تنعي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، قداسة البابا فرنسيس الأول، بابا الڤاتيكان، الذي تنيح اليوم عن عمر تجاوز ٨٨ عامًا بعد أن قضى عمره في خدمة الكنيسة الكاثوليكية، سواء في الأرجنتين أو خلال ١٢ عامًا جلس فيها على الكرسي الرسولي لروما.
نعزي إكليروس وأبناء الكنيسة الكاثوليكية في كل العالم، ذاكرين لهذا الخادم والأخ العزيز محبته الصادقة ومثال التواضع المسيحي الحقيقي الذي قدمه خلال رحلة خدمته الحافلة.
الاثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥م.. ١٣ برمودة ١٧٤١ش.

البابا فرانسيس والكنيسة القبطية الأرثوذكسية
رحلة طويلة في علاقة الكنيسة القبطية بالفاتيكان وباباوت الكنيسة الكاثوليكية، من محطاتها الرئيسية كان مع المتنيح قداسة البابا كيرلس السادس وطلبه لجزء من رفات مارمرقس من روما وبالفعل تم تلبية طلبه واستقبل قداسته رفات القديس العظيم مارمرقس في مصر عام 1968، ثم في عهد المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث والذي زار الڤاتيكان عام 1973، كان اول بابا من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يزور الڤاتيكان، وعادت العلاقات بين الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية في روما، بعد انقطاع الحوار بين الكنيستين لمدة خمسة عشر قرناً من الزمان،
الي ان نصل الي آخر محطاتها حين جلس قداسة البابا تواضروس الثاني على السدة المرقسية في 18 نوفمبر 2012، ففي يوم تجليس قداسته حضر وفد رسمى لحضور الصلوات وفى شهر ابريل 2013 زار قداسته سفير الفاتيكان ودعاه لزيارة الفاتيكان، رحب البابا بالزيارة على أن توافق 10 مايو حتى تكون استكمالا لمسيرة البابا شنودة الثالث، وهنا وجه الفاتيكان لقداسة البابا تواضروس دعوة رسمية يوم 10 مايو من نفس العام برغم أن الفترة الزمنية قبل إعداد الزيارة للفاتيكان ٨ شهور الا أن كل البروتوكلات والقواعد كسرت من أجل المحبة وقد كانت أستجابة سريعة عنوانها الصداقة والاخوة.. وبدأت الزيارة بأستقبال حار من بابا روما البابا فرانسيس على باب مقر الإقامة للبابا تواضروس ..


وفى لقاؤه الرسمى قال قداسة البابا تواضروس لقداسة البابا فرانسيس لقد جئت من ”بلد النيل”، ومن كنيسة عريقة من 19 قرناً ووطن الرهبنة، معرباً عن الأمل أن هذا اللقاء يكون الأول في سلسلة طويلة من الاجتماعات من المحبة والأخوة بين اثنين من كبرى الكنائس، مقترحاً أن يكون يوم 10 مايو من كل عام هو ”يوم االمحبة الأخوية” بين الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية القبطية.. وقد ألقى البابا فرانسيس كلمة قال فيها: إن هذه الزيارة اليوم تقويّ روابط الصداقة والأخوّة التي تربط كرسي بطرس بكرسي مرقس، الوريث لميراث نفيس من شهداء ولاهوتيين ورهبان قديسين وتلاميذ أمناء للمسيح شهدوا للإنجيل عبر الأجيال وغالبًا في أوضاع في غاية الصعوبة.
كان اللقاء تاريخي مميزاً في كل أركانه حتى في التوقيت الذي استغرقته الجلسة بأكثر من 90 دقيقة، بينما لا تتجاوز لقاءات البابا مع الرؤساء والملوك أكثر من 20 أو 30 دقيقة على الأكثر، وفيها أستعرض البابا تواضروس تاريخ الكنيسة الشرقية، وسط إنصات وجداني للبابا فرنسيس، أعقبه أداء صلاة مشتركة من أجل السلام باللغة اللاتينية والقبطية والعربية والإنجليزية. وكانت الزيارة التاريخية للبابا تعد دفع جديد للعلاقات الجيدة بين الكنيستين، وتعزيز أداء لجنة الحوار المشتركة بين الجانبين.
في أبريل 2017 زار قداسة البابا فرنسيس قداسة البابا تواضروس الثاني على أرض مصر وأعتبر قداسته زيارته للكاتدرائية المرقسية علامة صلابة للعلاقة التي سنة بعد سنة تنموا في التقارب والايمان ومحبة يسوع المسيح، ووقع البابوان في هذا اللقاء التزامًا بالسعي من أجل الوحدة.. وحرص البابا فرنسيس في هذه الزيارة أن يصلى على أرض الانبا رويس الصلاة المسكونية ليشارك في مسكونية الآلام متذكرا شهداء الكنيسة البطرسية.. وقد قال البابا فرنسيس خلال زيارته للمقر البابوى بالقاهرة “لقد علمت بمبادرات الاهتمام والأخوة التي قمتم بها منذ بداية خدمتكم تجاه الكنيسة القبطية الكاثوليكية وراعيها البطريرك الأنبا إبراهيم اسحق وسلفه الكاردينال الأنبا أنطونيوس نجيب. وبتأسيسكم لـ”مجلس كنائس مصر” الذي يمثل علامة مهمة لرغبة جميع المؤمنين بالمسيح ليطوروا في حياتهم اليومية علاقات أكثر أخوة ويضعوا أنفسهم في خدمة المجتمع المصري بأسره إذ إنهم يشكلون جزءًا لا يتجزأ منه.

إن الجهد الذي تقومون به من أجل الشركة بين المؤمنين بالمسيح، وسهركم على مصير بلدكم ودور الجماعة المسيحية في داخل المجتمع المصري يجد صدى عميقًا في قلب خليفة بطرس وقلب الجماعة الكاثوليكية بأسرها. وختم البابا فرنسيس كلمته مؤكدًا صلاته لبابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة البابا تواضرس الثاني لكي يبقى دائمًا القطيع الموكل إلى رعايته أمينًا لدعوة الرب، بشفاعة القديسين بطرس الرسول ومرقس الإنجيلي اللذين تعاونا في حياتهما بشكل فعّال لنشر الإنجيل.”.. أما البابا تواضروس فقد رحب بأخية البابا فرانسيس قائلا ” إن زيارتَكم اليوم هي خطوة جديدة على طريق المحبةِ والتآخِي بين الشعوب… فأنتم رمزٌ من رموزِ السلامِ في عالم صاخب بالصراعات والحروب، عالم يتوقُ لجهود مخلصة في نشر السلام والمحبة ونبذ العنف والتطرف… فأهلاً بكم في أرضِ مصرَنا الحبيبة، التي تدفع كل لحظة ضريبة الدم من زكِيّ الدماء وزهرةِ الشباب، لأجل أن تبقى أرضَ السلامِ للجميع، فمرحبًا بقداستكم بابا السلام في أرض السلام. إننا إذ نستقبلكم اليوم في الدار البطريركية وبمزيجٍ من المحبِة والسعادة، نتذكرُ حفاوةَ قداستِكم وكرمَ ضيافتِكم إبانَ زيارتنا لحاضرةِ الفاتيكان منذ أربعة سنوات، إذ وجدنا رجلا مملوء بروح الله، ولمسنا -والوفدُ المرافقُ لنا- جهدَكم الحثيث المبارك في سبيلِ تضفيرِ وتوثيقِ العلاقات بين اثنين من أقدم الكراسي الرسولية؛ كرسي بطرس وكرسي مرقص، وهو ما يستحقُ كلَ إعزازٍ وإجلال. “

وتكررت المقابلة الرسولية بين البابا فرنسيس والبابا تواضروس فى يوم الصلاة العالمى فى مدينة بارى بايطاليا يوليو عام 2018 للصلاة من أجل السلام في الشرق الأوسط ويقول قداسة البابا تواضروس عن هذا اللقاء انه بالحقيقة كان يوما مشهودا وربما ليس له مثيل منذ قرون عديدة، حيث اجتمعت كل مشاعر المحبة المسيحية الصادقة والتي تربط المؤمنين بأسم مخلصنا يسوع المسيح في لقاء حب وصلاة وسلام، وقد تبادل الاباء المساعدة لإعادة اكتشاف وجود المسيحي في الشرق الأوسط.، و بعد الصلاة أجتمع قادة الكنائس في الشرق الأوسط، وقد علق فى نهاية الاجتماع المغلق قداسة البابا فرانسيس قائلا ” إننا ملتزمون بالسير والصلاة والعمل، ونتضرع كي يسود فن اللقاء على استراتيجيات الصدام، وأن تحل محل علامات التهديد والسلطة علامات الرجاء”
وفي حدث تاريخي استثنائي، غادر قداسة البابا تواضروس الثاني، يوم الثلاثاء 9 مايو عام 2023، أرض الوطن متوجهًا إلى الفاتيكان، حيث التقى بقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في زيارة حملت أسمى معاني المحبة والوحدة المسيحية.
وجاءت الزيارة احتفالًا بمرور خمسين عامًا على بدء الحوار اللاهوتي الرسمي بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، بعد قطيعة امتدت نحو خمسة عشر قرنًا منذ مجمع خلقيدونية عام 451 م، كما أحيت الذكرى العاشرة لإعلان “يوم المحبة الأخوية”، المبادرة التي أطلقها قداسة البابا تواضروس الثاني خلال زيارته الأولى للفاتيكان في عام 2013، والتي مهدت لزيارة قداسة البابا فرنسيس التاريخية إلى مصر عام 2017، وتوقيع البيان المشترك الذي أكد التزام الكنيستين بالسعي نحو تعزيز الحوار والتقارب.

استهل قداسة البابا تواضروس الثاني زيارته بالصلاة من مزار القديس بطرس الرسول، مجسدًا بعمق صلاة السيد المسيح “ليكونوا واحدًا”. وفي صباح الأربعاء 10 مايو، شارك قداسته في اللقاء العام الذي أقيم بساحة القديس بطرس، حيث ألقى كلمة مؤثرة عبّر فيها عن فرحه العميق بمسيرة الحوار التي امتدت خمسة عقود، وأثنى على الجهود التي بذلتها اللجنة اللاهوتية المشتركة بين الكنيستين، والتي أثمرت عن نتائج مشجعة وأرست أسسًا صادقة لتعزيز الأخوة المسيحية.
كما شهدت الزيارة احتفالًا باليوبيل الذهبي للحوار، في ذكرى البيان المشترك التاريخي الذي وقعه البابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث عام 1973، مؤكدين وحدة الإيمان بالله الواحد والثالوث، وبألوهية الابن الوحيد المتجسد، ومعترفين بأهمية الأسرار السبعة المقدسة، والارتباط المشترك بتكريم والدة الإله. ولم تغب عن الاحتفال ذكرى السعي المبكر نحو التقارب، حين أرسل القديس البابا كيرلس السادس مراقبين عن الكنيسة القبطية إلى المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965، وطالب بعودة رفات القديس مارمرقس الرسول إلى مصر عام 1968، مما شكل تمهيدًا لجهود الحوار الرسمية.
وفي يوم الخميس 11 مايو، التقى قداسة البابا تواضروس الثاني مع قداسة البابا فرنسيس مجددًا في لقاء خاص مع وفدي الكنيستين، أعقبه إقامة صلاة مسكونية في كنيسة “أم الفادي” بالقصر الرسولي، حيث صلى البابوان صلاة مشتركة . وأكد قداسة البابا فرنسيس في كلمته أن دم الشهداء، الذي توحد فوق الأرض كما في السماء، هو بذرة وحدة الكنيسة، وأن شهداء المسيحية، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية، اتحدوا في شهادة واحدة للمسيح. واستعاد الحاضرون ذكرى استشهاد الأقباط بليبيا عام 2015، الذين سُفك دمهم لأنهم مسيحيون. وقد حملت هذه الزيارة التاريخية بكل محطاتها رسالة قوية للعالم: أن الحب الذي يجمع الكنائس أقوى من الجراح التي فرقتها، وأن الرجاء لا يموت ما دامت قلوب الرعاة مفعمة بالإيمان، وما دامت الكنائس تسير معًا في طريق الحوار والمحبة.

وها نحن اليوم نصل إلى المحطة الأخيرة للبابا فرانسيس فنودعه ، ونلتمس عزاءً لكل أحبائه وعزاءً للكنيسة الكاثوليكية.