المعلمين الكذبة
(1) ظهور المعلمين الكذبة (ع 1-3): 1وَلَكِنْ كَانَ أَيْضًا فِى الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِى اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا. 2وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. الَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ. 3وَهُمْ فِى الطَّمَعِ يَتَّجِرُونَ بِكُمْ بِأَقْوَالٍ مُصَنَّعَةٍ، الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ، مُنْذُ الْقَدِيمِ، لاَ تَتَوَانَى، وَهَلاَكُهُمْ لاَ يَنْعَسُ.
ع1: يذكرهم بطرس الرسول بالأنبياء الكذبة الذين كانوا يضلون الملوك والشعب فى العهد القديم حتى لا يسمعوا كلام أنبياء الله كما حدث فى أيام آخاب الملك (1مل22: 22). كذلك الآن يوجد معلمون كذبة ينادون بالبدع التى يرفضون بها لاهوت المسيح الذى اشترانا بدمه، فتبعدهم هم ومن يتبعهم عن الخلاص ولا ينتظرهم إلا العذاب الأبدى.
ع2: هؤلاء المعلمون الكذبة يدَّعون أنهم مسيحيون مع أن عقيدتهم خاطئة فيضلون كثيرين من الشعب ويقودونهم للهلاك، وبسبب هذه البدع يشوشون أفكار الوثنيين عن المسيحية فيتكلمون كلامًا رديا عنها.
ع3: هم يتاجرون بالنفوس مستهينين بالدم الكريم الذى سُفِكَ من أجلها، ويخدعون قلوب البسطاء بالكلام الطيب والقول الليِّن المخادع؛ لذا فالدينونة تتعقب هؤلاء وهلاكهم لا يتوانى ولا يغفل.
? كن مدققًا فيما تسمعه أو تقرأه، فإن وجدته مختلفًا عما تعلمته فى الكنيسة فاحترس واسأل أب اعترافك حتى لا تضلّ بتعاليم غريبة تشبه التعاليم الصحيحة.
(2) معاقبة الأشرار (ع 4-9) :
4لأَنَّهُ، إِنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِى سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِى جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ، 5وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، بَلْ إِنَّمَا حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ إِذْ جَلَبَ طُوفَانًا عَلَى عَالَمِ الْفُجَّارِ. 6وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالاِنْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا، 7وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِى الدَّعَارَةِ. 8إِذْ كَانَ الْبَارُّ بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ، وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ. 9يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ، وَيَحْفَظَ الأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ مُعَاقَبِينَ،
ع4: يوضح الرسول عدل الله الذى يعاقب المُصِِرّيين على شرهم مثل المعلمين الكذبة. ويعطى ثلاثة أمثلة لعدله :
المثال الأول : عقابه قديمًا للملائكة الذين تكبروا فسقطوا وحكم عليهم بالعذاب الأبدى، فقيَّدهم ومنعهم من الرجوع إلى رتبتهم الأولى وتمتعهم بعشرته وهم ينتظرون الآن عذابهم الأبدى. فإن كانت رحمته لم تمنع عدله مع الملائكة الساقطين فإنها لا تمنع أيضًا معاقبته للهراطقة.
سلاسل الظلام : قيود خطيتهم التى تمنعهم من التمتع بعشرة الله.
جهنم : مكان انتظار الأشرار ولكن يمكنهم محاربة البشر بسماح من الله.
محروسين : منتظرين ومقيدين لا يتمتعون بمعاينة الله حتى يأتى يوم الدينونة.
القضاء : يوم الدينونة الذى ينقلهم إلى العذاب الأبدى.
ع5: المثال الثانى لعدل الله هو عدم إشفاقه على العالم القديم أيام نوح، الذى كرز للبر ولم يستجيبوا له، فجلب الله عليهم طوفانًا بسبب فجورهم، إلا أنه حفظ نوح الذى كان واحدًا من ثمانية أشخاص نجوا من الطوفان وهم هو وزوجته وأولاده الثلاثة وزوجاتهم.
ع6: المثال الثالث لعدله هو حكمه على مدينتى سدوم وعمورة بالخراب لأن شرهم قد زاد وامتلأت كأس آثامهم، فَحَوَّلهما إلى رماد جاعلاً منهما عبرة لكل من يعيش حياة فاجرة فى كل جيل ويتمادى فى الشر دون أن يتوب.
ع7: إلى جانب عدل الله تظهر رحمته فى اهتمامه بأولاده، فلم ينسى لوط وابنتيه لأنه لم يندمج مع الأشرار فى نجاساتهم بل كان متضايقًا جدًا من سلوك هؤلاء الأشرار.
ع8: فإذ كان لوط ساكنًا بينهم وهو رجل بار كانت نفسه تتألم كل يوم بسبب الإنحرافات المشينة فى سلوكهم التى كان يراها ويسمع بها.
ع9: يستنتج من الآيات السابقة أن الله قادر على إنقاذ أولاده الأبرار من ضيقات الحياة ويحفظهم فى إيمانهم المستقيم، أما الأشرار فيضعهم فى جهنم مكان إنتظار الأشرار إلى يوم الدينونة ليدخلوا إلى العذاب الأبدى. فالله كامل فى رحمته لأولاده وعدله مع الأشرار.
? لا تستهن بطول أناة الله ورحمته فتتمادى فى خطاياك بل استغلها بالتوبة والابتعاد عن مصادر الشر، فمحاولات توبتك غالية جدًا فى عينى الله مهما كان ضعفك وهو مستعد أن يسندك بل يرفع فى النهاية خطاياك عنك.
(3) صفات المعلمين الكذبة (ع 10-22):
10وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ فِى شَهْوَةِ النَّجَاسَةِ، وَيَسْتَهِينُونَ بِالسِّيَادَةِ. جَسُورُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَرْتَعِبُونَ أَنْ يَفْتَرُوا عَلَى ذَوِى الأَمْجَادِ 11حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ، وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً، لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ حُكْمَ افْتِرَاءٍ. 12أَمَّا هَؤُلاَءِ، فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِى فَسَادِهِمْ، 13آخِذِينَ أُجْرَةَ الإِثْمِ. الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِى غُرُورِهِمْ، صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ، 14لَهُمْ عُيُونٌ مَمْلُوَّةٌ فِسْقًا لاَ تَكُفُّ عَنِ الْخَطِيَّةِ، خَادِعُونَ النُّفُوسَ غَيْرَ الثَّابِتَةِ، لَهُمْ قَلْبٌ مُتَدَرِّبٌ فِى الطَّمَعِ، أَوْلاَدُ اللَّعْنَةِ، 15قَدْ تَرَكُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ فَضَلُّوا، تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ بْنِ بَصُورَ الَّذِى أَحَبَّ أُجْرَةَ الإِثْمِ. 16وَلَكِنَّهُ حَصَلَ عَلَى تَوْبِيخِ تَعَدِّيهِ، إِذْ مَنَعَ حَمَاقَةَ النَّبِىِّ حِمَارٌ أَعْجَمُ نَاطِقًا بِصَوْتِ إِنْسَانٍ. 17هَؤُلاَءِ هُمْ آبَارٌ بِلاَ مَاءٍ، غُيُومٌ يَسُوقُهَا النَّوْءُ، الَّذِينَ قَدْ حُفِظَ لَهُمْ قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ. 18لأَنَّهُمْ، إِذْ يَنْطِقُونَ بِعَظَائِمِ الْبُطْلِ، يَخْدَعُونَ بِشَهَوَاتِ الْجَسَدِ فِى الدَّعَارَةِ مَنْ هَرَبَ قَلِيلاً مِنَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِى الضَّلاَلِ، 19وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ. لأَنَّ مَا انْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضًا. 20لأَنَّهُ، إِذَا كَانُوا بَعْدَ مَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يَرْتَبِكُونَ أَيْضًا فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ. 21لأَنَّهُ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ الْبِرِّ، مِنْ أَنَّهُمْ، بَعْدَ مَا عَرَفُوا، يَرْتَدُّونَ عَنِ الْوَصِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُسَلَّمَةِ لَهُمْ. 22قَدْ أَصَابَهُمْ مَا فِى الْمَثَلِ الصَّادِقِ: «كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ، وَخِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ.»
ع10: السيادة : السيد المسيح والسلطان الكنسى الممثل فى الرسل وخلفائهم الأساقفة.
ذوى الأمجاد : الملائكة.
يعلن الرسول أن عقاب الله شديد للمعلمين الكذبة الذين لهم صفات شريرة أهمها :
1- النجاسة : بالانسياق فى شهوات الجسد والإنحرافات الجنسية الشريرة.
2- الكبرياء : فيتطاولون بالبدع على المسيح نفسه وعلى الكنيسة ورعاتها ومعلميها، منادين بأفكار غريبة ولهم جرأة فى الفجور والشر ويفتخرون بكبريائهم لدرجة تطاولهم بالكلام الردئ على الملائكة.
ع11: يظهر بر الملائكة فى عدم إدانتهم للشياطين أو لهؤلاء الهراطقة إذ يتركون الدينونة لله، فينبغى علينا أن نقتدى بهم.
ع12: 3- الجهل : يُشَبِّههم بالحيوانات غير العاقلة المفترسة المخلوقة ليصطادها الناس ويقتلوها، إذ أن هؤلاء المعلمين الكذبة قد انحطّوا إلى مرتبة أدنى من الحيوانات بدلاًمن أن يحافظوا على كرامتهم الإنسانية العاقلة. وهؤلاء بالرغم من جهلهم بالملائكة يبتدعون أحكامًا وافتراءات على ما يجهلون، فكما تهلك الحيوانات غير العاقلة يهلكون هم أيضًا مثلها، وسبب هلاكهم ليس خارجًا عنهم بل هو فسادهم.
ع13: 4- التلذذ بالشهوات : ينشغل المعلمون الكذبة بالشهوات المادية فيتلذذون بها مع أنها مؤقتة ويعقبها عقاب أبدى، ويتصفون أيضًا بصفات ردية كثيرة مثل الغرور.
5- الرياء : يتظاهرون بالتقوى فيشتركون فى ولائم المحبة مع أعضاء الكنيسة ويحاولون إعثارهم بأفكارهم الخاطئة.
ع14: 6- النظرة الشريرة : لأن قلوبهم مملوءة نجاسة، فعيونهم تنظر باحثة عن الدنس فهى عيون زانية.
7- الخداع : لا يكتفون بفعل الشر، بل يحاولون التأثير على البسطاء غير الثابتين لخداعهم وتضليلهم.
8- الطمع : ساقطون فى حب التملك والانهماك فى الشهوات بكل قلوبهم.
وإذ يتصفون بهذه الصفات الردية، يأتى عليهم عقاب الله ولعناته والهلاك الأبدى.
ع15: 9- محبة المال : كان هؤلاء المعلمون الكذبة أعضاء فى الكنيسة يسلكون باستقامة ولكنهم أحبوا شهواتهم وانحرافاتهم، فطلبوا الماديات مثل بلعام النبى الذى أحب المكسب المادى فأعثر بنى إسرائيل ليبتعدوا عن الله فيهزمهم أعداؤهم (عدد 22-25).
ع16: يظهر جهل المعلمين الكذبة مثل بلعام، الذى نبهه للرجوع عن شره حماره الذى نطق بصوت إنسان ليوبخه (عدد22 : 28-30).
ع17: النوء : الرياح الشديدة.
قتام الظلام : الظلام الشديد.
يؤكد رياء هؤلاء الأشرار فيشبههم بآبار يأتى إليها العطشان فلا يجد فيها ماء، أو سحاب ينتظره الفلاح ليمطر ويسقى زرعه ولكن الرياح تبعده ولا يستفيد منه شيئًا. ويقرر ثانيةً أنه ينتظرهم بعد هذه الحياة الهلاك الأبدى الذى يُعَبَّر عنه بالظلمة الشديدة.
ع18: عظائم البطل : البدع والهرطقات.
10- تنوع العثرات : ينادون ببدع كثيرة ومن يرفضها من المؤمنين يحاولون إسقاطه فى الشهوات النجسة والزنا حتى يبعدوه عن الله.
ع19: 11- الحرية المزيفة : يتوهمون أن الإنغماس فى الشهوات هو الحرية، وفى تضليلهم للآخرين يعدونهم بهذه الحرية المزيفة ولكنها فى الحقيقة عبودية للخطية. وإن كانوا مستعبدين للخطية فكيف يحرِّرون غيرهم، إذ هم محتاجون أولاً للتوبة عن خطاياهم ليتحرروا بالحقيقة.
ع20: 12- العودة للخطية : لقد نال هؤلاء المعلمون الكذبة الطهارة عندما آمنوا بالمسيح وتركوا عنهم شهواتهم الشريرة السابقة، ولكنهم عادوا إليها وانغمسوا بالأكثر فيها فتصير أواخر حياتهم أشرّ مما قبل إيمانهم، لأنهم بعدما استنيروا رفضوا المسيح وفَضَّلوا الشر.
ع21: إن معرفتهم للحياة الجديدة فى المسيح تدينهم. فلو لم يكونوا قد عرفوها فلهم بعض العذر، أما الآن فدينونتهم أعظم.
ع22: يقتبس آية من سفر الأمثال (أم 26 : 11) فيشبه المعلمين الكذبة بكلب يتقيأ ثم بعد تنظيفه يعود ثانية إلى قيئه، فيظل متسخًا ولا يستطيع أحد الإقتراب منه لأجل رائحته ومنظره الكريه. ويشبههم أيضًا بالخنزير الذى يعود إلى طبعه السيئ بعد تنظيفه وهو التمرغ فى الطين الأسود، فيتسخ كل جسمه. هكذا فهؤلاء الأشرار يعودون إلى شرورهم كأنهم لا يعرفون المسيح ولا الحياة النقية التى فيه.
? الله يقبل توبتك مهما كانت خطاياك ولكن لا تتهاون فتعود إلى مشجعات الخطية وتنسى كل البركات التى نلتها فى الحياة مع الله، وتذكر الدينونة والعذاب الأبدى الذى ينتظر الأشرار لتهرب من الخطية.