استقبل قداسة البابا تواضروس الثاني في المقر البابوي بالقاهرة، اليوم الخميس، الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والوفد المرافق لسيادته.
تأتي هذه الزيارة في إطار زيارة الرئيس شتاينماير الحالية لمصر والتي بدأها أمس.
وعقب مراسم الاستقبال الرسمي للرئيس الألماني، دَوَّن سيادته كلمة في دفتر كبار الزوار للمقر البابوي، قبل أن يتوجه إلى الصالون الرئيسي لبدء جلسته مع قداسة البابا.
وألقى قداسة البابا كلمة رحب في بدايتها بضيفه ومرافقيه، معربًا عن سعادته بزيارتهم لمقر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث تمتزج الروحانية بتاريخ عريق وجذور راسخة، وبمجيئهم إلى مصر، مشيرًا إلى أن أرض مصر تباركت بزيارة العائلة المقدسة منذ ألفي عام، وهي تحظى بمكانة خاصة في قلوب المسيحيين في كل أنحاء العالم.
وتحدث قداسته عن تأسيس الكنيسة القبطية على يد القديس مرقس الرسول في القرن الأول الميلادي، وكذلك القديس أنطونيوس المصري مؤسس الرهبنة في العالم، ولفت إلى انتشار الكنيسة القبطية حاليًا في كل قارات العالم لخدمة أبنائها المهاجرين.
وأشاد بالعلاقات القوية بين مصر وألمانيا والتعاون المثمر بين البلدين في عدة مجالات أبرزها مجال التعليم.
وأثنى قداسة البابا على العلاقة الطيبة التي تربط الكنيسة بفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية، لافتًا إلى سعي الكنيسة دومًا إلى ترسيخ السلام كأساس متين تبنى عليه العلاقات بين الشعوب.
وفي كلمته أعرب الرئيس الألماني عن شكره لقداسة البابا على حفاوة الاستقبال، وأضاف: “شرف لي أن أتقابل مع قداستكم وأن أكون هنا في الكاتدرائية، حيث لم تتح لي من قبل فرصة زيارة كنيسة كبرى وهامة مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
زيارتي لكم هي شرف لي على المستوى الشخصي، وهي بالنسبة لي من أهم الزيارات التي قمت بها في مصر.
وأكد على اتفاقه مع قداسة البابا على قوة الروابط التي تجمع مصر بألمانيا من ٧٠ سنة. وأثنى طلبة مدرسة سان شاربل الألمانية بالقاهرة التي زارها أمس، من حيث إجادتهم للغة الألمانية وقدرتهم المتميزة على المناقشة والحوار، لافتًا إلى أنه سيزور اليوم إحدى الجامعات الألمانية بمصر، وأنه سيدعو في كلمته هناك إلى التوسع في التعاون في مجال التعليم ولا سيما التعليم الفني، مشيدًا بالاهتمام المشترك لمصر وألمانيا منذ فترة طويلة بهذا النوع من التعليم.
وشدد على أن للكنائس أيضًا دور هام في بناء الجسور بين الدول. مدللاً بالدور الإيجابي الذي يقوم به نيافة الأنبا دميان أسقف شمالي ألمانيا ورئيس دير السيدة العذراء والقديس موريس بهوكستر، في المجتمع الألماني، وقال على سبيل الدعابة: “لا أعلم لماذا يجلس نيافة الأنبا دميان ضمن الوفد القبطي، كنت أظنه يتبع الوفد الألماني! حتى أني اصطحبته معي في الطائرة إلى القاهرة.
.
واختتم بتهنئة قداسة البابا بالسنة القبطية الجديدة التي بدأت أمس، معربًا عن أمنياته لقداسته بالتوفيق والسداد.
كان نيافة الأنبا دميان قد حضر إلى القاهرة على الطائرة الرئاسية بصحبة الرئيس الألماني والوفد المرافق له.
وعقب انتهاء اللقاء توجه الوفد المرافق للرئيس الألماني لزيارة معالم الكاتدرائية، بينما عقدت جلسة ثنائية مغلقة بين الرئيس شتاينماير وقداسة البابا استغرقت حوالي عشرين دقيقة.
كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني في استقبال السيد فرانك فالتر شتاينماير رئيس ألمانيا الاتحادية
فخامة الرئيس فرانك فالتر شتاينماير،
السادة أعضاء الوفد المرافق،
السيدات والسادة، الحضور …….
“لِتَكُنْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلامُ وَالْمَحَبَّةُ فِي وَفْرَةٍ وَازْدِيَادٍ!” (يهوذا 1: 2). بهذه الكلمات المباركة من الكتاب المقدس أستهل كلمتي اليوم، مُعربًا عن عظيم ترحيبي ومعى الوفد القبطى الحاضر معنا بكم في الكاتدرائية المرقسية، هذا الصرح الروحي الذي يُمثل مقر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. إنه لشرف كبير أن نستقبلكم هنا ، حيث تمتزج الروحانية العميقة بتاريخ عريق وجذور راسخة.
فخامة الرئيس..
إن زيارتكم لمصر هي فرصة لتأكيد الأواصر العميقة التي تربط بين شعوبنا . فمصر، تلك الأرض التي تباركت بزيارة العائلة المقدسة منذ أكثر من ألفي عام، تحظى بمكانة خاصة في قلوب المسيحيين في كل أنحاء العالم. هنا وطئت أقدام السيد المسيح، والقديسة مريم العذراء، والقديس يوسف النجار.. فازدانت بلادنا ببركة الهية عظيمة.
بدأ تاريخ الكنيسة القبطية في مصر منذ منتصف القرن الاول الميلادى، عندما وصل القديس مرقس الرسول إلى مدينة الإسكندرية، ليبشر بالإيمان. لذا تُعد الكنيسة القبطية من أقدم الكنائس المسيحية، إذ تمتد جذورها لأكثر من عشرين قرنًا.
القديس مرقس الرسول هو أول بابا وبطريرك للإسكندرية، وأنا الآن البابا الـ118 في تاريخ هذه الكنيسة. ومن الجدير بالذكر أن كلمة “قبطي” في أصلها تعني “مصري”، وهي مشتقة من كلمة “إيجيبتوس” التي كانت التسمية اللاتينية لمصر. وحتى اليوم، تُستخدم اللغة القبطية في صلوات القداس داخل الكنيسة.
مصر هي أيضًا بلد القديس أنطونيوس، مؤسس الرهبنة، وتحمل على أرضها بركة أقدم دير في العالم والذي يحمل اسمه في الصحراء الشرقية. هذا الدير، وغيره من الأديرة العريقة للرهبان والراهبات، يُعد من أقدم الأماكن الروحية في العالم. ويسرني أن أدعوكم لزيارتها، لتلمسوا تلك الأجواء الروحانية العميقة والقصص المليئة بالإيمان والتقوى، والتي عاشها رهبان كرسوا حياتهم للصلاة والتأمل ومحبة الله.
الكنيسة القبطية هي كنيسة تقليدية تُعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. وقد أسهمت أسسها الراسخة في انتشارها ونموها في مختلف أنحاء العالم، حيث لدينا اليوم حوالي 500 كنيسة ودير قبطي في أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وكندا وأستراليا وأفريقيا وآسيا.
ويأتى إنشاء الكنائس خارج مصر بهدف رعاية وخدمة أبنائنا المهاجرين وتلبية احتياجاتهم الروحية والتعليمية في القرن الحادي والعشرين. ورغم التحديات والصعاب، فإن الكنيسة القبطية حافظت على رسالتها في نشر بشارة ربنا يسوع المسيح وظلت ثابتة وقوية حتى في أوقات المحن…وتمثل ألمانيا بالنسبة لكنيستنا القبطية وطنا لأقباط كثيرين أتوا اليها منذ زمن ووجدوا فيها وطنا وعملا وبلدا مضيافا.
فخامة الرئيس…
العلاقات بين مصر وألمانيا ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لعقود طويلة من التعاون المثمر. ففي مجال التعليم، تظل ألمانيا منارة للعلم والتقدم، ونحن نعتز بالدعم الكبير الذي تقدمه المانيا لمصر. كما نفخر بأبنائنا الذين يتلقون تعليمهم في المدارس والجامعات الألمانية هنا، نظرًا لمستواهم العلمي المميز. كما يشهد التعاون بين بلادنا نموًا مستمرًا في المجالات الاقتصادية، الثقافية، والصحية، مما يعكس الثقة المتبادلة والرغبة المشتركة بين الشعبين، ومعنا اليوم ممثلين ومشاركين فى النهضة الصناعية على ارض مصر بمشاركة ناجحة من الشركات الالمانية .
لقد قمت بزيارة ألمانيا في مناسبات سابقة، وكان من أبرزها مقابلتنا اثناء اجتماع بطاركة الكنيسة الاورثوذكسية فى الشرق الاوسط والذى استضافته برلين فى اكتوبر 2017 ، وبصفة عامة، فإن بلادكم تثير إعجاب كل من يراها، بجمال طبيعتها، ورقي حضارتها، وروح التسامح والانفتاح التي تسود بين شعبها. فألمانيا تُعد نموذجًا يُحتذى به في التعايش بين مختلف الثقافات والأديان، وهو ما نحتاجه في عالمنا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وهو أيضا ما نؤمن به فى مصر اذ ننعم بالسلام والاستقرار والعلاقات الطيبة بين الكنيسة القبطية والسيد الرئيس عبد الفتتاح السيسي والحكومة المصرية .ونسعى دائمًا إلى تعزيز هذه القيم في منطقتنا وفي العالم بأسره. فالسلام هو الأساس المتين الذي تُبنى عليه علاقات الشعوب، ونسعى دائمًا إلى تحقيقه كهدف يربط بين الأمم.
فخامة الرئيس…
اسمكم يحمل في طياته معنى “الحجر”، والحجر في الكتاب المقدس له دلالة كبيرة، فهو رمز للثبات والقوة. كما جاء في المزمور: “الرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي، إِلَهِي صَخْرَتِي بِهِ أَعْتَصِمُ” (مزمور 18: 2). إنني أرجو أن تكون ولايتكم مليئة بالثبات والقوة، وأن تتمكنوا من قيادة ألمانيا بحكمة ورؤية واضحة نحو مزيد من الرخاء والسلام. وأتذكر هنا كلماتكم الملهمة: “أرغب في اصطحاب بلادنا إلى المستقبل.” إن هذا الالتزام بالتفكير في مستقبل البلاد هو ما يميز القيادة الحكيمة. أصلي أن يوفقكم الله في تحقيق رؤيتكم النبيلة، وأن يقودكم نحو مستقبل مشرق لألمانيا وللعالم أجمع.
وفي ختام كلمتي، أود أن أعرب عن شكري وتقديري لكم وللوفد المرافق على هذه الزيارة الكريمة. أرجو أن تنعموا بإقامة طيبة في مصر، وأن تحملوا معكم ذكريات طيبة عن هذه الزيارة المباركة.
أهلاً وسهلاً بكم في مصر، أرض السلام والمحبة.