يكتب معلمنا يوحنا الحبيب في رؤياه عن رسالة الله إلى ملاك كنيسة برغامس (رؤ2: 12–17) ليمدحه ويؤازره على احتماله الكثير من الآلام في سبيل الإيمان: «أنا عارِفٌ أعمالكَ، وأين تسكُنُ حَيثُ كُرسيُّ الشَّيطانِ، وأنتَ مُتَمَسِّكٌ باسمي»، لكنه في ذات الوقت يعاتبه ويلومه – ويا للعجب – على خطية لم يفعلها، يعاتبه على خطايا شعبه!!
ونحن نعلم أن كل إنسان يُحاسَب فقط عن خطاياه، ولكن رساله الله لملاك كنيسة برغامس توضّح مبدأً كتابيًا هامًا، وهو أن الراعي مسئول عن خطاياه الخاصة وخطايا شعبه أيضًا، فالله يعاتبه على خطايا شعبه وليس على خطاياه الخاصة!! ولذلك يكتب الوحي الإلهي في سفر اللاويين كيف كان على رئيس الكهنة أن يقدم ذبيحة عن خطاياه الخاصة، وذبائح عن خطايا شعبه العامة أيضًا. والله بهذا المبدأ يؤكّد مسئولية كل مُدبِّر عمن هم تحت رعايته، فالراعي مسئول عن رعيته، وخطاياهم تحتاج لتوبة منه. والخادم مسئول عن مخدوميه وشريك لهم في ضعفاتهم، والأب مسئول عن أولاده وخطاياهم تحتاج منه أن يراجع طرقهم. وبذلك تكون الرسالة إلى ملاك كنيسة برغامس هي رسالة خاصة لكل إنسان يحب الرب، ويتمسك بإيمانه، ويحتمل الآلام من أجله، لكن مَنْ هم تحت مسئوليته يحزنون قلب الرب بخطاياهم…
وبذلك يصبح واضحًا أن خطية الرعية لا تنفصل عن حياة الراعي، وأن تهاونهم يحتاج لتوبة، لأن تأديبهم ليس فقط يؤلمهم بل يؤلم أيضًا الراعي، كما أن توبتهم هي سبب فرحة للراعي وليس فقط للرعية «فتُبْ وإلّا فإنّي آتيكَ سريعًا وأُحارِبُهُمْ (هم) بسَيفِ فمي (كلمتي)» (رؤ2: 16).
فما هي الخطايا التي يعاتب عليها الله ملاك الكنيسة، وهي ليست له شخصيًا بل لرعيته؟
1) العثرة: «عِندَكَ هناكَ قَوْمًا مُتَمَسِّكينَ بتعليمِ بلعامَ» (رؤ2: 14)، وأحيانًا كثيرة لا نقع نحن في الخطايا بل نكون سببًا لعثرة الآخرين، وهذا أمر يحزن الرب، فخطية إعثار الآخرين هي خطية مكروهة في الكتاب «ولكن ويلٌ للّذي تأتي (العثرات) بواسِطَتِهِ!» (لو17: 1).
2) الاشتراك فيما ذُبِح للاوثان وعدم الطهارة: «أنْ يأكُلوا ما ذُبِحَ للأوثانِ، ويَزنوا»، وهي إشارة إلى تساهل البعض في بعض الوصايا بدافع المجاملة، فالإنسان المسيحي يجب أن يعلم أن المجاملات لا يجب أن تكون على حساب السلوك الإيماني الصحيح.
3) التمسك بتعاليم النقولاويين: وهي إشارة لبعض انحرافات الإيمان، فالنقولاوية هي أحد البدع التي تأثرت بالغنوسية والعبادات الوثنية المعاصرة لتلك الفترة.
وما الحل؟… يشير الرب بالتعليم، لأن الرب يتكلم عن نفسه بصفته «الّذي لهُ السَّيفُ الماضي ذو الحَدَّينِ»، «أُحارِبُهُمْ بسَيفِ فمي»؛ والسيف إشارة إلى كلمة الله المكتوبة في الكتاب المقدس.. لذلك كانت الرسالة هي التعليم، فعلى الراعي أن يعلّم، وعلى الرعية أن تستجيب.
أمّا عن المكافأة أو الوعد فكان:
1- «يأكُلَ مِنَ المَنِّ المُخفَى»: وهو إشارة إلى كلمة الله المتجسد على المذبح، أي سر الإفخارستيا الذي كل من يتناوله له وعد بأن يحيا إلى الأبد.
2- أمّا الوعد الثاني فهو حصاة بيضاء واسم جديد: إشارة إلى حياة جديدة وعمق جديد لا يدرك نقاوتها ولا إكليلها ولا يعرفها إلّا الذي ينالها، وهذه إشارة إلى عمق روحي جديد في العلاقة الخاصة بين الإنسان والله.