الســلـوك المسـيحى
(1) إرشادات للعبيد (ع1، 2):
1جَمِيعُ الَّذِينَ هُمْ عَبِيدٌ تَحْتَ نِيرٍ، فَلْيَحْسِبُوا سَادَتَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ كُلَّ إِكْرَامٍ، لِئَلاَّ يُفْتَرَى عَلَى اسْمِ اللهِ وَتَعْلِيمِهِ. 2وَالَّذِينَ لَهُمْ سَادَةٌ مُؤْمِنُونَ، لاَ يَسْتَهِينُوا بِهِمْ لأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، بَلْ لِيخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ، لأَنَّ الَّذِينَ يَتَشَارَكُونَ فِى الْفَائِدَةِ هُمْ مُؤْمِنُونَ وَمَحْبُوبُونَ؛ عَلِّمْ وَعِظْ بِهَذَا.
ع1: نير : خشبة توضع على رقبتى الحيوانين الذين يجران الآلات الزراعية وترمز للعبودية، أى أن العبيد تحت سلطان سادتهم.
بدون أن يهاجم الرسول نظام العبودية، عالج مشكلتها برفع معنوية العبيد وتقديم الإرشاد لهم لحياة تقوية ترفع نفوسهم فوق كل نير مادى أو نفسى فيعيشوا فى طاعة أسيادهم، حتى لا يعطى السادة فرصة ليلعنوا الدين الجديد والإله الذى يعبدونه.
ع2: فى العدد السابق تحدث الرسول عن علاقة العبيد بساداتهم غير المؤمنين، وهنا يتحدث عن علاقة العبيد بساداتهم المؤمنين. فيحث العبيد على تقديم الإكرام الكامل لهم، لأن الإخوّة فى الإيمان لا تعنى أن نسلب الكرامة ممن لهم الكرامة، بل علينا كعبيد أن نخدمهم بأكثر اجتهاد وأمانة، لأن الذين يشاركون فى بركات الخلاص وفى شركة الأسرار المقدسة هم مؤمنون محبوبون مستوجبون لكل محبة وتقدير من جانبنا. وعلى تيموثاوس أن يعلم ويعظ بهذه الأمور لتترجم العقيدة إلى حياة عملية وتطبيقات سلوكية.
? إهتم أن تكرم الرؤساء سواء المسيحيين أو غير المسيحيين، حتى لو كانوا متسلطين ومغرضين، فبمحبتك وطول أناتك تكسب الكل. كن أمينا فى عملك، مخلصا فى علاقاتك من أجل الله مهما كانت أخطاء الآخرين، فتقدم بذلك صورة حية للمسيحى الحقيقى وتمجد اسم الله.
(2) التقوى والقناعة (ع3-10):
3إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِى هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى، 4فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ، وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ، الَّتِى مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالافْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ، 5وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِى الذِّهْنِ وَعَادِمِى الْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هَؤُلاَءِ. 6وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِىَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ، 7لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَىْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَىْءٍ. 8فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا. 9وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِى تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ، غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِى الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ، 10لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِى، إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ، ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ.
ع3-5: تصلف : تكبر.
مماحكات : الاستمرار فى النزاع.
يهاجم بولس الرسول المعلمين الكذبة الذين يتركون وصايا المسيح وتعاليم البر وينادون بتعاليم غريبة عن الكنيسة، فهؤلاء قد سقطوا فى الكبرياء والجهل وأيضًا فى جدال ونزاع يولد خطايا كثيرة مثل الخصام والحسد والظنون الردية، بل ويصل إلى الكذب والإفتراء على الآخرين، أى يبعدون عن الحب ويقسِّمون الكنيسة. وهؤلاء بمباحثاتهم المضلة الفاسدة يستخدمون التقوى ستارا للمتاجرة بالناس وكسب المراكز والمال ويبعدون عن التقوى الحقيقية. ولهذا يحذِّر بولس تيموثاوس من الإضطراب أو التعامل معهم.
ع6: التقوى من المنظار المسيحى هى الحياة مع الله، وتستلزم القناعة فى الماديات أى الإكتفاء بما أنعم الله علينا به من ماديات. هذه هى التجارة السليمة أى طلب خلاص النفس والبعد عن محبة المال.
ع7، 8: عندما يولد الإنسان، لا يكون معه مال. وعندما يموت لا يأخذ معه شيئا ماديًا كما قال أيوب (أى 1: 21). فهذا كله يدعونا لعدم التعلق بمحبة المال بل بالتقوى والاهتمام بالحياة الروحية. فإن كان للإنسان احتياجاته الضرورية من الطعام والملبس، فهذا يكفيه لينشغل بهدفه أى بخلاص نفسه.
ع9: العطب : الفساد.
على الجانب الآخر، يحذر المؤمنين من محبة المال واشتهاء الغنى، فهذا يعرضهم لتجارب كثيرة تؤدى بهم إلى الهلاك، إذ فى سعيهم للغنى يستخدمون طرق خاطئة ويتعرضون للكبرياء وخطايا مختلفة، وأكثر من هذا يضعها الرسول من الخطايا الأمهات التى تولِّد شرورًا كثيرة، فيتنازل الإنسان عن إيمانه لأن محبة المال أصبحت هدفه، وبذلك تتعذب نفسه من كثرة الخطايا.
? العالم كله تحت قدميك تستخدمه كما تشاء، ولكن احترس من أن يسيطر عليك ويصبح المال هو هدفك، ولو تحت اسم رفع مستوى المعيشة أو اقتناء الأجهزة الحديثة، لأنك بهذا تنشغل عن هدفك وهو الله وتتنازل تدريجيا عن وصاياه.
(3) جهاد أولاد الله (ع11-16):
11وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ، فَاهْرُبْ مِنْ هَذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ. 12جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِى إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ. 13أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ الَّذِى يُحْيِى الْكُلَّ وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِى شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِىِّ بِالاعْتِرَافِ الْحَسَنِ: 14أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ، إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، 15الَّذِى سَيُبَيِّنُهُ فِى أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ، مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، 16الَّذِى وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِى نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِى لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِى لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ، آمِينَ.
ع11: الإنسان الروحى يهرب من محبة المال ويسعى نحو القداسة والصلاح، ويهتم باقتناء الفضائل المسيحية الأساسية وهى الإيمان بمراحم الرب والمحبة التى هى القاعدة الرئيسية للحياة المسيحية الحقيقية. ويمارس الصبر فى احتمال التجارب والآلام، ويتصف بوداعة القلب والمشاعر فى التصرف نحو الآخرين.
ع12: يدعو بولس تلميذه تيموثاوس للتمسك بالإيمان المسيحى الذى أعلنه أمام الكنيسة من خلال خدمته وتعاليمه، ويكمل جهاده الروحى لخلاص نفسه.
ع13، 14: الاعتراف الحسن : يشير الرسول هنا إلى إجابة المسيح على بيلاطس عندما سأله : “أفأنت إذًا ملك” (يو18: 37) قال : “لهذا قد ولدت”، كما قال : “ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق”. كذلك عندما سأله: “أفأنت ابن الله؟” أجاب: “أنتم تقولون” (لو22: 70).
إذ يوصى بولس تلميذه وصية خطيرة، فإنه يشهد عليه الله الآب واهب الحياة ومعطى القيامة من الأموات، وابنه الوحيد يسوع المسيح الذى قدم نفسه مثالا لنا فى الشهادة للحق أمام بيلاطس البنطى. والوصية التى يوصيه بها هى أن ينفذ وصايا الله، وأن يعيش بلا دنس أو أخطاء تكون محل لوم يُوَجَّه له من قبل الرعية أو من قبل الله يوم الدين. ويوصيه أن ينفذ هذا حتى نهاية حياته فى العالم، أو حتى حدوث المجئ الثانى إذا تم ذلك فى حياته.
ع15: مجئ المسيح الثانى سيبينه الله فى وقته المحدد، الذى عينه بنفسه والمعروف لديه وحده، الله المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب. ويلاحظ أن الألقاب المذكورة هنا هى نفسها ألقاب الله الابن كما وردت فى (رؤ17: 14، 19: 16) والتى تظهر مجده وسلطانه على كل الخليقة.
ع16: المسيح له الخلود الذى لا يستمده من أحد، ولا يقدر الموت أن يغلبه، الساكن فى نور لا يدنى منه حتى الملائكة، لم يره أحد فى جوهره ولا يقدر أن يراه، نقدم له الكرامة والاعتراف بقدرته الأبدية.
? اهتم بهدفك وهو الأبدية حيث تتمتع برؤية الله وعشرته التى لا يُعَبَّر عنها. فلا تتهاون فى جهادك لتحيا البر والقداسة والتوبة المستمرة لأن عظمة الملكوت تستحق منك أن تتعب اليوم، فكل تعب لا يقاس بأمجاد السماء.
(4) نصائح للأغنياء (ع17-19):
17أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِى الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى، بَلْ عَلَى اللهِ الْحَىِّ الَّذِى يَمْنَحُنَا كُلَّ شَىْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ. 18وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلاَحًا، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِى أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِى الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِى التَّوْزِيعِ، 19مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَِلِ، لِكَىْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.
ع17: الدهر الحاضر : الحياة فى العالم.
على غير يقينية الغنى : لا يثقوا أو يتكلوا على أموالهم.
أوصى الرسول الأغنياء فى الكنوز التى يهبها العالم، ألا يغتروا بأنفسهم ويدفعهم امتلاكهم للمال إلى الإعتداد الزائد بالذات، ولا يتكلوا على أموالهم التى قد يفقدونها فى ساعة واحدة، مؤكدا ضرورة وضع الرجاء كله فى الله لا المال، الله الذى بيديه الخير الكثير ويفيض علينا من نعمه لنتمتع بعطاياه.
ع18: يليق بالأغنياء أن يمارسوا أعمال المحبة التى يبقى رصيدها إلى الأبد، ويكثروا من الأعمال الخيرة، فتعطى أياديهم بسخاء للمحتاجين.
ع19: عطاء الأغنياء يكنز لهم كنزا فى السماء يتمتعون به، وأساسا يعتمدون عليه فى الدخول إلى الملكوت.
? إن كان الله قد أعطاك مالا أو قدرات، فأنت وكيل عليها لتستخدمها فى مساعدة من حولك، فبأعمال الرحمة تستطيع الدخول إلى السماء. فانتهز كل فرصة لعمل الخير.
(5) حفظ التسليم الرسولى (ع20-22):
20يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ، 21الَّذِى، إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ، زَاغُوا مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ. 22النِّعْمَةُ مَعَكَ، آمِينَ.
ع20: الوديعة : التعاليم الشفاهية التى علَّمها بولس لتيموثاوس وتسمى التقليد الكنسى.
يختم الرسول رسالته إلى تلميذه، مطالبا إياه بحفظ الإيمان الحى الذى سُلِّم للقديسين والبعد عن المباحثات الغبية للمعلمين الكذبة، الذين استبدلوا الإيمان بالمعرفة فسقطوا فى العلم الكاذب.
ع21: إذ ادَّعى بعضهم – مثل الغنوسيين – حصولهم على المعرفة، تاهوا فى متاهات هذه المعرفة الشيطانية المُضِلَّة، وبينما هم يبحثون عن الخلاص من خلال المعرفة، فشلوا فشلا ذريعا وفقدوا عقيدة الإيمان السليم ومعرفة الله.
ع22: يختم الرسول رسالته بالبركة الرسولية وطلبه النعمة لتلميذه.
? تمسك بما تسمعه من تعاليم فى الكنيسة لتحياه، واهتم أن تعرف الله لتحبه، وابتعد عن مناقشات العلم التى لا توصلك إلى الله حتى لو كانت علوم روحية.