على مدار أسبوع كامل من 15 فبراير إلى 21 فبراير 2025م، أقيم مؤتمر الرهبنة الثالث، (الأول 2017م والثاني 2018م)،
بحضور أكثر من مائة راهب من 32 ديرًا من أديرتنا القبطية الأرثوذكسية، وبحضور أكثر من 20 مطرانًا وأسقفًا معظمهم رؤساء أديرة.
وفي جو رهباني كامل وحياة روحية دراسية وتعليمية شارك الحضور حياتهم الرهبانية في مركز لوجوس البابوي -المقر الديري في دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون- مصر، حيث كان البرنامج اليومي يبدأ في الخامسة صباحًا بالتسبحة اليومية ثم القداس فوجبة الأغابي وثلاث محاضرات رهبانية يعقب كل محاضرة مناقشات والإجابة عن الأسئلة من خلال اختبارات الأحبار الأجلاء ثم ورشة عمل حول أحد الوصايا الرهبانية كما نطالعها في رسائل القديس بولس الرسول وينتهي اليوم في العاشرة مساءً.
كانت كلمات المؤتمر تدور حول رسائل القديس أنطونيوس الكبير أب جميع الرهبان وعددها عشرين رسالة، تم شرحها وتصنيف الاختبارات الروحية فيها من خلال الدراسة والبحث الروحي. وكانت هذه فرصة ثمينة لهذه الدراسات المتعمقة والعملية والتي تشمل حياة الراهب منذ التحاقه بالدير مرورًا بتقدمه الروحي وتعمقه في فلسفة الحياة الرهبانية وجودتها والحياة النامية والمستمرة والتي جعلت من أديرتنا واحات روحية للنسك والزهد والأدب الرهباني والخبرة الروحية العميقة للنفس البشرية.
نشأت الرهبنة على أرض مصر في القرن الثالث الميلادي على اعتبار أنها وسيلة للحياة بحسب الإنجيل وتقديم النفس بكليتها من أجل محبة السيد المسيح. وصارت بمثابة صوم عن الناس والعالم والانحلال من الكل للارتباط بالواحد مع الحنين والاشتياق الدائم نحو السماء. لقد تميزت الكنيسة المصرية بثلاث علامات أساسية فكانت أولاً كنيسة الرسل والخدمة، ثم كنيسة الشهادة والشهداء، وأخيرًا كنيسة الرهبنة والتقوى. ومن مصر انتقلت الحياة الرهبانية من خلال مؤسسيها الكبار أمثال القديسين أنطونيوس ومكاريوس وباخوميوس.. وغيرهم إلى كل أرجاء العالم، وصارت الأديرة بالآلاف كما نقرأ من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وروسيا وغيرها. كما صارت لنا أديرة رهبان وأخرى للراهبات خارج مصر كما في أورشليم والسودان وأستراليا والنمسا وأيرلندا وأمريكا وكندا وغيرها.
إن فضائل الحياة الرهبانية تظهر جليًّا في الأسفار المقدسة مثل البتولية والعفة، الطاعة والاتضاع، الفقر الاختياري والمحبة الأخوية، الساكنين فيها بإيمان الله، الصبر واحتمال التجارب، الصلاة الدائمة، السكون والهدوء، النمو في المعرفة الإنجيلية… إلخ.
ومعروف أن هناك كتب ومراجع رهبانية ترسم كيفية الحياة الديرية وملامحها واختباراتها الروحية مثل كتاب بستان الرهبان ومقالات يوحنا كاسيان وميامر القديسين.. وغير ذلك الكثير، ومن أهم أقوال الشيخ الروحاني القديس يوحنا سابا “أولئك يارب الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك لم يحتملوا السكنى بين الناس، بل ألقوا عنهم كل حب جسداني وتغربوا عن كل شيء في طلب المحبوب”. وينطبق على حياة الرهبان إحدى التطويبات التي علَّم بها السيد المسيح الجموع حين قال: “طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ (المسيح)، لأَنَّهــُمْ يُشْبَعُــونَ” (مت 5: 6). ويندهش الآخرون كيف تكون حياة الراهب بعيدًا عن ملذات العالم في عزلة البرية حيث يكون يومه موزعًا بين الصلاة والقراءة والعمل. لأن المجتمع الرهباني مجتمع واعٍ وصحيح تتوازن فيها حياة الإنسان فكرًا وعملاً وقلبًا. وكل من الصلاة والقراءة والعمل تتخذ أشكالاً شتى ومتنوعة بحسب الزمان والأجيال التي تمر على حياة الدير. وعادة ما تكون أديرة الرهبان في الصحاري والبراري أما أديرة الراهبات فعادة تكون في المدن أو على أطرافها. وعندنا في مصر أكثر من خمسين ديرًا للرهبان وخمسة عشرة ديرًا للراهبات.
إن مؤتمرات الرهبنة نافعة ومفيدة من عدة جوانب:
1- الدراسة الروحية والرهبانية العميقة في كتب الآباء.
2- تجديد حياتنا الرهبانية من خلال المعرفة والخبرة والاختبار.
3- تجويد المفاهيم الرهبانية وسط عالم سريع التغير في كل شيء.
4- التعارف الروحي بين الآباء الرهبان من أديرتهم الكثيرة.
5- تبادل المعرفة الروحية واكتسابها مع تصحيح المفاهيم.
6- اكتشاف الطاقات والمواهب والمهارات بين الآباء الرهبان.
7- تشجيع الدراسات الكنسية المتنوعة والاجتهاد الروحي في البحث والتحضير.
لقد قام بالإعداد الكامل لهذا المؤتمر مقرر لجنة الرهبنة والأديرة في المجمع المقدس نيافة الحبر الجليل الأنبا دانيال أسقف ورئيس دير الأنبا بولا بالبحر الأحمر ومعه لفيف من أبنائه رهبان الدير. كما أصدر المؤتمر عدة مطبوعات ودراسات على قدرٍ عالٍ من التحضير الجيد والإخراج الدقيق. كما تم توزيع عدة كتب خلال المؤتمر لكي تكتمل الفائدة الروحية المرجوة.
نشكر الله على هذه النعم الجزيلة، ونرجو أن تستمر مثل هذه المؤتمرات كل عامين بالتبادل مع مؤتمر آخر للراهبات من أجل ضبط الحياة الرهبانية والديرية بالدراسة والمعرفة. كما نرجو في المرات القادمة أن يشارك معنا أديرتنا القبطية خارج مصر لتصير لنا الرؤية الواحدة والروح الواحدة.
This page is also available in:
English