عَانَى الشرق المسيحي
في الإمبراطورية الرومانية
من اضطهاد الكنيسة
في مصر وفلسطين بصورة بالغة جدًا، وذلك في زمن دقلديانوس الطاغية
الذي تولى العرش عام 284م،
وكان والي مصر وقتها يدعى “أخيلوس” الذي استقل بمصر ونادى نفسه
ملكًا عليها وجعل مقره طيبة.
ولم يتمكن الوالي الروماني من إخضاعه، مما جعل دقلديانوس
يحضر بنفسه إلى الإسكندرية،
واستطاع أن يستولي عليها
وقام بحرقها وفتك بأهلها ظانًا أن المسيحيين ناصروا أخيلوس.
واستمر الاضطهاد على مصر 3 سنوات (من 303-305م).
وأصيب بعدها بمرض الجنون
وتنازل عن العرش إلى زوج ابنته جاليريوس.
في ذات الوقت ارتقى البابا بطرس (البطريرك 17) عرش القديس مرقس الرسول عام 301م حيث كان الاضطهاد مستمرًا ضد المسيحيين في قسوة وعذابات عديدة. وهو الذي رسم آريوس الهرطوقي شماسًا. وبعد أن بدأ آريوس تعاليمه الفاسدة وأصر عليها، فما كان من البابا البطريرك أن جرده وحرمه وقطعه من شركة الكنيسة، بعدما رأى رؤيا في الليل يظهر فيها المسيح بثوب مشقوق ممزق، ولما سأل المسيح: “من مزق ثوبك يا سيدي؟” أجابه: “آريوس هو الذي مزق ثوبي فلا تقبله”.
واستشهد البابا البطريرك بقطع العنق عام 311م وكانت حبريته 11 عامًا. وقبيل انطلاق روحه أوصى تلميذيه أرشلاوس وألكسندروس بأنهما سيكونان البطريرك 18 و19 من بعده كما أوصاهما بعدم قبول آريوس.
ثم جاء البابا أرشلاوس (البطريرك 18) عام 312م في عهد قسطنطين قيصر، وما أن جلس على الكرسي المرقسي حتى توسل آريوس بدهاء أنه تاب طالبًا عودته إلى شركة الكنيسة. وتوسط له عدد من وجهاء الشعب وعظمائه، ولما رأى البابا البطريرك هذا اللين المصطنع أحسن الظن وأعاد آريوس إلى رتبته بل وسامه قسًا. ولكن ما هي إلا شهور قليلة حتى انتقل البطريرك إلى السماء بعد أن جلس على الكرسي المرقسي ستة أشهر فقط.
ويقال أن آريوس رشح نفسه لمركز البطريركية ولكن الإكليروس والشعب رفضوا ذلك.
وجاء البطريرك 19 ألكسندروس عام 312م، وهو الشيخ الوقور صاحب العلم والتقوى والإخلاص، وكان الشعب يلقبه بالقديس، ومما يذكر عنه أنه كان يقرأ الإنجيل المقدس واقفًا والضوء أمامه.
وبدأت هرطقة آريوس تنتشر، وتجرأ هذا المنافق على البابا الشيخ الوقور حتى صار شقاق عظيم في كنائس الشرق بأكملها. وذات مرة ألقى البابا البطريرك عظة على إقامة المسيح للموتى وبيَّن للسامعين سلطانه، فقاطعه آريوس بأن هذا ليس تعليم الإنجيل. وفي الأحد التالي قال آريوس عظة موضوعها “أبي أعظم مني” وكان هذا الخبيث قد تمكن بفصاحته الشيطانية أن يجتذب إليه كثيرين من الشعب وأسقفين وبعض القسوس بمظاهر الخداع والكذب، واستخدم كثير من النساء والعذارى في نشر أفكاره الهدامة.. فما كان من البابا ألكسندروس ومن خلال مجمع مقدس أن حرمه من درجة الكهنوت مع كل من يقول بتعاليمه وبدعته. كما أرسل رسائل إلى أساقفة الكنائس في الشرق لإعلامهم بتطور الموقف وحرمان آريوس وبدعته.
أما آريوس فاستمر في عناد وتصلف يباشر تعليمه الفاسد حتى اضطر البابا ألكسندروس إلى طرده من الإسكندرية ومعه الأسقفين الساقطين في بدعته وبعض قسوس وشمامسة، فذهب آريوس إلى فلسطين وتملق أساقفتها وأخذ يشنِّع على البابا ألكسندروس بأوصاف وأوهام بالية، كما وضع بدعته بصورة ملحنة في كتاب اسمه “ثاليا” حتى يتغنى الشعب بعبارات مشحونة بالهرطقات والتنديد على البابا ألكسندروس الذي ظل صامدًا يشرح الإيمان الأرثوذكسي السليم والمستقيم.
ولكن للأسف أقنع آريوس بعض أساقفة فلسطين بسلامة موقفه، وتجني البابا ألكسندروس عليه، حيث قرروا رفع الحرم عليه وعودته للإسكندرية ليواصل فساده وبدعته.
ولكن البابا ألكسندروس أصر على حرمانه، كما قام تلميذه أثناسيوس الشماس بكتابة منشور ضد بدعة آريوس وأنه تعليم فاسد. واستمر هذا النزاع والخلاف والجدال والذي تعدى إلى مشاغبات وعراك وعنف رغم كل محاولات الإصلاح أو الرجوع إلى الاستقامة… ولكن بلا جدوى.
وقد أرسل الإمبراطور قسطنطين أحد الأساقفة الأتقياء للتحقيق في الشغب الحادث في الإسكندرية، وقدَّم تقريره إلى الإمبراطور أن آريوس وأعوانه هم المخطئون، وأعلن له رغبة البابا ألكسندروس في إقامة مجمع عام، وقد ارتضى الإمبراطور وصادق على هذا الاقتراح والذي تم في مدينة نيقية عام 325م، وهو الذي نحتفل بمرور 17 قرنًا من الزمان على انعقاده وذلك عام 2025م إذا أراد الرب وعشنا.
أما البابا ألكسندروس
فبعد خمسة أشهر من المجمع
مرض قليلاً ثم تنيح عام 326م
بعدما أوصى على الكنيسة
أن تختار تلميذه
الشماس بطريركًا بعده وقد كان.
This page is also available in: English