في عام 2025م نحتفل ويحتفل العالم المسيحي كله
شرقًا وغربًا بمرور 17 قرنًا من الزمان على انعقاد
المجمع المسكوني الأول
في مدينة نيقية
بآسيا الصغرى عام 325م.
والتاريخ يحكي لنا عن أن البداية كانت بسبب شخص لا نعلم عنه الكثير يدعى آريوس (256-336م) وهو ليبي المولد والمنشأ، جاء إلى الإسكندرية وتعلم فيها حتى ظهر عالمًا زاهدًا متقشفًا يجيد الوعظ والخطابة والإرشاد، حيث كوَّن شعبيته من الناس ومن بينهم عدد من عذارى الإسكندرية كن سببًا في نشر ما يقوله وما يُعلِّم به في ذلك الزمان.
وقد كانت إحدى سماته الشخصية هي “المراوغة”، حيث شايع في بداياته الأسقف المارق ملاتيوس (أسقف أسيوط) والذي عارض البابا بطرس البطريرك 17 في أمر توبة الجاحدين، وقد قطعه البابا وحرمه، ولكن آريوس تراجع بخبث حتى تمت سيامته شماسًا. ونال البابا بطرس إكليل الشهادة في خريف عام 311م، ثم لجأ آريوس إلى البابا أرشيلاوس البطريرك 18 الذي سامه كاهنًا، ثم وثق فيه البابا ألكسندروس البطريرك 19 فجعله خادم كنيسة بفكالس أي كنيسة الإسكندرية الرئيسية.
كان آريوس لسانيًا متطرفًا، جره تطرفه إلى الوقوع في خطأ عقيدي جسيم، واستمر فيه بسبب كبريائه وذاته العالية. كان ينادي بأن الآب وحده يستحق لقب الإله، أما الابن فإنه لم يكن سوى إله ثانوي منخفض في الرتبة والمنزلة مخلوق من العدم بإرادة الآب. كان هذا تعليمًا مخالفًا لما عاشته الكنيسة القرون الثلاثة الأولى من ميلاد السيد المسيح. ورغم اعتراض كثير من المؤمنين على هذا التعليم المخالف ثم اعتراض البابا ألكسندروس عليه أيضًا، والذي أمره أن يعلَّم بما استقر في الكنيسة ومنعه عما كان يعلم به، إلا أن آريوس إعتز بعلمه ورفض أمر سيده رئيس الكنيسة وامتنع عن الطاعة. فكان من البابا السكندري أن جمع مائة من الأساقفة في مـجمع مــحــلي بالإسكندرية وأطلعهم على بدعة آريوس، التي رفضها المائة أسقف ماعدا اثنين امتنعا عن الشجب، فقطع المجمع السكندري آريوس وهذين الأسقفين وعدد عشرة قساوسة وشمامسة الذين انحازوا إلى هذه الهرطقة التي بدأت تهدد سلام الكنيسة.
ولكن آريوس بشخصيته المراوغة لجأ إلى فلسطين وتواصل مع يوسابيوس المؤرخ أسقف قيصرية فلسطين وحاول خداعه وكأنه ظُلم من البابا ألكسندروس، حتى انعقد مجمع محلي للنظر في قضية آريوس، وهذا المجمع المحلي أرسل إلى البابا ألكسندروس طالبًا رفع الحرم والعمل على قبول آريوس وجماعته في الشركة. وكتب آريوس نفسه رسالة منمقة لبقة قال فيها: “إنه لم يعلِّم غير ما علمه ألكسندروس وأنه (آريوس) حرم ما حرمه سيده ورئيسه”.
ولكن هذا التصرف لم ينطلِ على البابا ألكسندروس الذي هب مع أساقفته للدفاع عن الإيمان المستقيم ضد هذه الهرطقة التي بدأت في الانتشار في سنتها الأولى، وامتنع عن رفع الحرم عن آريوس الذي لجأ إلى عدد من أساقفة الشرق في أنطاكية وفلسطين الذين منحوه حق الرجوع إلى ممارسة الأسرار، وبسبب ذلك عاد آريوس متمردًا إلى الإسكندرية ونظم الأغاني والأناشيد حتى يرددها الناس من جميع طبقات الشعب في كل مكان.
ووصلت هذه الاضطرابات إلى مسامع الإمبراطور قسطنطين، وقد حاول حل هذا الخلاف العقائدي حبيًا من خلال رسالة يحملها رسول الإمبراطور ولكنها لم تحقق القصد منها. ثم ظهرت فكرة عقد مجمع مسكوني ونادى بها البابا ألكسندروس. والبعض ينسب الفكرة إلى الإمبراطور ذاته الذي جمع الأساقفة من جميع أنحاء الإمبراطورية للتشاور وإبداء الرأي، وحدد مكان الاجتماع في نيقية بسبب مناخها اللطيف. وانعقد المجمع من 20 مايو 325 إلى 19 يونيو 325م، وحضر المجمع عدد 318 أسقفًا، وربما لم يحضر البعض كل الجلسات مما حدا في بعض المراجع أن الحضور كان 270 أسقفًا أو ثلاثمائة تقريبًا. وحرم الآباء المجتمعون آريوس وأتباعه وأيدهم الإمبراطور قسطنطين الذي حكم عليه بالنفي والإبعاد. الذي ظل فيه إلى خريف عام 334م حيث عاد ومثل أمام الإمبراطور وأكد على “أرثوذكسيته”؟!! وحاول إعادته من خلال بعض الأساقفة في القسطنطينية، ولكن أسقف القسطنطينية الشيخ الجليل ألكسندروس رفض تمامًا أمر الإمبراطور. ويقال إن آريوس عندما دخل الكنيسة عنوة اعتزل القوم لقضاء حاجته فاندلقت أحشاؤه ومات وكان ذلك عام 336م. هذه هي نهاية كل مراوغ أو منافق أو هرطوقي ومكتوب: “لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ” (رو 11: 20).
تجدر إشارة هامة من الناحية التاريخية أنه بعد عام واحد
من انعقاد مجمع نيقية المسكوني الأول أي عام 326م
تم اكتشاف خشبة الصليب المقدس
على يد الملكة هيلانه
والدة الإمبراطور قسطنطين
ويقال إنها أخذت مسامير الصليب وأذابتها في معدن خوذة ابنها
وأيضًا في لجام حصانه.
(للحديث بقية)
This page is also available in: English