شفاء المستسق– المتكأ الأخير – مثل عشاء السيد وحساب النفقة
- شفاء المستسق (ع1 -6):
1- وإذ جاء إلى بيت أحد رؤساء الفريسيين فى السبت ليأكل خبزا، كانوا يراقبونه. 2- وإذا إنسان مُسْتَسْقٍ كان قدامه. 3- فأجاب يسوع، وكلم الناموسيين والفريسيين، قائلا: “هل يحل الإبراء فى السبت؟” 4- فسكتوا. فأمسكه وأبرأه، وأطلقه. 5- ثم أجابهم وقال: “من منكم يسقط حماره أو ثوره فى بئر، ولا ينشله حالا فى يوم السبت؟” 6- فلم يقدروا أن يجيبوه عن ذلك.
ع1: دعا أحد رؤساء الفريسيين المسيح إلى وليمة فى يوم السبت، وذلك ليس بغرض إكرامه بل ليمسك عليه خطأ فيشكك الشعب فيه أو يثير السلطة عليه، وقبل المسيح الدعوة لأنه لا يخاف من حيلهم، ولينتهز الفرصة لعمل الخير أو تعليمهم الحق؛ فهو يبحث عن خلاص الكل.
لا تنزعج من مكايد المحيطين بك فالله يحميك منهم، واستمر فى صنع الخير والمحبة معهم لأجل المسيح.
ع2: وجد يسوع أمامه شخصاً مريضاً بمرض الاستسقاء، وهو احتجاز كميات من الماء فى الجسم، فينتفخ ولا يستفيد من شرب الماء لأنه لا يصل إلى أعضائه بل يختزن بلا فائدة.
ولعل هذا الإنسان قد سمع بمجئ المسيح فأتى ليشفى.
ع3: الناموسيين: هم المهتمون بتطبيق الناموس، وكانوا حاضرين فى بيت الرئيس الفريسى.
علم المسيح ما فى قلوب الفريسيين والناموسيين من محاولة اصطياد خطأ عليه، فسألهم هل يحل الإبراء فى السبت كعمل خير أم لا، ليعلمهم أن يوم الرب هو تفرغ من الأعمال المادية لنملأه بالعبادة وعمل الخير.
ع4: أمسكه ليعلن شفقته وحنانه عليه.
أطلقه ليعود إلى بيته ويبعده عن توبيخات الفريسيين له بسبب شفائه فى يوم السبت.
عجز الناموسيون عن أن يثبتوا من الناموس فكرهم السئ بعدم عمل الخير فى السبت فصمتوا. ولم يتعطل المسيح بأفكارهم عن عمل الخير، فأمسك بالمريض وشفاه ثم أطلقه متمتعاً بالصحة والحرية من المرض.
ع5-6: أكد لهم المسيح ضرورة عمل الخير فى السبت بدليل أن الناموس يقضى بأنه إذا سقط ثور أحد أو حماره فى حفرة سينشله حتى لا يموت (تث22: 4)، فكم بالأحرى الناس، ينبغى أن نشفق عليهم ونساعدهم فى يوم السبت. وعجوا أيضاً عن الرد عليه لقوة حجته.
(2) المتكأ الأخير (ع7 –11):
7- وقال للمدعوين مثلا، وهو يلاحظ كيف اختاروا المتكآت الأولى، قائلا لهم: 8- “متى دعيت من أحد إلى عرس، فلا تتكئ فى المتكإ الأول لعل، أكرم منك يكون قد دُعِىَ منه، 9- فيأتى الذى دعاك وإياه، ويقول لك: أعط مكانا لهذا. فحينئذ تبتدئ، بخجل، تأخذ الموضع الأخير. 10- بل متى دعيت، فاذهب واتكئ فى الموضع الأخير، حتى إذا جاء الذى دعاك، يقول لك: يا صديق، ارتفع إلى فوق. حينئذ، يكون لك مجد أمام المتكئين معك. 11- لأن كل من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع.”
ع7: كان الفريسيون يشعرون أنهم أفضل من غيرهم، لذلك حرصوا على الجلوس فى موائد الولائم بالأماكن الرئيسية على صدر المائدة. فلكيما يعالج هذا الكبرياء فى كل الناس، والذى قد يكون لاحظه فى عشاء هذا الفريسى الذى استضافه، قال المثال التالى.
ع8-9: إذا دعيت إلى وليمة عرس، فلا تجلس فى أماكن الصدارة لئلا يأتى صاحب العرس ويطلب منك أن تترك هذا المكان لأن إنساناً ذا مركز أفضل قد حضر بعدك، فتخجل وتترك المكان وتذهب إلى مكان أقل شرفاً. فالإنسان إذا ظن أنه أفضل من غيره، سيأتى الرب بالمتضعين ويضعهم فى السماء مكانه، أما هو فيذهب بعيداً عكس ما كان يظن.
ع10: نصح المسيح سامعيه أن يبحث الإنسان عن المتكأ الأخير باتضاع، إذ يشعر أنه أقل من غيره، ولأن المسيح اتضع بتجسده وموته على الصليب. فإن أخذت الموضع الأقل، تجد المسيح بجوارك، أى تشعر بوجوده معك ويملأ قلبك. ولكن إن دعاك صاحب العرس لمكان أفضل، فاشكره ولا مانع من اتخاذ المكان الأفضل، فتقبله كنعمة من الله لا تستحقها.
وبالطبع لا تأخذ المكان الأخير بغرض أن يكرمك صاحب المكان أمام الكل، فيظهر اتضاعك وتنتفخ متكبراً بفضيلة الإتضاع لأن هذا نفاق واتضاع مزيف.
وتقديم صاحب العرس لك إلى مكان أفضل يعنى أن الله يكرمك ويمجدك أمام الخليقة كلها فى يوم الدينونة.
ع11: أعلن المسيح الحقيقة واضحة، وهى أن المتكبر الذى يرفع نفسه يضعه الله إلى أسفل، أما من يسعى إلى الاتضاع، يرفعه الله ويكرمه.
الاتضاع والخفاء فى معاملاتك مع الآخرين ليسا تنازلاً عن مكان أفضل، بل هى حكمة روحية لأنه بعيداً عن العظمة الظاهرة أمام الناس، فتختبر المسيح وتشعر بوجوده معك. فأنت باتضاعك أحكم الناس لأنك تبحث عن أهم شئ وهو عشرة الله التى لا تعطى إلا للمتضعين. ولا تتضايق إن اهملك الناس وشعرت بالوحدة والعزلة، بل أطلب الله وانتهز هذه الفرصة لصلوات وقراءات أكثر، فيستعلن لك الله وتفرح به فرحاً لا يعبر عنه.
(3) إضافة المساكين (ع12 – 14):
12- وقال أيضا للذى دعاه: “إذا صنعت غداء أو عشاء، فلا تَدْعُ اصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، لئلا يدعوك هم أيضا، فتكون لك مكافاة. 13- بل إذا صنعت ضيافة، فادعُ المساكين الجُدْعَ العرج العمى، 14- فيكون لك الطوبى، إذ ليس لهم حتى يُكَافُوكَ، لأنك تُكَافَى فى قيامة الأبرار.”
ع12: وجه المسيح كلامه لمن يقيمون ولائم، أن لا يدعون أحباءهم العظماء حتى يكافئون بولائم مماثلة فى بيوتهم، وبهذا تصبح الولائم تجارة، إذ يأخذون مقابل ما يعطون، وليس فيها أى عطاء للمحتاجين. ولا تكون الولائم أيضاً فرصة للتفاخر بكثرة الأطعمة وترتيبات الوليمة، فالذى يعمل هذا ينال أيضاً أجره، وهو مديح الناس، وليس له أجر عند الله.
ولكن ليس معنى هذا أن ولائم المحبة للأقارب والأصدقاء مرفوضة، إن كان غرضها هو المحبة والترابط والإحساس بوجود الله وسطهم.
ع13-14: الجدُع: من قطعت أنفهم أو أحد أطرافهم، فهم مشوهون ومعوقون عن الأعمال العادية، وبالتالى فقراء.
قيامة الأبرار أى اليوم الأخير حيث يكافأ الأبرار فى ملكوت السموات، ويُطرح الأشرار فى العذاب الأبدى.
نصح المسيح بإضافة المساكين سواء الضعفاء والمشوهين (الجدُع) أو العرج والعمى، وكل إنسان يبدو فقيراً أو أقل مقاما فى المجتمع، فهؤلاء غير قادرين على عمل ولائم مماثلة، وبهذا تكون وليمتك محبة بلا مقابل، فيعوضك الله عنها بالأجر السمائى، أى يكرمك ويضيفك فى ملكوت السموات.
اهتم بالعطاء دون مقابل، أى لا ترجُ مقابل من كل من حولك فالأجر السمائى أفضل من كل مقابل أرضى. واخدم ليس فقط الفقراء مادياً، بل بالأحرى الضعفاء والمشوهين روحياً بكثرة الخطايا، والعرج الذين لا يستطيعون السير فى طريق الملكوت، والعمى الذين لا يبصرون الله لإنهماكهم فى شهوات العالم.
(4) العشاء والمدعوين (ع15 – 24):
15- فلما سمع ذلك واحد من المتكئين، قال له: “طوبى لمـن يأكـل خبزا فى ملكوت الله.” 16- فقال له: “إنسان صنع عشاءً عظيما، ودعا كثيرين. 17- وأرسل عبده فى ساعة العشاء ليقول للمدعوين: “تَعَاَلْوا، لأن كل شىء قد أعد. 18- فابتدأ الجميع برأى واحد يستعفون، قال له الأول: إنى اشتريت حقلا، وأنا مضطر أن أخرج وأنظره. أسألك أن تعفينى. 19- وقال آخر: إنى اشتريت خمسة أزواج بقر، وأنا ماض لأمتحنها. أسألك أن تعفينى. 20- وقال آخر: إنى تزوجت بامرأة، فلذلك لا أقدر أن أجىء. 21- فأتى ذلك العبد وأخبر سيده بذلك. حينئذ، غضب رب البيت، وقال لعبده: اخرج عاجلا إلى شوارع المدينة وأزقّتها، وأدخل إلى هنا المساكين والجدع والعرج والعمى.” 22- فقال العبد: “يا سيد، قد صار كما أمرتَ، ويوجد أيضا مكان.” 23- فقال السيد للعبد: “اخرج إلى الطرق والسياجات، وألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتى. 24- لأنى أقول لكم، إنه ليس واحد من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشائى.”
ع15: يبدو أن واحداً من الفريسيين أو اليهود قد فرح بكلام المسيح عن المكافأة السمائية لمن يضيف المساكين، فمدح من يأكل طعاماً فى ملكوت السموات، لأن فكرته عن السماء كانت مادية، إذ يظن أن هناك أكلا وشربا مثلما فى العالم.
ع16: دعا قبول الدعوة هو الاستعداد للحياة مع الله وليس هو الحياة نفسها، بدليل أن كثيرين قد قبلوا الدعوة ولكن فى وقت التنفيذ رفضوا لأسباب كثيرة كما يحدث اليوم، إذ يعلن كثيرون إيمانهم نظرياً ولكن عند التطبيق العملى فى عبادة الله ومحبة الآخرين يعتذرون بأسباب مختلفة.
أعطى المسيح بهذه المناسبة مثلاً عن الاستعداد للملكوت السماوى، وهو أن إنساناً صنع عشاءً، ودعا إليه كثيرين.
هذا الإنسان يرمز إلى الله، وقد صنع عشاءً بموته على الصليب، وتقديم جسده ودمه على المذبح كل يوم فى الكنيسة، الذى هو عربون الوليمة السمائية الروحية التى يهبها لأولاده فى السماء. ودعا كثيرين، فهو مات لفداء العالم كله فهو “الذى يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تى2: 4).
ع17: عبده: أى المسيح الذى أخذ صورة العبد بتجسده، وأتى يدعو البشر لوليمة جسده ودمه الأقدسين التى يتممها على الصليب. كما يرمز العبد أيضاً للرسل الذين يدعون الناس إلى الكنيسة والإستعداد للملكوت.
كل شئ قد أعد الكنيسة مفتوحة وفيها جسد الرب ودمه، وتنتظر المؤمنين ليتحدوا به.
ع18-20: الجميع يقصد أغلب المدعويين أولاً، وهم اليهود شعب الله.
برأى واحد: اتفقوا على إهمال الإيمان بالمسيح منشغلين بالماديات والكرامة.
خمسة أزواج بقر ترمز للخمسة حواس أى الشهوات الحسية.
عند دعوة المدعويين اعتذروا عن الحضور، فالله يدعونا للتوبة مرات كثيرة ونحن نرفض.
وكانت الأعذار سخيفة جداً، فالأول اعتذر لأنه قد اشترى حقلاً ويريد أن ينظره، مع أن فحص الحقول لا يكون ليلاً وقت العشاء.
وهذا الأول يرمز للمنهمكين فى الأرضيات ومحبة القنية.
أما الثانى، فاعتذر لشرائه خمسة أزواج بقر ويريد أن يمتحنها. وهذا أيضاً لا يتم وقت العشاء بل فى النهار، وهو يرمز للمنشغلين بالشهوات الجسدية.
أما الثالث، فاعتذر لزواجه. وهو يرمز للمنشغلين بالعالم وارتباطاته.
وهؤلاء الثلاثة يشيرون لمن يرفضون الله من اليهود لأن الله دعاهم أولاً فرفضوا، ثم دعا بعد ذلك الأمم.
إفحص الأعذار التى تقولها لنفسك لتبرر ابتعادك عن الكنيسة والصلوات والخدمة، لئلا تكون سخيفة وتفقدك الملكوت.
ع21: غضب الله، صاحب العشاء، لرفض الفريسيين والكهنة ورؤساء اليهود دعوته للخلاص، وأرسل يدعو عامة اليهود المساكين والبسطاء، وكذا الأمم إلى ملكوته، وجمعهم من أماكنهم الحقيرة فى الشوارع والأزقة ليرفعهم بحبه إلى السماء.
ع22: فعل العبيد، أى الرسل، كما أمرهم الله، ودخل الكثيرون من اليهود البسطاء والأمم إلى الإيمان، فأخبر الرسل الله بكل خدمتهم وبأنه يوجد مكان أيضاً فى الملكوت، أى أن دم المسيح مقدم لخلاص الكل إن آمنوا.
ع23-24: الطرق والسياجات أماكن خارج المدن وترمز للأمم البعيدين.
حتى يمتلئ بيتى لأن الله يفرح بقبول كل المؤمنين فى ملكوته.
ليس واحد من أولئك الرجال المدعوين السابق دعوتهم فى بداية المثل، ورفضوا الحضور للعشاء أى الحياة مع الله على الأرض، فهؤلاء ليس لهم مكان فى ملكوت السموات.
أرسل الله خدامه مرة ثانية ليلزموا المساكن البعيدين عن الله، أى يشجعوهم ويسندوهم بقوة، إذ من فرط ضعفهم وقعوا فى اليأس ومحتاجين للمساندة، فهو يطلب خلاص كل البعيدين الذين لا يعرفون الطريق إلى الملكوت، أما العارفين الرافضين فالله يؤكد أنه لن يدخلهم إلى ملكوته. فالله يشفق على الضعفاء والخطاة، يبحث عنهم ويسندهم ويدفعهم فى طريق الملكوت، ولكنه يكره العناد والأستهتار واستباحة الخطية.
(5) حساب النفقة (ع25 – 35):
ذكر بداية هذا الحديث فى (مت10: 37-38)
25- وكان جموع كثيرة سائرين معه، فالتفت وقال لهم: 26- “إن كان أحد يأتى إلىَّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضا، فلا يقدر أن يكون لى تلمـيذا. 27- ومن لا يحمل صليبه ويأتى ورائى، فلا يقدر أن يكون لى تلميذا. 28- ومن منكم، وهو يريد أن يبنى برجا، لا يجلس أولا ويحسب النفقة، هل عنده ما يلزم لكماله؟ 29- لئلا يضعَ الأساس ولا يقدرْ أن يُكَمِّلَ. فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به. 30- قائلين: هذا الإنسان ابتدأ يبنى ولم يقدر أن يُكَمِّلَ. 31- وأى ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر فى حرب، لا يجلس أولا ويتشاور: هل يستطيع أن يلاقى بعشرة آلاف الذى يأتى عليه بعشرين ألفا؟ 32- وإلا، فما دام ذلك بعيدا، يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح. 33- فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله، لا يقدر أن يكون لى تلميذا. 34- الملح جيد. ولكن، إذا فسد الملح، فبماذا يُصْلَحُ؟ 35- لا يَصْلُحُ لأرض ولا لمزبلة، فيطرحونه خارجا، من له أذنان للسمع فليسمع.”
ع25-26: جموع كثيرة سائرين كان المسيح فى طريقه من الجليل إلى أورشليم، فكان أهل المدن والقرى يخرجون إليه ويتبعونه لسماع تعاليمه وشفاء أمراضهم.
لكيما يقاوم المسيح السطحية فى حياة تابعيه، وضع شروطاً للخلاص وطالبنا أن نراجع أنفسنا عليها، فهى نفقات الحصول على الخلاص. فبالرغم أن الخلاص مجانى بدم المسيح، لكن لا يهبه إلإ للمجاهدين الروحيين. وأول شرط فى الجهاد الروحى هو أن نحب الله من كل القلب، ونحب أقاربنا وأحباءنا الذين وهبهم الله لنا، ولكن إن كانت محبتنا لأحد أو لأنفسنا تعطلنا عن الله فلنبغضها ونرفضها. فنحب الناس وأنفسنا من خلال الله ومن أجل الله الذى وهبنا إياها.
ع27: الشرط الثانى فى الجهاد الروحى هو حمل الصليب، أى احتمال الآلام لأجل التمسك بالإيمان، وكذلك جهاد العبادة الروحية والخدمة وبهذا نصير تلاميذ المسيح.
ع28-30: أعطى المسيح مثالاً فى حساب النفقة، وهو إن إنساناً يريد أن يبنى برجاً فيحسب هل يملك تكاليف البناء، لئلا يضع الأساس ولا يستطيع استكمال البناء، فيهزأ به الناس لأنه أضاع أمواله عبثاً ولم يصل إلى شئ.
فالإنسان الروحى الذى يريد أن يبنى برجاً، أى علاقة روحية تربطه بالسماء، ينبغى أن يضع الأساس وهو الإيمان بالمسيح، ويكون له استعداد للجهاد فى الصلوات والأصوام والتمسك بالوصايا والتوبة بانسحاق، حينئذ لا تهزأ به الشياطين أعداؤه.
فمن يريد أن يتبع المسيح، يسأل نفسه هل هو مستعد ألا ينشغل بمحبة نفسه والتعلق بالآخرين، وكذلك هل مستعد للتجرد واحتمال الآلام لأجل الإيمان؟!
إن كان كذلك، فليتقدم بالثقة فى الحياة الروحية، ولكن من يتأثر بكلام المسيح ولكن قلبه متعلق بمحبة العالم والتعلقات العاطفية التى تشغله عن الله، لن يستيطع استكمال طريقة مع الله. فدعوة المسيح لحساب النفقة ليس تخويفاً لتابعيه من صعوبة الطريق، لكن ليدفعهم حتى يستعدوا بوضعه هدفاً وحيداً لهم والإرتباط بمحبته، فيضمنوا الوصول للملكوت والتمتع بعشرته المفرحة دائماً.
ع31-32: المثل الآخر فى حساب النفقة هو ملك له جيش مكون من عشرة آلاف جندى، سيحارب آخر قوامه عشرون ألف جندى، فينبغى أن يفكر أولاً هل له إمكانيات الإنتصار أم يعقد صلحاً حتى لا يتعرض للهزيمة والموت. والمقصود أن هذا الملك المحارب ينبغى أن يفحص قوته، هل هو قادر على مواجهة جيش الأعداء؟ وكذلك أيضاً من يريد أن يسير مع الله ليفحص استعداده لترك تعلقه بالماديات والبشر من أجل الله، حتى ينجح فى الإنتصار على كل شهواته وظروف الحياة المعاكسة ويضمن بالتالى الوصول للملكوت.
ويرمز اللملك المحارب ذو العشرة آلاف جندى إلى الإنسان الروحى، وعدد عشرة يشير للوصايا، والألف للسماء. فالإنسان الروحى يحارب بوصايا الله والتعلق بالأبدية، أما العدو وهو الشيطان فيحارب بعشرين، وهى حرب تنقسم إلى قسمين: القسم الأول ويرمز إليه بعشرة أى حرب كاملة تتمثل فى الضربات اليمينية وهى المبالغة فى العبادة وعمل الخير بغرض الكبرياء، والقسم الثانى ويرمز إليه بالعشرة الثانية أى حرب كاملة أيضاً تتمثل فى الضربات اليسارية التى هى جميع أنواع الخطايا والشهوات.
فإن شعر الإنسان إنه ضعيف، ينبغى أن يتصالح مع الله ليكون هو قوته فيغلب الشياطين، فهو يرسل شفاعة القديسين، أى السفارة، ويتوب عن خطاياه فيصطلح مع الله.
ويمكن أيضاً أن يرمز الملك المحارب بالعشرة آلاف إلى الروح، والملك العدو الذى له عشرين ألف يرمز للجسد، فيفحص الإنسان نفسه هل الروح قوية وقادرة أن تنتصر على الجسد وتقوده فى طريق الحياة الروحية، وإلا يرسل سفاره أى يستشير أب إعتراف ويتصالح مع جسده بأخذ تداريب روحية أقل يستطيع الجسد احتمالها، ثم بالتدريج ينمو فى جهاده وتداريبه الروحية والروح والجسد متفقان ومتصالحان فى طريق الملكوت.
ع33: يضع المسيح الشرط الثالث فى الجهاد الروحى، وهو الإعتماد على الله وليس أموال العالم، فيتجرد منها الإنسان الروحى ويعطيها للمحتاجين، ولا ينزعج إذا خسر شيئاً منها.
ع34-35: أذنان يقصد أن يسمع بكلتى أذنيه، أى بكل إهتمام، ويقصد أيضاً بالأذنين الأذن الخارجية والأذن الداخلية فى القلب أى الفهم الروحى، ويعنى سماع كلامه وفهمه وتطبيقه فى الحياة.
الملح يحفظ الطعام من الفساد ويعطيه مذاقاً حسناً، كذلك أبناء الله مسئولون عن إعلان الحق وعمل الخير وحفظ وصايا الله، ولكن إن فسد الملح (أولاد الله) بإختلاطه بالعالم والشهوات ورفض حمل الصليب وكل جهاد روحى، سيفقد ملوحته وكل مميزاته، وحينئذ يكون بلا نفع فيُلقى فى العذاب الأبدى، أى يُدان أولاد الله الذين تركوا حياتهم الروحية وانهمكوا فى العالم فتكون دينونتهم أصعب.
إن كان الله قد كشف لنا شروط الخلاص، فينبغى أن نجاهد فيها واثقين من محبته التى تسندنا وتهبنا الملكوت.