الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ
إشباع الجموع – رياء الفرّيسيّين – إبراء الأعمى – الإنباء بالموت والقيامة
(1) إشباع الجموع بالسبعة أرغفة (ع 1-10):
1- فى تلك الأيام، إذ كان الجمع كثيرا جدا، ولم يكن لهم ما يأكلون، دعا يسوع تلاميذه وقال لهم: 2- “إنى أشفق على الجمع، لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معى، وليس لهم ما يأكلون. 3- وإن صرفتهم إلى بيوتهم صائمين يخورون فى الطريق، لأن قوما منهم جاءوا من بعيد.” 4- فأجابه تلاميذه: “من أين يستطيع أحد أن يشبع هؤلاء خبزا هنا فى البرية؟” 5- فسألهم: “كم عندكم من الخبز؟” فقالوا: “سبعة.” 6- فأمر الجمع أن يتكئوا على الأرض، وأخذ السبع خبزات وشكر، وَكَسَرَ وأعطى تلاميذه ليقدموا، فقدموا إلى الجمع. 7- وكان معهم قليل من صغار السمك، فبارك، وقال أن يقدموا هذه أيضا. 8- فأكلوا وشبعوا، ثم رفعوا فضلات الْكِسَرِ سبعة سلال. 9- وكان الآكلون نحو أربعة آلاف؛ ثم صرفهم. 10- وللوقت، دخل السفينة مع تلاميذه، وجاء إلى نواحى دَلْمَانُوثَةَ.
تتشابه هذه المعجزة كثيرا مع معجزة إشباع الخمسة آلاف فى (ص 6: 31-44)، ولهذا نراجع، ونكتفى هنا ببعض المعانى الروحية:
(1) إشفاق وحنان الرب يسوع على الجمع الذى له ثلاثة أيام أنفق فيها كل ما كان معه من طعام، وأشفق أيضا على انهيار قوتهم فى عودتهم، لأن قوما منهم جاءوا من بعيد.
هل تشعر بحنان الله عليك واهتمامه بك فى كل أمور حياتك؟
(2) سـؤال التلاميذ يذكّرنا بسـؤالهم فى المعجـزة الأولى، وكأنهم نسـوا أن المسـيح قادر على كل شىء.
ألا نفعل نحن أيضا هكذا، وننسى أعمال الله معنا؟!!
(3) “شكر وَكَسَرَ… وبارك”: كما فى المعجزة السابقة، ليعلّمنا أن نشكر الله فى كل الأمور، وخاصة قبل تناول الطعام.
لعلنا بذلك نعلم أولادنا تقليدا حسنا فى اجتماع الأسرة للصلاة قبل الأكل.
(4) لعل السبع خبزات تشير إلى صفات الروح القدس السبعة، المشبعة لنفوس المؤمنين، كما ذكرها إشعياء (11: 2): “روح الرب، روح الحكمة، (روح) الفهم، روح المشورة، (روح) القوة، روح المعرفة، ومخافة الرب.”
هل نستوعب معانى هذه الصفات؟!
(5) “قليل من صغار السمك”: تشير إلى بساطة الكرازة بين الناس، وعمق تأثيرها وإشباعها.
هل نفعل نحن هكذا؟!
(6) “أربعة آلاف”: يرمز العدد “أربعة” لأركان العالم الأربعة، الشمال والجنوب والشرق والغرب؛ ويرمز عدد “آلاف” (ألف) للسماء، مما يعنى أن بركة المسيح تغطى العالم كله، بل تمتد من الأرض إلى السماء.
ماذا فعلت يا أخى لتنال ولو فتات بركة المسيح؟!
ع10: “دَلْمَانُوثَةَ”: قرية صغـيرة غير مشهورة على بحـر الجليـل، وقريبة من “مجدل” بـلدة مريم المجدلية.
(2) تحذير المسيح من رياء الفرّيسيّين (ع 11-21):
11- فخـرج الفريسيون، وابتـدأوا يحاورونـه، طالبـين منه آيـة من السماء لكى يجربوه. 12- فتنهد بروحه، وقال: “لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم، لن يعطى هـذا الجيل آية.” 13- ثم تركهم ودخل أيضا السفينة، ومضى إلى العبر. 14- ونسوا أن يأخذوا خبزا، ولم يكن معهم فى السـفينة إلا رغيف واحـد. 15- وأوصـاهم قائلا: “انظــروا، وتحرزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس.” 16- ففكروا قائلين بعضهم لبعض: “ليس عندنا خبز.” 17- فعلم يسوع، وقال لهم: “لماذا تفكرون أَنْ ليس عندكم خبز؟ ألا تشعرون بعد ولا تفهمون، أحتى الآن قلوبكم غليظة؟ 18- ألكم أعين ولا تبصرون، ولكم آذان ولا تسمعون؟ ولا تذكرون 19- حين كَسَّرْتُ الأرغفة الخمسة للخمسة الآلاف، كم قفة مَمْلُوَّةً كِسَرًا رفعتم؟” قالوا له: “اثنتى عشرة.” 20- “وحين السبعة للأربعة الآلاف، كم سَلَّ كِسَرٍ مَمْلُوًّا رفعتم؟” قالوا: “سبعة.” 21- فقال لهم: “كيف لا تفهمون؟”
ع11-13: “فخرج الفريسيون”: تعبير قصده القديس مرقس ليوضح أنهم كالثعالب الماكرة، التى كانت مختبئة، ثم خرجت للنيل من فريستها.
“يحاورونه… يجربوه”: يوضـح لنا أيضا أن القصـد من المحاورة ليس الاسـتفادة والتعليم، بل اصطياد الأخطاء.
“فتنهد بروحه”: أى أن الرب حزن وأسف على حالهم وسوء نيتهم، ورفض أن يصنع لهم معجزة، إذ كان جديرا بهم أن يؤمنوا بكل ما سبق وصنعه، وأن ينصرفوا لوظيفتهم فى تعليم الشعب بدلا من تجربة المسيح.
“تركهم… ومضى”: يعلمنا السيد المسيح درسـا هاما ، وهـو ألا نضيع وقتنا مع كثيرين من المستفزين الذين لا يبغون سـوى النقاش واللغو الغير مفيد، بل يستهلكون طاقتنا ومجهودنا فى لا شىء… فاحذر أيها الحبيب من هؤلاء.
ع14: فى عَجَلَةٍ من أمـرهم، نسى التلاميذ أن يأخـذوا خـبزا معهم، ولم يـكن معهم فى السفينة إلا رغيف واحد. وذكر القديس مرقس هذا، كمقدمة لسوء فهم التلاميذ لقصد المسيح فى (ع15-16).
ع15-16: فى السفينة، بدأ المسيح فى تحذير التلاميذ من رياء الفرّيسيّين (مت 12: 1) وخمير هيرودس الشرير، ووصف رياءهم بالخميرة الخبيثة المدفونة فى العجين، فشرها غير ظاهر، لكنها آخذة فى الانتشار. أما التلاميذ، ففهموا أن المسيح يتكلم عن الخبز (الخمير)، فتذكروا نسيانهم شراء خبزا لطعامهم.
ع17-20: علم الرب حديثهم وفهمهم القاصر، فسألهم موبخا سبعة أسئلة، يوجهها لنا أيضا بعد كل ما صنعه معنا:
س1: “لماذا تفكرون أَنْ ليس عندكم خبز؟”، (ما سبب التفكير الشديد فى الخبز “الماديات”؟)
الرد: لأننا لسنا بعد روحيين.
س2: “ألا تشعرون بعد؟!”، (لماذا لا تتحرك مشاعركم بالحب نحوى؟)
الرد: لأننا نحب أمورا كثيرة… أكثر منك يا رب!!
س3: “ولا تفهمون؟”، (أين هى عقولكم بعد كل أعمالى؟)
الرد: إن عقولنا مملوءة بأفكار الدنيا.
س4: “أحتى الآن قلوبكم غليظة؟”، (كم من الزمن يلزم لتتحرك قلوبكم بالتوبة؟)
الرد: فترة طويلة جدا!!!
س5: “ألكم أعين ولا تبصرون؟”، (هل كل ما ترونه تتأملون فى معناه؟)
الرد: لا، فكثيرا ما تأخذنا السطحية فلا نفهم عمق مقاصدك.
س6: “لكم آذان ولا تسمعون؟”، (أهكذا تنسـون أقوالى ووصـاياى وتعليمى؟)
الرد: إن ذاكرتنا أيضا سطحية يا رب.
س7: “كم قفـة مَمْلُوَّةً كِسَـرًا… وكم سَـلَّ كِسَرٍ مَمْلُـوًّا رفعتم؟”، (هل تكرار عملى معكم له أثره فى زيادة إيمانكم بى؟!)
الرد: نعم يا رب، فإن تذكّرنا سوف نؤمن، وتزداد ثقتنا ونتشجع، ولا نرجـع نخـاف من أى نقص ظاهر، فستكمله أنت لنا.
ع21: “كيف لا تفهمون؟”: هذا هو العتاب الأخير، يلخّص به الرب كل ما سبق، بأن عدم فهمنا أساسه دائما نسيان الإنسان لعمل الله فى حياته.
سـاعدنا إذن يا إلهى ألا ننسى، وافتقدنا دائما بمحبتك، وأطل أناتك علينا… فنحن إن نسينا، لا تنسانا أنت، بل أدم مراحمك علينا كما تطيل الأم أناتها على صغارها…
(3) إبـراء الأعمى على مرحلتين (ع 22-26):
22- وجاء إلى بيت صيدا، فقدموا إليه أعمى، وطلبوا إليه أن يلمسه. 23- فأخذ بيد الأعمى وأخرجه إلى خارج القرية، وتفل فى عينيه، ووضع يديه عليه، وسأله هل أبصر شيئا؟ 24- فتطلع وقال: “أبصـر الناس كأشـجار يمشـون.” 25- ثم وضـع يديه أيضـا على عينيه وجعله يتطلع، فعاد صحيحا وأبصر كل إنسان جليا. 26- فأرسله إلى بيته، قائلا: “لا تدخل القرية، ولا تقل لأحد فى القرية.”
ع22: “بيت صيدا”: قرية عند شمال بحر الجليل على ضفتى نهر الأردن، وهى بلدة كل من أندراوس وبطرس وفيلبس، حيث قدموا إليه أعمى (أقاربه)، مؤمنين – كإيمان نازفة الدم – أن يلمس المسيح فَيُشْفَى.
ع23: “أخذ بيد الأعمى”: كناية عن أن المسيح يأخذ بيد البشرية حتى لا تسقط فى الخطية، لأنه: “إن كان أعمى يقود أعمى، يسقطان كلاهما فى حفرة” (مت 15: 14).
“أخرجه إلى خارج القرية”: ترمز القرية إلى زحام العالم، فلابد إذن أن يُخرج الإنسان نفسه من مشاغله اليومية، حتى يستطيع أن ينفرد بالله ويتأمل فى أعماله.
أما المعـنى المباشـر لإخـراجه فهو، أولا: أن المسيح لا يطلب الشهرة ولا المجد من الناس. ثانيا: إشارة إلى إيمان و رجاء الأعمى الذى جعل المسيح – وهو غريب عنه – يقوده.
“تفل”: صورة استخدمها المسيح أكثر من مرة فى معجزات الشفاء، والغرض منها أنه يعطى ويمنح الشفاء من داخله، أى جوهره، أى سلطان لاهوته.
“وضع يديه عليه”: ليجعله يشـعر بالأمـان؛ وهذا هو فيض حنـان المسيح الدائم علينا… فليتنا نشعر أننا نستحقه!
“سأله هل أبصر شيئا؟”: لا يحتاج المسيح إلى سؤال أحد، فهو العالم بكل شىء، ولكنه فعل هذا ليعلمنا أن من يسأل يعلم، فما أكثر الأمور التى يخفيها الله عن الحكماء والفهماء، ويعلنها للاطفال (لو 10: 21).
ع24: عندما سأله المسيح عن قدرته فى الإبصار، أجاب بأنه صار يبصر جزئيا الناس كأشجار. وهذا الشفاء المرحلى، إشارة إلى النمو التدريجى فى الحياة الروحية، والتوبة التى بعدها ينظر الإنسان الأمور بوضوح.
وهـذا يعلمنـا، إن كنـا خـداما، أن نترفق بالتائبين العائـدين لأحضـان الكنيسـة، فربما تكون كل الحقائق الإيمانية ليست واضحة بعد، ولكنهم محبوبون لقلب الله، وقد يسبقوننا إلى الملكوت.
ع25-26: لمس المسيح بعد ذلك عينيه لاستكمال شفائه… وكأنه يقول لنا جميعا، ولكل من بدأ مسيرة الشفاء الروحى: إن يدى معك تعضدك وتكمل شفائك، وتعطيك البصيرة الروحية الكاملة حتى تستطيع أن تميز كل الأشياء.
وكعـادة المسيح، أمـره بألا يخـبر أحدا بهذه المعجـزة، ليؤكد هربه من مديح الناس… ويعلّمنا نحن أن نخفى أعمال الخير التى أعطانا الله أن نصنعها.
(4) اعتراف بطرس بالمسيح (ع 27-30):
27- ثم خرج يسوع وتلاميذه إلى قرى قيصرية فيلبس. وفى الطريق، سأل تلاميذه قائلا لهم: “من يقول الناس إنى أنا؟” 28- فأجابوا: “يوحنا الْمَعْمَدَانَ، وآخرون إيليا، وآخرون واحد من الأنبيـاء.” 29- فقـال لهم: “وأنتم، من تقولون إنى أنا؟” فأجـاب بطرس وقال له: “أنت المسيح.” 30- فانتهرهم كى لا يقولوا لأحد عنه.
ع27-28: “قيصرية فيلبس”: مدينة شمال الجليل كان بها عبادة وثنية لأحد آلهة اليونان، واسمها الحالى هو “بانياس”. وفى زمن المسيح، جدد بناءها فيلبس ابن هيرودس الكبير، وسماها “قيصرية” مجاملة لقيصر روما، فحملت اسمه وصارت “قيصرية فيلبس”.
فى الطريق من الجليل إلى منطقة قيصرية فيلبس، سأل تلاميذه قائلا لهم: “من يقول الناس إنى أنا؟” وجاءت إجابتهم مختلفة بحسب ما سمع كل منهم، فبعض الناس ادعى أنه يوحنا الذى أقامه الله بعد قتله (وكان هذا رأى هيرودس نفسه)، وآخرون قالوا إنه إيليا السابق للمسيح بحسب نبوة ملاخى “هأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجيء يوم الرب” (4: 5)، وجاء قول القديس مرقس هنا متوافقا مع ما ذكره القديس متى فى (16: 14) أن قوم آخرون قالوا إنه إرميا أو واحد من الأنبياء قام من الموت.
ع29-30: سأل المسيح التلاميذ سؤالا ثانيا مكملا لسؤاله السابق، وهو: وأنتم، ما رأيكم؟ فأجاب بطرس إنه المسيح ذاته رجاء العالم كله. وقد أزاد القديس متى فى (16: 17) على ما ذكره القديس مرقس هنا شيئين: (أ) مدح المسيح لبطرس أنه نطق بهذه الحقيقة الإيمانية. (ب) إعلان أنه لم يكن ممكنا لبطرس معرفة هذه الحقيقة إلا بإعلان السماء (الروح القدس) له، راجع شرح (مت 16: 16-17). إلا أن المسيح أوصى تلاميذه ألا يبوحوا بهذا السر لأحد، إذ لم تكن ساعته قد جاءت بعد، ولم يحن وقت إعلان مجده بعد صلبه.
أخى الحبيب… يذكّرنا موقف إبداء رأى اليهود فى شخص المسيح من كونه إيليا أو إرميا أو نبيا آخر، بموقف كثيرين منا فى هذه الأيام، فيرى الإنسان الله كما يريد هو أن يكون الله، وليس الله فى حقيقته المتكاملة… فالبعض يرون الله رحوما بلا عدل، وآخرون يرونه ديّانا قاسيا بلا رحمة… أما كنيستنا، فتعلمنا، بواسطة الاتزان الروحى، أن نرى الله من خلال كل صفاته ووصاياه، فهو الرحوم والعادل والطيب والحاسم معا، فما أخطر الاتكال على صفة واحدة أو آية واحدة تصف الله.
(5) الإنباء بالموت والقيامة (ع 31-38):
31- وابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغى أن يتألم كثيرا، ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل، وبعد ثلاثة أيام يقوم. 32- وقال القول علانية، فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره. 33- فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلا: “اذهب عنى يا شيطان، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس.” 34- ودعا الجمع من تلاميذه وقال لهم: “من أراد أن يأتى ورائى، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى. 35- فإن من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل، فهو يخلّصها. 36- لأنه، ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ 37- أو ماذا يعطى الإنسان فداء عن نفسه؟ 38- لأن من استحى بى وبكلامى فى هذا الجيل الفاسق الخاطئ، فإن ابن الإنسان يستحى به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين.”
ع31-32: بعد أن أقر بطرس والتلاميذ بأن يسوع هو المسيح المنتظر ورجاء الأمم، بدأ المسيح إخبارهم بما هو منتظر من تآمر رؤساء اليهود وكهنتهم وتسليمه، وأنه سوف يجوز آلاما كثيرة، بدءًا من محاكمته حتى صلبه وموته، فقيامته فى اليوم الثالث. إلا أن هذا الكلام لم يعجب بطرس، الذى أخذ المسيح جانبا، وبدأ يعاتبه بشدة عما قاله. وفى هذا الحين، لم يهتم بطرس بما يرغب فيه المسيح، بل على العكس، كان يندفع وراء مشاعره البشرية الطبيعية، ولا يرى فى المسيح العبد المتألم الذى تنبأ عنه إشعياء (53: 2-3)، فالحياة المسيحية كثيرا ما تعنى العمل الشاق والحرمان والمعاناة العميقة… إذن، ركّز نظرك على القيامة التى تعقب الصليب.
ع33: “فالتفت وأبصر تلاميذه”: قبل أن يوجه المسيح توبيخه إلى بطرس، نظر إلى تلاميذه ليكون كلامه موجها لكل من يشارك بطرس فى تفكيره القاصر. أما توبيخ بطرس الشديد، فقد جاء نتيجة قصور فهمه لفداء المسيح للعالم، فقد كان اهتمامه محصورا فى المُلك الأرضى للمسيح، وهو اهتمام معظم الناس، وليس اهتمام الله بخلاص البشر.
“يا شيطان”: برغم صعوبة الكلمة، إلا أن المسيح قصد بها أن يؤكد أنه لا يوجد من يريد تعطيل الفداء سوى الشيطان نفسه.
ع34-35: الكلام هنا موجه إلى التلاميذ، والكنيسة، وجميع المؤمنين من بعدهم. فمن أراد أن يتبع المسيح، عليه أن يقبل فكرة حمل الصليب، وقبول الألم من اضطهاد وترك أهل وأصدقاء وأمور أخرى، وهذا لا يستطيعه أحد ما لم ينكر نفسه (ذاته)، ويتضع فى حب حقيقى أمام سيده الذى جاز الألم أولا.
ويؤكد المسيح أن خلاص النفس يتطلب منها الجهاد وترك الرفاهية المادية وأنانيتها وشهواتها اللواتى هى عوائق خلاصها، وأن تنطلق فى الخدمة والكرازة، فيكون ذلك طريق نجاتها… فلا شىء يقارن بما ستربحه مع المسيح.
ع36-37: لا زال المسيح موجّها كلامه لنا جميعا، ويحذرنا أن كل مكاسب العالم المادية سنجدها جوفاء فارغة، لا تساوى خسارة النفس وهلاكها، وأن كل أموال العالم إن قدمها الإنسان لا تفدى نفسه، والتى ثمنها دم المسيح وحده… فتبعيّة المسيح نعرف بها معنى الحياة الحقيقية ونحن على الأرض، وتكون لنا الحياة الأبدية أيضا…
ع38: كل من أهمل كلام المسيح هنا، أو خجل من آلامه وصليبه، فلن يكون له مكانا ولا نصيبا فى ملكوته عند مجيئه الثانى…
سيدى الحبيب… فى كثير من الأحيان أجد نفسى أرفض الألم والاضطهاد وطريق الصليب، ولا أعلم أننى هكذا أرفضك أنت، وأخسر نصيبى معك… علمنى يا سيدى، واكشف لعينىَّ وقلبى عن حقارة هذا العالم وكل مادياته، فأنطلق نحوك، لا أبالى بشىء سوى أن أتبع خطواتك، متمثلا بك، حتى أُرضِى قلبك أولا، وأُحرز إكليلى فى ملكوتك… آمين.
(ص 9: 1):
وقال لهم: “الحق أقول لكم، إن من القيـام ههنا قوما لا يذوقون الموت، حتى يَرَوْا ملكوت الله قد أتى بقوة.”
“القيام ههنا”: أى بعض من التلاميذ لن يموتوا قبل أن يَرَوْا علامات بداية ملكوت الله وانتشاره بقوة، وذلك بانتشار الكرازة وقبول الأمم الإيمان، ووضوح معالم الكنيسة، فملكوت الله يعنى أن يملك الله على قلوب البشر المؤمنين باسمه…