منذ أن تأسست الكنيسة القبطية على أرض مصر عام ٦٤م على يد القديس مرقس –البطريرك الأول – لم نجد في تاريخ سلسلة بطاركتها الـ ١١٨ بطريركا ً، من كان خائناً أو جباناً بل جميعهم دون استثناء كانوا – ومازالوا – في قمة الوطنية الحقيقية. فعلى مر العصور كان بطريرك الأقباط دائماً هو رمانة الميزان في كل الحوادث الطائفية، كان أول من يسكب مياه الحب على حرائق التعصب والطائفية فى ربوع مصر ومثارا ً لتقدير وإعجاب المصريين سواء أقباطا ً أو مسلمين الذين لهم أعين ويبصرون، أذناً ويسمعون، عقلاً راجحاً ويفهمون. أما الذين طمست أعينهم، وسدت آذانهم، وهم بلا عقل وبلا فهم، فلا نعول عليهم ولا بكلامهم الساذج ولا بأفكارهم المضللة.
البابا مرقس الثامن «١٧٩٦ – ١٨٠٩ م» البطريرك ١٠٨ كــان لــه دور كبير فــى الـتـصـدى لـكـل الفتن والاضطرابات إبـان الحملة الفرنسية، ومـن بعدها عادت الدولة العثمانية تحكم البلاد، وكان أول من أيد وساند ثورة المصريين ضد الخديوي العثمانى حتى سحبته تركيا من مصر، وكان مع عمر مكرم عندما ذهبوا لمحمد على ليكون واليا على مصر.
البابا بطرس السابع المشهور بالجاولى «١٨١٠ – ١٨٥٢م» البطريرك ١٠٩ ،وفـى عهد محمد على قام بتجديد كرسى النوبة الـذى غـارت عليه الدولة العثمانية، وأعاد لكنيسة النوبة مجدها، وهو المشهور عنه فى التاريخ بواقعة زيارة سفير قيصر روسيا له وطلبه حماية الأقباط فى مصر، فقال قوله المشهور «إن حامى الأقباط الملك الـذى لا يموت بل يعيش إلى الأبد وليس لملكه نهاية، ونحن لسنا فى حاجة لحماية ملك يموت». وقد قام محمد على باشا فور علمه بهذا الحديث من سفير روسيا، بأن سارع لزيارة الـدار البطريركية بالأزبكية وقـدم شكره للبابا على ذلـك، وقـال له لقد رفعت اليوم شأنك وشـأن مصر فليكن لك مقام محمد على بمصر، فقال له البابا بطرس لا تشكر مـن قـام بـواجـب عليه نحو بـلاده. بعكس مـا نشاهده هـذه الأيــام بقيام المجموعات المتشددة بطرق أبواب السفارات الأجنبية استجداء لمساعداتهم وحمايتهم، والبعض الآخر وضعوا أيديهم فى أيدى عناصر أجنبية تعمل ضد مصالح الوطن!! ثم بعد ذلك يتحدثون عن الوطنية!! عجبى.
البابا كيرلس الرابع «١٨٥٣-١٨٦١م» البطريرك ١١٠، والمعروف بأبى الإصلاح فى تاريخ مصر، أول من أنشأ أول مطبعة خاصة فى مصر بعد المطبعة ّ الأميرية، أول من أنشأ مدارس الأقباط والتى تعلم فيها المسلمون بجوار المسيحيين وأخرجت لمصر الكثير من علماء ومثقفى وقادة الوطن العظام، أول من اهتم بتعليم الفتاة المصرية، فقد سبق فى ذلك قاسم أمين والشرق العربى كله بخمسين عاما. البابا كيرلس الخامس «١٨٧٤-١٩٢٧م« البطريرك ١١٢ ،الــذى كـان لـه دور عظيم فـى المؤتمر الأول للأقباط بأسيوط عــام ١٩١١ ،للمطالبة بتساوى المسلمين والأقـبـاط فى الحقوق والـواجـبـات. كما كان أول المناصرين لثورة ١٩١٩ باتحاد المسلمين والأقـبـاط للمطالبة باستقلال مصر، ووقـف بجوار سعد زغـلـول حتى أنـشـأ الـبـرلـمـان، وبـعـد أن تولى فؤاد مُلك مصر وضع دستور مصر المشهور عام ١٩٢٣ والمرجع الأول لكل دساتير مصر بعد ذلك، ولعل وقوف أقباط مصر الممثلين فى لجنة إعداده ورفضهم اعتبار الأقباط أقلية، بل مصريين فى نسيج واحـد مع المسلمين، ورفضهم وضـع امتيازات لهم بالدستور، مازال رمزاً يُحتذى فى وطنية الكنيسة وشعبها حتى اليوم.
البابا كيرلس السادس «١٩٥٩ – ١٩٧١م» البطريرك ١١٦، فى أعقاب نكسة يونيو ١٩٦٧، فور أن علم قداسته بموقف المندوب الإثيوبى بمجلس الأمن، بادر بإرسال برقية لجلالة الإمبراطور هيلاسلاسى الأول عن طريق السيد ملس عندوم السفير الإثيوبى بالقاهرة يخبره فيها ألا ينسى الفلسطينيين المشردين وضحايا الحرب الأبرياء واحتلال الأراضى المصرية، فعلى الفور أرسل جلالة الإمبراطور إلـى قداسة البابا خطابا أخطره فيه أنه اتصل بالمندوب الإثيوبى ليغير موقفه وينحاز مع القضية المصرية. وقد وصلت للبابا رسالة شكر وتقدير من الخارجية المصرية. وأيضا في تلك الأثناء قام بتكليف الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والاجتماعية «أستشهد فى حادث المنصة عام ١٩٨١ « بالاتصال بمجلس الكنائس العالمى بجنيف لتدبير أدوية للجرحى وملابس للاجئين وأغطية للذين فى العراء.
البابا شنودة الثالث «١٩٧١ – ٢٠١٢ «البطريرك ١١٧، فى أبريل ١٩٧٧ قام قداسته بأول زيارة رعوية للكنائس القبطية بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وكان من بين برنامج الزيارة زيارة البيت الأبيض ولقاء مع الرئيس جيمى كارتر. حضر هذا اللقاء د. أشرف غربال سفير مصر فى ذلك الوقت والوفد البابوى المرافق. حدث فى أثناء اللقاء أن تطرق الرئيس كارتر لموضوع «شعب الله المختار»، وهنا انبرى البابا شنودة للرد بكل شجاعة وحكمة، فقال: «سيادة الرئيس.. لو الشعب الإسرائيلى هم شعب الله المختار، فسيادتك وأنا ليسوا من شعب الله المختار!!». أثنى الرئيس كارتر على الإجابة البليغة والتى أثلجت قلب السفير المصرى والتى أبلغها بدوره للرئيس السادات، الذى شكر البابا شنودة على كلماته وعلى تمثيله المشرّف لمصر”.
البابا تواضروس الثانى “٢٠١٢ ـ أطال الله فى عمره” البطريرك ١١٨، كان موقفه من الثورة الشعبية الوطنية ً فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ موقفا ً مشرفاً ووطنياً رائعاً، انحاز نحو الشرعية الشعبية الصادقة، وكان شاهدا لخارطة الطريق التى أعلنها القائد الملهم الفريق أول السيسى، وفى الكلمة التى ألقاها من قلبه، عبّر بكلمات قليلة ما يحملها قلب كل وطنى مخلص.
أما أصحاب المصالح الخاصة فليس لهم مكان بيننا نحن المصريين.
دكتور/ مينا بديع عبد الملك
جريدة الدستور