فى نوفمبر 2012م وضع الرب على ضعـفـنا مسئولية خدمة الكنيسة فى ظروف صعبة، وأحوال غير مستقرة كانت تجتازها بلادنا الحبيبة وقتذاك، وكان من الطبيعى أن يقود إلهنا الصالح كنيسته بنا جميعاً (إكليروساً وشعـباً)، وأن ينجح طريقها بنعـمته، وكانت يد الله القوية تقودنا من يوم إلى يوم، ووسط أحداث جسام ومسئوليات عديدةوبعناية إلهية فائقة لعـقولنا وأفهامنا استطاع الوطن بكل أعمدته ومنها الكنيسة أن يعـبر تلك الفترة الحرجة من تاريخه بسلام وأمان، وقدم الوطن بجيشه وشرطته، ومعهم الكنيسة أيضاً قدموا دماء زكية لشهداء أطهار من خيرة أبنائها، شهداء الإيمان وشهداء الوطن وشهداء الواجب، ولأن دفة الكنيسة دائماً فى يد ربانها الأول لذلك تمضى الأيام والسنون ونحن فى اطمئنان كامل ويقين راسخ أن «كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله» (رومية 8 : 28).
ودائما محبة الله والكنيسة والوطن هى الدافع والمحرك الأول لكل عـمل تمتد إليه يداى، محبة الله صانع الخيرات الرحوم الذى نشكره على كل حال ومن أجل كل حال وفى كل حال.ومحبةالكنيسة بكل ما فيها شعبها وأباؤها، إيمانها وعقائدها ، روحانيتهاوتراثها، أمجادها وتاريخها، طقوسها وأرثوذكسيتها، كنيسة أصيلة نشأت على أرض مصر، وكانت البداية بكرازة واستشهاد القديس مار مرقس بمدينة الاسكندرية، وامتدت كنيسة الاسكندرية إلى كل أرجاء القطر المصرى، وإلى البلاد الإفريقية وغيرها من بلاد العالم، وحالياً هناك نحو اربعين ايبارشية ونحو ستمائة كنيسة قبطية ودير قبطى خارج مصر من أقاصى المسكونة إلى أقصاها. وتعتبر امتدادا حيا لانتشار الكنيسة التى نشأت بمصر، والتى تعتبر هى القلب النابض، وهى الأم لكل هذه الكنائس والأديرة ..
ومحبة الوطن بكل ما فيه شعبه وقيادته، نيله وأرضه، تاريخه وحضارته. تسكن فى قلوبنا وتجرى فى دمائنا، بل إن الكنيسة بمبادئها وتعاليمها التى نشأنا وتربينا عليها عـلمتنا الصلاة والطلبة من أجل الوطن كله، وغرست ورسخت فينا حب الوطن. ودائماً ما أقول «إن كان العالم كله فى يد الله فإن مصر هى فى قلب الله»، ومصر التى استضافت رحلة العائلة المقدسة إليها لها مكانة خاصة فى قلب الله، وكنيسة مصر التى أسسها الرب هى تحت حمايته ومظلته، ونشكر الله أنه فى تاريخنا الحاضر فإن الكنيسة المصرية لم تصم أذنيها أبداً عن تلبية نداء الوطن، وأيضاً لم يتخل الوطن أبداً عن تلبية احتياجات كل مواطنيه دون تفرقة أو تمييز دوره، ولذلك اهتمت الدولة بإزالة العقبات أو العوائق التى كانت تثار فى أزمنة سابقة، وبعـد أن كانت الكنائس مهددة بخطر الاعتداء عليها من الخارجين على القانون، أوالتقيد باجراءات صارمة لبنائها أو ترميمها، صدر قانون لتنظيم بناء الكنائس ومبانى الخدمات الملحقة بها، بل وافتتحت أكبر كاتدرائية فى مصر كلها بالعاصمة الإدارية الجديدة فى مشهد وطنى فريد يتقدمه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس كل المصريين بمشاركة الكنيسة والأزهر ليعـبر بصدق عن محبتنا الوطنية الخالصة، كما قامت قواتنا المسلحة الباسلة بتوجيهات سيادة الرئيس بإعادة بناء وترميم كل الكنائس التى تعرضت للاعتداء، وايضاً الحرص على بناء كنيسة بكل التجمعات العمرانية الجديدة .
هذا التلاحم والترابط والتعاون يعـتبر دافعا للشباب وللشعـب كله للعمل معا بروح واحدة وقلب واحد.. ودائما السلام والتعاون يساعـد على البنيان.. والعكس بالعكس عـدم السلام أو عـدم التعـاون لا يساعـد على البنيان.. سلاما وبنيانا لكنيسة الله.. وسلاما وبنيانا للوطن الغالى..
ومن أجل سلام وبنيان الكنيسة وتنظيم وتدبير منظومة العمل الكنسى ، وترتيب البيت من الداخل بصورة أفضل، أصدر المجمع المقدس للكنيسة القبطية مجموعة من اللوائح التنظيمية للعـمل الكنسى ومنها ما يختص بخدمة الأب الأسقف والأب الكاهن، ومجالس الكنائس، والمعاهد التعليمية بالكنيسة، والرهبنة والأديرة، والتكريس، ودليل الخدمة ، وأنشأت الكنيسة معهدا جديدا للتدبير الكنسى والتنمية ، وفروعا جديدة للكلية الإكليريكية، مع تطوير بقية المعاهد التعليمية، وإنشاء مركز لوجوس بالمقر البابوى بدير القديس الأنبا بيشوى بوادى النطرون كمركز مجهز لاستيعاب الأنشطة الكنسية والمؤتمرات، وأنشئت به مكتبة بابوية مركزية لخدمة الباحثين والدارسين، تعتبر من أكبر المكتبات فى مجال الدراسات المسيحية والقبطية، وفى زمن ازداد فيه ترويج الشائعات ونشر المعلومات غير الصحيحة، وهى مشكلة يعانى منها الوطن والمجتمع والكنيسة، أنشأت الكنيسة المركز الاعلامى القبطى وتعيين متحدث رسمى للكنيسة القبطية، كما أنشأت موقعا الكترونيا رسميا للكنيسة القبطية.
ومن أجل الحفاظ على الروابط بين ابنائنا المباركين فى بلاد المهجر ووطنهم العظيم وكنيستهم الأصيلة، أقامت الكنيسة لهم مؤتمرات وسيمينارات ورحلات لهذا الهدف النبيل ، إلى جانب افتقاد الكنيسة لهم برحلات رعـوية بابوية أو رحلات رعوية من الآباء المطارنة والأساقفة، وتأسيس ايبارشيات جديدة للخدمة فى إفريقيا وآسيا وبلاد المهجر.وأنشأت الكنيسة سكرتارية بابوية خاصة لخدمة بلاد المهجر.
ومن أجل بناء الجسور مع كنائس العالم فى إطار العـمل المسكونى، اهتمت الكنيسة بالعلاقات الكنسية والمسكونية، وشاركت الكنيسة القبطية فى اجتماعات وأنشطة مجالس الكنائس المسكونية ومنها مجلس الكنائس العالمى ومجلس كنائس كل إفريقيا، واستضافت الكنيسة القبطية ولأول مرة اجتماعات الجمعية العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط، واستضافت الكنيسة القبطية أيضا لقاء ممثلى الكنائس الأرثوذكسية حول العالم لأول مرة منذ 34 عاماً، ، ويضاف لذلك تأسيس مجلس كنائس مصر،إلى جانب العلاقات الثنائية بين الكنيسة القبطية وكنائس المسكونة، وأنشأت الكنيسة سكرتارية بابوية خاصة بالعمل المسكونى، والمكتب البابوى للعلاقات والمشروعات..
ولا ننسى يد الله التى ساندت الوطن والكنيسة لنجتاز معا تلك الأيام الصعبة أثناء حوادث الإرهاب وجائحة كورونا، ولكن بالعناية الإلهية وبتماسك وترابط المصريين جميعاً استطعـنا أن نعـبر معا تلك الفترات العصيبة، وحاليا عـلى أرض الوطن نعيش ونحيا المواطنة المصرية الكاملة، لنا كل الحقوق وعلينا كل الواجبات فى إطار انتمائنا الوطنى لهذا الوطن الغالى، ومن ناحية أخرى فإن خدمة الكنيسة فى هذا العالم لا تسعى لسلطة زمنية أو أرضية أو مادية، ولكنها كنيسة بلا غضن، كأنها سفارة للسماء على الأرض، لتقود حياتنابطهارة وبر، بلا عثرة وبلا لوم نحو الأبدية التى هى هدفنا وغايتنا.