المزمور 119 و هو أطول مزمور و أطول أصحاح في الكتاب المقدس و قلب سفرالمزامير يشكل لوحة فنية مكتوبة بعبارات دقيقة البناء و حلوة التفاصيل حول عظمة كلمة الله و قوتها و فعلها في حياة المؤمنين و كيف يعيش الأنسان نقياً و نامياً و فرحاً.انه تأملات مطرزة في جمال كلمه الله تناسب المصلي في جميع ظروف حياته سواء في الضيقة أو السعة , في الشباب أو الشيخوخة , كما انه يناسب كل ساعات اليوم نهاراً وليلاً.فهو بالحقيقه مزمور كل أيام الحياة , و تصلي به كنيستنا يومياً في الخدمة الاولي من صلاة نصف الليل من صلوات الأجبية . و يمكن أن نقول انه عظمة هذا المزمور تعود الي انه خليط من البلاغه الروحية الموزونة بالصلاة و العبادة و التسبيح و التأمل و السياحة القلبية التي تهيم حباً و شوقاً في كلمه الله التي تعطينا القدرة علي النمو في حياة القداسة حسب الوصية “كونوا قديسين لأني أنا قدوس”(1 بط 1 :16)
يري بعض الأباء أن كاتب المزمور هو داود النبي و قد كتبه عبر حياته كمذكرات خاصة حول عشرته لله و تمتعه بكلمته . و جمعها في اواخر حياته فصارت هذا المزمور . و ان كان بعض الدارسين يرجحون أن كاتبه هو أرميا النبي أو عزرا الكاتب أو كاتب آخر أخذه من سفر التثنية حيث مفردات المزمور و لغته و رسالته تستمد جذورها من هذا السفر الذي هو الأعلان الثاني للشريعة .
و هذا المزمور يتكون من 176 آية مقسمة علي 22 قطعة تمثل عددالحروف الأبجدية في اللغة العبرية،و كل قطعة أو فقرة تتكون من ثماني آيات تبدأ بحرف من الأبجدية العبرية وبالترتيب وتكاد كل آية فيه تذكر كلمة الله تحت عشرة اوصاف هي : كلمات – وصايا- ناموس- شهادات – حقوق- طرق – فرائض – عجائب – أقوال – أحكام.
و هذه الأوصاف تشرح كيف أن كلمة الله غنية و محبوبة و مهوبة و ثابته و مفرحة و معزية و معبرة عن صرخة النفس المتعطشة لله,و كيف أن الأبرار هم الذين يرتبطون بكلمة الله ارتباطاً و التصاقاً دائماً . و أن الشر ليس هو فعل الخطية بل مجرد البعد عن كلمة الله اي أن الاشرار هم الذين يرفضون الكلمة و لا يعطون فرصة لكي تعيش الكلمة المقدسة في حياتهم و يتفاعلوا معها .
علي هذا الاساس يعتبر المزمور :
1- سياحة روحية تأملية في عظمة كلمة الله و فعلها و ثرائها و أعماقها التي لا تحد .
2- تدريب صلاة تقوية ترتفع بالنفس المشتاقة و التي تتلذذ بمعية الرب في حياتها .
3- مصدر التعزيات وسط الآلام و الضيقات التي تحدث طوال عمر الأنسان علي الارض.
و رغم وجود بعض الاختلافات اللفظية بين النص في الكتاب المقدس (و هي عن اللغة العبرية ) و النص في ترجمة الاجبية ( و هي عن اللغة القبطية )الإ أن ذللك يساعدنا في التعمق في فهم النص و جماله , و من باب التطبيق العملي نأخذ القطعة الأولي علي سبيل المثال نصاً و شرحاً و تأملاً
“ترجمة الاجبية” | “الترجمة البيروتية” (الكتاب المقدس) | العدد |
طوباهم اللذين بلا عيب فى الطريق . السالكون فى ناموس الرب. | طوبى للكاملين طريقا ” السالكين فى شريعة الرب “ | 1 |
طوباهم الذين يحفظون شهادتى ومن كل قلوبهم يطلبونه . | طوبى لحافظى شهادته. من كل قلوبهم يطلبونه | 2 |
لأن صانعى الاثم لم يهووا ان يسلكوا فى سبله . | “ايضا لا يرتكبون اثما “. فى طرقه يسلكون | 3 |
انت امرت أن تحفظ وصاياك جداً . | “انت اوصيت بوصاياك ان تحفظ تماما” | 4 |
فياليت طرقى تستقم الى حفظ حقوقك . | ليت طرقى تثبت فى حفظ فرائضك . | 5 |
حينئذ لا أخزى اذا تطلعت الى جميع وصاياك . | حينئذ لا أخزى اذا نظرت الى كل وصاياك . | 6 |
أشكرك يارب بأستقامة قلبى اذا عرفت احكام عدلك . | أحمدك بأستقامة قلب عند تعلمى أحكام عدلك . | 7 |
حقوقك أحفظ , فلا ترفضنى الى الغاية . | وصاياك أحفظ . لا تتركنى الى الغاية . | 8 |
و الكاملين هم اصحاب السيرة المقدسة و الخطوات النقية في حياتهم و نلاحظ أن كلمه ” طوبي ” لا نجدها في موضع آخر من المزمور سوي العدد الثاني من القطعة الأولي ، و كأن المزمور يشير الي طريق البركة أي الكاملين الذين بلا لوم أي اصحاب الأستقامة و الاخلاص من خلال التوبة و نقاوة القلب ( أفسس 1 : 4 ) .أنهم الذين يحفظون الوصية و يشهدون لعمل المسيح و قد تخلوا عن الأثم لانهم مستغرقون في محبة الله
و ربما من الأسئلة التي تراود الانسان : هل الأنسان يحفظ الوصية أم الوصية تحفظ الانسان ؟ و الاجابة : الاثنين , لان الانسان عندما يحفظ الوصية , تحفظه الوصية في طريقه . أما الخزي فهو يصاحب الخطية كما حدث عند سقوط آدو و حواء , و لكن حفظ الوصية يبعد الانسان عن الخزي و يمتعه بالوجود مع الله .
ان استقامة القلب تعني استقامة المشاعر و الأفكار مع التصرفات و العلاقات فلا يتأثر الانسان بافكار العالم المضللة و الغريبة و الاباحيات شكلا و فعلاً , لانه متمسك و محصن بكلمه الله العادله.
و في نهاية القطعة الأولي يترجي الله ألا يتركه إذ ضعف أو سقط أو قصر , بل يمد له يد المعونة و الرحمة لانه علي الدوام مشتاق للوصية و الحياة بها .
أيها القاريء العزيز اجعل هذا المزمور تدريب روحي للقراءة و التأمل و الحفظ و الصلاة كل يوم خاصه مع النصف الثاني من الصوم المقدس لتختبر محبه الله و عنايته بك.