الجهاد الروحى ورفض التعاليم الكاذبة
(1) التحذير من تعاليم المعلمين الكذبة (ع 1-3): 1أَخِيرًا يَا إِخْوَتِى، افْرَحُوا فِى الرَّبِّ. كِتَابَةُ هَذِهِ الأُمُورِ إِلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَىَّ ثَقِيلَةً، وَأَمَّا لَكُمْ فَهِىَ مُؤَمِّنَةٌ. 2اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ، انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ، انْظُرُوا الْقَطْعَ. 3لأَنَّنَا نَحْنُ الْخِتَانَ، الَّذِينَ نَعْبُدُ اللهَ بِالرُّوحِ، وَنَفْتَخِرُ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى الْجَسَدِ،
ع1: أخيرا : فى الأصل اليونانى “أما بانسبة لما بقى من كلام”.
مؤمنة : تحميكم وتجعلكم فى أمان.
يدعوهم الرسول إلى الفرح الروحى لأن طابع الحياة المسيحية هو الفرح لنعم الله الكثيرة التى أفاضها علينا، فضلا عن أن الفرح يهبنا القوة فى جهادنا الروحى. هذان الأمران أى الدعوة للفرح والأمر الذى يلى وهو التحذير من المعلمين الكذبة لا يتعب بولس الرسول من الإعادة والتكرار فيهما، لأنها تؤمنهم من الإنزلاق إلى تصديق هذه التعاليم.
ع2: أنظروا : الكلمة اليونانية هنا معناها الأصلى “لاحظوا دائما وتجنبوا”.
القطع : يقصد المعلمين الكذبة، وهم المتنصرين من أصل يهودى وينادون بضرورة الختان لنوال الخلاص. ويسمى الختان “القطع” أى قطع جزء من الجسد كعمل ظاهرى بدون معناه الروحى.
نعت بولس الرسول المعلمين الكذبة بالكلاب لأنهم ينهشون فى جسم الكنيسة فيسببون الإنقسام ويعملون ضد الإنجيل، وينادون بالختان، الذى هو قطع فى الجسد فقط دون معناه الروحى وهو الابتعاد عن الخطية والذى كان رمزا للمعمودية.
ع3: لا نتكل على الجسد : لا نتكل على أعمال الجسد أى أعمال الناموس بل نعيش معناه الروحى فى إيماننا بالمسيح الذى نفتخر بخلاصه.
لأننا نحن المسيحيين نعيش الختان الحقيقى أى ختان القلب بالروح وهو الابتعاد عن الشر، ونطيع الرب فى الكنيسة ولا نتكل على الختان الجسدى وسائر الفرائض الناموسية كوسائل للتبرير.
? إثبت فى الكنيسة وممارساتها الروحية وتعاليمها، وحينئذ لا تتعرض للإنزلاق فى التعاليم الغريبة التى ينادى بها الخارجون عن الكنيسة، لأن تعودك الحياة الروحية مع المسيح يفرح قلبك بها وسيجعلك تكتشف وترفض أى شئ غريب عنها حتى لا يفصلك عن تمتعك بهذا الفرح.
(2) الإفتخار بالمسيح وليس بالناموس (ع 4-9):
4مَعَ أَنَّ لِى أَنْ أَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ أَيْضًا. إِنْ ظَنَّ وَاحِدٌ آخَرُ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ، فَأَنَا بِالأَوْلَى. 5مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِى الْيَوْمِ الثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِىٌّ مِنَ الْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِىٌّ. 6مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِى فِى النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ. 7لَكِنْ، مَا كَانَ لِى رِبْحًا، فَهَذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. 8بَلْ إِنِّى أَحْسِبُ كُلَّ شَىْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً، مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّى، الَّذِى مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً، لِكَىْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، 9وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِى بِرِّى الَّذِى مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِى بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِى مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ.
ع4: يذكر الرسول بولس فيما يلى من أعداد سبعة امتيازات له فى اليهودية تجعله يفوق مكانة الآخرين الذين يفتخرون بالفرائض الناموسية. فإن ظن هؤلاء اليهود أنهم شئ لممارستهم تلك الفرائض، فإن له من الميزات ما يفوقهم جميعا.
ع5: مختون فى اليوم الثامن : كون بولس الرسول مختون فى اليوم الثامن هو إثبات أنه ولد فى الديانة اليهودية وليس دخيلا عليها، لأن الدخلاء يختتنون يوم دخولهم الإيمان اليهودى
من جنس إسرائيل : هذا يؤكد نقاوة سلالته.
من سبط بنيامين : الذى كانت له مكانة خاصة فى إسرائيل، فبنيامين هو الابن الوحيد ليعقوب الذى ولد فى أرض الموعد، كما ظل سبطه ملازما لسبط يهوذا بعد الإنقسام أى متمسكا بالعبادة فى هيكل أورشليم.
عبرانى : ولد من أبوين عبرانيين واحتفظ باللسان العبرى بالرغم من أنه ولد فى بلد أممى.
عبرانيين : أى نسل إبراهيم لأن عابر هو أحد جدود إبراهيم (تك 11: 16)، ويسمى إبراهيم العبرانى لأنه عبر النهر وترك أهله وعشيرته كما قال له الله ليعيش فى أرض كنعان ويعبده هناك (أع 7: 2).
فريسى : تعلم وتدرب على المذهب الفريسى الأضيق فكان واجبه هو حفظ تفاصيل الناموس.
يعلن بولس أنه يهودى بالحقيقة مثل سائر اليهود، فيؤكد ختانه ويوضح نسبه بل أفضليته إذ كان من المدققين فى التمسك بالناموس أى فريسى.
ع6: قبل إيمان بولس بالمسيح كان شغله الشاغل هو هدم الكنيسة واضطهاد المسيحيين، وكان مدققا جدا فى تنفيذ وصايا الناموس حتى أنه لم يخالف تعاليمه فى شئ طيلة حياته السابقة، فلا يستطيع أحد أن يلومه على أى تقصير منه.
ع7: كل الإمتيازات السابقة والتى يعتبرها الكثيرون من اليهود مكاسب كثيرة، اعتبرها بولس أنها بلا نفع وكلا شئ إذا عاقته عن معرفة المسيح.
ع8: ما خسره بولس الرسول بتركه للديانة اليهودية عندما آمن بالمسيح، إعتبره لا شئ أمام ما ربحه وهو حياته الجديدة فى الإيمان المسيحى.
ع9: إتحادى بالمسيح فى الكنيسة يعطينى الأمان وأنال الخلاص ببنوتى لها، أما خارج الكنيسة فهو الضياع والهلاك الأبدى، لأن الناموس عجز عن منح الإنسان البر فالإنسان لا يمكنه أن يتبرر بذاته ولكن بالإيمان بالمسيح يصل إلى حالة البر والقداسة.
? كل ما قد يعطيه لنا العالم لا يشبع نفوسنا، أما معرفة المسيح فتريح قلوبنا وتهبنا سلاما يفوق كل عقل. لذلك ليتنا نعطى الأولوية فى وقتنا لله قبل انشغالات العالم وراحته ولذاته فهى كلها فانية ولا تشبع نفوسنا.
(3) السعى الدائم من أجل الملكوت (ع 10-16):
10لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، 11لَعَلِّى أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ. 12لَيْسَ أَنِّى قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلَكِنِّى أَسْعَى لَعَلِّى أُدْرِكُ الَّذِى لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِى أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ. 13أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِى أَنِّى قَدْ أَدْرَكْتُ، وَلَكِنِّى أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ، أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ، وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، 14أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ، لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 15فَلْيَفْتَكِرْ هَذَا جَمِيعُ الْكَامِلِينَ مِنَّا، وَإِنِ افْتَكَرْتُمْ شَيْئًا بِخِلاَفِهِ، فَاللهُ سَيُعْلِنُ لَكُمْ هَذَا أَيْضًا. 16وَأَمَّا مَا قَدْ أَدْرَكْنَاهُ، فَلْنَسْلُكْ بِحَسَبِ ذَلِكَ الْقَانُونِ عَيْنِهِ، وَنَفْتَكِرْ ذَلِكَ عَيْنَهُ.
ع10: رفض ق. بولس لكل الميزات السابقة كان من أجل معرفة المسيح معرفة حقيقية، وإدراك ما حققه من نصرة على قوى الشر جميعها حين أقام نفسه بقدرته الإلهية بعد موت الصليب، فانتشله من موت الخطية إلى حياة الشركة معه، متقبلا كل ألم يفرضه عليه العالم، ليشارك الرب يسوع آلامه لأجل البر، ويشتهى الاستشهاد متشبها بموته.
ع11: يتمنى الرسول أن يقوم فى يوم الدينونة العظيم قيامة الأبرار إلى الحياة الأبدية. ويبرز هنا صعوبة الوصول إلى هذا الأمر وأنه يحتاج إلى جهاد وحذر.
ع12: أراد الرسول أن يعلمنا أنه طالما نحن فى الجسد فلابد أن نجاهد نحو الكمال حتى النفس الأخير، فهو يعبر هنا تعبيرا واضحا عن حياة السعى والجهاد حتى نصل إلى الخلاص والحياة الأبدية، تلك النهاية السعيدة التى من أجلها بحث عنه السيد المسيح وحوله من مضطهد للكنيسة إلى رسول عظيم يدافع عن الإيمان المسيحى.
ع13: بعد تفكير ق. بولس فيما قام به خلال حياته، يرى أنه لم يصل بعد للمستوى المطلوب. فمازال يلزمه الكثير من النمو، لذلك فالشئ الوحيد الذى يضعه أساسا لجهاده الحالى هو رفض النظر إلى ماضى حياته بما فيه من أخطاء، وتركيز أفكاره وجهده فى مسئوليته تجاه ربه وكنيسته.
ع14: جعالة : مكافأة.
الغرض الذى يسعى من أجله هو دعوة الله المقدسة لخلاص الجميع وتكليله بإكليل المجد الذى يهبه له فى ذلك اليوم الديان العادل.
? على قدر ما تشعر بعظمة الوجود مع الله ومجد الملكوت، تتمسك بالجهاد فى الحياة الروحية وترفض كل خطية بالتوبة، بل تقطع كل مصادر الشر وتثابر فى جهادك بمعونة الله الذى يسندك ويشجعك حتى تصل إلى هدفك.
ع15: هذا : أى السعى الدائم فى الجهاد الروحى.
الكاملين : الساعين نحو الكمال.
فليكن لنا نحن الناضجون روحيا هذا الفكر الذى هو فكر المسيح، أما لو انشغل بعضكم بفكر آخر خلاف هذا وتعرض لانحرافات فى الطريق، فإن الله سيعلن لكم الحق بروحه الساكن فيكم.
ع16: ما أدركناه : ممارستنا الروحية السابقة من صلوات وأصوام وعبادات مختلفة.
القانون : النظام الروحى الذى نعبد به الله ونخدمه.
نفتكر ذلك عينه : أهمية الاستمرار فى الجهاد الروحى.
ما مارسناه من جهاد روحى فى حياتنا الروحية الماضية فلنواظب عليه متأكدين من أهمية السعى الدائم نحو الملكوت.
(4) نهاية الأشرار والأبرار (ع 17-21):
17كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِى مَعًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَلاَحِظُوا الَّذِينَ يَسِيرُونَ هَكَذَا كَمَا نَحْنُ عِنْدَكُمْ قُدْوَةٌ. 18لأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَارًا، وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ، 19الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلَهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِى خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِى الأَرْضِيَّاتِ. 20فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِىَ فِى السَّمَاوَاتِ، الَّتِى مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، 21الَّذِى سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا، لِيكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ، أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَىْءٍ.
ع17: لأن الرسول يتمثل فى حياته بالمسيح، فهو يطلب من الفيلبيين أن يتمثلوا به فى حياته وسلوكه أيضا، ويتمثلوا أيضا بمرشديهم الروحيين الذين هم قدوة لهم.
ع18: يسيرون : يسلكون فى الشر والبدع الغريبة.
أعداء صليب المسيح بأفكارهم المنحرفة يضلون الناس عن المسيح المخلص المصلوب لفدائنا.
هؤلاء الذين اتبعوا التعاليم الغريبة وحذرهم الرسول من أن يتأثروا بآرائهم، يكرر هنا التحذير منهم برغم حبه لهم وبكائه عليهم. فالرسول يبغض شرورهم وخطيتهم وليس أشخاصهم، فهو يعتبرهم أبناء ضالين.
ع19: هؤلاء المعلمين الكذبة مصيرهم الهلاك الأبدى، فهم دائما مسرعون لإرضاء نزواتهم ورغباتهم الدنيوية ويفعلون الشر ويتباهون بفعله.
ع20: أما نحن فلأن وطننا الأصلى هو السماء، نسلك روحيا مثل السمائيين، متوقعين بشوق شديد قدوم المسيح فى مجيئه الثانى، ومنتظرين وعده ليخلصنا من شقاء العالم الحاضر وتمتعنا بمجده الأبدى.
ع21: لأنه هو الذى سيحول جسدنا الضعيف هذا والمعرض للمرض والألم والتشويه والقابل للخطية والسقوط، إلى جسد ممجد بلا خطية على غرار جسده الذى قام به من الأموات، فالذى استطاع أن يقهر الموت بذاته له القدرة على إحياء أجسادنا المائتة.
? ليتنا ننظر كل يوم إلى هدفنا وهو السماء حتى نسلك بما يليق بالحياة فيها بطهارة وحب لكل أحد ونتأمل دائما حياة الملائكة والقديسين فى السماء ونتشفع بهم ونقتدى بسلوكهم، فنتذوق عربون الملكوت ونحن على الأرض وتزداد أشواقنا إليه.