أحب أن نتذكر جميعًا كلمات الله لشعبه في (خر19: 3–8): «وأنا حملتُكم على أجنحة النسور وجئتُ بكم إليّ».. والمعروف في عالم الطيور أن النسر عندما يحاول أن يعلم فراخه الطيران، فإنه يحرّك عشه بقوة فتتساقط فراخه في الهواء خائفة، وتحاول أن تواجه الريح بأجنحتها الصغيرة، فيسرع هو ويفرد أجنحته القوية تحتها ليتلقّاها فلا تسقط هالكة!!.. وهو يصنع هذا مرات عدة لتتقوّى أجنحة فراخه وتعتاد الطيران.
هكذا قد يسمح الله لأولاده بضيقات في طريق الحياة اليومية أو الروحية، لا لأنه يتخلّى عنهم، بل لكي يعلمهم كيف يصيرون أقوياء، فالله لا يلقينا في الضيقات لكي نهلك بل لكي نربح الملكوت السماوي. تأمل كلمات الوحي الالهي: «… وجئتُ بكم إليَّ»، فالله عندما يسمح أن يهتز عشك أو حياتك لا تظن أنه قد تركك.. بل هو يدربك ليمنحك أجنحة النسر القوية، فتحلّق عاليًا منطلقًا نحو السماء!!
وهذا الاختبار هو اختبار هام جدًا لحياتنا، فالحياة لا تخلو من المصاعب والمتاعب، ولكن في كل يوم تذكر أن الله يحملك على أجنحته القوية، أجنحته المملؤة حبًا، أجنحته التي تستطيع أن تتعامل مع كل ظروف الحياة.
أخرج الله شعبه من مصر إلى البرية، وفي الطريق كانت المصاعب كثيرة: عناد فرعون، والبحر الأحمر الممتلئ إلى شطوطه، والصحراء التي بلا ماء ولا طعام، والتيهان الطويل الذي استغرق أربعين عامًا، وشعب عماليق المنتظر في الطريق… ولكن في هذه جميعها كان الله قادرًا أن يحمل شعبه على أجنحته القوية، وينجّيهم من كل ضيق.
ولكن الله لكي يحملك على هذه الأجنحة، هو ينتظر منك ألّا تتذمر.. وألّا ترجع بقلبك إلى العالم وتشتهي طرقه وحلوله أو تنشغل بمباهجه وملذاته، بل ابقَ واثقًا أن الله في معاملاته معك ممتلئ بالحنان والحكمة، وفي كل طرق حياتك يهمّه أولًا أن تصير قويًا لتُؤهَّل للملكوت السماوي..
فإن أردتَ أن تتمتع بأجنحة الله القوية التي تحفظك، احرص على:
1) الخضوع والطاعة لمشيئة الله: فلكي تتمتع بهذه الأجنحة القوية يجب عليك أن تردّد كلمات الشعب «كل ما تكلم به الرب نفعل» (خر19: 8)، فالقلب الذي يصغي لصوت الله ويطيعه يُلزم الله أن يعتني به، وهكذا كان أبونا إبراهيم مطيعًا فحمله الله كل أيامه وباركه.
2) التمسُّك بمواعيد الله لنا: فالله يتعامل مع كل واحد فينا شخصيًا، ويرسل لنا مواعيده في كل يوم، وهو يطلب منك أن تنتظره ليحقق لك وعده، وإن تمسّكت به فهو يحملك على أجنحته ليرفعك في كل الظروف.
3) تحمُّل الألم: والألم في المسيحية هو عامل مشترك صَاحَبَ حياة كل رجال الله في الكتاب المقدس وكل آباء الكنيسة وقديسيها، جميعهم اشتركوا في احتمال الألم بحسب وصية الرب «إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني»، لذلك ذكِّر نفسك دائمًا متى أتت المتاعب أن الله لا يتركنا في الضيقات ليؤدّبنا بل ليعلّمنا، واحتمل الآلام بصبر وجَلَد وشكر، وانتظر الرب.
4) أخيرًا احرص أن تجاهد لتحيا في النقاوة، وراجع نفسك دائمًا لكي لا تكون آلامك بسبب خطاياك، فإن كنت تائبا ثق أن الله بأجنحته القوية لن يتركك وحدك في حياتك. فكن مطمئنًا.
نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا