شفاء المرضى – انتهار الرياح
(1) شفاء الأبرص (ع 1-4):
1- ولما نزل من الجبل، تبعته جموع كثيرة. 2- وإذا أبرص قد جاء وسجد له، قائلا: “يا سيد، إن أردت تقـدر أن تطهرنى.” 3- فمد يسـوع يده ولمسه، قائلا: “أريد، فاطهر.” وللوقت طهر برصه. 4- فقال له يسوع: “انظر أن لا تقول لأحد، بل اذهب أَرِ نفسك للكاهن، وقدّم القربان الذى أمر به موسى، شهادة لهم.”
ع1: إذ تأثرت الجموع بكلامه، تعلقت القلوب به، فتبعوه ليسمعوا المزيد من عظاته. ورحب المسيح بهم ليعمل معجزاته أمامهم، فيُثَبّت إيمانهم. وسار فى السهل بجوار بحر طبرية فى طريقه إلى مدينة كَفْرَنَاحُومَ.
ع2: مرض البَرَص يظهر فى شكل بقع على الجلد، فهو يشبه مرض البهاق الحالى، وكذلك يمكن لبعض الأجزاء المصابة أن تنفصل عن الجسد، فهو يشبه أيضا مرض الجزام، وهو يرمز للنجاسة، ويلزم لمن يصيبه أن يُعزل عن الناس مهما كان مركزه، ويشق ثيابه ويغطى شاربيه ويكشـف رأسـه. وإذا اقترب منه إنسان ينادى: “نجس، نجس”، حتى ينبهه ليبتعد عنه (لا 13: 45)؛ وهذا المرض غير موجود حاليا.
وفيما كان المسـيح نازلا من الجبـل (وهذا يرمز لتنازل المسيح بالحب ليشفى نجاستنا وضعفنا)، طهّر هذا اليهودى الأبرص (إشارة إلى تطهير الأمة اليهودية من التعاليم الغريبة) ورجوعها إلى وصايا الله.
وقد قابل هذا الأبرص المسيح خارج المدينة، حيث كان معزولا، لأنه سمع عن تعاليمه وقوته فى شفاء الأمراض.
“سجد له”: إعلانا لإيمانه بالمسيح واتضاعه أمامه.
“إن أردت”: صيغة مهذبة فى التخاطب مع المسيح، وتسليم لمشيئته.
“تقدر”: ثقة وإيمان بالمسيح الشافى.
آمن بقدرة الله على غفران خطيتك، واطلب معونته، فيحررك منها، ويعطيك مشاعر التوبة والاعتراف، مهما كان ضعفك.
ع3: أمر المسيح الأبرص أن يَطْهُرَ، وَقَرَنَ كلامه بالفعل، ولمسه فشُفى فى الحال، وتغير لون جلده وعاد طبيعيا.
وقد لمسه المسيح ليعلمنا أن نقرن كلامنا بالأفعال، وليعلن سلطانه وطهارته التى لا تتأثر بلمس النجسينٍ، بل تطهّرهم، لأنه هو الله القادر على التطهير.
كما أننا أيضا إن عشنا فى طهارة القلب، لا نتنجس بالشر إن اضطرتنا الظروف لمواجهته فى العالم.
ع4: “لا تقول لأحد”: لأن المسيح لا يطلب الكرامة من الناس، ولأن هدفه من المعجزات تثبيت تعاليمه وليس إبهار الجموع.
وأعلن المسيح عدم نقضه للناموس، بل تكميله بإرساله الأبرص الذى شفاه، ليقدم ذبيحة حسب الشريعة، بعد أن يفحصه الكاهن ويتأكد من شفائه، وحتى تكون هذه بشارة للكهنة اليهود ليؤمنوا به، إذ يروا أن سلطانه أقوى من سلطانهم فى القدرة على الشفاء.
“القربان”: الذى أوصت به الشريعة، وهو عصفوران (لا 14: 4).
(2) شفاء غلام قائد المائة (ع 5-13):
5- ولما دخل يسوع كَفْرَنَاحُومَ، جاء إليه قائد مئة يطلب إليه. 6- ويقول: “يا سيد، غلامى مطروح فى البيت مفلوجا، متعذبا جدا.” 7- فقال له يسوع: أنا آتى وأشفيه.” 8- فأجاب قائد المئة وقال: “يا سيد، لست مستحقا أن تدخل تحت سقفى، لكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامى. 9- لأنى أنا أيضا إنسان تحت سلطان، لى جند تحت يدى، أقول لهذا اذهب فيذهب، ولآخر ائت فيأتى، ولعبدى افعل هذا فيفعل.” 10- فلما سمع يسوع تعجب، وقال للذين يتبعون: “الحق أقول لكم، لم أجد ولا فى إسرائيل إيمانا بمقدار هذا. 11- وأقول لكم، إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب فى ملكوت السماوات. 12- وأما بنو الملكوت، فيطرحون إلى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.” 13- ثم قال يسوع لقائد المئة: “اذهب، وكما آمنت ليكن لك.” فبرأ غلامه فى تلك الساعة.
ع5-6: “جاء”: يظهر من (لو 7: 3) أنه أرسل شيوخ اليهود للمسيح، ليطلبوا باسمه شفاء لعبده، ونُسب المجىء هنا للقائد لأن الشيوخ مندوبون عنه.
“قائد مئة”: مسئول عن تشكيل رومانى قوامه مائة جندى، يوجد فى المدن الكبيرة مثل كَفْرَنَاحُومَ. وهو رجل وثنى، ولكنه تقى ويحب اليهود.
دخل يسوع بعد ذلك مدينة كَفْرَنَاحُومَ، وهى مدينة كبيرة فى الجليل، فتقدم إليه قائد مائة، وطلب منه شفاء أحد عبيده كان مصابا بالشلل ومطروحا فى بيته؛ وهذا يُظهر حنان هذا القائد وعنايته بعبيده.
“متعذبا جدا”: بعض أنواع الشلل يصاحبها آلام شديدة، أو قد يكون معذبا نفسيا من انطراحه على الفراش، وعجزه عن الحركة والقيام بحاجته الضرورية.
ويرمز هذا إلى التجاء الأمم للمسيح، حتى يخلّصهم من الشلل الروحى الذى سقطوا فيه بعبادتهم للأوثان، وكانت نفوسهم معذبة به.
ع7: أظهر يسوع محبته للأمم كما لليهود، واستعداده لأن يدخل بيوتهم ويشفيهم، فهو لا يحتقر الأمم؛ وباتضاع، مستعد أن يذهب إليهم، لأنه تجسد لخلاص العالم كله.
“آتى وأشفيه”: هذا يعلن قدرته الكاملة على الشفاء.
ع8-9: “لست مستحقا”: رغم مركز هذا القائد، وتعوّد الرومان احتقار اليهود، أظهر هذا القائد اتضاعا غير متوقع أمام المسيح.
“تحت سقفى”: لأن اليهود لا يدخلون بيوت الأمم، فلا يحرج المسيح إذا دعاه لشفاء عبده.
قال قائد المائة باتضاع للمسيح إنه غير مستحق أن يزوره فى بيته ليشفى عبده، وأعلن إيمانه أن كلمة واحدة من المسيح قادرة أن تشفى. فهو قائد وله سلطان على جنوده، فبالأولى المسيح، الإله العظيم، له سلطان على كل شىء.
“تحت سلطان”: أى تحت سلطة قادة فى الجيش أكبر منى، أو تحت سلطان الملك، مع هذا أستطيع أن آمر عبدى فيطيعنى، فكم بالأحرى أنت القادر على كل شىء؟!
ع10: أُعْجِبَ المسيح بهـذا الإيمـان ومدحـه، معلنا أنه أعظم من أى إيمـان ظهر بين اليهـود. فالله عادل يعطى كل إنسان حقه فى الكرامة.
ع11-12: “المشارق والمغارب”: أى من الأمم، وهذا إعلان واضح من المسيح أن ملكوته يشمل الأمم أيضا مثل اليهود.
أضاف أن كثيرين من الأمم سيؤمنون ويسبقون إلى الملكوت حيث إبراهيم والآباء، وفى نفس الوقت كثيرون من اليهود، الذين يسميهم “بنو الملكوت”، إذ اختارهم الله شعبا خاصا له، وأعطاهم وصاياه، وَوُلِدَ بينهم ليخلهم، سيرفضون الإيمان، فيُطرحون فى العذاب الأبدى خارج الملكوت، الذى يعبر عنه بـ”الظلمة” حيث لا يوجد نور المسيح.
“صرير الأسنان”: يمثل العذاب والغضب واليأس.
ع13: وهب المسيح الشفاء بكلمته عن بُعد، فشُفى العبد فى الحال، وتمتع قائد المائة بالفرح لأجل إيمانه، وهذا يُظهر أمرين هامين:
(1) قدرة المسيح على الشفاء فى الحال.
(2) أهمية الشفاعة فى نظر الله، باستجابة المسيح لطلب القائد عن عبده.
إن طلب منك أحد خدمة، تحنن عليه وأسرع لمساعدته، بل ليتك تشفق على المتعبين حولك قبل أن يطلبوا منك، وتكون مستعدا لبذل كل الجهد حتى تساعدهم، متنازلا عن كرامتك لأجل راحتهم، واثقا أن هذا هو أعظم شىء فى نظر الله، أى عمل الرحمة.
(3) شفاء حماة سِمعان (ع 14-17):
14- ولما جاء يسوع إلى بيت بطرس، رأى حماته مطروحة ومحمومة. 15- فلمس يدها، فتركتها الحمى، فقامت وخدمتهم. 16- ولما صار المساء، قدموا إليه مجانين كثيرين، فأخرج الأرواح بكلمة، وجميع المرضى شفاهم. 17- لكى يتم ما قيل بإشعياء النبى القائل: هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا.
ع14-15: “بيت بطرس”: كان له بيت فى كَفْرَنَاحُومَ، مع أن أصله فى بيت صيدا.
” حماته “: هذا معناه أنه كان متزوجا، ولم يعطله زواجه عن اتباع المسيح وخدمته.
“مطروحة ومحمومة”: يظهر من هذا أن الحمى كانت شديدة‘ أفقدتها القدرة على الحركة والعمل.
“لمس يدها”: ليعلن للناس بطريقة ملموسة قدرته على الشفاء، وأنه مصدر الصحة التى ستنالها المريضة.
والمسيح هنا يهتم بخدامه، فإن كانوا قد تبعوه واتكلوا عليه، فهو يهتم بكل شئونهم، فيشفى أمراضهم هم وأهلهم؛ فالمسيح يعتنى عناية خاصة بأولاده الخدام.
وفى هذه المعجزة أيضا اهتمام بالنساء وترحيب بخدمتهن، إذ عندما شفاها، قامت لتخدمهم.
ومن الناحية الروحية، ترمز الحُمى للأمراض الروحية التى تعطل النفس عن حياتها مع الله وخدمتها له. ولكن، عندما نلتجئ إليه، يشفينا ونستعيد قوتنا الأولى.
ع16-17: انتشر خبر معجزات المسيح فى كل كَفْرَنَاحُومَ. ولأن اليوم كان سبتا، كما يذكر معلمنا مرقس الرسول (1: 21)، أتوا بالمرضى إليه عند المساء، أى بعد انتهاء يوم السبت الذى لا يعملون فيه شيئا (مر 1: 32). وكانوا مرضى بأمراض جسدية مختلفة، أو سكنتهم الشياطين وأحدثت لهم أمراض مثل الجنون، فشفاهم جميعا بمحبته وحنانه. فقد أتى ليرفع عنا أمراضنا، وقد حمل كل آلامنا على الصليب وفدانا، كما تنبأ إشعياء (53: 4).
الله يبحث عن المتعَبين، ويذهب إليهم لشفائهم، كما تجسد ليرفع عنا أتعابنا. لذا، فلنتشجع ونلتجئ إليه فى كل احتياجاتنا، واثقين من أبوته ومحبته، وكذلك قدرته على حل جميع مشاكلنا. فلا نعتمد على عقولنا وإمكانياتنا أو قدرات المحيطين بنا، فكلها بلا نفع إن لم تكن فى يد الله؛ وبهذا يطمئن قلبنا دائما لوجوده معنا، ولا نقلق من أى شىء يمكن أن يحدث فى المستقبل.
(4) تبعية المسيح (ع 18-22):
18- ولما رأى يسـوع جموعا كثيرة حوله، أمـر بالذهاب إلى العبر. 19- فتقـدم كاتب وقال له: “يا معلم، أتبعك أينما تمضى.” 20- فقال له يسوع: “للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه.” 21- وقال له آخر من تلاميذه: “يا سيد، ائذن لى أن أمضى أولا وأدفن أبى.” 22- فقال له يسوع: “اتبعنى، ودع الموتى يدفنون موتاهم.”
ع18: تبعت الجموع الكثيرة المسيح للتمتع بعظاته ومشاهدة معجزاته، فقال لتلاميذه المقربين إليه أن يعبروا من الشاطئ الغربى لبحر الجليل إلى الشاطئ الشرقى، وهو حوالى ستة أميال، أى يستغرق حوالى ساعتين فى السفينة، وذلك حتى تكون هناك فرصة لتبشير أماكن أخرى، وأيضا كراحة لجسده ولتلاميذه، وحتى يهرب من اليهود الذين يريدون أن يقيموه ملكا أرضيا يحررهم من الرومان، لأن ملكوته أعظم من هذا، وهو ملكوت السموات.
ع19: فيما هو ذاهب إلى الشاطئ، تقدم إليه واحد من الكتبة، وهم جماعة متقدمة بين اليهود، عارفين بالكتب المقدسة، لأنهم يهتمون بنسخها، وبالتالى معرفة ما فيها. وطلب هذا الكاتب أن يكون تابعا للمسيح فى كل مكان، بعدما رأى سلطانه على الأمراض، وذلك ليصير له مركزا فى المملكة الجديدة التى يظن اليهود أنه سيقيمها على الأرض.
ع20: كان رد المسيح عليه أنه فقير، ليس له مسكن يسكن فيه مثل باقى البشر، أو حتى الحيوانات مثل الثعالب التى لها مساكن، أى جحور تسمّى أوجرة، ولا أيضا مثل الطيور التى لها مساكن هى أعشاشها أى أوكارها، بل كان يبيت فى أى مكان يستضيفونه فيه، أو ينام أحيانا فى المركب، وأحيانا أخرى يقضى الليل كله مصليا فى الخفاء.
ورد المسيح يُظهر أن غرض هذا الكاتب كان الحصول على مركز مادى، وليس المحبة وطلب التلمذة له.
اسأل نفسك فى تبعيتك للمسيح: هل من أجل محبته أم لنوال طلبات مادية؟ وهل تتذمر إذا لم يستجب الله صلاتك، أو تأخر فى الاستجابة؟
حاول أن تفهم مقاصد الله، لأن غرضه من كل معاملاته معك خلاص نفسك واقترابك إليه، حتى لو استدعى هذا أن تمر ببعض الضيقات، أو تنقصك بعض الأمور المادية.
ع21: تقدم شخص آخر من تابعى المسيح والمتتلمذين على يديه، ولكن ليس من الاثنى عشر تلميذا، معلنا استعداده للاستمرار فى تبعيته دون أى غرض مادى، مثل الكاتب الذى طلب تبعية المسيح فى العدد السابق، ولكن استأذن المسيح فى دفن أبيه. وليس المقصود مجرد دفن الجسد، ولكن مراسم الدفن والتعزية التى كانت تستغرق مدة طويلة، وقد يرتبط بها إجراءات تقسيم الميراث، كما أنها تعلق القلب عاطفيا بأحزان كثيرة يمكن أن تشغله عن خلاص نفسه.
ع22: قال له المسيح: ينبغى التركيز فى التبعية له، وعدم الانشغال بعادات البشر ومشاغلهم العالمية الكثيرة.
“الموتى”: يقصد الأحياء جسديا لكن موتى بالروح، أى غير مؤمنين بالمسيح ولا يهتمون بخلاص نفوسهم. وهؤلاء، من أقارب وأصدقاء الميت الذين سينشغلون بمراسم الدفن والتعزية.
فتعلق هذا التلميذ بالماديات الزائلة سيعطله عن الله، فليترك الموتى بالروح ينشغلون بالماديات، أما هو فليتفرغ لله.
ويُفهم من هذ أن المسيح لا يقصـد مـجرد دفـن جسـد الميت، ولكن عدم التعطل عن تبعيته بسبب أية تعلقات عاطفية زائـدة، وليس العاطفـة العادية فى دفـن الموتى، أو محبة المحيطين بنا، بل على العكس، نقوم بواجباتنا نحو الوالدين وكل الأحباء من أجل الله، وهدفنا واضح أمامنا، وهو خلاص نفوسنا.
(5) انتهار الرياح (ع 23-27):
23- ولما دخل السفينة، تبعه تلاميذه. 24- وإذا اضطراب عظيم قد حدث فى البحر، حتى غطت الأمـواج السفينة، وكان هو نائما. 25- فتقـدم تلاميذه وأيقظوه قائلين: “يا سيد، نجنا فإننا نهلك.” 26- فقال لهم: “ما بالكم خائفين يا قليلى الإيمان؟” ثم قام وانتهر الرياح والبحر، فصار هُدُوٌّ عظيم. 27- فتعجب الناس قائلين: “أى إنسان هذا، فإن الرياح والبحر جميعا تطيعه؟!”
ع23-24: دخل المسيح السفينة ليعبر بحيرة طبرية، أى بحر الجليل إلى الجانب الشرقى، ونام داخل السفينة.
“اضطراب عظيم”: كانت بحيرة طبرية منخفضة كثيرا عن سطح البحر، ومحاطة بالجبال، وبالتالى معرضة لرياح فجائية تهيّج أمواجها.
“نائما”: بالإضافة إلى أن نوم المسيح يؤكد ناسوته، وحاجته إلى النوم والراحة، إلا أنه كان نوما مقصودا حتى يمتحن إيمان تلاميذه، ومن ناجية أخرى، يَظهر عجزهم، رغم خبرتهم فى الصيد وركوب البحر، فيشعروا بالحاجة لله المخلّص.
واجهت السفينة رياحا شديدة، وارتفعت الأمواج حتى غطتها، وكادت أن تغرق.
وتشير الرياح للتجارب، والأمواج للعالم المضطرب، والسفينة لحياتنا التى يسكنها المسيح، ولكنه نائم، أى غير عامل فينا، لعدم التجائنا إليه، واعتمادنا على قوتنا الذاتية التى يظهر عجزها أمام قسوة حروب إبليس.
ع25: أخيرا، إذ تأكد التلاميذ من عجزهم، التجأوا للمسيح، معلنين أنهم هالكون، لضعفهم أمام عنف الرياح والأمواج، طالبين منه أن ينجيهم.
ع26: قبل أن يُظهر المسيح سلطانه على الطبيعة، وبخ ضعف إيمانهم. فبعدما رأوا معجزاته، كان ينبغى أن يثقوا ويؤمنوا بلاهوته، فلا يخافوا من الأمواج؛ ثم أمر الرياح والأمواج فهدأت.
“قليلى الإيمان”: إن لهم إيمان ولذلك التجأوا إليه، ولكنه قليل، بدليل خوفهم وعدم ثقتهم فى قدرته الكاملة على إنقاذهم.
“انتهر”: إعلان للاهوت المسيح وسلطانه على الطبيعة، كأنها شخص يأمره فيطيعه.
“هُدُوٌّ عظيم”: يُظهر قوة المعجزة فى سكون الرياح والأمواج حالا وتماما.
إذا قابلتك تجربة أو سقطت فى خطية، فأسرع لتوقظ المسيح النائم فيك بصلاة متضرعة واتضاع، فينجيك ويعيد إليك سلامك.
ع27: أمام سلطان المسيح على الطبيعة، وظهور قوة لاهوته، تعجب التلاميذ، وبدأ إيمانهم ينمو، ومعرفتهم بالمسيح الإله الحقيقى تزيد.
(6) مجنونا كورة الجرجسيين (ع 28-34):
28- ولما جاء إلى العبر، إلى كورة الجرجسيين، استقبله مجنونان خارجان من القبور، هائجان جدا، حتى لم يكن أحـد يقدر أن يجتاز من تلك الطريـق. 29- وإذا هما قد صرخـا قائليْن: “ما لنا ولك يا يسوع ابن الله، أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟” 30- وكان بعيدا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. 31- فالشياطين طلبوا إليه قائلين: “إن كنت تخرجنا، فَأْذَنْ لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير.” 32- فقال لهم: “امضوا.” فخرجوا وَمَضَوْا إلى قطيع الخنازير، وإذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر، ومات فى المياه. 33- أما الرعاة، فهربوا ومضوا إلى المدينة، وأخبروا عن كل شىء، وعن أمر المجنونين. 34- فإذا كل المدينة قد خرجت لملاقاة يسوع. ولما أبصروه، طلبوا أن ينصرف عن تخومهم.
ع28: “إلى العبر”: وصل المسيح بالسفينة إلى الشاطئ الشرقى من بحر الجليل.
“كورة الجرجسيين”: قرية موجودة بين بلاد الجدريين، على الشاطئ الشرقى من بحيرة طبرية.
أسرع نحو المسيح مجنونان كانا يسكنان فى قبور هذه المدينة. ويبدو أن أحدهما كان أكثر هياجا من الآخر، فذكره معلمانا مرقس ولوقا (مر 5: 1-20؛ لو 8: 26-39)، وأهملا ذكر المجنون الثانى. ومن شدة هياجهما، قطعا الطريق على المارة، فكان الناس يخافون المرور فى هذا الطريق.
وقد سكنت الشياطين فى هذين المجنونين فأفقدتهما عقليهما، ولم يعودا يتمتعان بالسلام الطبيعى الذى للبشر.
هذا هو فعل الشياطين القاسية على البشر المتهاونين، عندما يبتعدون عن الله. بل أكثر من هذا كانا، بهياجهما، يمنعان الآخرين من المرور فى هذا الطريق، فالشيطان يحاول تعطيل الناس عن المرور فى طريق الله.
ع29: لم تحتمل الشياطين رؤية المسيح، فصرخت فى ضعف وخوف من سلطانه ألا يعذبهم. وكانت تسكن فى هذين المجنونين مجموعة كبيرة من الشياطين، وليس شيطان واحد، لذلك تكلموا بصيغة الجمع.
“قبل الوقت”: أى قبل يوم الدينونة.
“تعذبنا”: تهلكنا وتلقينا فى العذاب الأبدى.
ع30-31: كان بجـوار المدينة هضـاب ترعى فيها قطعـان من الخنازيـر يبلـغ عددهـا حـوالى ألفـين (مر 5: 13)، فطلبت الشياطين من المسـيح، إذا أراد أن يخرجهم من المجنونين، أن يسمح لهم بالدخـول فى الخنازيـر. وهذا يُظهر بوضـوح سـلطان المسيح على الشياطين، فلا تتحرك دون إذنه، وكذلك يُظهر شر الشياطين التى تريد قتل الخنازير لتهييج أصحابها ضد المسيح ومنع كرازته.
ع32: سمح لهم المسيح بدخول الخنازير، فاندفعت من الشاطئ إلى البحر وغرقت كلها.
هذا يُظهر قسوة الشياطين التى تريد إهلاكنا، ولكن المسيح لم يسمح لهم بإهلاك المجنونين، وسمح فقط بإهلاك الخنازير، لأن الخنازير محرمة عند اليهود، فتربيتها كانت ضد الناموس الإلهى. وهذا يُظهر أن الهياج والجنون الذى فى المجنونين لم يكن مرضا عصبيا، بل بفعل الشياطين.
“الجرف”: أى من سفح الجبل إلى حافة البحر.
ع33-34: انزعج الرعاة جدا من قوة المعجزة، وحزنوا لضياع ثروتهم، وأخبروا الجرجسيين سكان المدينة، الذين خرجوا ورأوا المسيح، وخافوا من قوته، وحزنوا لضياع ممتلكات المدينة، وهى هذه الخنازير. وفى قسوة قلب، لم يهتموا بشفاء المجنونين، لأن تعلقهم بالماديات أعمى عيونهم، ولم يروا النعمة الإلهية التى يمكن أن يتباركوا بها من المسيح، بل خافوا أن يخسروا شيئا ماديا آخر، فطلبوا من المسيح ألا يدخل مدينتهم.
تركهم المسيح لتعلقهم بالماديات، وإن كان فى نفس الوقت أرسل المجنونين اللذين شُفيا، ليكرزا باسمه “فى العشر المدن” (مر 5: 20)، وهى المدن المحيطة بمدينتهما.
إن محبة المال والماديات تعمى عينيك عن فهم أعمال الله، بل تجعلك ترفض عمل نعمته فيك، فتخسر سكنى المسيح فى قلبك. لذا، حاول أن تشعر بمن حولك وتسعى لخدمتهم، وتضحى بشىء من الماديات التى عندك، حتى تنتبه وتنفتح عيناك، وترى عمل الله المقدم لك.