الأَصْحَاحُ الثَّالِثُ وَالعِشْرُونَ
كبرياء الفرّيسيّين – شـكلية العبـادة
(1) التعليم والعمل به (ع 1-4):
1- حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه 2- قائلا: “على كُرْسِىِّ موسى جلس الكتبة والفرّيسيّون. 3- فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه، فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يقولون ولا يفعلون. 4- فإنهم يحزمون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم.”
ع1-3: هذه هى آخر عظات المسيح للجموع. وبعد ذلك، كانت كل أحاديثه للتلاميذ.
احتمل المسيح مقاومات الكتبة والفرّيسيّين المتكبرين، وكان يرد على أسئلتهم الخبيثة، مستخدما ذلك فرصـة لتعليمهم مع كل الجموع. ولكنه، إذ وصل للأسـبوع الأخير من حياته على الأرض، أراد كشـف أخطائهم لعلهم يتوبـون، وحتى لا يقلدهم الشعب، فيسـقطون فى خطايا كثيرة.
ائتمن الله الكتبة والفرّيسيّين على تعليم الشعب الوصايا والناموس، فعلّموا كل شىء بالتدقيق، ولكنهم عاشوا حياة بعيدة تماما عن الوصايا. فنبّه المسيح تلاميذه والجموع أن يطيعوا كلام الله الذى يعلّم به الكتبة والفرّيسيّون، مع الاحتراس الشديد، حتى لا يقلّدوهم فى أعمالهم الخاطئة، لأن الفرّيسيّين أهملوا تنفيذ وصايا الله.
ع4: “يحزمون”: يشبّه الوصايا بأحمال يربطها الفرّيسيّون معا، ويطالبون بها الشعب.
“أحمالا ثقيلة”: يشبّه الشعب بدواب، يضع الفرّيسيّون الوصايا كأحمال ثقيلة على ظهورهم، حتى تكاد الدواب أن تسقط تحتها وتفقد قدرتها على الحركة بها، أى لا يستطيعون تنفيذها.
“يحركوها بإصبعهم”: يرفضون تنفيذ أقل شىء منها.
لأن الفرّيسيّين لا يجاهدون فى تنفيذ الوصايا، أصبح كلامهم نظريا، ومطالبتهم الناس بتنفيذ الوصايا صارت ثقيلة، ليس لأن الوصية ثقيلة فى حد ذاتها، بل لأن التعبير عنها وتعليمها خاطئ، فلا يشجعون الناس على تنفيذها، وليست لهم خبرة فى كيفية التدرج فى تطبيق الوصايا والتغلب على المعوقات.
لا تعلّم شيئا لغيرك لم تبدأ فى تنفيذه عمليا فى حياتك، حتى تكون قد استفدت منه، فيكون كلامك أكثر تأثيرا. ومن ناحية أخرى، تكون قد تعلمت كيف تنفذه، فترشد الناس بكلام واقعى عملى يناسب ظروف الحياة المحيطة بك وبهم.
(2) كبرياء الفرّيسيّين (ع 5-12):
5- “وكل أعمالهم يعملونها لكى تنظرهم الناس، فَيُعَرِّضُونَ عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم. 6- ويحبون المتكأ الأول فى الولائم، والمجالس الأولى فى المجامع. 7- والتحيات فى الأسواق، وان يدعوهم الناس: سيدى، سيدى. 8- وأما أنتم فلا تُدْعَوْا سيدى، لأن معلمكم واحد المسيح، وأنتم جميعا إخوة. 9- ولا تَدْعُوا لكم أبا على الأرض، لأن أباكم واحد الذى فى السماوات. 10- ولا تُدْعَوْا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح. 11- وأكبركم يكون خادما لكم. 12- فمن يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع.”
ع5-7: لم يكتفِ الفرّيسيّون بعدم تنفيذ الوصايا فقط، بل طلبوا الكرامة ومديح الناس، فالناموس أمر أن تُكتب الوصايا بخط صغير على قطع جلدية وتوضع بين العينين، أى تكون فى فكر الإنسان وأمام عينيه دائما. أما هم، فجعلوا هذه العصائب عريضة، للتظاهر أنهم أكثر تمسكا بالوصايا من غيرهم. أما الثياب، فالله أمر أن توضع فى أهدابها، أى ذيولها، بعض الخيوط الأسمانجونية، أى الزرقاء، لتذكيرهم بالحياة السمائية. أما الفرّيسيّون، فجعلوا هذه الأهداب كبيرة لإظهار تقواهم أكثر من غيرهم؛ وهكذا رفضوا الاتضاع.
إن العصائب المادية طمست ذهنهم وأبعدتهم عن الوصية، والأهداب الطويلة العظيمة أسـقطتهم فى الكبريـاء، وأعاقتهم عن السير فى الطريق الكـرب، أى الجهاد الروحى، بل كانوا يطلبون المكان العظيم المتقدم فى الحفلات والولائم والمجامع. وعندما يمرون بالأسواق المزدحمة بالناس، يحبون أن يعطيهم الناس تحيات المديح والتعظيم، وينادونهم بألفاظ التكريم مثل سيدى، وانشغلوا بهذا الكبرياء عن محبة الله وتنفيذ وصاياه.
لذا حرص المسيح على الاتضاع فى كل سلوكه، سواء فى عُرس قانا الجليل، أو ميله للخفاء، أو غسله أرجل التلاميذ…
على قدر اتضاعـك، ترى الله وتفهم وصـاياه وتحبه. وعلى العكس، إن طلبت مديح الناس، تبتعد عن محبته، لأنك تحب ذاتك بدلا منه.
ع8: حذّر المسيح تلاميذه من محبة الرئاسة والسلطان ومديح الناس، مطالبا إياهم بالاتضاع، والشعور بأن كل من يرعونهم من الشعب هم إخوتهم، والمسيح فقط هو المعلم والراعى.
وليس المقصـود لفظ سـيد أو معلم حرفيا، بل روح الكبرياء والسيطرة، لأنه يوجد بالطبع فى المجتمعـات المختلفـة سـادة وعبيد أو رئيس ومرؤوس ومعلمون ومتعلمـون. ولكن الرئيس أو السيد أو المعلّم الروحى، يأخذ سلطانه من المسيح، ويعلّم تعاليم المسيح وليس تعاليمه الشخصية، بدليـل أن الكتـاب المقدس فى العهد الجديـد يدعونا لإكرام ذوى السـلطات والخضوع لهم (رو 13: 1-2). كما يقول بولس الرسول عن نفسه أنه أب: “لأنه، وإن كان لكم ربوات من المرشدين فى المسيح، لكن ليس آباء كثيرون، لأنى أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل” (1كو 4: 15).
وأيضا يدعو أُنِسِيمُسَ ابنه، فيقول: “أطلب إليك لأجل ابني أُنِسِيمُسَ الذى ولدته فى قيودى” (فل 10). أما القديس يوحنا الحبيب فيدعو شعبه أولاده (1يو 2: 1، 3: 18؛ 3يو 4).
وبالنسبة للقب سيدى، فلم يتحرّج بولس أو سيلا عندما قال لهما سجان فيلبى: “يا سيدىَّ ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟” (أع 16: 30).
ع9-10: يطلب المسيح هنا من التلاميذ وخلفائهم الأساقفة الذين يرأسون الكنيسة ويُدْعَوْنَ آباء لها، ألا يدعوا أحدا أبا لهم لأن الله هو أبوهم، أى هم مسئولون عن قيادة الكنيسة. ولكن ليس المعنى الحرفى بل بالروح، إذ يمكن أن يدعو بعض الآباء آباءهم روحيا مثل أب الاعتراف، بل بالاتضاع يتعلمون من كل الآباء الأساقفة والكهنة وآباءهم الجسديين. والعهد الجديد يقدّر وجود معلمين، فيقول: “المعلم ففى التعليم” (رو 12 :7).
والخلاصة هى ألا ينفردوا بالسلطة والتعاليم من ذواتهم، بل بسلطان الله وكلامه، ولا ينقادون وراء أحد الآباء إذا كان يعلّم تعاليم خارجة عن الكنيسة والمسيح، مثل الهراطقة.
ع11-12: ثم يدعوهم بوضوح إلى الاتضاع أمام بعضهم البعض، ومن يتضع يمجده الله ويرفعه، أما من يتكبر فيسقط من نظر الله ويرذله.
(3) تعطيل الآخرين وإعثارهم (ع 13-15):
13- “لكن، ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون. 14- ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تأكلون بيـوت الأرامـل، ولعلة تطيلون صلواتكم، لذلك تأخـذون دينونة أعظم. 15- ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا، ومتى حَصَلَ، تصنعونه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفا.”
ع13: “المراؤون”: تتظاهرون بقيادة الشعب لعبادة الله، مع أنكم فى الحقيقة تبعدونهم عن الإيمان بالمسيح، وعن السلوك بروح الوصية.
أغلق الفرّيسيّون ملكوت السماوات أمام أنفسهم بكبريائهم وسطحيتهم وابتعادهم عن تنفيذ الوصايا، وأغلقوه أيضا فى وجه الشعب بأن جعلوا الوصايا صعبة فى نظرهم، إذ حمّلوهم أحمالا عثرة الحمل، كما أعثروهم بسلوكهم الخاطئ، فأبعدوا الناس عن الحياة الأبدية.
ع14: “لعلة”: أى لسبب وغرض شخصى، فبإطالتهم الصلاة، يثق الناس فيهم ويعطونهم الوصاية على أموال الأرامل، ولكنهم للأسف لا يكونون أمناء عليها، بل لطمعهم، يسرقون منها لمنفعتهم الشخصية.
امتد رياء الفرّيسيّين، فلم يكتفوا بتعطيل الآخرين عن دخول الملكوت، بل تمسكوا بمظهر الصلاة وإطالتها لينالوا مديح الناس، وليس حبا لله. وامتلأ قلبهم بمحبة المال، حتى أنهم استغلوا الضعفاء مثل الأرامل وظلموهن وأخذوا أموالهن، ولم يشعروا أن هذا استغلال وظلم، لانهماكهم فى محبة المال والكبرياء.
ع15: “البحر والبر”: أى اجتهاد عظيم لجذب إنسان إلى الإيمان اليهودى.
“دخيلا”: وثنيا يدخل إلى الإيمان اليهودى.
“ابنا لجهنم”: يستحق العذاب الأبدى.
“مضاعفا”: أى عذابه أكبر فى الأبدية، لأنه، بعدما عرف الإيمان بالله، وأُعْثِرَ من الفرّيسيّين، يستبيح خطاياه القديمة التى كان يحيا فيها أثناء وثنيته.
يسعى الفرّيسيّون ليضموا أحد الوثنيين الشـرفاء الأغنياء إلى الإيـمان، فيبذلون جهدا كبيرا لأن معونة الله لا تسـاعدهم، ثم بعد إيمانه، يكتشف رياءهم وابتعـاد قلوبهم عن الله، فيعثر فيهم وفى الديانة اليهودية، ويبتعد عن الله، فيستحق العذاب الأبدى أكثر من ذى قبل، إذ بعدما عرف الإيمان جحده.
احذر أن تكون معثرا لغيرك بخطاياك، فتعطى صورة سيئة عن الله وكنيسته. ولا تكن مغرضا فى أية عبادة، بل تقدمها محبة لله، فتكسب خلاص نفسك، وتربح تلقائيا مَنْ حولك للمسيح.
(4) النظرة المادية (ع 16-22):
16- “ويل لكم أيها القادة العميان، القائلون: من حلف بالهيكل فليس بشىء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. 17- أيها الجهال والعميان، أيما أعظم، الذهب أم الهيكل الذى يقدس الذهب؟! 18- ومن حلف بالمذبح فليس بشىء، ولكن من حلف بالقربان الذى عليه يلتزم. 19- أيها الجهال والعميان، أيما أعظم، القربان أم المذبح الذى يقدس القربان؟! 20- فإن مَنْ حلف بالمذبح، فقد حلف به وبكل ما عليه. 21- ومن حلف بالهيكل، فقد حلف به وبالساكن فيه. 22- ومن حلف بالسماء، فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.”
ع16-17: لانشغال الفرّيسيّين بمحبة المال، علّموا أن من يحلف بالذهب الذى يقدمه للهيكل، يلتزم بتنفيذ ما أقسم به. ولكن من حلف بالهيكل، فيمكنه الرجوع فيما حلف به. كيف هذا، والهيكل بالطبع أعظم من الذهب الذى يُقدّم له؟! ولكن، لاهتمامهم بتحصيل المال، علّموا هذا التعليم الفاسد.
ع18-19: “المذبح”: هو المذبح النحاسى الموجود فى مدخل الهيكل، والذى تُقدّم عليه الذبائح والقرابين من الشعب.
يعلّم الفرّيسيّون أيضـا أن مـن يحلف بالقربـان، لابد أن يـوفى ما حـلف به. ولكـن من حـلف بالمذبـح، فليس من المهم أن يـوفى ما وعـد به، وذلك ليحصلوا على القرابين المقدمـة من الشعب كمكسب مادى لهم، غير مهتمين بالعبـادة، وتشجيع الناس على الوعود لله والحياة معه.
ع20-22: الخلاصة أن من يحلف بشىء، فهو يحلف به وبكل ما يحتويه، وهذا أمر منطقى. وقد كان القَسَمُ مباحا فى شريعة موسى، بشرط أن يكون صادقا ويلتزم به صاحبه، ولكنهم كسروا وصية القَسَمِِ بتمسكهم بمكاسبهم المادية.
ووجّه المسيح نظرهم إلى روح القسم، وهو القسم بالله صاحب المذبح والهيكل والسماء. فكيف يهملون الله انشغالا بنفعهم المادى، ويفسرون تفاسير لم يقلها الله؟ فغرض الله من وصية القسم فى العهد القديم هو تثبيت إيمان شعبه به، وابتعادهم عن القسم بالآلهة الوثنية.
لا تفسر كلام الله بحسب أغراضك الشخصية، واخضع له ولا تخدع نفسك، فتنال بركات الله فى حياتك.
(5) حرفية العبادة و شكليتها (ع 23-28):
23- “ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ والشِّبِثَّ والكمون، وتركتم أثقل الناموس، الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغى أن تعملوا هذه، ولا تتركوا تلك. 24- أيها القادة العميان، الذين يُصَفُّونَ عن البعوضة ويبلعون الجمل. 25- ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تنقون خارج الكأس والصَّحْفَةِ، وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة. 26- أيها الفّريسىّ الأعمى، نَقِّ أولا داخل الكأس والصَّحْفَةِ، لكى يكون خارجهما أيضا نقيا. 27- ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تشبهون قبورا مُبَيَّضَةً تظهر من خارج جميلة، وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. 28- هكذا أنتم أيضا، من خارج تظهرون للناس أبرارا، ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما.”
ع23: اهتم الكتبة والفرّيسيّون بتقديم عشور النباتات غير الهامة، والتى قد تُزرع بكميات قليلة فى حدائق البيوت، مثل النعناع والشبت والكمون، ليَظهروا مدققين فى كل شىء. ولأن قادة اليهود يستفيدون من جمع هذه العشور، أهملوا فى نفس الوقت جوهر العلاقة مع الله، وهو الحق والرحمة والإيمان.
والمسيح لا يرفض تقديم العشور، حتى فى الأمور الصغيرة. ولكن، لنفهم روح الوصية وليس حرفيتها، فنقدّم العشور إيمانا ببركة الله ورحمة للمحتاجين وتمسكا بالله الذى هو الحق، ونسلك بالرحمة والحق والإيمان فى كل حياتنا، وليس كالكتبة والفرّيسيّين الذين ظهرت قساوة قلوبهم فى ظلم الأرامل والضعفاء، ورفضوا الإيمان بالمسيح.
“هذه”: تشير إلى تقديم العشور فى كل شىء.
“تلك”: أى التمسك بالرحمة والحق والإيمان.
ع24: يصفهم المسـيح بالعمى لأنهـم رفضـوا رؤيـة الحق الذى فيه، وتمسـكوا بالتدقيق فى الأمـور الصغيرة التى يشبهها بالبعوضـة، وأهملـوا جوهـر الوصـايا الذى يشبهه بالجمل. فقد كانـوا يُصَفُّونَ المـاء والخمـر لئـلا توجـد فيه بعوضـة، وهى تُعتبر نجسـة بحسـب أوامر الشريعة. ولكن، مع هذا التدقيق، يتغاضون عن خطايا كبيرة، مثل القبض على المسيح وصلبه مع أنه برىء.
ع25-26: يظهر هنا رياء الفرّيسيّين واضحا أكثر من الخطايا السابقة، إذ يهتمون بمظهر العبادة المدقق، أما قلوبهم فمملوءة شرا. وينبههم المسيح إلى أهمية ما هو داخل الكأس والصَّحْفَةِ (الطبق)، وليس فقط تنظيفهما من الخارج، بالابتعاد عن كل نجاسة شخصية، لأن طعامهم وشرابهم، الذى جمعوه بالطمع والشر، لا يفيده تنظيف الأوعية خارجيا، بل تنقية قلوبهم. ويصف الفرّيسيّ بالعمى، لأنه لا يرى حقيقة الأمر، وينشغل بالمظاهر فقط.
ع27-28: كانت الشريعة تقضى بعدم لمس الميت أو قبره، لئلا يتنجّس الإنسان (عد 19: 16 و18)، لذا اهتم اليهود بتبييض قبورهم، حتى ينتبه المارة إليها ولا يلمسونها.
فيشبّه المسيح حياة الفرّيسيّين المرائية بالقبور التى يهتمون بدهنها باللون الأبيض، فتظهر جميلة من الخارج. أما فى الداخل، فتوجد عظام ورائحة كريهة مثل الشر الذى فى قلوبهم. فمظهرهم تدقيق وتمسك بالعبادة، أما قلوبهم فقاسية وسلوكهم شرير.
اهتم بتوبتك ومحبتك لله وللآخرين، فتكون أعمالك وعبادتك تعبيرا عن قلبك الصالح.
(6) مقاومة الحق (ع 29-32):
29- “ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تبنون قبور الأنبياء، وتزينون مدافن الصّدّيقين. 30- وتقولون: لو كنا فى أيام آبائنا، لما شاركناهم فى دم الأنبياء. 31- فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. 32- فاملأوا أنتم مكيال آبائكم.”
ع29-30: يوبخ المسيح الفرّيسيّين أيضا على مقاومة الحق مع التظاهر بالبر، إذ يبنون ويزينون قبور الأنبياء، ويعلنون رفضهم لشرور آبائهم الذين عذبوا وقتلوا هؤلاء الأنبياء، مع أن أعمالهم شريرة مثل آبائهم، وقاوموا الأبرار الذين هم أعظم من الأنبياء فى جيلهم، وهما يوحنا المعمدان ثم المسيح نفسه.
ع31-32: فكلامكم هذا يعلن أنكم أبناء قتلة الأنبياء، وليس هذا فقط، بل شروركم الحاضرة فى مقاومتى أنا وتلاميذى، تؤكد رياءكم ومظهرية بركم، أما قلوبكم فمملوءة شرا. والحقيقة أنكم، بما تفعلون، تملأون كأس الشر التى صنعها آباؤكم حتى تفيض، ويُحكَم عليكم بالعذاب الأبدى فى النهاية.
شجِّع الخير وسـاعد فيه من كل قلبك وبكل طاقتك، فتصير ابنا لله، فكل شىء يؤدى للخير يفرح به الله.
(7) العقاب الإلهى (ع 33-39):
33- “أيها الحيات أولاد الأفاعى، كيف تهربون من دينونة جهنم؟ 34- لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبيـاء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلـون وتصلِبون، ومنهم تجلدون فى مجامعكم وتطـردون من مدينـة إلى مدينـة. 35- لكى يأتـى عليكـم كل دم زكى سُـفك عـلى الأرض، من دم هابيل الصّدّيق إلى دم زكريا بْنِ بَرَخِيَّا الذى قتلتموه بين الهيكل والمذبح. 36- الحق أقول لكم، إن هذا كله يأتى عـلى هـذا الجيـل. 37- يا أورشـليم، يا أورشـليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تُريدوا. 38- هوذا بيتكم يترك لكم خرابا. 39- لأنى أقول لكم، إنكم لا تَرَوْنَنِى من الآن، حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب.”
ع33: “الحيات”: شبّههم بها لأجل تحايلهم وإصرارهم على صنع الشر.
“أولاد الأفاعى”: لأن آباءهم أشرار، فقد عذبوا وقتلوا الأنبياء قديما.
كل الخطايـا السابقة تسـتوجب بالضرورة نار جهنم، ولا يعفى منها كل مظاهـر العبادة والبر الزائف.
ع34: يستمر الله رغم شر اليهود فى عمل الخير معهم، فيرسل رسله الذين سماهم بالأسماء المعروفة للمعلمين عند اليهود، وهى الأنبياء والحكماء والكتبة، ليعلنوا صوته للناس حتى يتوبوا. ولكن، يقـوم عليهم اليهود ويجـلدونهم ويعذبـونهم ويطـردونهم، بل ويقتلونهم، لأنهم مصرون على الشر.
المجامع: هى أماكن القراءة والوعظ لليهود فى كل مدنهم، وفيها يحكمون على المتهمين فى نظرهم بالشر ومخالفة الشريعة.
ع35: فى النهاية، سيدينهم الله لمقاومتهم الحق، ورفض سماع صوته، بقتل رجاله الأبرياء من أول شهيد فى العالم وهو هابيل الصّدّيق، إلى زكريا بْنِ بَرَخِيَّا وهو أبو يوحنا المعمدان، الذى قُتِلَ بعد أن وضع الطفل يوحنا على المذبح عندما طارده العسكر، قائلا لهم: قد أخذته من المذبح وإليه أعيده. فأتى ملاك الله وخطفه من على المذبح، أما هو فقتلوه.
وهكذا يصوّر الأمة اليهودية بشخص واحد، يعاقبه الله على كل دماء الشهداء فى العهد القديم قبل المسيحية.
اعْلَمْ أن الله ديّان عادل، فلا تتمادى فى أنانيتك أو ظلمك لغيرك مهما كان سلطانك أو حجتك المنطقية، ولكن تُبْ باتضاع وأصلح أخطاءك، فتنال مراحمه.
ع36: قـد تم هـذا العقـاب الإلهى فى هذا الجيل لليهـود بتدمير أورشـليم وقتل من فيها عام 70م بيد تيطس قائد الرومان.
ع37: يشبّه المسيح نفسه بالدجاجة التى تحتضن بيضها حتى يفقس وتخرج الفراخ للحياة، ولكن يتسـاقط ريش الدجاجـة الأم، أى تبـذل حياتها لتُخـرِج بنيها للحياة، كما تألم المسيح ومات لأجلنا؛ وقد قدّم محبته لأبناء قتلة الأنبياء، أما هم فرفضوا تعاليمه التى لخلاصهم، بل قاموا عليه وصلبوه.
ع38: كان الهيكل خَرِبا روحيا من أجل شر الكهنة والكتبة والفرّيسيّين، وقد تركه المسيح بعد ذلك، أى نزع بركته منه، ثم تم خرابه على يد الرومان سنة 70م.
ع39: بعد هذا الحديث بأيام قليلة، صُلب المسيح ومات ولم يره اليهود، لأنه ظهر بعد قيامته لعدد قليل، هم تلاميذه وبعض المؤمنين. أما اليهود الذين سيؤمنون ويصيرون مسيحيين، فسيفرحون فى يوم الدينونة بمجىء المسيح الثانى، ويقولون: “مبارك الآتى باسم الرب” (مز 118: 26)، مثلما فرح التلاميذ والمؤمنون بالمسيح عند ظهوره لهم بعد قيامته، قائلين كلمات المزمور السابق؛ وبذلك يشارك كل من يؤمن بالمسيح الرسل، فيشعر أن المسيح المبارك أتى وحلّ فيه بالإيمان.