مقارنة بين الكهنوت اللاوى وكهنوت المسيح
(1) رئيس الكهنة اليهودى (ع1-4):
1لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَا لِلَّهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ الْخَطَايَا، 2قَادِراً أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالْجُهَّالِ وَالضَّالِّينَ، إِذْ هُوَ أَيْضاً مُحَاطٌ بِالضُّعْفِ. 3وَلِهَذَا الضُّعْفِ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ كَمَا يُقَدِّمُ عَنِ الْخَطَايَا لأَجْلِ الشَّعْبِ هَكَذَا أَيْضاً لأَجْلِ نَفْسِهِ. 4وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هَذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُّوُ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضاً.
ع1: يتكلم بولس الرسول عن صفات الكهنوت اللاوى أى هرون وكل رؤساء الكهنة خلفائه، الذين يؤخذون من البشر الضعفاء لخدمة الله، فيقدِّمون الذبائح عن الناس لنوال غفران خطاياهم من الله.
ع2: لأن رؤساء الكهنة : هؤلاء من البشر وتحت الضعف البشرى، فهم قادرون على الإحساس والرأفة بالخاطئين الحمقى والبعيدين المنحرفين عن ناموس الله.
ع3: لأن رئيس الكهنة اليهودى إنسان ضعيف مُعَرَّض للخطية، فيقدم ذبائح أيضًا عن خطاياه وليس فقط عن خطايا الشعب. وهذا طبعًا بخلاف المسيح الغير محتاج لذبيحة عن نفسه لأنه بار وقدوس.
ع4: وظيفة رئاسة الكهنوت هذه لا يستطيع أحد أن يأخذها أو يعيِّن نفسه بنفسه فيها، بل لابد له من دعوة من الله كهرون أيضًا الذى تمَّت دعوته بالاسم من الله لهذه الوظيفة “قرب إليك هرون أخاك وبنيه معه بين بنى إسرائيل ليكهن لى” (خر28: 1).
? لقد شعر المسيح بضعفاتنا وحملها رغم أنه القوى. أفلا يليق بنا أن نشعر بضعفات الناس ونحن بشر تحت الضعف مثلهم ؟!
(2) المسيح رئيس الكهنة (ع5-14):
5كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ». 6كَمَا يَقُولُ أَيْضاً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ». 7الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ، 8مَعَ كَوْنِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ. 9وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ، 10مَدْعُّواً مِنَ اللهِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ. 11اَلَّذِي مِنْ جِهَتِهِ الْكَلاَمُ كَثِيرٌ عِنْدَنَا، وَعَسِرُ التَّفْسِيرِ لِنَنْطِقَ بِهِ، إِذْ قَدْ صِرْتُمْ مُتَبَاطِئِي الْمَسَامِعِ. 12لأَنَّكُمْ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ، تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ لاَ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ. 13لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، 14وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
ع5: بالمثل، فالسيد المسيح لم يأخذ وظيفة رئيس الكهنة من نفسه بل الله الآب دعاه لهذا ضمنا عندما كشف لنا الوحى فى (مز2: 7) مدى عمق العلاقة بين الله الآب والمسيح الإبن وهو ما لابد أن يتوفر فى رئيس الكهنة من قدرة على ربط شعبه بالله.
وفى ملء الزمان أرسله الآب ليتجسد ويفدى البشرية بقوله “اليوم ولدتك”، فهذا تقسيم وظيفى داخل الذات الإلهية، أن يقوم أقنوم الابن بالتجسد لإتمام الفداء. فإن كان هرون يعتبره اليهود رئيس كهنة لأن الله دعاه، فبالأحرى المسيح هو رئيس الكهنة الحقيقى الذى يرمز إليه هرون، لأن الله دعاه لهذه الخدمة كما يعلن المزمور.
ع6: كذلك أيضًا تظهر دعوة السيد المسيح للكهنوت، أى استحقاقه وقدرته على إتمام العمل الكهنوتى كإله متجسد، فى (مز110: 4)، عندما يخاطب الآب الابن المتجسد أنك كاهن أبدى على نظام كهنوت ملكى صادق (وهو كاهن فى العهد القديم سيأتى بالتفصيل شرحه فى الأصحاح السابع) ولم يذكر شئ عن نسبه أو موته ليكون رمز كهنوت الرب الأزلى الأبدى.
ع7: تَمَيُّز كهنوت المسيح هذا ظهر بقوة فى أيام وجوده بالجسد على الأرض عندما كان السيد المسيح يقدم، ككاهن وشفيع ونائب عن البشر، طلبات وتضرعات بدموع وأناَّت شديدة عن شعبه وهو العالم أجمع عالمًا وشاعرًا بضعف البشر؛ لكى يقبل الله تخليص العالم من الموت فى شخص السيد المسيح ككاهن نائب عن البشر، فظهر وتثبَّت لنا أنه رئيس الكهنة الحقيقى الذى يستطيع أن ينجينا من الموت فى شخصه وبشفاعته الكفارية عنا أمام الله، إذ استجاب له الله لأنه بدون خطية تحجب صوته وإرادته عن الله لأنه هو والله واحد.
فصراخه وهو فى بستان جثسيمانى يظهر مدى قسوة الآلام التى يحتملها كرئيس كهنة يقدم ذاته كذبيحة لفداء شعبه، ولأنه بار بلا خطية، سمع له الآب أى استطاع أن يرفع خطايا البشرية وفداها بموته ثم قام من الأموات أى أقامه الآب مستجيبًا لصراخه، فاللاهوت أقام الناسوت لأنه متحد به حتى وهو فى القبر.
وهذه الآية تظهر ناسوت المسيح الحقيقى فى احتماله الآلام وفى نفس الوقت تظهر لاهوته فى بره الكامل وقيامته من الأموات.
ع8: تعلم الطاعة : أى أظهر الطاعة.
بالرغم من أن السيد المسيح هو ابن الله وواحد معه فى الجوهر، فمن أجل حبه لنا ومعرفته وشعوره باحتياجنا، تنازل عن مجده وأظهر خضوعه لإرادة الله العادل فى احتمال كل الآلام عن البشرية حتى موت الصليب.
ع9: بعد ما أكمل المسيح الفداء ثم قام وصعد إلى السماء، أصبح كل من يؤمن به ويطيع وصاياه ويخضع له ويقبله بالإيمان، يتمتع بالخلاص الأبدى الذى صنعه هو بنفسه لنا.
ع10: بدخول المؤمنين إلى الأبدية يظهر إتمام المسيح لعمله كرئيس كهنة، الذى دعاه إليه الله الآب، ويظلّ كاهنًا إلى الأبد على طقس ملكى صادق بتمجيد أولاده بالسماء كمخلص وفادى لهم. فكهنوت هرون كان مؤقتًا بتقديم الذبائح التى ترمز للمسيح، أما كهنوت المسيح فأبدى على طقس ونظام ملكى صادق الذى سيأتى شرحه فى الأصحاح السابع.
ع11: ملكى صادق هذا الذى يرمز للمسيح أيها العبرانيين عندنا بخصوصه الكثير من التفسير ولكننا لن نستطيع أن نتكلم بهذا الآن لأنكم لن تفهموا ما سيقال عنه، إذ أنكم نتيجة للتردد والإرتياب الذى أصابكم فى الإيمان ورغبة بعضكم فى الإرتداد إلى العبادة اليهودية، قد صارت آذانكم غير قادرة على فهم الأمور الأعمق.
ع12: طول الزمان : معرفتكم عن المسيح من نبوات ورموز العهد القديم.
أركان بداءة أقوال الله : أساسيات الإيمان بالمسيح.
اللبن : الطعام البسيط السهل الذى يُعطَى للأطفال، أى التعاليم البدائية للإيمان بالمسيح.
طعام قوى : الكلام العميق عن المسيح.
يوبخ بولس المسيحيين من أصل يهودى لعدم إدراكهم للكلام العميق عن المسيح بسبب تمسكهم برموز العهد القديم مثل الختان وشكوكهم فى المسيح. فبدلا من أن يأكلوا الطعام القوى أى الكلام العميق عن المسيح ويعلِّموا غيرهم من المبتدئين، صاروا هم مبتدئين فى الإيمان ويحتاجون لإثبات أساسيات الإيمان المسيحى وأن كهنوت المسيح هو الذى كانت ترمز إليه كل رموز العهد القديم.
ع13: يواصل توبيخه لهم بأن استمرارهم فى قبول أساسيات الإيمان فقط يعطلهم عن التعمق فى حياة البر المسيحى والنمو الروحى.
ع14: البالغين : الثابتين فى الإيمان والمهتمين بالنمو الروحى.
التمرن : أى الجهاد الروحى.
الحواس : يقصد الحواس الداخلية أى الفهم الروحى.
يوضح بولس الرسول أن الكلام العميق عن الحياة المسيحية يُعطَى للثابتين فى الإيمان والمهتمين بخلاص نفوسهم لرفض الشر مثل الكبرياء والشك، إذ لتدربهم فى الجهاد الروحى يقبلون بسهولة ما ينمى علاقتهم بالله ويزدادون فى عمل الخير، وذلك غير المبتدئين الذين مازالوا يناقشون أساسيات بالإيمان.
? يا رئيس كهنة السماء يا يسوع المسيح ابن الله، يا من قبلت كل الآلام من أجلى، يا من تقف فى قدس أقداس السماء تترآف علىَّ أنا المريض بالخطية لكى تهبنى نصيبًا معك فى ملكوتك. يا من حملت ضعفى فيك لتحوله إلى قوة، وأخذت خطيتى لتلبسنى ثوب برك يا رئيس كهنة الخيرات العتيدة، أسبحك لأنك اشفقت علىّ. أشكرك أيها الرئيس الرؤوف القادر أن ترثى لضعفى، علمنى أن أطيع كما أطعت أنت، علمنى أن أشترك فى آلامك لكى يكون لى هذا خلاصًا أبديًا آمين.