دعوة الرسل والعظة على الجبل
(1) المسيح رب السبت (ع1 -5):
ذكرت هذه الحادثة أيضا فى (مت12: 1- 8؛ مر2: 23- 28)
1- وفى السبت الثانى بعد الأول، اجتاز بين الزروع، وكان تلاميذه يقطفون السنابل ويأكلون وهم يفركونها بايديهم. 2- فقال لهم قوم من الفريسيين: “لماذا تفعلون ما لا يحل فعله فى السـبوت؟” 3- فأجاب يسوع وقال لهم: “أما قرأتم، ولا هذا الذى فعله داود حين جاع هو والذين كانوا معـه، 4- كيف دخل بيت الله، وأخذ خبز التقدمة وأكل وأعطى الذين معه أيضا، الذى لا يحل أكله إلا للكهنة فقط؟” 5- وقال لهم: “إن ابن الإنسان هو رب السبت أيضا.”
ع1: السبت الثانى وهو على الأرجح السبت التالى لعيد الفصح، وكان يوماً معتبراً عند اليهود.
فيما كان المسيح وتلاميذه يجتازون فى الحقول،جاعوا فأخذوا بعض السنابل الخضراء وفركوها بين أيديهم وأكلوا.
ع2: أعترض الفريسيون على التلاميذ لأنهم كسروا قوانين السبت، التى وضعها شيوخ اليهود وليست الشريعة الأصلية، إذ منعوا فى تفسيرهم للسبت عملية الحصاد والتذرية، فاعتبر الفريسيون قطف السنابل عملية حصاد وفركها عملية تذرية. ومن هذا يظهر محاولتهم اصطياد خطأ وتشدد فى إدانة المسيح وتلاميذه.
لا تبحث كيف تدين الآخرين، بل التمس الأعذار لهم.
ع3-4: رد المسيح على الفريسين بحادثة مذكورة عن داود ملكهم العظيم (1صم21: 1-6)،كيف عندما جاع اضطر هو وكل من معه أن يأكلوا من خبز التقدمة أى خبز الوجوه، الذى لا يحل أكله إلا للكهنة، ليؤكد أن الضرورة لها وضع خاص وأن الشريعة وُضعت للإنسان لتفيده لا لتضره. فتفرغ الإنسان للعمل الروحى فى يوم السبت، ليس معناه أن يسقط خائراً من الجوع عندما لا يجد طعاماً إلا بعض السنابل التى فى أطراف الحقل والمسموح بأكلها للفقراء والمسافرين.
إهتم أن تسلك بالروح لا بالحرف فى تنفيذ جميع الوصايا لتقترب من الله وتشعر بعشرته.
ع5: ثم أعلن لهم عن نفسه أنه إبن الإنسان، مؤكداً ناسوته وهو الإله المتأنس واضع شريعة العهد القديم، وهو رب داود ورب السبت الذى من سلطانه أن يسمح فى حالات خاصة بأعمال صغيرة فى السبت مثل هذه، كما سمح داود بسلطانه لمن معه أن يأكلوا خبز التقدمة. وهذا تأكيد للاهوته وناسوته.
(2) شفاء اليد اليابسة (ع6 –11):
ذكرت هذه المعجزة أيضا فى (مت12: 9- 14؛ مر3: 1- 6).
6- وفى سبت آخر، دخل المجمع وصار يُعلّم، وكان هناك رجل يده اليمنى يابسة. 7- وكان الكتبة والفريسيون يراقبونه، هل يشفى فى السبت؟ لكى يجدوا عليه شكاية. 8- أما هو، فعلم أفكارهم، وقال للرجل الذى يده يابسة: “قم وقف فى الوسط.” فقام ووقف. 9- ثم قال لهم يسوع: “أسألكم شيئا، هل يحل فى السبت فعل الخير أو فعل الشر، تخليص نفس أو إهلاكها؟” 10- ثم نظر حوله إلى جميعهم، وقال للرجل: “مد يدك.” ففعل هكذا، فعادت يده صحيحة كالأخرى. 11- فامتلاوا حمقا، وصاروا يتكالمون فيما بينهم، ماذا يفعلون بيسوع؟
ع6-7: استمر المسيح فى تعاليمه الروحية بمجامع اليهود فى أيام السبوت، وكان حاضراً رجل يده اليمنى ضامرة ويابسة أى أعصابها ميتة. واليد تشير للحركة والعمل خاصة اليمنى، فهو يرمز لعجز اليهود عن العمل الروحى وقد أتى المسيح ليشفى عجزهم. أما الفريسيون، فلشرهم، راقبوا المسيح حتى يصطادوا عليه خطأ بحسب تفكيرهم، وهو شفاء هذا الرجل فى يوم السبت المحرم فيه العمل، إذ كانوا يعتبرون الشفاء ممارسة لعمل الطب والمحرم على الطبيب القيام به فى يوم السبت.
ع8: لأن المسيح هو الله، فقد علم أفكار الفريسيين دون أن يعلنوها. ولم يخف المسيح من شرهم، بل فى شجاعة بادر لعمل الخير بأقامة المريض فى وسط المجمع ليظهر ضعفه وحاجته للشفاء، ولكن قلوب الفريسيين القاسية لم تتحرك للعطف عليه.
هل تسرع لعمل الخير مهما قاومك الأشرار؟ ثق أن الخير أقوى من الشر، وإستمر فيه حتى لا تضيع جهدك فى الانزعاج من شرور الآخرين أو مبادلتهم شرهم بشر.
ع9: ناقـش المسيح الفريسيين ليهديهم إلى الحق، متسائلاً ماذا يليق بيوم الرب عندهم، وهو السبت، فعل الخير أى شفاء هذا المريض، أم فعل الشر وهو تفكيرهم الحاقد الذى يحاولون به إيجاد شكاية عليه.
ويقصد المسيح بشفاء المريض تخليص نفسه وليس فقط شفاءه، فعندما يُشفى يؤمن ويشكر الله ويبدأ فى عمل الخير بتحرك يده، ولكن إن تركه ولم يشفه يظل بضعفه الجسدى ولا يعرف المسيح الذى يجد فيه خلاصه.
ع10: نظر إليهم يسوع منتظراً إجابة فسكت الجميع لعجزهم عن الرد، ثم أمر فشفى المريض. وهذه تعتبر معجزة خلق، إذ خلق أعصاباً حية، فتحولت اليد الضامرة إلى يد طبيعية تستطيع العمل.
ع11: رغم وضوح المعجزة التى تدعو الكل لتمجيد الله، سيطر الشر على قلوب الفريسيين، فصاروا فى جهل يبحثون كيف يتخلصون من المسيح.
إذا ملأ الشر قلب إنسان يدفعه لإيذاء غيره، وإذ يظن نفسه حكيماً يكون فى منتهى الجهل. فإذا اضطرب قلبك وغضبت، توقف لتتوب أولاً قبل أن تعمل شيئاً.
(3) دعوة الرسل (ع12 – 16):
ذكرت أيضا فى (مت10: 1- 4؛ مر3: 13- 19).
12- وفى تلك الأيام، خرج إلى الجبل ليصَلّى، وقضى الليل كله فى الصلاة لله. 13- ولما كان النهار، دعا تلاميذه، واختار منهم اثْنَىْ عَشَرَ، الذين سماهم أيضا رسلا. 14- سِمعان الذى سماه أيضا بطرس واندراوس أخاه، يعقوب ويوحنا، فيلبس وبرثولماوس، 15- متى وتوما، يعقوب بْنَ حَلْفَى وسِمعان الذى يدعى الغيور، 16- يهوذا أخا يعقوب، ويهوذا الإسخريوطىَّ الذى صار مُسَلَّمًا أيضا.
ع12: تظهر هنا محبة المسيح للخلوة والصلاة، فصعد الجبل منفرداً ليبتعد عن الناس ويتمتع بالصلاة. وهو كإنسان محتاج للصلاة كما يحتاج للطعام، فهو ليس فقط إلهاً بل إنسانا أيضاً فى آن واحد.
وصعوده للجبل يرمز للارتفاع عن الأرضيات والتفكير فى السمائيات. وقد أخذت الكنيسة طقس السهر طوال الليل من المسيح، كما فى تسبحة نصف الليل وليلة سبت النور وفى سيامة الرتب الكهنوتية والرهبان.
ع13: بعد الصلاة طوال الليل بدأ النهار فالتقى بتلاميذه وكان عددهم كبيراً، فاختار منهم إثنى عشر ليكونوا تلاميذا خصوصيين له أكثر من الباقيين، وسماهم رسلاً لأنه سيرسلهم إلى العالم للتبشير بخلاصه.
وواضح هنا إهتمام المسيح بالصلاة قبل الأعمال الهامة والقرارات الكبيرة، ليكون هذا قانوناً لنا فى حياتنا ألا نأخذ قراراً هاماً إلا بعد فترة صلاة كافية.
وكذلك تظهر طريقة الدعوة للخدمة، فلابد أن تكون من الله شخصياً وليس من الإنسان نفسه، أى تختار الكنيسة خدامها ولا يدعو أحداً نفسه من نفسه خادماً.
ع14-16: يلاحظ فى دعوة الإثنى عشر أنه دعاهم إثنين إثنين، وعدد إثنين يظهر أهمية المشاركة، والتعاون فى الخدمة. وغير أسماء بعضهم، وعموماً فأسمائهم لها معانى جميلة وهى:
بطرس = صخرة. أندراوس= الشجاع. يعقوب= المثابر يوحنا= الله حنان
فيلبس= فم المصباح أى المنير. برثولماوس (المدعو نثنائيل فى يو1) = ابن الحارث أى المتعمق.
متى (المدعو لاوى)= عطية. توما= التوأم أى الملتصق. سمعان= السميع.
يهوذا أخا يعقوب بن حلفى (ويدعى تداوس) = يحمد ويشكر.
الأسخريوطى= لقب معناه “رجل من قريوت” وهى القرية التى نشأ فيها يهوذا الخائن
(4) اللقاء بالجموع (ع17 – 19):
ذكرت أيضا فى (مت 3: 11، 12؛ مر1: 7، 8).
17- ونزل معهم، ووقف فى موضع سهل، هو وجمع من تلاميذه وجمهور كثير من الشعب من جميع اليهودية وأورشليم وساحل صور وصيداء، الذين جاءوا ليسمعوه وَيُشْفَوْا من أمراضهم. 18- والمعذبون من أرواح نجسة، وكانوا يبرأون. 19- وكل الجمع طلبوا أن يلمسوه، لأن قوة كانت تخرج منه وتشفى الجميع.
ع17-18: بعد تعيين تلاميذه نزل من الجبل إلى سهل وهو غالباً سفح الجبل، فالمسيح ينزل إلى ضعفنا ليصعدنا إليه، وكان حوله ثلاث فئات هى:
- تلاميذه، ويشملوا الإثنى عشر والباقين الذين أختار منهم فيما بعد سبعين رسولاً.
- جمهور من المحبين لسماع تعاليمه.
- كثيرون من المرضى ومعارفهم، وكذا الذين عليهم أرواح نجسة.
ويُلاحظ أن المجتمعين حوله كانوا من اليهود والأمم (ساحل صور وصيدا)، فقد أتى المسيح لخلاص العالم كله.
وعلمهم تعاليم كثيرة ثم شفا مرضاهم. وشفاء الأمراض كان حناناً منه ولجذبهم إلى الإيمان.
ولكن للأسف، كثيرون حتى الآن علاقتهم بالله نفعية مبينة على الاستفادة من قوته فى شفاء أمراضهم وسد إحتياجاتهم.
ليت علاقتك بالله تُبنى على محبتك وبنوتك له وكذا صداقتك مع القديسين لتقتدى بهم، وليس مجرد سد إحتياجاتك وحل مشاكلك.
ع19: كان شفاء المرضى يتم بلمس المسيح لهم فتخرج قوة تشفيهم، ولم يكتفِِ أن يأمر بشفائهم، لأنهم بشر ويحتاجون إلى شئ ملموس مصاحب للعمل الروحى. من أجل ذلك وضع الله لنا فى الكنيسة الأسرار المقدسة، وهى عمل للروح القدس تحت شكل ملموس، لأننا فى الجسد ونحتاج للروحيات من خلال صورة مادية.
(5) التطويبات الأربعة (ع20-23):
20- ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال: “طوباكم أيها المساكين، لأن لكم ملكوت الله. 21- طوباكم أيها الجياع الآن، لأنكم تُشْبَعُونَ. طوباكم أيها الباكون الآن، لأنكم ستضحكون. 22- طوباكم إذا أبغضكم الناس، وإذا أفرزوكم وعيّروكم وأخرجوا اسمكم كشرير من أجل ابن الإنسان. 23- افرحوا فى ذلك اليوم وتهللوا، فهوذا أجركم عظيم فى السماء، لأن آباءهم هكذا كانوا يفعلون بالأنبياء.
ع20: هذه هى أشهر عظات المسيح والتى ذكرها متى البشير فى (مت5-7) بتفصيل أكبر. يوجهها لوقا إلى التلاميذ، ولكنها موجهة لكل المؤمنين.
وكلمة طوبى معناها سعادة أو غبطة. ومن ينال هذه السعادة هو من يظنه الناس بعيداً عنها لمظهره الضعيف. وأول هذه الفئات المطوبة هم المساكين، ويصفهم متى بأنهم المساكين بالروح، أى المتضعين ولأجل إتضاعهم تفيض عليهم مراحم الله ويهبهم ملكوته السماوى، الذى سعادته لا يعبر عنها.
ع21: الجياع هم المشتاقون للبر والحياة الصالحة، هؤلاء يشبعهم الله بمعرفته وعشرته فيمتلئوا بكل فضيلة.
خى
والباكـون هم من يبكون على خطاياهم أى التائبين، هؤلاء يغفر لهم الله خطاياهم فينالوا الفرح الحقيقى، ويضحكون من قلوبهم أى يبتهجون.
ع22-23: احتمال كراهية ورفض وتعيير الناس واتهامهم لنا زوراً بالشر، يكافئنا الله عليه بالأفراح السمائية. ولا نضطرب لأن إبليس فى كل زمان يثير الأشرار ضد أولاد الله كما كان يفعل اليهود بأنبياء الله فى العهد القديم، فيضربونهم ويشتمونهم بل ويقتلونهم.
اتضع متذكراً خطاياك فى توبة، فتتحرك أشواقك إلى الله، وحينئذ تستهين بكل ألم لأجله ناظراً إلى أمجاد الأبدية واثقاً من معونته وتعزيته لقلبك.
(6) الويلات الأربعة (ع24 – 26):
24- ولكن، ويل لكم أيها الأغنياء، لأنكم قد نِلْتُمْ عزاءكم. 25- ويل لكم أيها الشّباعَى، لأنكم ستجوعون. ويل لكم أيها الضاحكون الآن، لأنكم ستحزنون وتبكون. 26- ويل لكم إذا قال فيكم جميع الناس حسنا، لأنه هكذا كان آباؤهم يفعلون بالأنبياء الكذبة.
ع24: يُقصد هنا الأغنياء المتكلون على أموالهم والمتعلقون بها، فأنهم استوفوا لذتهم بهذه الماديات الزائلة، وليس لهم نصيب فى أمجاد السماء لأنهم أهملوها.
ع25: المنهمكون فى شهوات العالم سيجوعون فى الأبدية إلى التمتع بالله ولن يجدوا.
والعابثون فى ضحك وهزء هذا العالم مستهترين منغمسين فى الخطايا، سيندمون فى النهاية حينما يُلقون فى الجحيم بحزن لا ينتهى.
ع26: بعد أن تحدث فى الويلات السابقة إلى الجموع، التى تحوى الفريسيين وكل البعيدين عن معرفة الله، يوجه حديثه هنا إلى تلاميذه وكل المؤمنين به، محذراً إياهم من خطية محبة المديح لأنها تحتاج بالضرورة إلى النفاق لإرضاء الناس جميعاً ونوال مديحهم، كما كان الأنبياء الكذبة فى العهد القديم يعطون أخباراً كاذبة بحسب رغبة السامعين لينالوا مدحهم وعطاياهم.
ليكن لك ضمير نقى فتعلن صوت الله لمن حولك، طالباً مجد الله وليس راحتك الشخصية.
(7) المحبة الباذلة (ع27-31):
27- “لكنى أقول لكم أيها السامعون: أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، 28- باركوا لاعنيكم، وصَلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم. 29- من ضربك على خدك، فاعرض له الآخر أيضا. ومن أخذ رداءك، فلا تمنعه ثوبك أيضا. 30- وكل من سألك فأعطه، ومن أخذ الذى لك، فلا تطالبه. 31- وكما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم أيضا بهم هكذا.
ع27-28: يقدم المسيح الصفة الأساسية للمسيحيين، وهى المحبة للجميع حتى الأعداء والمسيئين. وهى لا تقتصر على القلب المنفتح على الآخرين، بل تتعداه إلى أفعال إيجابية سواء أمام الله مثل الصلاة، أو أمام الأعداء مثل مباركتهم بكلمات طيبة، أو تقديم أعمال خير وإحسان لهم. إذ نشعر أن من يبغضنا هو أخ حبيب تعرض لضغوط من إبليس، وبمحبتنا نساعده، فيعود لوضعه الطبيعى أى يحبنا.
اشفق علي من يسئ إليك، وقدم له محبة ولو على الأقل صلاة من أجله.
ع29-30: يقدم المسيح أمثلة عملية لمحبة المسيئين مثل التسامح وإحتمال الإهانات لمن يتعدى علينا بالضرب والإهانة. ثم العطاء لمن يغتصب أموالنا، فلا نقتصر على ترك ما إغتصبه بل نعطيه أيضاً محبة أكثر مثل إعطاء الثوب الداخلى وليس فقط ترك الرداء الخارجى الذى أُغتصب. والخلاصة اعتبار الكل محتاجين والعطاء للجميع، فالمغتصب والعدو محتاج لمحبتنا ونعطيه أكثر مما يطلب لأننا غير متعلقين بالماديات، ويهمنا كسب النفوس بالمحبة.
ع31: تسهيلاً على السامعين الذين شعروا بصعوبة هذه المحبة، قال لهم أنتم تتمنون أن يعاملكم الناس بالمحبة الباذلة فبادروا بها نحوهم.
فكر فى كل تعامل مع الآخرين لو كنت مكانهم، كيف تريد أن يعاملوك؟
(8) محبة بلا مقابل (ع32-36):
32- وإن أحببتم الذين يحبونكم، فأى فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضا يحبون الذين يحبونهم. 33- وإذا أحسنتم إلى الذين يحسنون إليكم، فأى فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضا يفعلون هكذا. 34- وإن أقرضتم الذين ترجون أن تستردوا منهم، فأى فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضا يقرضون الخطاة لكى يستردوا منهم المثل. 35- بل أحبوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئا، فيكون أجركم عظيما، وتكونوا بنى العلىِّ، فإنه منعم على غير الشاكرين والأشرار. 36- فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم.
ع32-34: يقدم المسيح هنا حقيقة، وهى أن الشئ الطبيعى أن يحب الإنسان أصدقاءه وأحباءه الذين يحبونه، وهذا ما يفعله أيضاً الخطاة. وإقراض الآخرين وإسترداد كل شئ منهم أيضاً أمر لا يفوق التعامل البشرى الطبيعى، ولكن يقدم المسيح المحبة الحقيقية، وهى تعلو عن المحبة البشرية… محبة الأعداء والمسيئين، وبهذا نثبت أننا أولاد الله الذى هو محبة.
ع35-36: فإن كنا أبناء الله فى المحبة، نتمثل به فى أنعامه ورحمته على المتذمرين عليه. فنقدم الرحمة للكل مثل الله أبونا، وننظر بروح الأبوة والأمومة لكل من حولنا مهما كانوا ضدنا.
تأمل رحمة الله لك فى حياتك الماضية، فيدفعك هذا إلى عمل الرحمة مع الكل.
(9) بركات المحبة (ع37-42):
37- ولا تدينوا فلا تدانوا. لا تقضوا على أحـد فلا يقضـى عليكم، اغفروا يغفر لكـم. 38- أعطوا تُعْطَوْا، كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون فى أحضانكم، لأنه بنفس الكيل الذى به تكيلون يكال لكم.” 39- وضرب لهم مثلا: “هل يقدر أعمى أن يقود أعمى، أما يسقط الاثنان فى حفرة؟ 40- ليس التلميذ أفضل من معلمه، بل كل من صار كاملا يكون مثل معلمه. 41- لماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك، وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها؟ 42- أَوْ كيف تقدر أن تقول لأخيك: يا أخى، دعنى أخرج القذى الذى فى عينك، وأنت لا تنظر الخشبة التى فى عينك؟ يا مرائى، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى الذى فى عين أخيك.
ع37-38: يشجعنا المسيح على المحبة ببركاتها التى ننالها، فإذا سامحنا الآخرين وغفرنا لهم سيفغر لنا الله، وإذا أعطينا عطايا مادية وروحية سيعطينا الله أكثر. ويشبه عطايا الله الفائضة بكيل الحبوب الذى كان يُستخدم قديماً، ويتصف هذا الكيل بكونه جيداً ليس فى قاعه أى زوائد حتى يسع أكثر ما يمكن، ويكون ملبداً أى تضغط الحبوب داخله لتوضع فيه أكبر كمية، وكذلك مهزوزًا لملء كل الفراغات الداخلية، وفائضاً أى إذا وضع عليه أى كمية تسقط لأنه قد امتلأ تماماً. ثم يستقبل الإنسان هذه الحبوب فى جلبابه فتصير فى حضنه. فعلى قدر ما نعطى بسخاء يعطينا الله بسخاء أكثر.
وعلى الجانب الآخر، إذا أسأنا للآخرين بالإدانة والحكم عليهم، سنُدان أيضاً ويُحكم علينا. [EA1]
إن عطاءك للآخرين يظهر مدى محبتك لهم وتجردك من محبة الماديات، وتقديرك لمحبة الله لك، وهذه الثلاثة تدفعك للعطاء السخى. وإذا كان ميلك للحب والعطاء ستبتعد عن الإدانة حتى لو لاحظت أخطاء الآخرين، ستبحث ماذا تقدم لهم.
ع39-40: يستكمل تحذيره لنا من الإدانة، منبهاً إياناً لكثرة خطايانا التى تعمى بصيرتنا. وفيما نحن عميان نحاول أن ندين الآخرين ونقودهم فى طريق الحياة، فليس أمامنا إلا أن نسقط نحن وإياهم فى حفرة المشاكل والأخطاء الأكبر.
ومن ناحية أخرى، ينبغى أن نتمثل بمعلمنا الصالح يسوع المسيح، الذى كان يجول يصنع خيراً ولا يدين الآخرين، حتى التى أُمسكت فى زنا لم يدنها. والكمال الذى نسعى إليه هو أن نتمثل بالمسيح معلمنا فى الحب وعدم الإدانة.
ع41-42: وإستهزاءً بمن يدين، يوضح المسيح أن خطية أى إنسان تشبه قذى أو قشة صغيرة، أما خطية الإدانة فتشبهُ خشبة. ويتساءل هل يمكن لإنسان فى عينه خشبة أن يخرج قشة من عين أخيه؟… بالطبع لا بل الحكمة تقول، أن أُخرج أولاً الخشبة من عينى وذلك بالتوبة عن الإدانة، ويحل محلها الحب الذى به أساعد غيرى على التخلص من خطاياه، أى القشة التى فى عينه.
(10) المحبة نابعة من القلب (ع43-45):
43- لأنه ما من شجرة جيدة تثمر ثمرا رَدِيًّا، ولا شجرة رَدِيّةٍ تثمر ثمرا جيدا. 44- لأن كل شجرة تُعرف من ثمرها، فإنهم لا يجتنون من الشوك تينا، ولا يقطفون من الْعُلَّيْقِ عنبا. 45- الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح، والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر، فإنه من فضلة القلب يتكلم فمه.
يعلن المسيح أهمية أن تكون المحبة نابعة من القلب وإلا فلن تستمر، وهذا هو قانون الطبيعة فالشجرة الجيدة تعطى ثمراً جيداً وكذا الردية تعطى ثمراً ردياً، بل كل شجرة تعطى ثمرها وليس ثمر الأشجار الأخرى. فالنباتات الطفيلية الضعيفة، أى التى تتطفل على النباتات الجيدة مثل الشوك والعليق لا يمكن أن تعطى ثمار الأشجار الأصلية مثل التين والعنب بالرغم من أنها تتغذى من الشجرة الأصلية.
كذلك الإنسان الصالح المملوء محبة، يخرج من قلبه كلاماً وتصرفات حب وعطاء وتسامح، أما الشرير الضعيف فى محبته فيدين ويؤذى ويصنع كل شر مع الآخرين.
إن كان لك كلمات ردية أو تصرفات مؤذية، فافحص نفسك وتب عن أكفارك ونية قلبك الشريرة، وتأمل محبة الله لك لتمتلئ حباً وتعطى الآخرين أعمال خير وكلمات طيبة.
(11) المحبة العملية (ع46-49):
46- ولماذا تدعوننى: يا رب، يا رب، وأنتم لا تفعلون ما أقوله؟ 47- كل من يأتى إلىَّ، ويسمع كلامى ويعمل به، أريكم من يشبه. 48- يشبه إنسانا بنى بيتا، وحفر وعَمَّقَ ووضع الأساس على الصخر. فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت، فلم يقدر أن يزعزعه، لأنه كان مؤسسا على الصخر. 49- وأما الذى يسمع ولا يعمل، فيشبه إنسانا بنى بيته على الأرض من دون أساس، فصدمه النهر فسقط حالا، وكان خراب ذلك البيت عظيما!”
ع46: فى نهاية عظة المسيح، أكد على أهمية تنفيذ وصاياه وليس مجرد سماعها، أو التحدث معه فى طلبات كثيرة مثل شفاء الأمراض وإخراج الشياطين. فالمحبة العملية هى الأساس الذى تُبنى عليه كل الحياة وهى التى تؤكد بنوتنا لله واقتناعنا بكلامه.
ع47-49: يعطى تشبيهاً عملياً، وهو أن إنساناً حفر حتى الوصول إلى الصخر، ووضع الأساس عليه وأقام بناء فيكون قوياً. وبناء آخر أقيم على الأرض، التى هى رمال أو أتربة ضعيفة سهلة التحرك، فعندما هبت الرياح واندفعت مياهُ النهر كسيل وصدمت هذين البيتين، لم يتأثر المبنى على الصخر، أما المبنى بدون أساس على الأرض فإنهار وسقط. كذلك من ينفذ وصايا الله ويحيا عملياً بالمحبة لن يهتز من رياح التجارب وحروب إبليس، أما الآخر فيسقط فى الخطايا ونهايته الهلاك الأبدى.
لتكن المحبة فى قلبك قبل أن تتكلم أو تعمل شيئاً، فهى الهدف الوحيد فى علاقتنا مع الآخرين حتى نكسب نفوسهم للمسيح، لأن الله محبة وعليه نبنى كل أفعالنا.