القداسة والمحبة والقيامة
(1) القداسة ورفض الزنا (ع1-8):
1فَمِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ فِى الرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّكُمْ، كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا اللهَ، تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ. 2لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَيَّةَ وَصَايَا أَعْطَيْنَاكُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ. 3لأَنَّ هَذِهِ هِىَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الزِّنَا، 4أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِىَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ، 5لاَ فِى هَوَى شَهْوَةٍ كَالأُمَمِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ. 6أَنْ لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ فِى هَذَا الأَمْرِ، لأَنَّ الرَّبَّ مُنْتَقِمٌ لِهَذِهِ كُلِّهَا كَمَا قُلْنَا لَكُمْ قَبْلاً وَشَهِدْنَا. 7لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ، بَلْ فِى الْقَدَاسَةِ. 8إِذًا؛ مَنْ يَرْذُلُ لاَ يَرْذُلُ إِنْسَانًا، بَلِ اللهَ الَّذِى أَعْطَانَا أَيْضًا رُوحَهُ الْقُدُّوسَ.
ع1: يدعو ق. بولس المؤمنين فى تسالونيكى إلى التمسك بالسلوك المسيحى الذى يرضى الله، بل وينموا فيه أيضا.
ع2: يذكرهم بولس الرسول بالتعاليم السابقة التى تلقوها منه والتى ترشدهم إلى طريق القداسة. وجميل من الرسول أن يضع “الرب يسوع” فى كل شئ، ففى (ع1) يقول “نطلب إليكم فى الرب يسوع” وهنا يقول “أية وصايا أعطيناكم بالرب يسوع”. فمتى كان المسيح هو الهدف، تكون كل تصرفاتنا فى الإتجاه الصحيح، ليس مجرد تنفيذ وصايا، بل الحرص على إرضاء الله والعمل على الزيادة أى النمو الروحى حتى نصل للقداسة.
ع3: لقد أفرزنا الله عن العالم وقدسنا وخصصنا له. ومن أجل هذه القداسة يدعوهم إلى رفض الزنا الذى كان مرتبطا بالعبادة الوثنية التى منها خرج هؤلاء التسالونيكيون، فقد كانت شهوة الجسد جزءا من ديانتهم السابقة.
ع4: إناءه : زوجته.
يتحدث الرسول هنا عن الطهارة فى العلاقة بين الزوجين كما قال فى (عب 13: 4)، فلا يطبق الإنسان شهوات وانحرافات العالم داخل علاقته الزيجية، بل يشعر بوجود المسيح معه فى هذه العلاقة فتكون تعبيرا عن الحب، ويراعى فيها مشاعر الآخر ويبعد عن أى شذوذ يمارسه أهل العالم.
ع5: إن عدم معرفة الله هو ينبوع عدم الطهارة. ولأن الأمم الوثنية لا يعرفون سعادة الحياة مع الله، فالشهوات الجنسية هى جنتهم ولا يفهمون من الزواج إلا الهوى والشهوة بكل انحرافاتها لملأ فراغ قلوبهم.
ع6: يؤكد الرسول التعليم الذى سبق أن علم به، وهو ألا يتجاوز أحد فيطمع فى زوجات الآخرين أو أى امرأة غير متزوجة، ذلك الأمر الذى هو مخالفة جسيمة لوصية السيد المسيح فى (مت5: 27، 28)، فالله ينتقم من مستبيحى الزنا.
ع7: بالنظر للدعوة المقدسة التى بها دُعِينا، يجب علينا أن نعيش فى القداسة ونبتعد عن هذه الأمور ليس فقط لأننا نخاف من انتقام الله وتأديبه، بل لأن حياتنا هى الطهارة والقداسة.
ع8: من يحتقر الوصية لا يهين جسده وجسد غيره فقط، بل يهين الله الذى أعطانا روحه القدوس لكى يهبنا القوة والعون لنكون قديسين وبلا لوم أمامه، اذًا فمن ينجس جسده يهين الروح القدس الذى قدس جسده بسر الميرون.
ضع المسيح أمامك فى كل خطواتك وعلاقتك بالجنس الآخر، ولا تسمح لعينيك أو فكرك أن يتنجسوا بشر العالم. وعندما تقترب من زوجتك تذكر المسيح الذى يباركك، فتسلك بلياقة ومحبة وتراعى مشاعرها.
(2) المحبة والهدوء والعمل (ع9-12):
9وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ، فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. 10فَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَيْضًا لِجَمِيعِ الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِى مَكِدُونِيَّةَ كُلِّهَا. وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ، 11وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ الْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ، 12لِكَىْ تَسْلُكُوا بِلِيَاقَةٍ عِنْدَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، وَلاَ تَكُونَ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ.
ع9: كان التسالونيكيون فى حاجة لأن يكتب إليهم عن القداسة، لأنهم كانوا عرضة للسقوط فى عاداتهم القديمة، أما المحبة الأخوية فكانت السمة المميزة لحياة تلك الكنيسة وسر نجاحها.
كم نتمنى أن تسود روح المحبة فى كنائسنا اليوم، فضعف الكنيسة فى أى زمان هو نتيجة افتقارها من المحبة. والمحبة هى ثمر الطبيعة الجديدة المعطاة لكل المولودين من الله والذين هم فى شركة دائمة ومستمرة معه وهى هامة جدا وأساسية فى حياتنا المسيحية.
ع10: الإخوة : المؤمنين.
مكدونية : الجزء الشمالى من بلاد اليونان الذى عاصمته تسالونيكى.
مارَسَ مؤمنو تسالونيكى المحبة الأخوية لجميع المؤمنين فى مكدونية، وكان الرسول مسرورا بذلك حينما بشره تيموثاوس بإيمانهم ومحبتهم، ولكنه يطلب منهم أن يزدادوا أكثر، فالنمو والازدياد ضروريان فى الحياة المسيحية، إذ نتعلمهما من وصايا المسيح وفدائه لنا، ويتحققان بالجهاد المستمر.
ع11: أموركم الخاصة : مسئولياتكم.
يوصيهم أيضا بالهدوء فى التعامل مع الآخرين لكى يعيشوا بسلام وأن يقوم كل واحد بمسئولياته وعمله، فلا يكون ثقيلا على غيره.
ع12: الذين هم من خارج : أى غير المؤمنين.
إن غير المؤمنين يفتحون عيونهم لمراقبة سلوك المؤمنين أعضاء الدين الجديد، وكذلك ولاة الأمور فى الأمة يراقبونهم. فاسلكوا بالأسلوب الذى يجعلهم يرون فيكم جماعة تسعى إلى عملها فى هدوء وسلام، ومواطنين أمناء يخافون الله ويجتهدون فى عملهم بالقدر الذى يسد احتياجاتهم، فلا تمدوا أياديكم إلى أحد.
إهتم أن تتمم مسئولياتك ولا تنتظر حتى يطالبك الآخرون بها، بل حاول أن تساعد الآخرين بدلا من مطالبتهم بمساعدتك وبهذا تظهر محبتك عمليا لهم وتكون صورة للمسيح الذى بذل نفسه لأجل العالم.
(3) القيامة والمجئ الثانى (ع13-18):
13ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَىْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. 14لأَنَّهُ، إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ. 15فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِىءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. 16لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِى الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. 17ثُمَّ، نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ، سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِى السُّحُبِ، لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِى الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. 18لِذَلِكَ، عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهَذَا الْكَلاَمِ.
ع13: لا يوبخ الرسول المؤمنين من أجل حزنهم على فقد أحبائهم، بل يعزيهم فيقول عنهم أنهم “راقدين“، أى نائمين، على رجاء القيامة، فلا يجب أن يحزنوا مثل الباقين الذين يعتقدون بفناء الإنسان بالموت.
ع14: إن كنا نؤمن أن الرب يسوع قد مات وأقام نفسه، فإن المؤمنين الذين رقدوا وتشعرون بالقلق من جهة مصيرهم سوف يقيمهم الرب ويحضرهم أحياء معه، فهو الرأس ونحن أعضاء الجسد، وما يحدث للرأس لابد أن يحدث بالتبعية للأعضاء.
ع15: يعلن ق. بولس تتابع الأحداث التى سوف تحدث عند المجئ الثانى للمسيح، فالذين سيكونون أحياء عند هذا المجئ، لن يسبقوا الموتى، بمعنى أنهم لن يكونوا سابقين إلى دخول ملكوت السموات قبل الراقدين.
ع16: لأن الرب نفسه سينزل من السماء ويأمر الموتى ليقوموا من رقدة الموت ويخرجوا إلى الحياة الأبدية. فالتعبيرات الثلاثة هتاف – صوت رئيس الملائكة – بوق الله، قصد منها إعلان عظمة مجئ المسيح الثانى. والمقصود بالقيامة من الموت هنا هو قيامة الأجساد، فأرواح الموتى مستمرة فى الحياة منذ مفارقتها الجسد، أى أن الروح لا تموت، فتتحد الأجساد القائمة من الموت بالأرواح لتقف امام الله الديان، وهذا يحدث أولا، أى لا يدخل الأحياء قبل الراقدين إلى الملكوت بل يقوم الراقدون ويدخل الجميع معا فى وقت واحد.
ع17: نخطف : المؤمنون بالمسيح سيخطفون أى يرتفعون إلى السماء لملاقاة المسيح فيدخلهم إلى ملكوته. فالاختطاف يتم فى يوم الدينونة لحظة الدخول إلى الملكوت وليس قبل هذا كما تعتقد بعض الطوائف.
بالنسبة لمن سيكونون أحياء عند المجئ الثانى سيؤخذون بسرعة، فى لحظة فى طرفة عين، ليلاقوا المسيح فى الأمجاد العلوية، بعد أن تتغير أجسادهم إلى صورة جسد المسيح بعد قيامته. كل قوانين الجاذبية ستطرد جانبا لأن قوة الله نفسها التى أقامت الرب يسوع من الأموات وأجلسته فى المجد هى التى ستنقل قديسيه إلى الهواء والسحب.
إن لقاءنا به قبل أن يصل للأرض دليل على شدة شوقنا له وعدم خوفنا من الدينونة، الخوف الذى يدفع الأشرار للإختفاء منه.
ع18: يطلب منهم الرسول أن يكرروا هذه الكلمات على مسامع بعضهم البعض ويتعزوا عن الفراق المؤقت للأحباء. إن الأبدية ليست بعيدة عنك، والمسيح يريد أن يرفعك معه إلى الملكوت. فليتك تلقى عنك خطاياك وتقترب إلى الله بالصلوات ولا تنزعج من الضيقات لأنها مؤقتة فمسيحك سيعوضك عن كل هذا بأفراح لا يعُبَّر عنها.