أكل ما ذبح للأوثان
(1) أفضلية المحبة على العلم (ع 1 – 3):
1وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، فَنَعْلَمُ أَنَّ لِجَمِيعِنَا عِلْمًا. الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلَكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِى. 2فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْرِفُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا بَعْدُ كَمَا يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ! 3وَلَكِنْ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُحِبُّ اللهَ، فَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ.
ع1: يتحدث هنا معلمنا بولس الرسول عن مشكلة تعرض المسيحيين للأكل من لحوم الذبائح التى كانت تقدم للأوثان ثم تباع فى الأسواق وتؤكل سواء فى البيوت أو الهياكل. فهو يقول للكورنثيين، أننا نعلم جميعًا كمؤمنين أنه لا يوجد فى حقيقة الأمر وثن، وبالتالى فالأكل مما يذبح لها ويباع فى الأسواق لا يؤثر علينا فى شئ. ولكن يوجد بيننا إخوة بسطاء ليس لهم هذه المعرفة وقد يعثرهم هذا التصرف من قبلكم. فإحساسنا بأننا نعلم وآخرون لا يعلمون قد يقودنا إلى الكبرياء والتعالى على الآخرين، والعلم وحده قد يضر، أما إن ارتبط بالمحبة يصير نافعًا.
ع2: هنا يحملنا بولس الرسول إلى فكر الإتضاع ويقرر حقيقة يجب أن تكون واضحة للجميع، أن علمنا مهما زاد وكبر فهو ليس سوى قطرة فى بحر، كما يقول العلماء أنفسهم، بل هو علم ناقص. والمنتفخ بعلمه يظهر أنه ناقص العلم إذ يتكبر رغم أن معرفته ليست كاملة.
ع3: المحبة ضرورية لمعرفة الله والعقل وحده لا يعطينا المعرفة الحقة عن الله الذى يعرف ويسر بمن يحبه ويعلمه بروحه القدوس.
- ليتنا لا نعتد بمعرفتنا قدر ما نعتمد على صلاتنا إلى الله لينير طريقنا لئلا ننتفخ.
(2) لا يوجد سوى إله واحد (ع 4-6):
4فَمِنْ جِهَةِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِى الْعَالَمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحـِدًا. 5لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً، سِوَاءٌ كَانَ فِى السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الأَرْضِ، كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ. 6لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِى مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِى بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ.
ع4: من جهة تحليل أو تحريم ما ذبح للأوثان فهذا يتوقف على سؤال: “ما هو الوثن”؟ والجواب أنه لا شئ. فالتماثيل الخشبية أو الحجرية أو النحاسية لا حياة فيها ولا سلطان لها على أمور الناس، ولا إله حى حقيقى سوى الله.
ع5: ما يسميه الوثنيون آلهة، وهى عندهم بالآلاف فى السماء كالشمس وغيرها من الأجرام السماوية أو على الأرض كالأشجار والحيوانات، لا يؤثر على إيمان المسيحيين، وإن وجدت كائنات أسمى من الإنسان قوة وحكمة كالملائكة والشياطين التى سميت فى العهد القديم آلهة “إن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب” (تث10: 17)، فهى أيضًا مخلوقات خلقها الله.
ع6: لكن لنا نحن المسيحيين – خلاف ما للوثنيين من الآلهة والأرباب الكثيرة – إله واحد قادر على كل شئ، هو الآب أصل ومصدر كل الخليقة ونحن نحبه ونحيا له، ولنا رب واحد هو يسوع المسيح خالق كل الأشياء.
- إن كان إلهنا هو خالق وضابط كل شئ فى العالم، فلتطمئن قلوبنا ولا تنزعج من تقلبات الحياة وإساءات الآخرين أو تهديداتهم، فإلهنا قادر أن يحارب عنا. فلنفرح بعشرته كل يوم.
(3) أكل ما ذبح للأوثان (ع 7-13):
7وَلَكِنْ لَيْسَ الْعِلْمُ فِى الْجَمِيعِ. بَلْ أُنَاسٌ بِالضَّمِيرِ نَحْوَ الْوَثَنِ إِلَى الآنَ، يَأْكُلُونَ كَأَنَّهُ مِمَّا ذُبِحَ لِوَثَنٍ. فَضَمِيرُهُمْ إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ يَتَنَجَّسُ. 8وَلَكِنَّ الطَّعَامَ لاَ يُقَدِّمُنَا إِلَى اللهِ، لأَنَّنَا إِنْ أَكَلْنَا لاَ نَزِيدُ، وَإِنْ لَمْ نَأْكُلْ لاَ نَنْقُصُ. 9وَلَكِنِ انْظُرُوا لِئَلاَّ يَصِيرَ سُلْطَانُكُمْ هَذَا مَعْثَرَةً لِلضُّعَفَاءِ. 10لأَنَّهُ، إِنْ رَآكَ أَحَدٌ يَا مَنْ لَهُ عِلْمٌ، مُتَّكِئًا فِى هَيْكَلِ وَثَنٍ، أَفَلاَ يَتَقَوَّى ضَمِيرُهُ إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ، حَتَّى يَأْكُلَ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ؟ 11فَيَهْلِكَ بِسَبَبِ عِلْمِكَ الأَخُ الضَّعِيفُ الَّذِى مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ. 12وَهَكَذَا، إِذْ تُخْطِئُونَ إِلَى الإِخْوَةِ وَتَجْرَحُونَ ضَمِيرَهُمُ الضَّعِيفَ، تُخْطِئُونَ إِلَى الْمَسِيحِ. 13لِذَلِكَ، إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِى، فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِى.
ع7: يوجد بعض المسيحيين من أصل يهودى يعلمون أن الوثن نجس ومع هذا يأكلون مما ذبح له فيتنجسون، أو مسيحيون من أصل أممى ما زالوا يظنون أن للوثن قوة بجوار المسيح إلههم، فعندما يأكلون مما ذبح له فإنهم يتنجسون أيضًا. هؤلاء يسميهم الرسول ضعفاء فى معرفتهم الروحية، أى لا يعلمون أن الوثن بلا قيمة، فأكلهم ما ذبح له يعتبر نجاسة. أما الكاملين فى المعرفة الذين يعرفون أنه لا قيمة للوثن، فأكلهم ما ذبح للأوثان يعتبر أكل للحم عادى خلقه الله، فهو طعام طاهر لهم.
ع8: لكن الطعام لا يقدمنا إلى الله كما يعتقد الوثنيون فى الأكل مما ذبح لأوثانهم بأنه يقدمهم لآلهتهم. إننا لا نزيد فى علاقتنا مع الله إذا أكلنا مما ذبح للأوثان، ولا ننقص إن لم نأكل منه، لأنه مجرد لحم عادى وليس له علاقة بعبادتنا الروحية.
ليس هذا الكلام ضد الصوم. فالصوم تدريب للإدارة وليس إمتناعًا عن أطعمة لنجاستها، إذ أننا نؤمن أن كل الأطعمة مباركة من الله ولكن نترك اللحم تجردًا من شهواتنا المادية لننشغل بعبادة الله.
ع9: لكم حقًا، أيها الأقوياء، أن تأكلوا من تلك الذبائح ولكن احترسوا من أن يكون أكلكم هذا عثرة لإخوانكم الضعفاء الذين تحرم ضمائرهم الأكل من هذه الذبائح.
ع10 ،11: أيها الأخ القوى المتيقن أن الوثن ليس شيئًا وأن أكل ما ذبح للأوثان مثل أكل أى لحم آخر، لكن إن رآك أخ ضعيف تأكل فى وليمة مقامة فى هيكل وثن (كعادة الناس وقتئذ الذين كانوا يتكئون على أسرة أمام المائدة)، ربما استنتج أنك تفعل هذا إكرامًا للوثن فيتجاسر ويأكل هو أيضًا مقتديًا بك، وفى ضميره يأكل إكرامًا للوثن، الأمر الذى يهلك نفسه وقد مات المسيح لأجله.
ع12: بهذا التصرف يا أقوياء، فإنكم تخطئون إلى الضعفاء لأنكم تدفعونهم إلى مخالفة ضمائرهم بأكل اللحم النجس فى نظرهم لأنه مذبوح للأوثان. وهكذا تخطئون فى حق المسيح بإعثاركم للضعفاء.
ع13: لذلك وإن كان الأكل مما يقدم لوثن ليس شرًا بالنسبة للمؤمن، الذى يدرك أنه لا يوجد وثن، إلا أنه يعتبر شرًا إذا كان ذلك سببًا فى عثرة الآخرين، لهذا إن كان أى طعام يوقع أخى فى الخطية، فسأمتنع عن الأكل منه لئلا أكون سببًا فى عثرته. لأنى كمسيحى لست مسئولاً عن نفسى فقط بل عن إخوتى أيضًا.
- يلزم أن تدفق فى تصرفاتك وأفعالك لكى لا تعثر من حولك، حتى وإن كنت لا تقصد شرًا. ولكن أشفق على من حولك كما يشفق عليك المسيح، ولا تظهر بمظاهر تعثر غيرك.