لما أمر الرب موسى النبي ان يصنع خيمة الاجتماع، أمره ان يصنع المرحضة من نحاس، ويجعلها بين خيمة الاجتماع والمذبح، ويضع فيها ماء كيما يغسل فيها هارون وبنوه أيديهم وأرجلهم عند دخولهم الى خيمة الاجتماع أو عند اقترابهم الى المذبح، ومن لا يغتسل يموت. لكن الأمر العجيب ان موسى لما صنع كل ما هو من نحاس في خيمة الاجتماع صنعه من النحاس الذي قُدم كتقدمة من الشعب، أما المرحضة وحدها فقد صنعها موسى “من مرائي المتجندات اللواتي تجندن عند باب خيمة الاجتماع” (خروج 8:38)، لقد كانت المرايا في ذلك الوقت تُصنع من نحاس مصقول جداً بدرجة تجعله كالمرآة يعكس الصور بجودة عالية جداً كما يعكس أيضاً ضوء الشمس. ويبدو ان نساء بني اسرائيل اللواتي كن متجندات للخدمة عند باب خيمة الاجتماع كن قد تأثرن بعادات النساء المصريات اللواتي كن يحملن تقدمة الى الهيكل عبارة عن مرآتين مدورتين مصنوعتين من النحاس المصقول اللامع تأخذان شكل الشمس في لمعانها كرمز للولادة الثانية والخصوبة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا قصد موسى ان يصنع المرحضة بالذات من هذا النوع من النحاس المصقول اللامع جداً، من مرايا المتجندات عند باب الخيمة؟ لكي نجيب على هذا السؤال دعونا نتصور هارون وبنيه بينما يغسلون أيديهم وأرجلهم في المرحضة النحاسية المصنوعة من المرايا فإنها ولابد ان تعكس لهم صورة دقيقة عن وجوههم وأيديهم وأرجلهم بكل ما فيها من وسخ وقذارة تحتاج الى الاغتسال. لقد كانت عملية الاغتسال تلك مهمة جداً حتى ان الرب قال لهم ان من لا يغتسل يموت وبالتالي يكون كل من اغتسل كمن نجا من الموت، اي كمن ولد ولادة جديدة. لقد كانت عملية الاغتسال تلك تحمل استنارة المغتسل بحالة قذارته وتحمل له أيضاً قيامة من الموت. وهذا هو السبب الذي جعل موسى يصنع المرحضة بهذه الصورة حتى يضمن دقة استنارة المغتسل بحالته.
مرحضة موسى تلك كانت رمزاً واضحاً لجرن المعمودية الذي هو بمثابة رحم الكنيسة الذي منه تلد البنين ولادة ثانية، فيُمنحون سر الاستنارة كما في مرايا موسى، وكل من لا يغتسل في هذا الجرن يموت لأنه “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله.” (يو 5:3). انها ترمز أيضاً لسر التوبة والاعتراف الذي من خلاله يغتسل المرء من الطين الموضوع على عينيه فيأتي بصيراً.
من أجل هذا نحن نفرح ونتهلل جداً في عيد الغطاس، إذ نحتفل فيه بسر استنارتنا وولادتنا الثانية. هو عيد الثيؤفانيا الذي فيه انفتحت السماء على الأرض لتعلن أسرار الملكوت لكل من وُلد من فوق. هو عيد ميلاد كل مسيحي مُعمّد إذ يحتفل فيه بذكرى بنوته لله وحصوله على بذرة الإنسان الجديد واستنارة الروح القدس في داخله.