الحكمة الروحية
(1) الكرازة بحكمة الروح القدس (ع 1 – 8 ):
1وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَتَيْتُ، لَيْسَ بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ، مُنَادِيًا لَكُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ، 2لأَنِّى لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا. 3وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِى ضُعْفٍ وَخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ. 4وَكَلاَمِى وَكِرَازَتِى لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ، 5لِكَىْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ، بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ.
6لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ، وَلَكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. 7بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِى سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِى سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، 8الَّتِى لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا، لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ.
ع1-2:يذكرهم بولس الرسول، أنه عندما بشرهم بالإنجيل لم يعتمد على البلاغة والفلسفة، ولكن تركز حديثه فى قصة الخلاص الذى تم بيسوع المسيح على الصليب، فتأثيرها على كل من يسمعها يفوق فى قوته أية بلاغة فى التعبير.
- لا تعتمد فى إقناعك للآخرين على فلسفتك وقدراتك الخاصة، بل بالصلاة تنال نعمة فى عرض كلامك بطريقة بسيطة ومقنعة. وإن أراد الله سيرشدك باستخدام طرق الإقناع المختلفة، فيكون اعتمادك على الله فى كل شئ.
ع3: يقصد بولس الرسول أنه لم يبشر بالمسيح معتمدًا على أية قدرة أو قوة بشرية، بل على العكس كان إحساسه بحجم المسئولية يجعله فى حالة خوف شديد.
ع4: كذلك لم يبشرهم معتمدًا على الحكمة الإنسانية والإقناع العقلى البلاغى، بل اعتمد على إرشاد الروح القدس القوى.
ع5: هذا لكى يعلموا جميعا، أن الفضل فى إيمانهم لا يرجع إلى إثباتات عقلية، بل إلى القوة الإلهية القادرة على تثبيتهم فى الإيمان.
? جيد أن تقدر حجم المسئولية التى عليك، وتصلى طالبًا معونة الله وتتمم العمل بتدقيق لأنك معرض للخطأ، وتقبَّل إرشاد الآخرين وإستكمالهم لما تعمل.
ع6: يستطرد بولس الرسول قائلاً، أنه يتكلم بين أناس ناضجين روحيًا بحكمة ليست من هذا العالم، أى ليست من ابتكار البشر أو عظماء الدنيا الذين سينتهى بهم المصير إلى الزوال.
ع7: يتكلم بولس بحكمة الله التى أعلنها فى الإنجيل، والتى هى بمثابة سر لغير المؤمنين. والسر هنا هو كل ما أعلن فى الإنجيل من أمور الفداء بيسوع المسيح، لأنهم لا يستطيعون إدراكها لأنها الحكمة المخفاة عن العقل البشرى، بالرغم من أن الله أعدها منذ الأزل لكنه ولم يعلنها إلا فى هذا العصر ليكون لنا نصيب فى المجد الأبدى.
ع8: هذه الحكمة لا يمكن لعظماء الدنيا أن يتوصلوا إليها، لأنهم لو عرفوا أن المسيح هو ابن الله لما تجاسروا وصلبوه.
فعلينا، نحن المسيحيين، ألا نتباهى بحكمتنا الأرضية، بل بالأولى نسعى للإمتلاء بالحكمة الإلهية التى يهبها لنا الروح القدس، كما قال يعقوب الرسول إن كان لنا غيره مرة وتحزب فى قلوبنا فلنعلم أن هذه الحكمة ليست نازلة من فوق.
(2) عمل الروح القدس (ع 9-13 ):
9بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.» 10فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَىْءٍ، حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. 11لأَنْ، مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِى فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ، لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ. 12وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِى مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ، 13الَّتِى نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضًا، لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ.
ع9:يعبر الرسول هنا عن المجد الأبدى الذى أعده الله لنا، والذى يفوق كل ما يمكن أن تعيه حواسنا. فلا يمكن لأحد أن يتخيله، ولم يسبق لأحد من البشر رؤيته أو السمع عنه.
فعلينا، نحن أيضا، أن نختار بين الكمال الروحى الذى يقودنا إلى المجد الأبدى، أو العظمة الباطلة التى تسبب حسدًا وخصومات.
ع10: نستطيع بالروح أن نستشعر جلال هذا المجد من خلال ما يعلنه الله لنا بواسطة روحه القدوس الذى يعرف كل ما لله.
ع11: لإيضاح هذا المفهوم، يضع الرسول أمامنا الإنسان كمثال. فكما أن روح الإنسان تعرف نواياه وأفكار قلبه، هكذا أيضا روح الله يعرف كل أمور الله ويعلنها لنا.
ع12: الأمور الروحية التى تعلن بالروح القدس نعرفها من الروح القدس الساكن فينا، الأمر الذى يستحيل على أهل العالم الذين لا يسكنهم روح الله. فنحن بالمعمودية والميرون قد حل فينا الروح القدس، وأصبحنا مؤهلين لنوال مواهب وثمار الروح القدس.
فلنحرص على ألا “نطفئ الروح” بل نمارس الوسائط الروحية لكى ما ننمو فى الروح.
ع13: يستطرد الرسول قائلاً: ونحن أيضًا حينما نتحدث عن هذه الأمور خلال تبشيرنا لا نستخدم الحكمة البشرية فى توصيل مفاهيمها للناس، وإنما نستمد الحكمة من الروح القدس الساكن فينا، فنستخدم التعبيرات الروحية لنقدم المفاهيم الروحية. فلا يصح أن يُحكم على الروحيات بمقاييس ومعايير أرضية زمنية.
? إن الروح القدس الساكن فيك يستطيع أن يفحص أعماق الله. فما أعظم هذه النعم، لأنك بها تستطيع أن تنمو فى صلواتك وتتمتع بعشرة الله، وأيضًا تفهم وتتلذذ بكلامه فى الكتاب المقدس، فالله يريد أن يدخلك فى أحضانه وتتحد به وتفرح بالوجود الدائم معه. فاطلب معونة الروح القدس فى كل ممارساتك الروحية فتمتلئ حيوية وإحساس بالله.
(3) فكر الإنسان الروحى (ع 14-16 ):
14وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِىَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ، لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ، لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا. 15وَأَمَّا الرُّوحِىُّ، فَيَحْكُمُ فِى كُلِّ شَىْءٍ، وَهُوَ لاَ يُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. 16لأَنَّهُ، مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؛ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ.
ع14:الإنسان الطبيعى، وهو الإنسان الذى يعيش فى الماديات ويحكم على الأمور بمقياس مادى، يستحيل عليه تقبل الأمور الروحية، بل أن تعاليم الروح القدس بالنسبة له تعتبر خاطئة وغير سليمة لأن هذه الأمور تحتاج معرفتها إلى المعرفة الروحية الأعلى تمامًا عن حدود معرفته البشرية.
ع15: الإنسان الروحى له فوق قدراته المادية قدرات روحية، يأخذها من الروح القدس الساكن فيه، فيستطيع أن يميز ليس فقط الأمور الجسدية بل الروحية أيضا. لذا فإنه ليس من حق الإنسان الذى له القدرات البشرية فقط أن يحكم على الإنسان الروحى، فكيف يحكم على أمور روحية لا تدخل إطلاقا فى نطاق معرفته الجسدية؟ وعلى العكس فالإنسان الروحى يميز ويحكم بسهولة على كل من حوله.
ع16: الذى يعرف فكر الرب، يستطيع أن يعلمه للآخرين ويحكم فيهم على أساس هذا الفكر. إذًا فالإنسان الطبيعى، الذى لا يعرف فكر المسيح، ليس من حقه أن يعلمنا ويحكم فينا نحن الذين لدينا فعلاً فكر المسيح.
ومعنى أن يكون لدينا فكر المسيح، هو أن نرى الأشياء كما يراها المسيح، ونقيسها بالمقياس الذى يقيس المسيح به. فالرسول يريد أن يقول أن حكم الفلاسفة على تعليمى بالجهل حكم باطل لا يعتد به.
? لا تنزعج من اعتراضات البعيدين عن الكنيسة على تصرفاتك الروحية، واثبت فى حياتك مع الله خاضعًا لإرشادات أب اعترافك ومرشديك الروحيين، واطلب إرشاد الروح القدس لتفهم السلوك السليم مع كل من حولك.