دعوة للتوبة والجهاد الروحى
- دعوة للتوبة (ع1 -5):
1- وكان حاضرا فى ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. 2- فأجاب يسوع وقال لهم: “أتظنون أن هؤلاء الجليليين كانوا خطاة أكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا؟ 3- كلا أقول لكم، بل إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تَهْلِكُونَ. 4- أو أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج فى سلوام وقتلهم، أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس الساكنين فى أورشليم؟ 5- كلا أقول لكم، بل إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تَهْلِكُونَ.”
ع1: بعد حديث المسيح المذكور فى الإصحاح السابق، سأله البعض عن بيلاطس والى اليهودية، أى القسم الجنوبى لفلسطين، وكيف قتل الجليليين سكان القسم الشمالى منها إذ اشتهروا بكثرة الفتن، وقد قاموا بثورة تدعو لعدم الخضوع لقيصر، ويبدو أنهم أتباع يهوذا الجليلى (أع5: 37)، فأرسل بيلاطس عساكره إليهم، وهم فى الهيكل يقدمون ذبائحهم، فقتلهم وخلط دماءهم بذبائحهم.
ع2: يبدو أنه كان هناك خلاف بين الفريسيين، الذين لا يميلون لإستخدام العنف ضد السلطة، وبين طائفة الغيوريين، الذين يميلون لذلك، واختلفوا فى حكمهم على هذه الحادثة، فالفريسيون اعتبروهم أشراراً يستحقون العقاب، أما الغيورون فثاروا ضد عنف بيلاطس الظالم.
ظن البعض أن هؤلاء الجليليين أشراراً أكثر من باقى الناس، لأن الله سمح بقتلهم وهم يقدمون ذبائحهم فى الهيكل، أى لم يقبلها. بالإضافة إلى فكر شائع آنذاك، أن من تأتى عليه مصيبة فذلك لأجل شره، ومن لا تأتى عليه فهو بار، وهذا طبعاً فكر خاطئ لأن الله يسمح بضيقات لأولاده حتى ينميهم روحياً، وقد يعطى بركات للخطاة ليخلصهم حتى يتوبوا.
ع3: نفى المسيح أن القتل كان نتيجة أن خطاياهم أعظم من غيرهم؛ حقاً أنهم خطاة مثل غيرهم، لكن المسيح دعا الكل للتوبة مستخدماً هذه الحادثة كإنذار.
فليس لكل خطية عقاب أرضى، أو أن العقاب الأرضى الأشد معناه خطورة الخطية، لكن
ليتنا عندما نسمع أو يقابلنا ضيقة يقودنا هذا للتوبة، لنخلص ليس من الضيقات الزمنية بل بالأحرى من العذاب الأبدى.
ع4: ذكر المسيح حادثة يبدو أنها كانت قريبة وحدثت فى أورشليم، وهى سقوط برج على مجموعة من الناس كانوا فيه، فمات ثمانية عشر منهم.
وهذه ضيقة ليست بفعل إنسان، وتساءل هل يا ترى هؤلاء اليهود كانوا أشر من باقى اليهود؟
ع5: أجاب المسيح بالنفى على سؤاله، معلناً أن الكل خطاة، وينبغى أن تدعوهم هذه الحوادث للتوبة والإستعداد للأبدية.
ليتنا نستعد دائماً بالتوبة عندما نسمع عن أى ضيقات تحدث للآخرين أو سقوط البعض فى خطايا ولا ندينهم.
(2) مثل التينة غير المثمرة (ع6 –9):
6- وقال هذا المثل: “كانت لواحد شجرة تين مغروسة فى كرمه، فأتى يطلب فيها ثمرا ولم يجد. 7- فقال للكرام: “هوذا ثلاث سنين آتى أطلب ثمرا فى هذه التينة ولم أجد. اِقطعها، لماذا تُبَطِّلُ الأرض أيضا؟” 8- فأجاب وقال له: “يا سيد، اتركها هذه السنة أيضا، حتى أنقب حولها وأضع زبلا. 9- فإن صنعت ثمرا، وإلا ففيما بعد تقطعها.”
ع6: واحد هو الله صاحب الكرم.
الكرم هو الحياة.
شجرة التين تمثل حياة الإنسان.
الثمر هو العبادة وأعمال الخير.
تُزرَع أشجار الفاكهة لأجل ثمارها، فإن لم تأتِِ بثمر فهى بلا نفع؛ كذلك الإنسان خلقه الله ليعمل أعمالاً صالحة، فإن لم يكن له هذه الثمار فلا فائدة من وجوده فى الحياة.
ع7: أتى أطلب ثمراً هذا معناه تكرار طلب الله للثمر منا، فهو ينتظره دائماً ويأتى إلينا من خلال تنبيهاته فى الكتاب المقدس والعظات الروحية وفضائل المحيطين التى ينبغى أن تحركنا للتمثل بهم.
صبر الله على الشجرة ثلاث سنوات، وهى فترة طويلة فلم تعطِ ثمراً، فاستوجبت بهذا أن تقطع حتى لا تمتص غذاء وتشغل مكاناً بلا فائدة.
والسنة الأولى ترمز لحياة البشرية بعد السقوط، والسنة الثانية هى عصر الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب، أما السنة الثالثة فهى عصر الناموس والأنبياء.
فى كل هذا لم تخلص البشرية من الخطية، وتعطى تجاوب المحبة المطلوب مع الله.
لا تستهن بطول أناة الله عليك، بل انتهز الفرصة للتوبة والأعمال الصالحة لئلا تهلك حياتك.
ع8: الكرام هو المسيح الذى يشفع فى البشرية، ويرمز أيضاً للكاهن والخادم الذى يهتم برعاية النفوس ودعوتها للتوبة ومساعدتها بوسائط النعمة.
أتركها هذه السنة ترمز لعهد النعمة الذى تؤمن به النفس وفيها تخلص، وترمز أيضاً إلى بقية العمر الذى تحياه، فهى فرصتها للتوبة.
أنقب حولها أى أحفر حول الشجرة لقلع الحشائش والتخلص من الحشرات الضارة. وهو يرمز للتوبة والاتضاع بكل جهادهما، لأن الحفر عميق إلى أسفل مثل الاتضاع، وفحص الأرض وتقطيع الحشائش هو مراجعة النفس بالتوبة والإعتراف.
زبلاً هو السماد المعطى للشجرة، الذى يرمز للطعام الروحى بالتغذى من التناول وقراءة الكتاب المقدس والصلوات.
ع9: رجاء المسيح فيك أن تصنع ثمراً كما الكرام فى شجرة التين، فإن خبيت رجاءه فلا ينتظرك إلا القطع أى الموت، ثم ما هو أكثر من هذا، أى الذهاب إلى العذاب الأبدى.
تذكر ما دمت حياً أن الله يحبك وينتظر منك ثمراً ويساعدك إن أطعت وصاياه.
(3) شفاء المرأة المنحنية (ع10 – 17):
10- وكان يعلم فى أحد المجامع فى السبت. 11- وإذا امرأة كان بها روح ضعف ثمانى عشرة سنة، وكانت منحنية، ولم تقدر أن تنتصب البتة. 12- فلما رآها يسوع، دعاها وقال لها: “يا امرأة، إنك محلولة من ضعفك.” 13- ووضع عليها يديه، ففى الحال استقامت، ومجدت الله. 14- فأجاب رئيس المجمع وهو مغتاظ، لأن يسوع أبرأ فى السبت، وقال للجمع: “هى ستة أيام ينبغى فيها العمل، ففى هذه ائتوا واستشفوا، وليس فى يوم السبت.” 15- فأجابه الرب وقال: “يا مرائى، ألا يَحُلُّ كل واحد منكم فى السبت ثوره أو حماره من المذود، ويمضى به ويسقيه؟ 16- وهذه، وهى ابنة إبراهيم، قد ربطها الشيطان ثمانى عشرة سنة، أما كان ينبغى أن تُحَلَّ من هذا الرباط فى يوم السبت؟” 17- وإذ قال هذا، أخجل جميع الذين كانوا يعاندونه؛ وفرح كل الجمع بجميع الأعمال المجيدة الكائنة منه.
ع10: كان الهيكل فى أورشليم أما المجامع فانتشرت فى كل البلاد حيث تُقرأ الأسفار المقدسة وتفسر، فدخل المسيح أحد هذه المجامع فى يوم السبت، ويبدو أن الناس توقعوا مجيئه إليه فحضر بعض المرضى ليشفيهم ويسمعوا تعاليمه، لأنه كان معتاداً أن يعلم فى هذه المجامع، إذ أنه أتى ليكمل الناموس والأنبياء.
ع11: حضرت إلى المجمع إمرأة مصابة بمرض أحنى ظهرها منذ ثمانية عشر سنة، وكان هذا من روح نجس (روح ضعف) أى عمل الشيطان، فجعلها تنظر إلى الأرض مثل الحيوانات، وليس مثل باقى الناس منتصبة تنظر إلى السماء.
عدد عشرة يرمز إلى الوصايا والناموس وعدد ثمانية يشير إلى القيامة التى حدثت فى اليوم الثامن. فلما اكتمل الناموس مع القيامة أى مر ثمانية عشر عاماً شفاها المسيح، أى أنه بالمسيح يتم شفاء البشرية وتحررها من سلطان إبليس.
ع12-13: أمرها المسيح بكلمته، أى بسلطان لاهوته، فأنحلت من ضعفها وإنحنائها، وتحررت من سلطان الشيطان، بعد أن لمسها بيده فشفيت فى الحال وسبحت الله ومجدته.
ع14: اغتاظ رئيس المجمع اليهودى لأنه حسد المسيح، إذ تعلقت به القلوب بعد هذه المعجزة، وأخفى حسده تحت ستار تمسكه بشريعة عدم العمل فى السبت، معتبراً الشفاء هو عمل طبيب. وخوفاً من أن يكلم المسيح وبخ الناس وطلب منهم أن يأتوا للاستشفاء فى غير يوم السبت، مع أن المرأة لم تطلب من المسيح أن يشفيها بل هو بمحبته دعاها.
ع15: وبخ المسيح رئيس المجمع لريائه، فهو ليس مهتماً بالسبت بل يحسد المسيح لمحبة الناس له، وكذلك الشفاء هو معجزة وليس عملاً يخالف الشريعة.
وقدم المسيح دليلاً على ذلك أخجل به رئيس المجمع ومن معه من الفريسيين، بأن الشريعة تسمح فى يوم السبت بالأعمال الضرورية مثل حل الحيوانات والذهاب بها لتستقى.
ع16: بالأولى هذه اليهودية، التى تسلط عليها الشيطان منذ ثمانية عشر سنة بمرض الإنحناء، كان ينبغى أن تُحل فى يوم السبت، لأن ذلك إحتياج ضرورى وهى بالطبع أفضل من الحيوانات. فإن كان الحيوان يربط مدة الليل فقط ونشفق عليه من العطش فنسقيه، فبالأحرى هذه المرأة إبنة إبراهيم، أى يهودية من شعب الله، تستحق الرحمة بعد 18 سنة قيدها الشيطان وأتعبها جداً.
ع17: خجل المعاندون الذين كانوا مع رئيس المجمع، وفرحت الجموع بمعجزات المسيح لشفائهم.
لا تكن مغرضاً فى كلامك مع الناس، بل إفرح بعمل الخير من أى إنسان وفى كل مكان.
(4) أمثال حبة الخردل والخميرة (ع18 – 21):
ذكر هذان المثلان أيضاً فى (مت13: 31- 33)
18- فقال: “ماذا يشبه ملكوت الله، وبماذا أشبّهه؟ 19- يشبه حبة خردل أخذها إنسان وألقاها فى بستانه، فنمت، وصارت شجرة كبيرة، وتآوت طيور السماء فى أغصانها.” 20- وقال أيضا: “بماذا أشبّه ملكوت الله؟ 21- يشبه خميرة أخذتها امرأة وخبأتها فى ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع.”
ع18-19: يشبه ملكوت الله بحبة خردل وهى حبة صغيرة جداً، إذا أُلقيت فى الأرض ودُفنت تخرج شجرة كبيرة. هكذا الكنيسة بدأت صغيرة فى اليهودية ثم انتشرت فى العالم كله.
ولابد أن يُدفن الإنسان مثل حبة خردل، ليقوم مع المسيح كشجرة عظيمة تأوى فيها طيور السماء، أى يلتصق بالمؤمن كل الروحانيين الذين يسبحون الله.
ع20-21: بعد أن أعطى المسيح مثلا قريب إلى ذهن الزراع، أعطى مثلاً آخر تفهمه بسهولة النساء اللائى يقمن بعمل الخبز، وهو وضع خميرة داخل الدقيق فيختمر بإنتشار الخميرة فى العجين كله ويصلح أن يصير خبزاً.
هكذا فإن كلمة الله تعمل فى داخل النفس، وثلاثة تشير إلى الجسد والنفس والروح، والخميرة هى البشارة التى انتشرت فى العالم كله، لأن العالم خرج من ثلاثة هم أبناء نوح، والخميرة هى البشارة بالثالوث المقدس الذى صار طعاماً روحياً لكل أولاد الله.
لا تستهن بضعفك، فالله قادر أن يعمل بك فتؤثر فى الكثيرين، وصلاتك وقراءاتك مهما كانت قليلة ستغير حياتك. ثابر فى التمسك بالله وفى خدمته.
(5) الباب الضيق (ع22 – 30):
ذكر أيضاً هذا الحديث فى (مت7: 13، 7: 21-23)
22- واجتاز فى مدن وقرى يعلّم، ويسافر نحو أورشليم. 23- فقال له واحد: “يا سيد، أقليل هم الذين يَخْلُصُونَ؟” فقال لهم: 24- “اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيّق، فإنى أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون. 25- من بعد ما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب، وابتدأتم تقفون خارجا وتقرعون الباب، قائلين: “يا رب، يا رب، افتح لنا.” يجيب ويقول لكم: “لا أعرفكم من أين أنتم. 26- حينئذ تبتدئون تقولون: أكلنا قدامك وشربنا، وعلمت فى شوارعـنا.” 27- فيقول: “أقول لكم لا أعرفكم من أين أنتم، تباعدوا عنى يا جميع فاعلى الظلم. 28- هناك يكون البكاء وصرير الأسنان، متى رأيتم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء فى ملكوت الله، وأنتم مطروحون خارجا. 29- ويأتون من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب، ويتكئون فى ملكوت الله. 30- وهوذا آخرون يكونون أولين، وأولون يكونون آخرين.”
ع22: اتجه المسيح نحو أورشليم حيث سيصلب من اليهود لفداء البشرية، وكان يعلم فى المدن والقرى التى يجتاز بها يدعوهم إلى التوبة، ويعدهم لحمل الصليب استعداداً للملكوت.
ع23-24: سأله واحد من الجمع عن عدد الذين يصلون إلى الملكوت، فلم يجب عليه لأنه سؤال نظرى لا يفيد فى خلاص النفس. ثم وجه نظر السامعين إلى كيفية الخلاص والوصول إلى الملكوت، وذلك بالجهاد الروحى الذى عبر عنه بالدخول من الباب الضيق، الذى يعنى الإنحناء والاتضاع والتجرد من التعلقات المادية حتى نستطيع المرور فيه. وأوضح أن كثيرين سيطلبون الدخول منه ولن يقدروا لتمسكهم بالشهوات المادية والكبرياء وعدم إستعدادهم للجهاد المستمر فى الصلوات والأصوام واحتمال الآخرين والتعب فى خدمتهم.
ع25: يشبه الله برب البيت الذى يغلق هذا الباب الضيق المؤدى إلى الملكوت، وهذا ما يحدث بنهاية عمر الإنسان، بعد هذا يحاول الناس الدخول فيرفض الله معلناً عدم معرفته لهم أى انهم ليسوا أولاده لأنهم فضلوا محبة العالم عن محبته، وتهاونوا فى التمسك بوصاياه متباطئين حتى انتهى عمرهم.
ع26: يرد الأشرار ويقولون أنه كان لنا علاقة بك فى حياتنا يا الله فى معيشتنا اليومية (الأكل والشرب)، وسمعنا تعليمك (علمت فى شوارعنا). هؤلاء كان لهم علاقة ظاهرية فى ممارسات روحية ولكن بلا عمق ولا محبة حقيقية من القلب.
ع27: يؤكد الله أنه لا يعرف هؤلاء الأشرار ويسألهم من أين أنتم أى إنكم لستم أولادى، بل أولاد إبليس، ويذكرهم بشرورهم وظلمهم للآخرين ولأنفسهم بإهمال خلاصهم إذ ساروا فى طريق الخطية، وينتهرهم ليبعدوا عنه ويذهبوا إلى العذاب الأبدى.
ع28-29: يصف العذاب الأبدى بأن فيه حزن شديد من مظاهره البكاء، وأيضاً رعب وعذاب لا يتخيله أحد ويُرمز إليه بصرير الأسنان.
على الجانب الآخر فى الملكوت يجلس الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب وكذلك الأنبياء الذين يعرفهم اليهود فى فرح وتهليل، ينظر إليهم اليهود الأشرار الذين رفضوا الإيمان بالمسيح والسلوك الروحى ولا يستطيعون الدخول إليهم، ويرون معهم كثيرين من المؤمنين من أصل أممى يأتون من العالم كله، أى من المشارق والمغارب، ويفرحون مع الآباء والأنبياء فى الملكوت.
ع30: يعلن المسيح لسامعيه ممن يرفضون الإيمان به، بأن من كانوا يظنون أنفسهم أولين فى الدخول إلى الملكوت، مثل اليهود، سيكونون بعيدين فى العذاب الأبدى لعدم إيمانهم بالمسيح، والآخرون مثل الأمم أو اليهود البسطاء الذين آمنوا بالمسيح سيكونون أولين فى الدخول إلى الملكوت والتمتع بالوجود مع الله والقديسين.
إن كنت تحتمل أتعاب فى الجهاد وتحارب شهواتك متمسكاً بالمسيح، فسيرفعك الله ويعطيك مكاناً متقدماً فى الملكوت.
(6) تهديد هيرودس للمسيح (ع31 – 35):
31- فى ذلك اليوم، تقدم بعض الفريسيين قائلين له: “اخرج واذهب من ههنا، لأن هيرودس يريد أن يقتلك.” 32- فقال لهم: “امضوا وقولوا لهذا الثعلب: ها أنا أخرج شياطين، واشفى اليوم وغدا، وفى اليوم الثالث أُكَمَّلُ. 33- بل ينبغى أن أسير اليوم وغدا وما يليه، لأنه لا يمكن أن يَهْلِكَ نبى خارجا عن أورشليم. 34- يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمعَ أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا. 35- هوذا بيتكم يترك لكم خرابا. والحق أقول لكم إنكم لا تَرَوْنَنِى، حتى يأتى وقت تقولون فيه: مبارك الآتى باسم الرب.”
ع31: هيرودس هو هيرودس أنتيباس الوالى من قبل الرومان على الجليل وكذلك بيرية التى كان يكرز فيها المسيح حينئذ، وهو الذى قتل يوحنا المعمدان وكذلك أرسل إليه بيلاطس المسيح مقيداً ليحاكمه.
حسد الفريسيون المسيح لمحبة الناس له، ويبدو أنهم أثاروا هيرودس ضده وأخافوه من شعبية وقوة المسيح، فأخذوا منه كلمة بخروج المسيح من أورشليم ليتخلص منه هيرودس دون حدوث فتنة ومشاكل بين الشعب. وتظاهر الفريسيون بمحبتهم للمسيح وأنهم يريدون المحافظة على حياته من بطش هيرودس، ولكنهم كانوا مخادعين يريدون التخلص من المسيح.
ع32: شبه المسيح هيرودس أنتياس بأنه ثعلب، فهو مخادع وقاس القلب، وأعلن عدم خوفه منه، إذ أرسل مع الفريسيين رسالة قوية له بأنه مستمر فى رعايته لشعبه بإخراج الشياطين وشفاء المرضى حتى يكمل عمله الفدائى معلناً قيامته فى اليوم الثالث.
وكان تعبير اليوم وغداً وفى اليوم الثالث أكمل تعبير معروف عند اليهود يُراد به أنها مدة قصيرة، أى أن الثلاثة أيام تشير إلى قرب نهاية تبشيره.
ع33: اليوم وغداً وما يليه لا يقصد بضعة أيام، ولكن الفترة التى يبشر فيها وهى صغيرة لأنه قد اقترب إتمام الفداء.
لا يمكن أن يهلك نبى خارجاً عن أورشليم حيث مجمع السنهدريم، وهو المجلس اليهودى الأعلى الذى يحكم ظلماً على الأنبياء فيقتلهم أو على المسيح فيصلبه؟؟
وليس معنى هذا القول كل الأنبياء ولكن أغلبهم يهلكون فى أورشليم.
يؤكد المسيح استمراريته فى رعاية شعبه حتى يموت فى أورشليم التى أهلكت الكثرين من الأنبياء المرسلين منه.
ع34 : ذكرت أيضاً فى (مت23: 37-39).
يعاتب المسيح أورشليم، أى اليهود الساكنين فيها، بسبب كثرة سفكهم لدماء الأنبياء، ويعلن محبته لها على مر التاريخ وحتى الآن، ومحاولته أن يجمع أولادها ويرعاهم بحبه كما تحتضن الدجاجة فراخها بحب تحت جناحيها لضعفهم واحتياجهم للدفء، ولكن للأسف رفض اليهود سماع كلام الله والإيمان به.
نعمة الله مستعدة أن تخلصك من كل متاعبك وخطاياك، فتجاوب معها وتمتع بأحضان الله.
ع35: لا تروننى لأن المسيح سيموت ويقوم ويصعد إلى السماء، ولن يروه متجولاً مبشراً بينهم بعد ذلك.
مبارك الآتى بإسم الرب نبوة من المسيح أن اليهود الرافضين الإيمان به، سيؤمن بعضهم فيما بعد ويعلنوا إيمانهم أن يسوع هو المسيا المنتظر المبارك من الله، الآتى من السماء بإسم الرب لخلاص العالم.
يعلن المسيح الحقيقة المؤسفة، وهى خراب أورشليم من أجل كبريائها وعنادها وعدم إيمانها، لعل اليهود يرجعون ويؤمنون. وحقيقة أخرى وهى عدم إيمان اليهود بأنه المسيح المخلص، ولكن سيأتى وقت سيؤمن فيه بقية اليهود ويعلنون إيمانهم قائلين مبارك الآتى بإسم الرب.