ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني عظته الأسبوعية في اجتماع الأربعاء مساء اليوم، من بيت الكرمة بكينج مريوط، دون حضور شعبي، وبُثت العظة عبر القنوات الفضائية المسيحية والموقع الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقناة C.O.C التابعة للمركز الإعلامي للكنيسة على شبكة الإنترنت.
استكمل قداسته سلسلة “طرق تقديم المحبة”، وتناول إنجيل قداس أحد التجربة من الأصحاح الرابع في إنجيل معلمنا متى والأعداد (١ – ١١)، وتأمل في “كيف استخدم السيد المسيح لغة الحب وعبّر عنها” من خلال مشهديْن تخللا قراءات هذا الأسبوع، وهما:
• الشاب الغني: “«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟»… قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ” (مت ١٩: ١٦ – ٢٢)، وهنا استخدم السيد المسيح المال كهدية لإشباع المحتاجين، بينما الشاب الغني مضى حزينًا لأنه لم يكن لديه القدرة على تقديم محبة البذل.
• إشباع الأربعة آلاف رجل: “وَأَمَّا يَسُوعُ فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ: «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ»… وَالآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُل مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ” (مت ١٥: ٣٢ – ٣٨)، وهنا السيد المسيح أراد أن يقدم هدية متواضعة للجموع، والتي جاءت ببذل حقيقي وحب.
وأعطى قداسة البابا مفهومًا لتقديم الهدية من خلال الآية: “هَدِيَّةُ الإِنْسَانِ تُرَحِّبُ لَهُ وَتَهْدِيهِ إِلَى أَمَامِ الْعُظَمَاءِ” (أم ١٨: ١٦)، وأن الهدية يجب أن تكون ملائمة للشخص المهدى له.
وقدم قداسته أشكالًا للهدايا على ضوء المشهدين، كالتالي:
١- البذل: عندما قدم لنا السيد المسيح النصرة على الشيطان في التجارب بكلمة “مَكْتُوبٌ”، والتي أجاب بها في التجارب الثلاث، فصارت الهدية الثمينة هي كلمة الله في الكتاب المقدس.
٢- حب روح العطاء: عندما قال السيد المسيح للشاب الغني أن يعطي أمواله للمساكين، وكذلك إشباع الجموع بروح العطاء.
٣- لها تعبير وصفة رمزية عن الشخص المهدى له: مثلما قدم المجوس هداياهم للمولود السيد المسيح، فكان الذهب تعبيرًا عن أنه ملك العالم وملك الملوك، واللبان تعبيرًا عن أنه شفيعنا بالشفاعة الكفارية، والمر تعبيرًا عن أنه سيتألم آلامًا من أجل غفران خطايا كل البشر على الصليب.
٤- حسب احتياج الشخص المهدى له: فيجب أن تكون الهدية تناسب احتياج الشخص المهدى له، “هذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ. كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ” (٢ كو ٩: ٦، ٧)، وكما قدم لنا السيد المسيح النصرة ومفتاح الهدية بكلمة “مَكْتُوبٌ”.
ووضع قداسة البابا معوقات تقديم المحبة الباذلة من خلال تجارب الشيطان للسيد المسيح، وهي:
١- محبة الذات (أنانية الإنسان):
“فَأَجَابَ وَقَالَ: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ»” (مت ٤: ٤)، حيث أراد الشيطان أن يجعل السيد المسيح يفكر في ذاته فقط، لكي يبتعد عن هدف تجسده، والخطة الخلاصية التي جاء من أجلها، لذلك في الصوم نصوم فترة انقطاعية حتى نتذكر أن الحياة هي من الله، وفترة أخرى نأكل فيها أطعمة نباتية لتعطينا الطاقة الهادئة ويزداد الزهد لدينا.
٢- محبة الراحة (الكسل):
“قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ»” (مت ٤: ٧)، حيث أراد الشيطان أن يجعل السيد المسيح يلجأ للراحة، ولكن الإنسان الذي يهتم بتقديم الهدية دون الاستسلام للكسل، لأن الراحة لا تتفق مع البذل.
٣- محبة الكرامة:
“حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ»” (مت ٤: ١٠)، حيث أراد الشيطان أن يجعل السيد المسيح ينسى ويبتعد عن هدفه، ولكن الإنسان يجب ألا ينحرف فكره عن الصواب وعبادة الإله الحقيقي، وألا يهتم بكرامته، أو أن يكون صاحب سلطة في العالم، “بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، “وَأُوجَدَ فِيهِ” (في ٣: ٨، ٩).
نص العظة
طرق تقديم المحبة” (٢)
عظة الأربعاء 27-3-2023
من بيت الكرمة بكينج مريوط – الاسكندرية
بسم الآب والابن والروح القدس
نتأمل فى إنجيل قداس أحد التجربة من الأصحاح الرابع في إنجيل معلمنا متى والأعداد (١ – ١١)
” ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس. فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة، جاع أخيرا. فتقدم إليه المجرب وقال له: إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا. فأجاب وقال: مكتوب : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله. ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل. وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك ، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك. قال له يسوع: مكتوب أيضا: لا تجرب الرب إلهك.ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها.وقال له: أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي.حينئذ قال له يسوع: اذهب يا شيطان لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. ثم تركه إبليس، وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه”
الصوم الكبير مكون من أسابيع تبدأ يوم الثنين وتنتهى يوم الأحد، فصل إنجيل قداس يوم الأحد يسمى به باقى أيام الأسبوع
الأسبوع الماضى كان أسبوع التجربة على الجبل، وهكذا كل أسابيع بهذه الصورة مع أثنين البصخة ثم يسمى أسبوع الآلآم ينتهى فجر الأحد وهو عيد القيامة المجيد.
كما تحدث الأسبوع الماضى أن المحبة أسمى المشاعر الإنسانية، كتب القديس بولس الرسول أنشودة عن المحبة فى رسالة كورنثوس الأولى الإصحاح 13 إصحاح كامل عن المحبة.
يكفى أن مسيحيتنا نقول فيها “الله محبة”
الأسبوع الماضى تحدثنا عن لغات الحب الخمسة:
الهدايا – الحوار -اللمسات الرقيقة – الوقت – الخدمة
نتأمل اليوم فى أسبوع التجربة على الجبل من خلال تقديم الهدايا كتعبير عن الحب.
فى أسبوع التجربة عن الجبل نقرأ مشهديْن عن تقديم الهدايا
“كيف استخدم السيد المسيح لغة الحب وعبّر عنها” من خلال مشهديْن تخللا قراءات هذا الأسبوع، وهما:
1 – الشاب الغني:
“أيها المعلم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟.. قَالَ لَهُ يَسُوعُ. إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني. فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزينا، لأنه كان ذا أموال كثيرة ” (مت ١٩: ١٦ – ٢٢)،حفظ الوصايا لايكفى للوصول إلى الملكوت، استخدم السيد المسيح بكل حنية يعوذك شىْ واحد “أن تكون لكل المحبة الباذلة، ولكن الشاب الغنى لم تكن لديه القدرة على تقديم محبة البذل.. هنا استخدم السيد المسيح المال كهدية لإشباع المحتاجين،
2 – إشباع الأربعة آلاف رجل: “إنجيل قداس يوم الأربعاء”
” وأما يسوع فدعا تلاميذه وقال: «إني أشفق على الجمع، لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون. ولست أريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق. فقال له تلاميذه: «من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار، حتى يشبع جمعا هذا عدده؟ فقال لهم يسوع: «كم عندكم من الخبز؟» فقالوا: «سبعة وقليل من صغار السمك» فأمر الجموع أن يتكئوا على الأرض. فأمر الجموع أن يتكئوا على الأرض. فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة. والآكلون كانوا أربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد. ” (مت ١٥: ٣٢ – ٣٨)، ههنا السيد المسيح أراد أن يقدم هدية متواضعة للجموع، والتي جاءت ببذل حقيقي وحب.. من شخص وسط الجموع لديه خبز وسمك أراد أن يقدم هدية للجموع.
الهدية تقدم بصورة البذل.
مفهوم لتقديم الهدية من خلال الآية: ” هدية الإنسان ترحب له وتهديه إلى أمام العظماء ” (أم ١٨: ١٦)، وأن الهدية يجب أن تكون ملائمة للشخص المهدى له.
أشكال للهدايا على ضوء المشهدين، كالتالي:
١- البذل: قدم لنا السيد المسيح النصرة على الشيطان في التجارب بكلمة “مَكْتُوبٌ”، والتي أجاب بها في التجارب الثلاث، فصارت الهدية الثمينة هي كلمة الله فى الكتاب المقدس…عندما نقدم هدية يجب أن نفكر أن تكون الهدية مناسبة للشخص المهدى له.
٢– حب روح العطاء: عندما قال السيد المسيح للشاب الغني أن يعطي أمواله للمساكين، وكذلك إشباع الجموع بروح العطاء.
٣- لها تعبير وصفة رمزية عن الشخص المهدى له: مثلما قدم المجوس هداياهم للمولود السيد المسيح، فكان “الذهب” تعبيرًا عن أنه ملك العالم وملك الملوك، و”اللبان” تعبيرًا عن أنه شفيعنا بالشفاعة الكفارية، و”المر” تعبيرًا عن أنه سيتألم آلامًا من أجل غفران خطايا كل البشر على الصليب.
٤- حسب احتياج الشخص المهدى له: فيجب أن تكون الهدية تناسب احتياج الشخص المهدى له،الهدية ليست بالقيمة المادية ” وإن من يزرع بالشح فبالشح أيضا يحصد، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضا يحصد كل واحد كما ينوي بقلبه، ليس عن حزن أو اضطرار. لأن المعطي المسرور يحبه الله ” (٢ كو ٩: ٦، ٧)
السيد المسيح قدم لنا النصرة على الجبل، ومفتاح الهدية بكلمة “مَكْتُوبٌ”قيمة كلمة الله فى حياتنا” الكتاب المقدس3.
معوقات تقديم المحبة الباذلة من خلال تجارب الشيطان للسيد المسيح:
١- محبة الذات (أنانية الإنسان):
“فَأَجَابَ وَقَالَ: « مكتوب : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (مت ٤: ٤)، حيث أراد الشيطان أن يجعل السيد المسيح يفكر في ذاته فقط، لكي يبتعد عن هدف تجسده، والخطة الخلاصية التي جاء من أجلها، لذلك في الصوم نصوم فترة انقطاعية حتى نتذكر أن الحياة هي من الله، وفترة أخرى نأكل فيها أطعمة نباتية لتعطينا الطاقة الهادئة ويزداد الزهد لديناالخادم الذى يحب نفسه لا يمكن أن يكون خادماً باذلا، الراعى الذى يحب نفسه لا يمكن أن يبذل نفسه عن الآخرين.أنانية الإنسان تعوق المحبة الباذلة. . «إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم، ويتبعني.” (لو 9: 23).
٢- محبة الراحة (الكسل):
“قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «: مكتوب أيضا: لا تجرب الرب إلهك »” (مت ٤: ٧) ، حيث أراد الشيطان أن يجعل السيد المسيح يلجأ للراحة، ولكن الإنسان الذي يهتم بتقديم الهدية دون الاستسلام للكسل، لأن الراحة لا تتفق مع البذل..من صلوات رسامة الرهبان “يا بني إن أقبلت لخدمة الرب الإله فاثبت على البر والتقوى وأعدد نفسك للتجربة”تكريس النفوس دعوة للتعب أكثر من أجل الرعيةلتكون فرصة لتقديم المحبة الباذلة.
٣- محبة الكرامة:
“حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: « اذهب يا شيطان لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” (مت ٤: ١٠)، حيث أراد الشيطان أن يجعل السيد المسيح ينسى ويبتعد عن هدفه، ولكن الإنسان يجب ألا ينحرف فكره عن الصواب وعبادة الإله الحقيقي، وألا يهتم بكرامته، أو أن يكون صاحب سلطة في العالم، الإنسان يهتم بكرامته ولايهتم بالحب الباذل.
الإنسان الذى تكرس يلبس الملابس السوداء هو ميت عن العالم، كل فكره ومشاعره موجهة لخدمة المسيح. “بل إني أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح، وأوجد فيهِ” (في ٣: ٨، ٩).بولس الرسول كان شخصية مهمة تعلم على يد غمالائيل أشهر معلم ناموس فى زمنه، تعليم راقى وعالى.
محبة الإنسان الباذلة تجعله يفقد كل الأشياء الذات والراحة والكرامة ويعترها نقاية من أجل ربح المسيح.
الهدية الثمنية الذى قدمها المسيح لنا كلمة الله المقدسة وهذه الكلمة عبرها عنها من خلال كلمة “مكتوب” وهذه هدية النصرة.
عندما تتدخل تجربة ومعك المسيح فأنت معك النصرة “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني”(في 4: 13)
يجب أن تنبع الهدية من المحبة الباذلة ” لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق!” (1 يو 3: 18).
لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.
This page is also available in: English