نسمّي أسبوع الآلام بأسبوع الحب الأعظم، لأنه «ليس لأحَدٍ حُبٌّ أعظَمُ مِنْ هذا: أنْ يَضَعَ أحَدٌ نَفسَهُ لأجلِ أحِبّائهِ» (يو15: 13). وهذا ما نحتفل به في هذا الأسبوع المقدس، لأن الرب وضع نفسه وأطاع الآب حتى الموت (موت الصليب)، لذلك تبدأ قراءات أسبوع الآلام بإنجيل سكب الطيب في بيت لعازر من مريم أخته على جسد المسيح الذي امتدح هذا وقال عنه «إنَّها ليومِ تكفيني قد حَفِظَتهُ» (يو12: 7). والطيب يُعلن الحب برائحته الطيبة النفّاذة وهذا هو إنجيل عشية الشعانين. وهذه الواقعة شهدت لمريم ومَنْ على مثالها الذين يقدمون الحب الأعظم من خلال نسكيات هذا الأسبوع وتسابيحه ومتابعة كل أحداثه، لأن الطيب يمثّل فكرة البذل والتضحية وعطاء النفس الذي يتمشّى مع ما قدمه السيد المسيح في آلامه في هذا الأسبوع موضِّحًا مدى حُبَّه الأعظم للبشر. ولأن الطيب كان نادرين غالي الثمن، يتناسب مع الفداء الثمين الذي نلناه بهذه الآلام. ولقد اعترض يهوذا الخائن على سكب الطيب بحجة الفقراء، بينما كشف عن رفضه للحب وباع سيده بثمن بخس ورخيص (ثلاثين من الفضة) ولم ينتفع من هذا الفداء العظيم.
أمّا الأستار السوداء:
فتعلن عن مدى تأثر الكنيسة رعاة ورعية بآلام السيد لأجل خلاصنا وانسكابه سكيبًا، إذ وضع نفسه ورفع خطايانا مُقدِّمًا لنا حضنه المفتوح لقبول كل نفس تنتفع من هذا الفداء، لذلك تُكثر الكنيسة من صلوات البصخة المقدسة لطلب الرحمة والغفران مع ترديد عبارات قويه مثل: “المسيح مخلصنا جاء وتألم عَنَّا لكي بآلامه يخلصنا، فلنمجد ونرفع اسمه لأنه صنع معنا رحمة كعظيم رحمته”. ونسبحه قائلين: “قوتي وتسبحتي هو الرب وقد صار لي خلاصًا مقدسًا”، ونردد أيضًا: “عمانوئيل ملكنا وإلهنا ومخلصي الصالح”. وهكذا يشعر الجميع بمدى حرص الكنيسة على الاستفادة من هذه الفترة المقدسة وتجسيد الآلام والأحداث لتعيش في وجدان المصلين.
والشموع الثلاثة الكبار: التي توضع أمام أيقونة الصلبوت، تشير إلى ثلاث أنواع من القراءات هي النبوات والمزامير والبشاير، وبهم تستضيء الأذهان وتدرك هذه الأحداث الكثيرة والسريعة التي اجتاز فيها المخلص بحبٍ كامل وفرح حقيقي «مِنْ أجلِ السُّرورِ المَوْضوعِ أمامَهُ، احتَمَلَ الصَّليبَ مُستَهينًا بالخِزيِ» (عب12: 2).
وكلا الستور السوداء والشموع: تقدم لنا تصويرًا واقعيًا لمدى فعل النور لإزالة الظلمة، وهذا موضوع تسبيح الكنيسة بلحن “ثوك تاتي جوم” (لك القوه والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين).
وهذا تجسيد للواقع الذي ظهر به المخلص قويًا صامدًا أمام الأحداث المتسارعة من: غضب اليهود، وضعف التلاميذ وهروبهم، وإنكار بطرس، وخيانة يهوذا. ولقد كان الرب يعلم فداحة الثمن الذي يقدمه، وقوة الغفران الذي يقدمه، وفعل الدم الذي يسفكه، وعِظَمْ الخلاص اللازم لكل العالم في كل الأجيال، ليلقي العالم مع المحبة الإلهية الفائقة المعرفة والتي ستظل هي سبب تدفق الأجيال على الاستشهاد والرهبنة والتكريس وخدمة النفوس البعيدة لتتذوق محبة هذا المخلص المصلوب القائم منتصرًا لحسابنا.
حقًا ما أعظم هذا الأسبوع الذي يدوم تأثيره كخلاص تنتظره كل نفس وتفرح به…