البشارة بميلاد يوحنا المعمدان ويسوع –زيارة العذراء لأليصابات وميلاد المعمدان
(1) مقدمة الإنجيل (ع1-4):
1- إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة فى الأمور المتيقنة عندنا. 2- كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة. 3- رأيت أنا أيضا، إذ قد تتبعت كل شىء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالى إليك أيها العزيز ثاوفيلس، 4- لتعرف صحة الكلام الذى عُلِّمْتَ به.
ع1-2: يظهر من كلام القديس لوقا، أن كثيرين فى زمانه كتبوا عن حياة المسيح بالإضافة للإنجيليين، فإذ آمن لوقا بالمسيح بعد أن كان أمميا، وإلتصق بالرسل الذين عاينوا حياة الرب يسوع وصاروا خداما للكلمة، شعر بمسئولية أن يكتب هو أيضا عن حياته لأنه تتبعها بالتدقيق، وساعده على ذلك عمله كطبيب تعود الفحص والتدقيق.
ومعنى هذا أن لوقا جمع معلوماته من مصدرين هما:
- العذراء والتلاميذ الذين عاينوا المسيح.
- كتابات الكثيرين الذين سبقوه ولكن كتاباتهم قد تكون ناقصة.
يتبين هنا أهمية التقليد الكنسى، أى التسليم الرسولى الشفاهى للإيمان من الآباء الرسل إلى تلاميذهم حتى وصل إلينا الأن، وهذا يشمل نص الكتاب المقدس، وكل إيمان وطقوس الكنيسة، فالتقليد هو الذى حفظ الكنيسة من أيام الرسل حتى الآن.
ليتك تتعود التدقيق فى فهم الكتاب المقدس وكل إيمان وطقوس الكنيسة، بل تفحص حياتك أيضا بالتدقيق فى توبة لتنمو نموا روحيا قويا.
ع3-4: إذا اهتم لوقا بمعرفة تفاصيل حياة المسيح، كتب حياة المسيح بالترتيب إلى ثاوفيلس الذين آمن وتعلم الكثير ليثبِّت إيمانه بالمسيح. وهو يونانى صار مسيحيا وكان يعيش فى الإسكندرية، له مركز سياسى كبير، إذ يلقبه بالعزيز أى صاحب الفخامة، ومعنى اسمه محب الله.
فإن كنت يا أخى محبا لله، فهذا الإنجيل موجه لك كما يقول القديس أمبروسيوس.
(2) زكريا وأليصابات (ع5 – 7):
5- كان فى أيام هيرودس ملك اليهودية، كاهن اسمه زكريا من فرقة أَبِيَّا، وامرأته من بنات هرون واسمها أليصابات. 6- وكانا كلاهما باريْن أمام الله، سالكيْن فى جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم. 7- ولم يكن لهما ولد، إذ كانت أليصابات عاقرا، وكانا كلاهما متقدميْن فى أيامهما.
ع5-6: هذا الإصحاح له أهمية خاصة، لأنه التمهيد لميلاد المسيح، ولذا تقرأه الكنيسة فى آحاد شهر كيهك الأربعة قبل عيد الميلاد، فيحدثنا.
الأحد الأول: عن البشارة بميلاد يوحنا.
الأحد الثانى: البشارة بميلاد المسيح.
الأحد الثالث: زيارة العذراء لأليصابات.
الأحد الرابع: ميلاد يوحنا المعمدان.
هيرودس: الملك المذكور، هو هيرودس الكبير، وهو من نسل عيسو ويكره اليهود، حكم من عام 37 ق.م حتى حوالى عام 4ق.م. وتميز حكمه بالقسوة وقتل أطفال بيت لحم قبل نهاية حياته (ميلاد المسيح كان 4ق.م وتم قتل الأطفال عندما كان عمره عدة شهور)، وكان يحكم كل بلاد اليهود.
زكريا: معناه “الله يذكر” وقد كان كاهنا.
أليصابات: أى قَسَم الله، وكانت أيضا من نسل هارون الكاهن الأعظم.
وكانا يتميزان بالبر فى إتمام وصايا الله وكذلك أحكامه التى هى فرائض الناموس، كل هذا هو السلوك الروحى السليم الظاهر أمام الناس، بالإضافة إلى ذلك كان قلباهما نقيين امام الله، ولأجل برهما، اختار الله أن يحدثهما بعد انقطاع كلامه مع شعبه أكثر من ثلاثة قرون، حتى يلدا يوحنا الذى معناه “الله حنان”.
“هكذا تظهر محبة الله لكل من يتقيه، فإن تمسكت بوصايا الله وجهادك الروحى، سترى حنانه ونعمه الكثيرة.
فرقة أبيا: كان فى زمان زكريا حوالى 20 ألف كاهن فى اليهودية، يقسموا على 24 فرقة كل منها حوالى الألف، وتقوم بخدمة الهيكل أسبوعا مرتين فى السنة.
ع7: رغم بر زكريا وأليصابات، لكنهما واجها مشكلة صعبة وهى عدم الإنجاب، لأن العقر كان يعتبر عار فى العهد القديم لعدم استحقاق ميلاد المسيا المنتظر. وقد شاخا فلم يعد هناك أمل فى الإنجاب، ولكن حكمة الله من الضيقة تظهر بعد ذلك، لأن تأخير الإنجاب كان ليعطيهما الله يوحنا المعمدان… أعظم مواليد النساء، وهو الذى يعد طريق المسيح، وينبغى ولادته قبل المسيح بستة أشهر.
(3) البشارة بميلاد يوحنا (ع8 – 17):
8- فبينما هو يَكْهَنُ فى نوبة فرقته أمام الله 9- حسب عادة الكهنوت، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر. 10- وكان كل جمهور الشعب يصَلّون خارجا وقت البخور. 11- فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور. 12- فلما رآه زكريا، اضطرب ووقع عليه خوف. 13- فقال له الملاك: “لا تخف يا زكريا، لأن طِلْبَتَكَ قد سُمعت، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا. 14- ويكون لك فرح وابتهاج، وكثيرون سيفرحون بولادته، 15- لأنه يكون عظيما أمام الرب. وخمرا ومسكرا لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس. 16- ويرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إِلاَهِهِمْ. 17- ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته، ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء، والعصاة إلى فكر الأبرار، لكى يهيئ للرب شعبا مستعدا.”
ع8-10: جاء أسبوع الخدمة الخاص بفرقة أبيا، وحضر الكهنة وبينهم زكريا الشيخ وألقيت القرعة كالعادة لمعرفة من يدخل ليقدم البخور على المذبح الذهبى داخل القدس، الذى لا يُسَمح بدخوله إلا للكهنة.
وكانت القرعة لا تأتى غالبا أكثر من مرة واحدة فى العمر لكل كاهن ليدخل هذا المكان العظيم ويقدم البخور لله، لأن عدد الفرقة كما ذكرنا كان ألفا.
وكان جمهور الشعب وافقا خارج القدس منتظرين بركة زكريا الكاهن بعد أن يبخر داخل القدس.
كم هى عظيمة نعمة الله فى العهد الجديد، التى تسمح لكل الكهنة بدخول الهيكل كل يوم وتقديم البخور تحت نظر كل الشعب، بل ويخرج بالبخور ليبارك كل الحاضرين فى الكنيسة، لأن إحتراق البخور ورائحته الزكية رمز لموت المسيح على الصليب ليرفع خطايانا، ولهذا ترتفع صلواتنا شكرا وتسبيحا مع هذا البخور الصاعد إلى السماء.
ع11: أصابت القرعة زكريا، وكان هذا بتدبير إلهى.. إذ عندما دخل إلى القدس، وقدم بخورا على المذبح الذهبى الموجود فى وسط القدس، أمام حجاب قدس الأقداس، الذى فيه تابوت العهد، ثم سجد كعادة الكهنة، وقام، ظهر له ملاك نورانى بشكل مهيب عن يمين مذبح البخور.
مذبح البخور: كان هناك مذبحان أساسيان فى هيكل سليمان، الأول خارجى وكانت تقدم عليه الذبائح والتقدمات، والثانى داخلى لا يقدم عليه سوى البخور الذى كان يعتبر تقدمة أيضا وأطلق عليها “رائحة سرور للرب”.
من المذبح والهيكل تنسكب علينا النعم الإلهية والبركات السمائية، فننال أعظم شئ وهو جسد الرب ودمه ونقتنى سلاما وفرحا.. بل وتنفتح عيوننا الداخلية لننرى الله ونتمتع بعشرته مع كل السمائيين.
ع12-13: أمام عظمة هذا الظهور السمائى، خاف زكريا، فطمأنه الملاك وأعلن لـه اهتمام الله بصلواته منذ عشرات السنين وحتى الآن، ليس فقط بإنجاب النسل بل أيضا اشتياقه لمجئ المسيح، فهو ككاهن يصلى هكذا فى صلواته الطقسية منتظرا التجسد الإلهى، ووعده بحبل إمرأته العجوز بل أعلن إسم المولود “يوحنا” أى حنان الله.
كم هو مطمئن للنفس اهتمام الله بكل صلاة وطلبة نرفعها إليه، ولكنه يستجيب فى الوقت المناسب. فاستمر يا أخى فى صلواتك مهما تأخرت الإستجابة، واثقا من استجابتها بالشكل المناسب فى أحسن وقت يراه الله لك.
ع14: أعلن الملاك أن يوحنا ليس مولوداً عاديا يفرح قلب والديه الشيخين والأقارب والجيران فقط، بل ستمتد خدمته لتصير فرحا لكل من يؤمن ويستجيب لدعوته.
ع15: لأنه يكون عظيما: سيصير يوحنا عظيما فى عينى الرب، ويعين نذيرا لله.
خمرا ومسكرا لا يشرب: فلا يشرب العنب المخمر ولا الخمر المسكرة.
يمتلئ من الروح القدس: يتميز عن باقى البشر بامتلائه من الروح القدس وهو جنين، لذا فهو أعظم مواليد النساء كما أعلن المسيح نفسه (مت 11: 11).
ع16-17: يتحدث الملاك عن طبيعة خدمة يوحنا، وهى دعوة اليهود للتوبة والرجوع لله، وعودة المحبة والترابط داخل الأسرة بين الآباء والأبناء، ويدعو الخطاة والعصاة لوصايا الله حتى يتوبوا ويفكروا فى البر.
وهذا هو التمهيد للتجسد الإلهى، فإذ يعلن الملاك أن يوحنا يتقدم إلهه، فهذا إثبات للاهوت المسيح الذى تبدأ خدمته بعده بستة أشهر، ويعلن أيضا أن يوحنا سيكون قويا فى أسلوب خدمته مثل إيليا النبى.
(4) صمت زكريا (ع18 – 22):
18- فقال زكريا للملاك: “كيف أعلم هذا، لأنى أنا شيخ وامرأتى متقدمة فى أيامها؟” 19- فأجاب الملاك وقال له: “أنا جَِبرائيل الواقف قدام الله، وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا. 20- وها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلم، إلى اليوم الذى يكون فيه هذا، لأنك لم تصدق كلامى الذى سيتم فى وقته!” 21- وكان الشعب منتظرين زكريا، ومتعجبين من إبطائه فى الهيكل. 22- فلما خرج، لم يستطع أن يكلمهم، ففهموا أنه قد رأى رؤيا فى الهيكل؛ فكان يومئ إليهم وبقى صامتا.
ع18: لم يستطع عقل زكريا أن يصدق البشرى الإلهية، وقدم أدلته وهى أنه وإمرأته شيخان ويستحيل عليهما الإنجاب، مع أنه قد تكرر فى التاريخ قدرة الشيوخ على الإنجاب بعمل الله الإعجازى مثل إبراهيم وسارة، ولم يقف العقر حائلا كما فى اسحق ورفقة ويعقوب وراحيل، ومنوح وإمرأته والدى شمشون. ولكن يُلاحظ رقة زكريا أنه لم يتذمر على عقر إمراته، بل قال فى تأدب أنها متقدمة فى أيامها.
ع19-20: اليوم الذى يكون فيه هذا: أى ميلاد يوحنا المعمدان، فبعده بثمانية أيام تكلم زكريا، فالمقصود باليوم وقت او زمان ميلاده وليس يوم الميلاد بالتحديد.
لأجل شك زكريا فقد قدرته على الكلام، كما أعلن له رئيس الملائكة جبرائيل أى “جبروت الله”، وهو أحد رؤساء الملائكة السبع الواقفين أمام الله. وصمته هذا كان نتيجة طبيعية لعدم تصديق صوت الله. وصمت زكريا يعلن صمت العهد القديم ليبدأ العهد الجديد بالمسيح يسوع، وقد صمتت العبادة اليهودية وصارت بلا معنى بعد مجئ المسيح وانقطاع الأنبياء عنهم.
ع 21: كان الشعب ينتظر زكريا ليباركهم كعادة العبادة اليهودية، ولكن الرؤيا استغرقت وقتا طويلا، فتعجب الجمهور متسائلين عن السبب لإبطائه.
ع22: عندما خرج زكريا عاجزا عن الكلام، مكتفيا فقط بإشارة يديه، فهموا أنه قد رأى رؤيا داخل القدس كما كان يحدث مع الأنبياء قديما، ففرحوا بالإعلان الإلهى وإن كانوا مشتاقين لمعرفة هذا الإعلان الذى ظل غامضا بسبب صمت زكريا.
(5) حبل أليصابات (ع23 – 25):
23- ولما كملت أيام خدمته، مضى إلى بيته. 24- وبعد تلك الأيام، حَبِلَتْ أليصابات امرأته، وأخفت نفسها خمسة أشهر، قائلة: 25- “هكذا قد فعل بى الرب فى الأيام التى فيها نظر إلىَّ لينزع عارى بين الناس.”
ع23: ظل زكريا فى الهيكل حتى انتهى أسبوع خدمته، ثم عاد إلى بيته الذى هو خارج أورشليم فى التلال المحيطة بالمدينة.
ع24-25: لما شعرت أليصابات بحبلها فرحت جدا هى وزكريا زوجها، وشكرا الله الذى باركهما، واستراحت أخيرا أليصابات من تعييرات النساء لها بالعقر وعدم استحقاقها البركة، ولكنها أخفت نفسها خمسة اشهر عن الظهور أمام الناس حتى تتأكد من الحبل المعجزى، فقد شاركت زوجها فى خطية الشك.
ولكن هذه الفترة التى صمت فيها زكريا، كانت فرصة لحديث أعمق مع الله امتزجت فيه التوبة مع الشكر، وأيضا التأمل فى أعمال الله السابقة مع شعبه ومعهما.
انتهز فرصة المرض وانعزالك أحيانا عن الناس لتراجع نفسك وتقدم توبة وشكر وتأمل فى اعمال الله معك، ويمكنك أن تشعر بهذا إذا أخذت خلوة أسبوعية.
(6) البشارة بميلاد المسيح (ع26 – 33):
– وفى الشهر السادس، أُرْسِلَ جبرائيل الملاك من الله، إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة. 27- إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم. 28- فدخل إليها الملاك وقال: “سلام لك أيتها الْمُنْعَمُ عليها، الرب معك، مباركة أنت فى النساء.” 29- فلما رأته اضطربت من كلامه، وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية؟ 30- فقال لها الملاك: “لا تخافى يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله. 31- وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. 32- هذا يكون عظيما، وابن العلىِّ يُدْعَى، ويعطيه الرب الإله كرسىَّ داود أبيه. 33- ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية.”
ع26-27: بعد مرور ستة أشهر على بشارة رئيس الملائكة جبرائيل لزكريا، وفى بداية الشهر السادس، ظهر فى مدينة صغير تسمى الناصرة، وهى من الجليل أى القسم الشمالى من بلاد اليهود، وتبعد أكثر من 80 ميلا عن أورشليم، وكانت على طريق تجارى ويزورها تجار امميون وجنود رومانيون، فاشتهرت بابتعادها عن العبادة اليهودية لكثرة الأمم فيها.
هناك فى بيت صغير، كانت عذراء فى سن حوالى الخامسة عشر اسمها مريم، تعيش فى رعاية رجل عجوز إسمه يوسف من سبط داود [لتتحقق البنوات أن يكون المسيح ابن داود (مز 11:132)]، وكان يعمل نجارا، أما معيشته فكانت فقيرة لكبر سنه وضعف قدرته على العمل. والخطوبة فى المجتمع اليهودى كانت تعتبر ارتباط زواج رسمى ولكن دون بدء العلاقة الجسدية، كما الحال الآن عند أخوتنا المسليمن فيما يسمى بـ”كتب الكتاب”، وهو زواج رسمى دون العلاقة الجسدية.
ع28: أعطى الملاك السلام للعذراء، وهو هبة الله التى ينفرد بها أولاده عن باقى العالم” ليس سلام قال إلهى للأشرار” (إش 57: 21)، ووصفها بأنها ممتلئة نعمة (كما فى النص القبطى واليونانى والتى ترجمت خطأ فى الطبعة البيروتية إلى المنعم عليها، غير باقى البشر الذين ينعم عليهم ببركاته، أما هى فقد حل عليها الروح القدس وملأها من النعمة ليولد منها الإله القدوس، وطوبها وباركها بين كل النساء، وكما دخلت الخطية إلى العالم عن طريق حواء، فإن البشرى بالخلاص جاءت عن طريق امرأة وهى العذراء مريم.
ع29: كان منظر الملاك مهيبا، فخافت العذراء الصغيرة السن من بهائه ونوره وفكرت فى نفسها عن سبب ظهوره وتحيته ومباركته لها؟
ع30-31: طمأنها الملاك بمحبة الله لها، وعزمه أن ينعم عليها بأعظم البركات لقداستها والتصاقها بالله، كما أعلن لها الملاك البشارة بالحبل الإلهى، وإسم الإله المتأنس وهو يسوع ومعنى اسمه مخلص.
ع32: وصفه بصفة الله وهى “العظمة”، بل لقبه “بابن العلى” أى ابن الله من جوهره وطبعه، وفيه تتم كل النبوات، فهو المسيا المنتظر من نسل داود.
ع33: ليكون المسيح ملكا إلى الأبد على يعقوب، أى شعب الله المؤمنين به.
إن المسيح يريد أن يملك على قلبك ويمتعك بحبه إلى الأبد، إن كنت تؤمن به وتخضع له وتطيع وصاياه.
(7) حوار العذراء مع الملاك (ع34 – 38):
34- فقالت مريم للملاك: “كيف يكون هذا، وأنا لست أعرف رجلا؟” 35- فأجاب الملاك وقال لها: “الروح القدس يحل عليك، وقوة العلىِّ تظلّلك، فلذلك أيضا القدّوس المولود منك يدعى ابن الله. 36- وهوذا أليصابات نسيبتك هى أيضا حبلى بابن فى شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا. 37- لأنه ليس شىء غير ممكن لدى الله.” 38- فقالت مريم: “هوذا أنا أَمَةُ الرَّبِّ، ليكن لى كقولك.” فمضى من عندها الملاك.
ع34: قبلت العذراء مريم البشرى الإلهية وآمنت كما شهدت أليصابات فيما بعد(لو1: 45)، ولكنها قد نذرت البتولية، فكان سؤالها هل الله يريد منها التنازل عن بتوليتها، إذ قالت للملاك “أنا لست أعرف رجلا”.
ع 35: كان رد الملاك مؤكدا احتفاظها ببتوليتها لتكون دائمة البتولية، لأن الله قد أعد طريقة معجزية لإتمام هذا الحبل الإلهى، وهى حلول الروح القدس عليها لتكوين الخلية الأولى الكاملة للجنين داخل الرحم، وقوة العلى المظللة هى حضن الآب لإتمام الإنجاب الإلهى. ثم يعلن بوضوح صفة المولود الأزلية إذ هو القدوس اى الله وابن الله، فهو من طبعه وجوهره.
ع36-37: إذ رأى الله إيمانها العجيب وخضوعها للبشرى رغم ما تحملها من آلام كثيرة ستحتملها، لأنها ستُتَهَم بالزنا من كل المحيطين بها، ساندها ببشارة حبل أليصابات نسيبتها العجوز، ليثبت إيمانها بقدرة الله المعجزية، فهو القادر أن يجعل العاقر العجوز حبلى، وهو أيضا قادر على كل شئ فيجعل العذراء تحبل.
ع 38: كان جواب العذراء فى ختام هذا الحوار هو الخضوع للبشرى فى تسليم كامل وإتضاع عجيب، فلم تفتخر بأنها ام الله بل أعلنت أنها عبدته.
على قدر ما تطيع وصايا الله وتتكل عليه فى تسليم حياتك له، تفيض عليك بركات السماء ويسندك الله ويثبت إيمانك وتعاين الله فى حياتك، فتطمئن وتفرح وتستحق أن تعاين السمائيات وأنت على الأرض.
(8) زيارة العذراء لأليصابات (ع39 – 45):
39- فقامت مريم فى تلك الأيام، وذهبت بسرعة إلى الجبال، إلى مدينة يهوذا. 40- ودخلت بيت زكريا، وسلمت على أليصابات. 41- فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين فى بطنها، وامتلات أليصابات من الروح القدس. 42- وصرخت بصوت عظيم، وقالت: “مباركة أنت فى النساء، ومباركة هى ثمرة بطنك. 43- فمن أين لى هذا، أن تأتى أم ربى إلىَّ؟ 44- فهوذا، حين صار صوت سلامك فى أُذُنَىَّ، ارتكض الجنين بابتهاج فى بطنى! 45- فطوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قِبَلِ الرب.”
ع 39: فى تلك الأيام أى بعد بشارة الملاك لها بقليل، أى أعدت نفسها للسفر بعد البشارة مباشرة.
إلى الجبال: سافرت العذراء مسافة طويلة من الناصرة فى الجليل شمال اليهودية إلى نواحى اورشليم فى مدينة بالقرب منها تابعة لسبط يهوذا وتحملت متاعب السفر، فاجتازت الجبال لتصل إلى أليصابات.
إذ امتلأت العذراء مريم من البشرى الإلهية، وحل الجنين الإلهى فى بطنها، أسرعت الممتلئة نعمة بحماس روحى تصعد الجبال بحثا عمنَّ تعطيه حبها الذى ستقدمه لكل البشرية بابنها الوحيد، فقد ذهبت إلى أليصابات ليس فقط لتهنتئتها، بل لتخدمها لأنها حبلى وعجوز فتحتاج لمن يساعدها. إنها الكنيسة الكارزة بالمسيح مخلص العالم.
ع40: عندما دخلت العذراء بيت نسيبتها أليصابات زوجة زكريا الكاهن، أعطتها السلام الذى هو عطية الله لأولاده.
ع41: حين سمعت أليصابات السلام، سجد الجنين فى بطنها أمام يسوع الذى فى بطن العذراء، وتحرك باتبهاج لهذا اللقاء، وامتلأت أليصابات من الروح القدس فأعلن لها أموراً كثير:
- أن العذراء حُبلى بالمسيا المنتظر أى يسوع المسيح.
- أن حركة الجنين فى بطنها هى سجود وابتهاج بلقاء المسيح والعذراء والدته.
ع42-43: قالت أليصابات للعذراء أنها مستحقة البركة أكثر من كل نساء العالم، ومبارك أيضا الجنين الذى فى بطنها، وباتضاع واضح أعلنت أليصابات عدم استحقاقها أن تزورها والدة الإله، فكان هذا تعضيدا وتثبيتا لإيمان العذراء بالبشرى الإلهية التى لم تخبر بها أحداً، وهو أيضا إعلان من الكنيسة الممثلة فى أليصابات بمكانه العذراء أنها والدة الإله.
ع44: قدمت أليصابات الدليل على عظمة العذراء وهو حركة وسجود الجنين يوحنا فى بطنها حين سلمت العذراء عليها.
ع45: بإتضاع أيضا اعترفت أليصابات بخطيئتها هى وزوحها فى عدم تصديق بشرى الملاك، أما العذراء فقد تميزت عنهما بإيمانها العجيب بالبشرى التى لم يُسمع مثلها من قبل أى حبل عذراء. وقد علمت أليصابات ببشارة الملاك للعذراء عن طريق الروح القدس الذى حلَّ عليها.
ليتك تكون متضعا، فتعترف بخطاياك امام الآخرين، وتقدمهم عنك فى الكرامة فتستحق بركات الله، وتخرج منك ثمرات مباركة مثل يوحنا، أى فضائل مقدسة.
(9) تسبحة العذراء (ع46 – 56):
46- فقالت مريم: “تعظم نفسى الرب، 47- وتبتهج روحى بالله مخلصى، 48- لأنه نظر إلى اتضاع أَمَتِهِ، فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى، 49- لأن القدير صنع بى عظائم، واسمه قدّوس، 50- ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه. 51- صنع قوة بذراعه، شتت المستكبرين بفكر قلوبهم، 52- أنزل الأعزاء عن الكراسى، ورفع المتضعين. 53- أشبع الجياع خيرات، وصرف الاغنياء فارغين. 54- عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة، 55- كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد.” 56- فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر، ثم رجعت إلى بيتها.
ع46-47: إن كانت الخطية قد دخلت إلى العالم بحواء، تتقدم الآن النساء وهن أليصابات والعذراء بنبوات مفرحة عن المسيح المبارك مخلص العالم.
وإذ تتأمل العذراء فى الله، تعظم وتكبر صورته فى داخلها، فتفرح به كمخلص شخصى لها من خطاياها، فهى محتاجة للخلاص مثل سائر البشر، وإن كانت هى أعظم القديسين بل وفوق الملائكة من أجل قداستها وفضائلها.
ع48: أظهرت العذراء نعمة الله العجيبة التى وهبها لها، معلنة اتضاعها كعبدة لله، تنازل فنظر إليها، وأعطاها أن تكون أما له لذا يمدحها كل البشر.
ع49: الله القادر على كل شئ وهبنى وأنا عذراء أن أحبل، وكذلك من عظمة أعماله أنه اتحد بالبشرية فى سر التجسد عندما يكون كجنين فى بطنى، وهو أيضًا القادر على تقييد الشيطان على الصليب لفداء البشرية، ورغم اتضاعه بتجسده فهو الله القدوس.
ع50: وصفت العذراء الله بالقادر والقدوس فى الآية السابقة، وهنا تتحدث عن رحمته الذى يمنحها لكل من يؤمن به ويتقيه ليس فقط فى هذا الجيل بل إلى نهاية الأيام، فخلاصه يقدمه للبشرية كلها.
ع51: تظهر قوة الله فى جعله العذراء المتضعة تحبل، وكذلك أليصابات العجوز، أما المتكبرون مثل هيرودس فيشتت كل قوتهم وشرهم ولا يستطيعون أن يضروا المسيح المولود، كما يشتت الشياطين ويقيدهم بصليبه.
ع 52: كل من يتكبر ويعتز فى نظر نفسه، يحطه عن مكانته المادية التى وضع نفسه فيها، مثل هيرودس الذى أكله الدود (ابن هيرودس الكبير)؛ وفى نفس الوقت يمجد المتضعين مثل العذراء وأليصابات.
ع 53: كل من يجوع إلى البر، يشبعه بجسده ودمه الأقدسين وكل عطية روحية، أما المتكلين على غناهم وأموال العالم، فلا ينالون منه أى بركة وليس لهم نصيب فى ملكوت السموات.
ع 54- 55: تضيف العذراء تمجيد الله على صفة رابعة فيه وهى وفائه بوعوده لشعبه إسرائيل، الذى تلقبه “فتى” اى ابن يهتم به الله أبوه ويسنده، فيقدم الخلاص له عن طريق تجسده وفدائه، وحينئذ يتذكر أولاد الله رحمته ويشكرونه كل حين.
وشعب الله ليس فقط إسرائيل القديم، بل إسرائيل الجديد أى المسيحيين المؤمنين به يهوداً كانوا أم أمميين، وإتمام الوعود التى أعطاها لإبراهيم والآباء، أى الخلاص، يدوم إلى الأبد مع أولاده المؤمنين به، فيفرحون معه فى ملكوته السماوى.
إن أقصر الطرق إلى قلب الله هو الاتضاع، بأن تعرف خطاياك واحتياجك له، حينئذ تنهمر عليك كل البركات السمائية. فحاسب نفسك وقدم توبة كل يوم أمامه واتضع أيضا امام الكل، فيرفعك فوق الكل بالسلام الداخلى والسعادة على الأرض، ثم بالأمجاد السمائية فى الدهر الآتى.
ع 56: ظلت العذراء مريم مدة ثلاثة أشهر تخدم باتضاع أليصابات العجوز الحبلى فى شهورها الأخيرة ، متناسية مكانتها العظيمة. وإذ كان يوحنا الجنين قد تحرك فرحا داخل بطن أليصابات لمجرد اللقاء بالمسيح الجنين فى بطن العذراء، فكم كان فرح وشبع أليصابات ويوحنا عندما تمتعا بعشرة العذراء وابنها ثلاثة أشهر كاملة!.
وبعد ذلك عادت العذراء إلى بيتها فى بلدة الناصرة بالجليل، حيث ظهر حبلها واكتشاف يوسف لذلك، كما يذكر متى الإنجليى (مت1).
(10) ميلاد يوحنا وخدمته (ع57 – 66):
57- وأما أليصابات فتم زمانها لتلد، فولدت ابنا. 58- وسمع جيرانها وأقرباؤها أن الرب عظـم رحمته لها، ففرحوا معها. 59- وفى اليوم الثامن، جاءوا ليختنوا الصبى، وَسَمَّوْهُ باسم أبيه زكريا. 60- فأجابت أمه وقالت: “لا، بل يُسَمَّى يوحنا.” 61- فقالوا لها: “ليس أحد فى عشيرتك تسمى بهذا الاسم.” 62- ثم أوماوا إلى أبيه ماذا يريد أن يُسَمَّى؟ 63- فطلب لوحا وكتب قائلا اسمه: “يوحنا.” فتعجب الجميع. 64- وفى الحال، انفتح فمه ولسانه وتكلم، وبارك الله. 65- فوقع خوف على كل جيرانهم، وَتُحُدِّثَ بهذه الأمور جميعها فى كل جبال اليهودية. 66- فأودعها جميع السامعين فى قلوبهم، قائلين: “أَتَرَى ماذا يكون هذا الصبى؟!” وكانت يد الرب معه.
ع57-58: أخيرا كملت تسعة أشهر لأليصابات فولدت إبنها، وحين سمع محبوها بذلك فرحوا جدًا، لأنه قد تمت معجزة الرب بحبل العجوز العاقر.
ع59: فى اليوم الثامن حين يتم ختان الطفل الذكر من شعب إسرائيل، وهو دليل بنوته لله، والذى كان رمزًا للمعمودية. وكانت العادة تسمية المولود فى يوم ختانه، فسماه أقرباؤه المجتمعون زكريا على إسم أبيه.
ع60: أما أمه التى امتلأت من الروح القدس، فقالت يسمى يوحنا، وكانت قد علمت ذلك الإسم من أبيه زكريا، حسبما أعلن له الملاك، فلابد أنه كتب لها هذا الإسم بل تفاصيل الرؤيا لتفرح معه بها.
ع61: اعترض الأقارب المجتمعون إذ أن هذا الإسم كان غريباً عن أسماء الأسرة، فقد كان المعتاد استخدام أسماء معينة فى كل أسرة ليتباركوا ويقتدوا بأسلافهم، وحتى لا يشك أحد فيما بعد فى نسبة الابن الجديد إلى أسرته.
ع62: أشار الحاضرون إلى والده الأخرس، والذى كان غالبا قد فقد سمعه، لذلك لم يكلموه بل أشاروا إليه، سائلين إياه، ماذا يريد ان يسمى ابنه؟
ع63: طلب زكريا لوحًا وكتب عليه يوحنا، فاندهش الحاضرون جداً لاتفاق الوالدين على إسم واحد، ولعله كان أيضا إعلاناً من الملاك لزكريا بإسم المولود وكانوا غالبا يستخدمون ألواحاً من الخشب مغطاة بالشمع يكتبون عليها بقلم مدبب من ناحية ليحفر فى الشمع ومسطح من طرفه الآخر لمحو ما يريدون محوه.
ع64، 65: بعد أن كتب إسم يوحنا مباشرة، شفاه الله وانطلق لسانه مسبحا الله، ووقع خوف الله على قلوب الحاضرين عندما تكلم زكريا، واتفق رأيه مع أليصابات زوجته على هذا الاسم الغريب وهو يوحنا، فانتشر خبر هذه المعجزة فى كل أورشليم وجبال اليهودية المحيطة بها.
ع66: شعر الكل بأن هذا الطفل غير عادى وسيكون عظيما، بل وهم يسترجعون أحداث ميلاده العجيب، أخذوا يفكرون فى مظاهر العظمة الروحية التى ستظهر عليه عندما يكبر.
لاحظ أعمال الله مع الميحطين بك، وحاول أن تتعلم منها شيئا لنفسك حتى تقربك إلى الله، فهى رسائل منه إليك كل يوم.
(11) نبوة زكريا عن يوحنا (ع67 – 80):
67- وامتلا زكريا أبوه من الروح القدس، وتنبأ قائلا: 68- “مبارك الرب إله إسرائيل، لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه، 69- وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه، 70- كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. 71- خلاصٍ من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. 72- ليصنع رحمة مع آبائنا، ويذكر عهده المقدس، 73- القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا 74- أن يعطينا إننا بلا خوف منقَذين من أيدى أعدائنا، نعبده 75- بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا. 76- وأنت أيها الصبى نبى العلى تُدْعَى، لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه، 77- لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم 78- بأحشاء رحمة إلهنا التى بها افتقدَنا المُشرِق من العلاء، 79- ليضىء على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت، لكى يهدى أقدامنا فى طريق السلام.” 80- أما الصبى، فكان ينمو ويتقوى بالروح، وكان فى البرارى إلى يوم ظهوره لإسرائيل.
ع67: فى صمت التسعة أشهر، تمتع زكريا بصلوات وتأملات كثيرة مع الله، فاستحق ان يمتلئ من الروح القدس، ويحدثنا عن المسيح والخلاص الذى سيتممه على الصليب ويعلنه بقوة قيامته.
ع68: بارك زكريا الله ولقبه بإله إسرائيل ليعلن أبوته ورعايته لشعبه، فحقق أخيراً وعوده لإبراهيم والآباء بتجسد المسيح وفدائه على الصليب.
ع69: المسيح المخلص هو إين داود، الذى أقام مملكة روحية قوية يرمز إليها بالقرن (وهو أقوى ما فى الحيوان)، تهزم أعداءنا أى الشياطين الذى يبغضوننا.
ع70: بفم انبيائه: الله هو المتكلم على فم الأنبياء، لذا يلزم الخضوع لكلام الله.
منذ الدهر: منذ بداية الخلقة، أى من آدم حتى هذا الوقت.
بهذا تمت نبوات كل الأنبياء عن المسيح وكل اقسام الله ووعوده.
ع71: يبدأ من هذا العدد حتى ع 75 فى وصف فاعلية خلاص المسيح وتأثيره فى المؤمنين به، فيعلن أنه يحررنا من سلطان الخطية التى تجذبنا الشياطين إليها، فهى تبغضنا وتحاول الإيقاع بنا، فبقوته نصد هجماتها.
ع72: خلاص المسيح ليس فقط للأحياء الذين يؤمنون به، بل أيضا رحمة وفداء لكل الآباء الذين ماتوا على الرجاء، مؤمنين بالمسيا المنتظر.
فالله يتذكر وعوده للآباء، أى ينفذها وينقلهم من الجحيم إلى الفردوس، بخلاصه الذى يتممه على الصليب.
ع73: العهد أو القسم الإلهى الذى وعد به إبراهيم أب الآباء (تك 22: 16، 17)، الآن يتممه بالمسيح مخلصنا.
ع74: يعطى المسيح المؤمنين به سلاما وطمأنينة، فلا يضطربون من حروب الشياطين، ولا يخافونهم لأنه ينقذهم منها، وإذ يتمتعون بهذا السلام، ينطلقون فى عبادة روحية لله.
ع75: العبادة التى تقدمها لله تكون بقداسة، أى طهارة داخلية وبر يظهر فى نقاوة سلوكنا، لأننا نقدمها لله فاحص القلوب والكلى والذى يرى كل أعمالنا طوال عمرنا.
تذكر يا أخى إنك إن كنت قد نلت الحرية والطبيعة الجديدة فى المعمودية، فهدفك الوحيد فى حياتك هو عبادة الله والسلوك بالبر، وأى شر تعمله هو خروج عن حياتك المخصصة والمقدسة لمحبة الله وصنع الخير.
ع76: يواصل زكريا نبوته ويحدث الطفل يوحنا ويدعوه بنى الله، أما المسيح فدعا يوحنا أعظم من نبى (ص 7: 26)، ووظيفة يوحنا المعمدان هى إعداد طريق المسيح فى قلوب شعبه.
ع77: كان اليهود يظنون أن المسيح يخلصهم من عبودية الرومان، فأتى يوحنا ليعرفهم الخلاص الحقيقى، وهو الخلاص من الخطية بالتوبة لينالوا غفران خطاياهم، فيوحنا يعرفهم الخلاص ويدعوهم للتوبة، أما المسيح فهو الذى يتمم هذا الخلاص على الصليب.
ع78: يعود زكريا فيتكلم عن المسيح المخلص، فيعلن محبة الله العميقة التى يعبر عنها بالرحمة النابعة من أحشائه، هذه الرحمة افتقدت البشرية فى ملء الزمان لتنجيها من ظلمة الخطية وذلك بتجسد المسيح، الذى هو شمس البر الآتى من السماء.
ع79: المسيح نور العالم، يضئ للخطاة المنشغلين بشهوات العالم المعبر عنها بالظلمة، وإذ ينير لهم طريق الحياة معه، يرشدهم إلى طريق الملكوت، فيتمتعون بسلام داخلى عندما يحررهم من الخطية، بل يثبتون فى هذا السلام إلى الأبد.
الله يفتقدك اليوم بحبه الحانى، أنت الجالس فى ظلمة الخطية، فليتك تتوب عن خطيتك المحببة ويرتفع قلبك بمشاعر حب فى توبة وشكر، مستعدا لنوال حبه المبذول على المذبح فى جسده ودمه الأقدسين.
ع80: بعد نبوة زكريا، يختم القديس لوقا كلامه بنمو يوحنا جسديا وروحيا بمعونة الله فى البرية، ويحكى لنا التقليد أنه عند قتل أبكار بيت لحم، كيف حمله زكريا إلى المذبح فى هيكل الله، فأتى ملاك وخطفه ليعيش بالبرية فى رعاية الملائكة.
أما زكريا الذى كان يطارده عساكر الرومان فأمسكوه وقتلوه بين الهيكل والمذبح (مت23: 35)، وفى هدوء البرية، نمت محبته وصلواته وتأملاته وأعده الله ليكون السابق له.
وظل هناك حتى سن الثلاثين، وهو السن القانونى لبدء الخدمة عند اليهود، حين بدأ كرازته.