وضع لنا القديس بولس الرسول قانوناً اساسياً فى السلوك المسيحى حسب الوصية وسلمه لتلميذه تيموثاوس وسلمه لنا ايضاً حين قال : وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ (1تى 1:5). وبهذة الثلاثية الحياتية (المحبة + الضمير + الايمان ) ينجح الإنسان المسيحى فى مسيرة حياته نحو الملكوت . والواضح فى كل رسائل القديس بولس انها تدور حول هذة المحاور الثلاثة بتعابير وعبارات متنوعة ولكنها لا تخرج عن هذة الثلاثة حتى حين تكلم عن بعض مشكلات الرعاية مثلما حدث مع خاطىء كورنثوس أو مع فليمون والعبد الهارب وغيرها .
وفى زيارتنا التاريخية الى الفاتيكان بمناسبة مرور خمسون عاماً على أول لقاء بين الكنيستين فى عام 1973م فى روما بين البابا شنودة الثالث والبابا بولس السادس , اعتمدنا على القانون الاساسى الذى وضعه لنا القديس بولس الرسول بأن غاية الوصية هى المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء, وكانت كل الخطابات أو الكلمات التى القينها أثناء هذه الزيارة (9-14 مايو 2023 ) تدور حول هذه المعانى الكتابية الاصلية .
لقد كان لقاءاً مفرحاً للغاية مع قداسة البابا فرانسيس ومع أباء الكنيسة الكاثوليكية وقد شعرنا نحن الوفد القبطى بمشاعر الامتنان والفرح والترحيب الحار فى محبة المسيح التى تحصرنا جميعاً .
وقد تجلت المحبة المسيحية فى مشاهد عديدة أثناء الزيارة جعلتنا نعيش ونختبر كلمات القديس بولس على أرض الواقع واود أن أذكر بعض هذه المشاهد تسجيلاً لتاريخ مجيد فى حياة كنيستنا المقدسة :
- فى المقابلة الأولى مع البابا فرانسيس فى ميدان سان بيتر تقدمنا نحو بعضنا بقبلات المحبة ثم فى لفتة محبة رقيقة أخذ صليب الصدر الذى ارتديه وقبل ايقونة العذراء مريم المرسومة فيه. كانت لفتة مفاجئة لى واستغرقت ثوانى قليلة ولكن حملت معانى كثيرة ومحبة فياضة مع تواضع شديد وكأنه درساً عملياً فى قبول الآخر.
- 2- فى ساحة القديس بطرس ألقيت كلمة روحية لجماهير الشعب الكاثوليكى وقد قدمنى البابا فرانسيس للجماهير الحاضرة والقيت كلمتى باللغة العربية وقد تم ترجمتها لعدة لغات. كما القى قداسته كلمة مرحباً بنا فى هذه المناسبة الذهبية. وهذا اللقاء الاسبوعى فى الفاتيكان كل يوم اربعاء فى العاشرة صباحاً خاص فقط بالبابا فرانسيس ولا يتحدث فيه أى متكلم آخر. وكان حديثنا هو للمرة الأولى فى تاريخ الفاتيكان أمام الحضور من جنسيات عديدة واستغرق اللقاء كله نحو الساعة وانتهى بأن أعطى كلانا البركة الرسولية لجموع الحاضرين.
- 3- فى أثناء دخولنا الى ميدان سان بيتر أٌنشد شمامسة الكنيسة القبطية لحن القيامة والذى قوبل بترحاب حار وهى المرة الأولى التى يُسمع فيها لحن قبطى أمام الحضور وفى حضرة البابا وآباء الكنيسة الكاثوليكية.
- 4- وفى اليوم التالى (الخميس 11 / 5 /2023 ) كان اللقاء المنفرد بيننا فى مكتب قداسة البابا فرانسيس وكان الحديث فى موضوعات عدة من حيث خدمة الكنيسة وعمل الله ونبذ الصراعات والحروب وكيفية التعاون فى أنشطة الكنيسة فى المجالات الاجتماعية المتعددة مع التأكيد بأننا نصلى من أجل بعضنا البعض كما كان اتفاقنا فى اللقاء السابق (مايو 2013 م ).
- 5- كان لقاء الوفدين لقاء تسوده محبة المسيح حيث القيت كلمة عن ضرورة الحوارات والزيارات فى مسيرة الوحدة, كما القى البابا فرانسيس كلمة معبرة عن معنى الوحدة المسيحية لانها ليست سيطرة طرف على طرف ولا ابتلاع طرف لطرف ولكنها السير معاً نحو الملكوت .
- 6- كانت هديتنا الى الكنيسة الكاثوليكية عبارة عن صندوق يحوى قطع من ثياب شهداء الأقباط فى ليبيا ملطخة بدمائهم مع بعض أربطة اليد لهم أثناء استشهادهم فى فبراير 2015 م مع وثائق رسمية من الكنيسة موقعة منا ومن مطران سمالوط نيافة الانبا بفنوتيوس حيث تقع فى دائرة ايبارشيته قرية العور التى خرج منها هؤلاء الشهداء .
- 7- ثم كانت مفاجأة لنا انه عندما تسلم البابا فرانسيس الزخائر المقدسة للشهداء توقف برهة ثم اعلن امامنا انه بصدد إقامة مذبح يحمل اسم الشهداء الاقباط فى كنيسة القديس بطرس الرسول وقد سبق هذا ان قداسته اعترف بهؤلاء الشهداء وإدراج سيرتهم فى سنكسار الكنيسة الكاثوليكية ليحتفل بهم يوم 15 فبراير من كل عام وهو اليوم الذى حددة مجمع كنيستنا المقدس للاحتفال سنوياً بالشهداء المعاصرين .
- 8- ثم جاءت المفاجأة الآخرى وهى تقديم جزء من رفات القديسة كاترين العذراء شهيدة الأسكندرية لنا وقد تسلمتها بأحترام ووقار لتوضع فى دير القديسة كاترينا والقديسة فيرينا فى إيبارشية لوس انجيلوس فى امريكا وهو دير للراهبات تحت التأسيس بإشراف نيافة الانبا سيرابيون مطران لوس انجيلوس وقد تسلم الرفات فى اجتماع لجنة المهجر بالقاهرة مؤخراً يوم 30 مايو الماضى.
- 9- اعقب ذلك صلاة مسكونية مشتركة فى الكنيسة الخاصة ببابا روما وشارك كل الحضور فيها مع الحان القيامة المجيدة وفى نهايتها ودعنا قداستة بكل فرح وقد قام بتقبيل صليب الصدر لنا مرة اخرى فى تأكيد على المحبة والاتضاع من قلب طاهر.
- 10- فى مناسبة زيارتنا اصدر الفاتيكان كتاباً وثائقياً باللغة الانجليزية ومدعم بالصور عن رحلة الخمسين عاماً منذ الخطوة الاولى بزيارة البابا شنودة الى روما ومقابلته مع البابا بولس السادس واصدار بيان مشترك اعتبر هو قاعدة اللقاءات والحوارات والزيارات على مدار الخمسون عاماً (1973 – 2023) ويحوى الكتاب كل ما تم تبادله من خطابات وكلمات وبيانات بين الكنيستين.
- كانت لنا بعد ذلك عدة زيارات الى مكاتب الفاتيكان وهى : مكتب تعزيز وحدة المسيحين – مكتب بطاركة الشرق بالفاتيكان – مكتب سكرتير المجمع المقدس للكنيسة الكاثوليكية …وفيها كلها القيت كلمات مُعبرة وسط ترحاب بالاباء الكرادله المسئولين عن هذه المكاتب.
- 12- فى لفتة محبة قوية من قبل البابا فرانسيس قدم لنا كاتدرائية سان “جيوفانى آن لاتيرانو” فى روما وهى أول مرة يصلى فيها رئيس كنيسة آخرى على المذبح الرئيسى فيها لانها تختص بالبابا الرومانى فقط حيث يصلى القداس الأول فيها بعد اعتلاؤه السدة الرسولية .
والسبب فى ذلك هو جمع اقباط روما فى موضع واحد لان كنائسنا محدودة السعة. وقد صلينا العشية والقداس يوم 14 / 5/ 2023 بحضور العديد من المسئولين بالفاتيكان والسفارات والهيئات المصرية الملحقة بالسفارة مع شعب تعدى الفين شخص قدموا من مناطق كثيرة وكان قداساً سمائياً مكللاً بالفرح والشكر .
لقد كانت زيارة تاريخية حقاً وتأكيداً ليوم المحبة الاخوية بين الكنيستين العاشر من مايو كل عام وهو ذات اليوم الذى تمت فيه سيامة البابا كيرلس السادس عام 1959م, وأول زيارة للفاتيكان من البابا شنودة الثالث 1973م وزيارتى 2013م, ثم زيارتنا هذا العام 2023 م ليتواصل عمل الأجيال فى المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء وهى غاية وصية المسيح لنا .
البابا تواضروس الثاني