في تأملنا لأحداث الميلاد والتجسد الإلهي تتزاحم الدروس التي يمكن ان نقتنيها كتداريب لعامنا الجديد، لنكتشفها، ونفهمها، وندرب حياتنا عليها، فيصبح عامنا مثمراً ومباركاً.
أول دروس الميلاد تكمن في عمق محبة الله لنا وكمال احتماله من أجلنا، فقد اختار بيت لحم احدى قرى اليهودية وأشدها برودة، واختار ان يولد في جو قارص، واختار فترة الاكتتاب والمدينة مزدحمة، وقبل ان لا يكون له موضع في المدينة سوى مذود حقير تسكنه البهائم، وكل ذلك لم يعطله عن محبته لنا. لذلك ليكن قبولك للألم اختياراً ترضاه من أجل محبتك لله ولإخوتك.
ثاني دروس الميلاد يكمن في ان المزود الحقير الذي ضم الرب يسوع طفلاً لم يبق هكذا على حاله، بل قد صار اليوم أعظم أماكن العالم وأبهاها، صار محله محل مجد وتسبيح لا ينقطع. فقبول الله في حياتك يغيرها ويحولها بشكل جذري، فلا تتأخر إذاً ان تقبله حتى وإن كان بلا صورة ولا جمال، فهو قادر ان يغير كل شيء.
ثالث دروس الميلاد يعلمنا ان الله يفرح ان يصير الجميع واحداً، فهو قد دعا الكل الى مزوده، وصار الكل فرحاً فيه، لذلك من الميلاد تعلم ان تحيا في وحدة مع الكل، في بيتك وكنيستك وخدمتك، اجتهد ان تحفظ روح الوحدانية، فهي قد كانت مشيئة الله المتجسد لنا، وبها نكمل قصده الإلهي “أريد ان يكون الجميع واحداً فينا”، ولا ترض ان تكسر علاقة المحبة والوحدة بينك وبين الآخرين لأي سبب.
الدرس الرابع من الميلاد هو ان الله له تدبير مختلف في حياة كل منّا، وهو يعلن ذاته لنا بصور متباينة تناسب كل شخص، فهو قد أعلن تدبيره للعذراء بملاك، وليوسف برؤيا، وللرعاة بملائكة، وللمجوس بنجم، ولهيرودس بكلمات رؤساء الكهنة، فالله يتكلم بأنواع وطرق شتى، بوسائل يراها مناسبة لك لكي تفهم صوته الحكيم. لذلك لتبق دائماً مصلياً: “يا رب أعلن لي ذاتك، عرفني طريقك، واجعلني سامعاً لصوتك”. لتفرح ان تتعرف على اعلانه لك، ولا تشترط طريقة محددة يعلن لك ذاته بها، استمع لصوته بلا تذمر، ولا تصر ان تفرض على الله طريقة للحياة معه، فهو وحده المدبر الحكيم لحياة كل إنسان.
الدرس الأخير لهذا العام هو أنك تحتاج ان تسلم إرادتك لله للنهاية، فالمجوس تبعوا النجم لآلاف الأميال، ولكنهم في آخر خطوات الطريق بدأوا يبحثون بفكرهم البشري عن طريق يسيرون فيها فتسببوا بغير قصد في مأساة أطفال بيت لحم، وكانوا سبباً في ألم كل هذه الأسر!! لذلك فيما يعلن الرب لك ذاته لتكن حريصاً ان تكون مطيعاً له لآخر الطريق بروح التسليم الخاضع لكل ما يأتي عليك، واثقاً ان الرب الذي بدأ هو يكمل معك الطريق، فلا تسلك بفكرك بغير ايمان بل سلم إرادتك لله وسر خلفه للنهاية.