الرياء والخوف والاهتمام بالماديات
- الرياء (ع1 -3):
1- وفى أثناء ذلك، إذ اجتمع ربوات الشعب، حتى كان بعضهم يدوس بعضا، ابتدأ يقول لتلاميذه: “أولا، تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين، الذى هو الرياء. 2- فليس مكتوم لن يستعلن، ولا خفى لن يعرف. 3- لذلك، كل ما قلتموه فى الظلمة يُسمع فى النور، وما كلمتم به الأذن فى المخادع يُنادَى به على السطوح.
ع1: ذكرت فى (مت16: 6-12)
وجه المسيح كلامه السابق للكتبة والفريسيين، أما الآن فإلى تلاميذه، فهذا التحذير الآتى لهم خاصة وللمؤمنين عموماً، وهو الاحتراس من خطية الرياء ومثالها الواضح هو الفريسيون الذين يمثلون القيادة الدينية لليهود، فقد اهتموا بمظهر القداسة ولكن داخلهم مملوء شراً بدليل رفضهم الإيمان بالمسيح، بل محاولة اصطياد أخطاء عليه لأن كبرياءهم أبى أن تتركهم الجموع وتتبع المسيح.
وشبه الرياء بالخميرة، لأن الخميرة تعطى حجماً كبيراً لقطعة العجين الصغيرة ولكن الداخل هو فقاعات هوائية، وتعمل الخميرة فى الداخل بعيداً عن الأعين، كما يسرى الشر داخل القلب ويظهر الإنسان بمظهر قداسة كبير يختلف تماماً عما فى داخله.
ع2: ذكرت أيضاً فى (مت10: 26)
كل ما يفعله الإنسان من شرور فى هذه الحياة، سيعلن فى يوم الدينونة، بالإضافة إلى فضح كثير من خطاياه مع مرور الزمن أثناء حياته، وبالتالى لا داعى للرياء الذى سينفضح ويظهر خزى صاحبه.
ع3: ذكرت فى (مت10: 27)
ما يفعله الفريسيون سراً، سينفضح أمام نور المسيح العارف بما فى قلوبهم، وبالإنجيل الذى يكشف بشاعة خطية الرياء.
السطوح المقصود به سمو بشارة الروح القدس على فم الرسل والمبشرين، الذين سيفضحون الخطايا ومنها الرياء.
ويقصد أيضاً أن تعاليم التلاميذ التى تقال فى الخفاء مع أعداد قليلة بسبب الاضطهاد، ستنتشر تدريجياً ويأتى وقت السلام وتُعلن جهاراً فى النور ومن على الأماكن العالية مثل السطوح ويسمعها الكثيرون ليؤمنوا بها.
إعلم أن كل شر تخفيه فى قلبك ستدان عليه، فتب عنه سريعاً وابعد عن الإدانة التى تقولها سراً، فكل شئ سينفضح وقد يعلم من تدينه بما قلته سراً عنه، فتسوء علاقتك به، وبدلاً من كلام الشر، إحرص أن تتكلم عن المحبة والخير ولو مع شخص واحد، فستنتشر هذه المحبة تدريجياً وتعلن للكل، ويروها فى حياتك وحياة من كلمتهم عنها.
(2) عدم الخوف والشهادة للمسيح (ع4 –12):
ذكرت هذا الحديث فى (مت10: 28- 33)
4- ولكن، أقول لكم يا أحبائى: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر. 5- بل أريكم ممن تخافون: خافوا من الذى، بعدما يقتل، له سلطان أن يُلقى فى جهنم، نعم أقول لكم من هذا خافوا. 6- أليست خمسة عصافير تباع بفلسين، وواحد منها ليس منسيا أمام الله؟ 7- بل شعور رؤوسكم أيضا جميعها محصاة، فلا تخافوا أنتم أفضل من عصافير كثيرة. 8- وأقول لكم: كل من اعترف بى قدام الناس، يعترف به ابن الإنسان قدام ملائكة الله. 9- ومن أنكرنى قدام الناس، يُنكر قدام ملائكة الله. 10- وكل من قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له، وأما من جدّف على الروح القدس فلا يغفر له. 11- ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين، فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون. 12- لأن الروح القدس يُعَلِّمُكُمْ فى تلك الساعة ما يجب أن تقولوه.”
ع4-5: يا أحبائى هذه هى أول مرة يظهر المسيح هذا التعبير نحو تابعيه، فهو يعلن أنهم خاصته المحبوبون الذين يميزهم عن باقى العالم الشرير ويحفظهم منه.
يعالج المسيح مشكلة الخوف، محتقراً كل عنف واضطهاد البشر لأولاده، إذ أن حدود اضطهادهم هو الإساءة للجسد، ولكنهم لا يستطيعون أن يضروا الروح، بل على العكس تتمسك بالله وتنمو فى معرفته. لكن من يستحق أن تخافه هو الله الذى له سلطان على الروح والجسد، فإذا خافته النفس تخلص من العذاب الأبدى ولا تعود تخاف من الناس لأن الله يحفظها من المخاطر، ولا تحدث لها تجربة إلا بإذنه.
ع6: كان العصفوران يُباعان بفلس، وهو أقل عملة مستخدمة، وإذا اشترى الإنسان أربعة عصافير بفلسين، يعطى له عصفور خامس هدية، فتصير الخمسة عصافير بفلسين وهذا العصفور الذى بلا ثمن، أى الهدية، لا ينساه الله، بل يعتنى به ويعطيه طعامه.
والعصافير الخمسة تشير إلى الحواس الخمسة، وهى تبحث عن طعامها فى الأرض فتسقط على شباك الصياد، ولكن حينما ترتفع إلى السماء تأكل ثمار الأشجار، أى إذا انحدرت الحواس إلى الأرضيات يصطادها الشيطان، وإن أرتفعت إلى السماء تقتنى الثمار الروحية.
ع7: يؤكد المسيح عنايته بنا مهما كنا ضعفاء أو مرذولين وبلا قيمة فى نظر الناس مثل هذا العصفور، بل وأيضاً يعتنى بأدق تفاصيل حياتنا، فيُحصى شعور رؤوسنا أى يعرف عددها، ويعلم تفاصيل كل شعرة فيها. وبالتالى لا مجال للخوف أو القلق، مادام إلهنا يحبنا ويعتنى بنا إلى هذه الدرجة.
ع8-9: يظهر المسيح أهمية إعلان الإيمان وليس الاقتناع به قلبياً فقط، ومكافأته هو التمتع بالأبدية، لأن من يشهد للمسيح فى الأرض يشهد له هو فى السماء، فيعطيه مكاناً فى الأبدية.
والعكس صحيح، فمن ينكره على الأرض ينكره أيضاً المسيح فى السماء، أى يرفضه ويذهب للعذاب الأبدى.
الاعتراف بالمسيح، ليس فقط بإعلان مسيحيتك، بل بإظهار الحق ومساندة المظلوم والسلوك المسيحى فى التمسك بوصايا الله واحتمال الآلام لأجل ذلك.
ع10: جدف على الروح القدس إذا أنكر إنسان المسيح يمكن أن يتوب ويغفر له، ولكن من جدف على الروح القدس أى رفض عمله فيه، الذى يدعوه للتوبة، واستمر مصراً على الخطية طوال حياته، فلن يغفر له، لأن من ينكر المسيح يمكن أن يستجيب بعد ذلك لعمل الروح القدس فيه فيتوب ويستعيد إيمانه، أما من يرفض التوبة فلا خلاص له. وهنا تظهر أهمية سر التوبة والإعتراف الذى هو الطريق الوحيد للخلاص.
ع11-12: يدعونا المسيح ألا نخاف ممن يضطهدنا مهما كان عنفه أو ضعفنا، لأن الروح القدس يعمل فينا ويعلمنا ما نقوله أمام هذه المواجهات، كما حدث فى محاكمة الشهداء، وكيف أفحموا الولاة الذين حاكموهم مهما كان ضعف تعليمهم أو ذكائهم أو شخصياتهم.
لا تضطرب من أى مواجهة فى حياتك، بل التجئ إلى الصلاة واثقاً من قوة الله التى فيك.
(3) مثل الغنى الغبى (ع13 – 21):
13- وقال له واحد من الجمع: “يا معلم، قل لأخى أن يقاسمنى الميراث.” 14- فقال له: “يا إنسان، من أقامنى عليكما قاضيا أو مُقسِّما؟” 15- وقال لهم: “انظروا وتَحَفَّظُوا من الطمع، فإنه متى كان لأحد كثير، فليست حياته من أمواله.” 16- وضرب لهم مثلا قائلا: “إنسان غنى أخصبت كورته. 17- ففكر فى نفسه قائلا: ماذا أعمل؟ لأَنْ ليس لى موضعٌ أجمع فيه أثمارى. 18- وقال: أعمل هذا، أهدم مخازنى وأبنى أعظم، وأجمع هناك جميع غلاتى وخيراتى. 19- وأقول لنفسى: يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة، استريحى وكلى واشربى وافرحى. 20- فقال له الله: يا غبى، هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التى أعددتها لمن تكون؟ 21- هكذا الذى يكنز لنفسه وليس هو غنيا لله.”
ع13: كثيراً ما يحدث خلاف على الميراث بين الإخوة، وكاد المعتاد سؤال المعلمين للفصل فى هذه القضايا، ويبدو أن أحدهم كان طماعاً، يريد أن يأخذ نصيباً أكثر مما يستحقه من الميراث.
ع14: رفض المسيح أن يكون قاضياً ومقسماً للميراث، لأن هدفه روحى وهو خلاص النفس وليس المُلك الأرضى. وكانوا بهذا أيضاً يحاولون اصطياد خطأ عليه، وهو أنه أقام نفسه قاضياً مدنياً دون إذن من السلطة المدنية أو الدينية.
ع15: حياته أى سعادته على الأرض، فهى هبة من الله لأولاده.
ثم واجه المسيح المشكلة الحقيقية فى النزاع بين البشر، وهو الطمع فى الماديات، وأعلن حقيقة واضحة أن الحياة السعيدة ليست بالمال، بل بالوجود مع الله، فلماذا محبة المال؟
ع16-17: ضرب لهم المسيح مثلاً، أن إنساناً غنياً له حقول كثيرة، وفى أحد السنين كان محصول أرضه عظيماً أكثر من باقى السنين الماضية، وبالتالى لا تسعها مخازنه. لم يفكر فى توزيع هذا الخير على المحتاجين، بل انشغل بكيفية إيجاد مخازن كثيرة تسع كل هذا الخير ليستخدمه لنفسه فقط.
ع18-19: غلاتى وخيراتى نسب الخير لنفسه ولم يشكر الله.
موضوعة لسنين كثيرة نسى هذا الغنى أنه لا يعرف متى ينتهى عمره، وظن أن أمامه سنين كثيرة، فلم يستعد لأبديته بعمل الخير.
كلى واشربى وافرحى ظن أن الفرح هو بكثرة الأكل والشرب وليس بالله، كأنه حيوان يهمه الطعام فقط، وليس إنسان فيه روح تشبع وتفرح بالله.
فكر هذا الغنى فى حل مشكلته بأن يهدم مخازنه ويبنى مخازن أكبر تتسع لثمار محاصيلة الكثيرة، وشعر بالطمأنينة والفرح، وحدث نفسه أن تتمتع إذ لها الأمان فى كثرة المخزون عنده من ثمار تكفيه سنيناً كثيرة مقبلة من عمره.
ع20-21: تطلب نفسك منك تموت وتنفصل روحك وتقف أمام الديان العادل لتحاسب على إنشغالها بالماديات عن الله.
لمن تكون لن يكون لك سلطان على كل هذه الخيرات التى اقتنيتها، بل توزع على آخرين، أى الذين يرثونك، وقد يكون بعضهم ممن لا تريد أن تعطيهم، فلن تأخذ شيئاً منها وستعطى لآخرين.
يكنز لنفسه فهو أنانى يجمع خيرات الأرض لنفسه، وليس ليتصدق بها على المحتاجين مع أنه غنى ويفيض عنه الكثير.
ليس هو غنياً لله لم يهتم بمحبته لله وعبادته، وكذلك لم يهتم بالإحسان على المحتاجين، ليكنز له كنزا فى السماء.
فى اليوم الذى فكر فيه الغنى بهذه الأفكار، حدثه الله منذراً إياه أنه سيموت فى هذه الليلة ولن يستفيد من كل هذه الخيرات المادية.
فكل من يعتمد على الماديات دون الله هو غبى جاهل، لا يعرف كيف يعيش، لأن الحياة هى فى الله الذى يدوم معه إلى الأبد.
إسأل نفسك فى نهاية كل يوم، كم انشغلت بمحبة المال، وكم من الوقت انشغلت بمحبة الله؟
(4) الاهتمام بالماديات (ع22 – 31):
ذكر هذا الحديث أيضاً فى (مت6: 25- 33)
22- وقال لتلاميذه: “من أجل هذا أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون، ولا للجسد بما تلبسون. 23- الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس. 24- تأملوا الغربان، إنها لا تزرع ولا تحصد، وليس لها مخدع ولا مخزن، والله يُقِيتُهَا، كم أنتم بالحرىِّ أفضل من الطيور؟ 25- ومن منكم إذا اهتم، يقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدة؟ 26- فإن كنتم لا تقدرون ولا على الأصغر، فلماذا تهتمون بالبواقى؟ 27- تأملوا الزنابق كيف تنمو، لا تتعب ولا تغزل، ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان، فى كل مجده، كان يلبس كواحدة منها. 28- فإن كان العشب الذى يوجد اليوم فى الحقل ويُطرح غدا فى التَّنُّورِ يلبسه الله هكذا، فكم بالحرى يلبسكم أنتم يا قليلى الإيمان؟ 29- فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون، ولا تقلقوا، 30- فإن هذه كلها تطلبها أمم العالم، وأما أنتم، فأبوكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه. 31- بل اطلبوا ملكوت الله، وهذه كلها تزاد لكم.
ع22-23: من أجل هذا: ما بينه فى مثل الغنى الغبى من بطلان الماديات.
يواجه المسيح مشكلة كل البشر، وهى التعلق والانشغال بالماديات، فيدعوهم إلى عدم الاهتمام بالطعام واللباس، موجها النظر إلى الغرض من كل هذه الوسائل وهو الحياة التى ينبغى أن نتمتع بها مع الله.
حقا ما أغرب أن ينشغل الإنسان بالوسيلة عن الهدف، فيخسر الهدف. فى بداية كل يوم، تذكر هدفك، وهو محبة الله، واترك عنك هموم العالم والمناقشات غير المفيدة.
ع24: يعطى المسيح مثالاً واضحاً فى عدم الإهتمام بالطعام، وهو الطيور التى اختار منها الغربان. فرغم أنها طيور غير محبوبة، كما أنها لا تهتم بتدبير طعامها، فلا تزرع ولا تحصد ولا تجمع ولا تهتم بإعداد مساكن تقيم فيها، لكن الله يقوتها من بواقى المزروعات المنتشرة فى العالم.
فإن كان الله يهتم بالطيور، فكم بالأحرى الإنسان رأس الخليقة كلها؟!
ع25-26: الأصغر زيادة طول أحدكم نحو 50سم، فهو شئ ضئيل بالقياس بخلقة الإنسان كله الذى عمله الله.
البواقى احتياجات الإنسان من الطعام اللباس.
ثم يقدم دليلاً منطقياً على عدم الإهتمام بالطعام، وهو أنه مهما كان اهتمام الإنسان، لا يستطيع أن يضيف إلى طوله ذراعاً واحداً (أى حوالى نصف متر). فإن كان لا يقدر أن يزيد طوله، فهو أيضاً لا يستطيع أن يحافظ على جسده، بل الله هو الذى يحفظه له ويدبر احتياجاته المادية.
فالإنسان عاجز عن أقل شئ، لذا يلزمه أن يتكل على الله الذى خلقه، ويدبر له كل احتياجاته.
ع27-28: تتعب وتغزل تهتم بصنع مظهرها وملابسها.
قليلى الإيمان دعوة لنا لنؤمن بأبوة الله وبتدبيره لحياتنا، فلا نقلق وننشغل باحتياجاتنا المادية.
يعطى المسيح لنا مثالاً لعدم الاهتمام بالملبس، وهو الأزهار بألوانها وأشكالها الجميلة، والتى يحاول الإنسان تقليدها فيجعل ملابسه مثل ألوانها وأشكالها، ولكن الأصل وهو الأزهار الطبيعية شكلها أفضل، فسليمان الملك فى كل مجده بملابسه الفاخرة لم يصل جماله إلى جمال هذه الأزهار، أى الزنابق. وهذه الزنابق هى أعشاب أى نباتات تنمو فى الحقل لبضعة شهور، ثم تجف وتُلقى فى التنور (الفرن) فإن كان الله يهتم بها ويعطيها هذا الشكل الجميل، ألا يهتم بملابسنا وشكلنا إن آمنا به واتكلنا عليه؟
ع29-31: أبوكم يعلن الله كأب يهتم بأولاده ويعرف كل احتياجاتهم.
تُزاد لأن الله يعطينا الحياة معه وهى الأهم، ثم يزيد عليها احتياجات الجسد.
يعطى هنا الخلاصة، وهى عدم القلق لأجل الطعام واللباس، فالعالم كله يجرى ورائها، أما نحن، أبناء الله، فنثق فى إلهنا الذى يدبر لنا احتياجاتنا، لنطلب ما هو أهم، أى ملك الله على قلوبنا، وكل الاحتياجات المادية هى شئ صغير يسميه الباقى، وهو مضمون من يد الله المهتم بنا.
تذكر عناية الله بك وبكل الخليقة المحيطة، حتى لا تقلق على شئ.
(5) الاستعداد للملكوت (ع32 – 48):
32- “لا تخف أيها القطيع الصغير، لأن أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت. 33- بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة. اِعملوا لكم أكياسا لا تَفنَى وَكَنْزًا لا يَنْفَدُ فى السماوات، حيث لا يقرب سارق ولا يُبْلِى سوس. 34- لأنه حيث يكون كنزكم، هناك يكون قلبكم أيضا. 35- لتكن أحقاؤكم مُمَنْطَقَةً وَسُرُْجُكُمْ موقدة، 36- وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. 37- طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين، الحق أقول لكم، إنه يتمنطق ويُتكئهم، ويتقدم ويخدمهم. 38- وإن أتى فى الهزيع الثانى، أو أتى فى الهزيع الثالث، ووجدهم هكذا، فطوبى لأولئك العبيد. 39- وإنما اعلموا هذا، أنه لو عَرَفَ رب البيت فى أية ساعة يأتى السارق، لسهر ولم يدع بيته يُنقب. 40- فكونوا أنتم إذًا مستعدين، لأنه فى ساعة لا تظنون، يأتى ابن الإنسان.” 41- فقال له بطرس: “يا رب، ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضا؟”42- فقال الرب: “فمن هو الوكيل الأمين الحكيم، الذى يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم العلوفة فى حينها؟ 43- طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. 44- بالحق أقول لكم، إنه يقيمه على جميع أمواله. 45- ولكن، إن قال ذلك العبد فى قلبه: سيدى يبطئ قدومه. فيبتدئ يضرب الغلمان والجوارى، ويأكل ويشرب ويسكر. 46- يأتى سيد ذلك العبد فى يوم لا ينتظره، وفى ساعة لا يعرفها، فيقطعه، ويجعل نصيبه مع الخائنين. 47- وأما ذلك العبد الذى يعلم إرادة سيده، ولا يستعد، ولا يفعل بحسب إرادته، فَيُضْرَبُ كثيرا. 48- ولكن، الذى لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات، يضرب قليلا. فكل من أُعْطِىَ كثيرا يُطلب منه كثير، ومن يُودِعُونَهُ كثيرا يطالبونه بأكثر.
ع32: يدعو المسيح أولاده المؤمنين به القطيع الصغير، لأن المؤمنين السالكين بحسب وصاياه أقلية، ليس فقط فى وقت وجوده على الأرض بل وحتى الآن. إذ أن الإنسان ينجذب إلى الشر بسهولة. ولكن يطمئنهم أنه أبوهم وأنهم متميزون عن العالم كله، بأن الله أعد لهم الملكوت ويفرح أن يسكنهم فيه.
تأمل أبوة الله، فهو يفرح أن يهبك الملكوت، ليطمئن قلبك وسط ضيقات الحياة، ويدفعك هذا للتمسك بوصاياه فى جهاد مستمر لتتمتع بكل ما أعده لك.
ع33-34: بيعوا تخلصوا من التعلق بالماديات…. أى بيعوها من قلوبكم.
مالكم كل ما تملكون من ماديات.
أكياساً لا تبلى يشبه الكنز السماوى بكيس لا يتلف إلى الأبد، يوضع فيه ليس الفضة والذهب بل أعمال الرحمة.
كنزاً لا ينفذ طبيعة أموال العالم أنها معرضة للنقص والانتهاء، أما الكنز السماوى فيبقى إلى الأبد.
يوجه المسيح نظر أولاده لكيفية الاستعداد للملكوت، وذلك بعمل الصدقة لكل محتاج، فيتنازل الإنسان عن كل ماله من مال وصحة وقدرات مختلفة ويعطيها بحب للآخرين. وبهذا يحول كنوزه المادية المعرضة للسرقة والفساد بفعل الزمن أو الحشرات، ويرسل هذه الكنوز إلى السماء بعمل الرحمة.
وبعمل الرحمة يصير الكنز فى السماء، فيتعلق القلب أكثر بها، فيزداد فى الصلوات وعمل الخير.
ع35: يدعونا المسيح أيضاً إلى منطقة الأحقاء، والمنطقة هى حزام جلدى يُربط على وسط الإنسان فيكون مستعداً للعمل، وهذا الحزام مصنوع من جلود الحيوانات الميتة، فيرمز لموت الجسد عن التعلقات المادية بالصوم والتجرد وضبط الشهوات.
ويستكمل الاستعداد بإيقاد السُرج. والسراج هو النور الذى فى الإنسان، أى النفس عندما تستنير بمحبة الله والعبادة الروحية واقتناء الفضائل.
ع36-37 : يتمنطق: السيد هو المسيح، الذى لبس جسدنا، وتمنطق به لكى يحمل فيه كل خطايانا وأتعابنا ويفدينا على الصليب.
يتكئهم: أعطى المسيح راحة لأولاده فى بشارته على الأرض بشفاء المرضى وإخراج الشياطين وإشباع الجموع، كل هذا رمز للراحة التى يهبها لهم فى الملكوت، والكرامة العظيمة بجلوسهم فى مجد سماوى، وخادمهم المسيح بدمه الفادى.
يقوم فيخدمهم حين رفع على الصليب وسفك دمه فداء للبشرية. ويظل يخدمهم فى الملكوت ببركاته التى لا تنتهى.
يدعونا المسيح إلى أمر رابع فى الاستعداد للملكوت، وهو السهر الروحى، من خلال مثل مجموعة من العبيد ينتظرون رجوع سيدهم من العرس، ويطوبهم إن كانوا ساهرين.
وهؤلاء العبيد يرمزون لقدرات ومواهب الإنسان، التى تنتظر المسيح الآتى فى مجيئه الثانى من السماء، حيث عرسه مع ملائكته فى فرح وتهليل دائم. فإن كان العبيد ساهرين دائماً، يسرعون بملاقاة سيدهم متى قرع الباب، أى ناداهم لإنهاء حياتهم على الأرض والوجود معه فى السماء.
والسهر الروحى هو ارتباط الإنسان بالعبادة الروحية والتوبة والابتعاد عن مصادر الخطية، أى الاهتمام الدائم بخلاص النفس.
ويقدم السيد محبة فوق إدراك العقل، إذ يتشدد بمنطقة ويقوم فيخدم عبيده بنفسه، وهذا يرمز إلى محبة المسيح الفادى الذى يكرم أولاده المؤمنين فى الملكوت، ويفرحهم باسحقاقات دمه المسفوك على الصليب، الذى بذله لأجله فيمجدهم معه إلى الأبد.
ع38: يشرح المسيح أهمية السهر فى المثل السابق، بأن السيد إن أتى فى الهزيع الثانى أو الثالث من الليل، أى الربع الثانى أو الثالث منه، يجدهم ساهرين فيطوبهم.
ويرمز الهزيع الأول للطفولة، أما الثانى فللرجولة، والثالث للشيخوخة. ففى أى وقت يطلب الله نفس الإنسان، يجده مستعداً. ولم يذكر الهزيع الأول، لأن الطفل ناقص فى إدراكه وتحمله لمسئولية الخطية، فيحاسب فقط الرجل أو الشيخ. وأيضاً ليس من المعتاد رجوع أحد من العرس فى الهزيع الأول، وهو من بداية الليل فى السادسة مساءً إلى التاسعة ليلاً.
والهزيع الثانى هو التاسعة ليلاً إلى الثانية عشر، أى منتصف الليل، والهزيع الثالث من الثانية عشر إلى الثالثة صباحاً، وليس من المعتاد أيضاً قديماً الرجوع فى الهزيع الرابع الذى يصل إلى السادسة صباحاً أى الفجر.
ع39-40: ذكر هذا المثل فى (مت24: 42-44)
ينقب أى يحفر ويكسر فى جدران البيت ليدخل السارق من هذه الثغرة ويسرق ما يريد.
يؤكد أهمية السهر بمثل آخر، وهو حراسة البيت من اللصوص، فحيث أن رب البيت لا يعلم أية ساعة يأتى السارق، فيلزم أن يسهر دائماً حتى لا يُسرق بيته.
من كل ما سبق، ينبغى علينا السهر الروحى لئلا يطلب الله حياتنا فى أى وقت، أو يأتى فى مجيئه الثانى. واليقظة الروحية تعنى التوبة المستمرة والبعد عن مصادر الخطية، والاهتمام بأعمال الخير والخدمة.
ع41: بعد ما سمع بطرس كلام المسيح عن الاستعداد للملكوت، سأل عن المقصود بالعبيد، أهم تلاميذ المسيح أم كل الجموع؟
ع42: ذكر هذا المثل فى (مت24: 45-51)
رد المسيح على سؤال بطرس بسؤال آخر، سيجيب عليه بنفسه، وهو من هو الوكيل الأمين الحكيم، الذى يقيمه سيده على عبيده.
والعبيد أو الخدم هم حواس الإنسان وقدراته، فهو وكيل عليها ليرعاها ويستخدمها حسناً.
والعبيد أيضاً يرمزون للأبناء، والوالدين وكلاء من الله لرعايتهم والإهتمام باحتياجاتهم. كذلك خدام الكنيسة هم مسئولون عن رعاية من يخدمونهم أطفال أو كبار.
إذا إجابة المسيح على سؤال بطرس، أن الاستعداد للملكوت موجه لكل الشعب وليس فقط الرسل، فكل إنسان لديه مسئوليات، هو وكيل عليها ويلزم أن يقدم حساب وكالته لله.
ع43-44: يطوب المسيح الوكيل الأمين، لأنه فهم أن سلطانه مأخوذ من الله وهو مجرد وكيل فكان أميناً فى تفاصيل حياته. ومكافأة هذا الوكيل هو أن يقيمه السيد على جميع أمواله، أى يعطيه المُلك الأبدى.
ع45-46: سيدى يبطئ قدومه: يهمل الاستعداد للملكوت، متناسياً أن الله يمكن أن يطلبه فى أى لحظة وينهى حياته.
يضرب الجوارى والغلمان: يكون قاسياً على من يخدمهم، فلا يتعاطف مع المحتاجين أو الخطاة وبقسوته يبعدهم عن الملكوت.
يأكل ويشرب ويسكر ليس فقط يأكل ويشرب ما يحتاجه جسده، بل ينهمك فى الشرب حتى السكر أى ينغمس فى الاهتمامات المادية.
فى يوم لا يتوقعه وساعة لا يعرفها الموت يأتى فجأة للإنسان، فى وقت لا يتوقعه غير المستعد للملكوت.
يقطعه ينهى حياته.
نصيبه مكافأة حياته.
الخائنين كل وكيل غير أمين هو خائن لسيده، ويعنى بهم الأشرار الذين يلقيهم فى العذاب الأبدى، ويقصد أيضاً بالخائنين الشياطين الذين عصوا الله.
أما إن كان الوكيل غير أمين فى العناية بمن هو مسئول عنهم، سواء حواسه أو أبنائه أو من يخدمهم فى الكنيسة، وذلك لإنهماكه فى شهواته، فلا ينتظر هذا العبد إلا مفاجأة سيده له بأن ينهى حياته، ويلقيه مع الأشرار الخائنين فى العذاب الأبدى.
ويُفهم مما سبق أهمية السهر الروحى بالأمانة فى كل إمكانياتنا التى وهبها الله لنا.
ع47-48: يوضح المسيح درجات فى العقاب والعذاب الأبدى، فمن تمتع بنعمة العهد الجديد وعرف محبة المسيح الفادى، ثم خالف وصاياه، سيعاقب فى الأبدية أكثر من الذى أخطأ نفس الأخطاء ولكنه لم يعرف المسيح.
فمن يعرف أكثر عن الله ويصر على الخطية، يكون عقابه شديداً أما من يعرف قليلاً عن الله أو لا يعلم وصايا الله فضميره هو صوت الله له، فيعاقب ولكن أقل من السابق.
إن كنت قد عرفت طريق المسيح والكنيسة، فتمتع به لئلا إذا أهملته سيكون عقابك مخيفاً.
(6) الإيمان والألم (ع49 – 53):
49- “جئت لألقى نارا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟ 50- ولى صِبْغَةٌ أصطبغها، وكيف أنحصر حتى تُكْمَلَ؟ 51- أتظنون أنى جئت لأعطى سلاما على الأرض؟ كلا أقول لكم، بل انقساما. 52- لأنه يكون من الآن خمسة فى بيت واحد، منقسمين ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة. 53- ينقسم الأب على الابن والابن على الآب، والأم على البنت والبنت على الأم، والحماة على كنتها والكنة على حماتها.”
ع49: ناراً لهيب علم الروح القدس فى أولاده، والتى فى نفس الوقت تظهر شر الأشرار فيقومون على أولاده ويضطهدونهم، فالنار ترمز أيضاً إلى الإضطهادات.
اضطرمت اشتعلت، ويقصد زيادة علم الروح القدس، فيجذب قلوب الكثيرين الذين يضحون بكل شئ لأجله، إذ هو أول من أحتمل هذه النيران فى جسده بموته على الصليب لفداء أولاده، حتى يتعلموا منه ويحملوا صليبهم وراءه.
ع50: الصبغة هى صبغة الألم التى قبلها المسيح منذ تجسده حتى الصليب، ليسير كل أولاده المؤمنين فى نفس الطريق، فيحتملوا الآلام من أجل تطبيق وصاياه، ويسعون بالحب نحو الكل، محتملين أتعاباً كثيرة مثل فاديهم حتى تكمل محبتهم له فينطلقوا إلى فردوس النعيم.
كيف أنحصر أى لا أستطيع إلا أن أتمم الفداء.
تكمل إتمام الفداء.
ع51: ذكر هذا الكلام أيضاً فى (مت10: 34-36).
على مستوى الأسرة، عندما يؤمن بعضها تثور الأفراد الأخرى عليه، ويحتمل المؤمن لأن محبته لله أعظم من محبته للبشر مهما كان قربهم إليه، فيحدث انقسام داخل الأسرة بين المؤمنين وغير المؤمنين سببه شر غير المؤمنين، فلا يكون سلام فى العلاقات داخل الأسرة، ولكن يحتفظ المؤمنون بسلامهم الداخلى فى المسيح يسوع.
ع52-53: الإثنان هما اليهود والأمم، ضد ثلاثة أى المسيحين المؤمنين بالثالوث القدوس.
الأب يرمز للشيطان، الذى يقيم نفسه أباً للعالم ضد إبنه الوثنى الذى صار مسيحياً.
الأم هى مجمع اليهود ضد إبنتها أى الكنيسة المكونة من اليهود المتنصرين.
الحماة ترمز أيضاً إلى مجمع اليهود، ضد كنتها أى الأمم الذين صاروا مسيحيين.
يعطى المسيح مثالاً لأسرة تتكون من خمسة أفراد، فينقسم إثنين على ثلاثة، وبالتفصيل يقوم الأب على إبنه، والأم ضد ابنتها، والحماة ضد كنتها (زوجة إبنها) والعكس صحيح.
هل تتمسك بوصايا الله حتى لو عارضك أهل بيتك؟ وهل تحتمل الألم بفرح من أجل المسيح؟
(7) روح التمييز(ع54 – 59):
54- ثم قال أيضا للجموع: “إذا رأيتم السحاب تطلع من المغارب، فللوقت تقولون إنه يأتى مطر، فيكون هكذا. 55- وإذا رأيتم ريح الجنوب تهب، تقولون إنه سيكون حر، فيكون. 56- يا مراؤون، تعرفون أن تميزوا وجه الأرض والسماء، وأما هذا الزمان، فكيف لا تميزونه؟ 57- ولماذا لا تحكمون بالحق من قِبَلِ نفوسكم؟ 58- حينما تذهب مع خصمك إلى الحاكم، ابْذُِلِ الجهد وأنت فى الطريق، لتتخلص منه، لئلا يجرك إلى القاضى، ويسلمك القاضى إلى الحاكم، فيلقيك الحاكم فى السجن. 59- أقول لك: لا تخرج من هناك حتى توفى الفلس الأخير.”
ع54-55: اعتمد العالم على الزراعة كحرفة أساسية، والزارع اعتاد أن يميز الظواهر الطبيعية المؤثرة على زراعته، مثل الضباب الذى يمطر على النباتات فتنمو، ورياح الجنوب التى تحمل دفئاً يساعد على النمو.
ترمز الأمطار روحياً إلى النعم السمائية، ورياح الجنوب الحارة إلى عمل الروح القدس، وهذا ما تم بتجسد المسيح وفدائه إذ أفاض على البشرية بالخلاص، ووهبهم الروح القدس المجدد لطبيعتهم.
ع56: إن كان الإنسان يفهم تمييز حالة الجو وما ينبئ به، فلماذا لم يفهم اليهود نبوات الأنبياء عن المسيح الذى يرونه أمامهم؟ بالطبع هناك أسباب، وهى كبرياء الإنسان وانغماسه فى الماديات الذى يفقده روح التمييز والحكمة.
ع57: إمتداداً لعدم التمييز، لا يُحاسب الإنسان نفسه على خطاياه ليتوب ويرجع إلى الله، أى يرفض الخضوع للحق الإلهى ويتمادى فى الخطية مبرراً نفسه.
ع58-59: وردت أيضاً فى العظة على الجبل (مت5: 25)
يقدم مثالاً عملياً وهو حدوث نزاع مع خصم، فإن لم تصالحه ستقف أمام القاضى الذى يحكم على خطأك ويسلمك إلى الحاكم الذى يلقيك فى السجن، ولا تخرج منه حتى توفى العدالة حقها بالكمال، فإن كنت قد إغتصبت شيئاً فستوفى أياماً فى السجن مقابل أخر فلس (أصغر عملة نقدية).
وإلى جانب أن هذا يدعونا لفض النزاعات مع الآخرين والإبتعاد عن المحاكم بكل طاقتنا، لكنه يرمز روحياً إلى النزاع مع الله، والخصم هو الوصية أو الضمير أو الروح القدس، والقاضى هو الله الديان فى اليوم الأخير، والحاكم أو الشرطى كما يقول إنجيل متى هم الملائكة الذين يلقون النفس فى السجن أى العذاب الأبدى، وحيث أن خطايانا غير محدودة لأنها موجهة لله غير المحدود، فلن نستطيع أن نوفى أخر فلس بل نظل إلى الأبد فى العذاب. إخضع لوصايا الله ولصوت ضميرك ولعمل الروح القدس، أطع أب إعترافك وتعاليم الكنيسة، وتمسك بحياة التوبة فتخلص فى اليوم الأخير وتتمتع بالملكوت السماوى.