبة المسيح شخصية و ان كانت دائمة، فما يكمل هذا المثلث انها:
٣- محبة مفرحة
كلما تشعر بها ، تأخذ طاقة تهبك النجاح في خدماتك و مسؤولياتك و عملك. اللص اليمين على الصليب كان بجانب المسيح، كم كانت فرحته عندما وصل إلي الفردوس بسبب محبة المسيح. بولس الرسول الذي قضى نصف عمره بعيد عن الله، ثم بدأ مشوار الإيمان و النجاح و الفرح مع المسيح فقال :”لي الحياة هي المسيح.” .. أيضاً بطرس الرسول الذي كان من أوائل التلاميذ و من أقرب المقربين. عاش معه وسمع تعاليمه و رأي معجزاته و تحاور معه مرات و مرات .. ثم يخطئ عند الصليب. لكن محبة الله شخصية و دائمة و مفرحة .. فيأتي وقت صيد السمك بعدما سأله المسيح أتحبني ثلاث مرات، و يجيبه “أنت تعلم يارب أني أحبك.” ، كلفه أن يرعى غنمه، و انتشرت كرازته في العالم كله.
محبة الله كامله، لذلك أيها الحبيب من فضلك راجع محبتك كل يوم حتى المواقف الصغيرة، لأن من يثبت في المحبة يثبت في الله و الله فيه… و نحن نتحدث عن أبونا بيشوى، فإننا نتحدث عن انسان ثابت في المحبة. المحبة ليست بالكلام لكنها حياة و فعل. يقول يوحنا ذهبي الفم :” لا تنتظر ان احد يحبك، بل اقفز نحوه بالحب.” ويقول مرة أخرى:” أي مصباح بلا نور و اي مسيحي بلا حب.” .. يعلمنا سفر النشيد أن :” المحبة قوية كالموت.” يعني لها سلطان.. لها قوه .. لها فعل .. لذلك المحبة لا تسقط ابداً. اذا بنيت علاقاتك و بنيت خدمتك و بنيت بيتك و بنيت كلامك على أساس المحبة، لا يسقط ابداً ، و أمامنا المثل الحي الذي نحتفل به في هذه الليلة.
الحديث عن المحبة لا ينتهي، و العالم النهارده يمتلك كل شئ لكنه جائع للمحبة. لذلك يرسل الله عبر الأزمان و من خلال كنيستنا رسل محبة، متمثلين بأباء الكنيسة و يقدمون محبة حقيقية.
الناس الآن يعيشون في المادية الطاغية، نراها بتمسكنا بالهاتف، ولا ادري ان كان الانسان يمسك بالهاتف او الهاتف هو الممسك بالانسان .. حتي أصبح هناك نوع من انواع الخوف اسمه ” الخوف من فقدان الموبايل” و أصبح مرض نفسي. كأن الإنسان صار يستمد حياته من هذه الأجهزه؛ و بهذه الصورة جفت المحبة من قلب الانسان. و اصبح لا يعرف المحبة الحقيقية ، محبة المسيح الذي كان يجول يصنع خيرا.
و لذلك الأمر معول علينا جميعاً نحن الذين ننهل من غني كنيستنا و من انجيلنا و من تراثنا و من قديسنا .. فاصبحت تقدر ان تحب العالم كله من هذا الغني.
أوجه المحبة:
الوفاء: قيمتها على وشك الانقراض في وسط زحام العالم، بسبب مشغولية الناس كأنهم تحت تأثير مخدر. الوفاء لمن علمونا، كمثال يوحنا الحبيب الذي ظل ملايقاً المسيح وكان يتكئ على صدره و يطلق عليه ” التلميذ الذي كان يسوع يحبه.” .. ظل معه حتى الصليب، و استودع المسيح أمه عنده.. و هو اول من عرف المسيح في معجزة صيد السمك بعد القيامة ..صورة وفاء السيد المسيح الذي في عز آلامه اهتم ان يودع العذراء في يد ترعاها. اوعي تكون انسان جاحد، لا يقدر قيمة الأسرة و الاب و الام و الاخ و الاخت و من تعب معك في مجال التربية . ايضاً الوفاء للوطن، و نتذكر نحاميا و ايتبر و كم كان وفائهما لوطنهما و شعبهما.
الرعاية: هي تعبير عن المحبة. مثلاً رعاية الشريك و الشريكة، كمثال ألقانا و حنة أم صموئيل .. كيف قال لها:” أما أنا لك خير من عشرة بنين.” لكي يطيب خاطرها ولا بجرحها . ايضاً ابيجايل التي تعاملت بوداعة و حكمة مع تصرف زوجها الأحمق. ايضاً رعاية الكبير، المتمثلة في خدمة العذراء مريم لأليصابات مدفوعة بطاقة المحبة. و و رعاية الصغير الذي نسمع عنه من بولس عن أم وجدة تيموثاوس الرسول “إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلًا فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا.” (2 تي 1: 5)
هذه كلها صور للحب العملي الذي نأخذه من ربنا علي رأي بولس الرسول:”مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.” (رو 5: 5).
المحبة هي حياة و هي حالة روحية يعيشها الإنسان .. اياك ان تعتقد ان هذا الزمن لا ينفع فيه الحب وإنه زمن الزراع و القوة، لأن الله ضابط الكل مازال يضبط التاريخ و يضبط الحياة و يهبنا العطايا العظمي.
تدريب: ادرس ١يوحنا ٤
This page is also available in:
English